يوسف الساكت - لذة القهر

باحثون وسوسيولوجيون ضاعوا في متاهة علاقة معقدة تضرب جذورها في التاريخ الإنساني
يستدل عدد من الباحثين ببعض النصوص التراثية التي تنم عن الجنس بذكوريته الشبقية، مثل مقولات الجاحظ حول النساء ضمن رسائله التي لم تنفصل عن محور اللذة غاية الذكورة في رسالته الثالثة عشرة "مفاخرة الجواري والغلمان"، ثم كتاب "الأغاني" للأصفهاني الذي نظر إلى المرأة كجسد معرف شهويا ، وكتاب "تفسير الأحلام" لابن سيرين، و"ذم الهوى" لابن الجوزي، و"أخبار النساء" لابن قيم الجوزية، و"نزهة الألباب فيما لا يوجد في الكتاب" للتيفاشي. و"تحفة العروس ومتعة النفوس" للتجاني، وهي كلها كتب تقدم خلاصة واحدة هي أن "الجسد الأنثوي يجري ضبطه بوسائل مختلفة من أجل نمذجته".
وأرقت علاقة الجنس والسلطة عددا من الباحثين المغاربة، في طليعتهم عبد الصمد الديالمي في مشروع السوسيولوجي الضخم حول الجنس والسلوك الجنسي بالمغرب، والباحثة فاطمة المرنيسي التي تطرقت إلى العلاقة بين الجنس والسلطة، بمفاهيم الجسد والقهر والتحكم والجزر، من خلال كتابها المرجع "الجنس كهندسة اجتماعية".
الكاتبة المصرية مثيرة للجدل، نوال السعداوي، غاصت في هذا الموضوع منذ 1999، حين أصدرت كتابها "توأم السلطة والجنس" تناولت فيه العلاقة القديمة بين السلطة والجنس "التي نشأت منذ انقسام البشر إلى حكام ومحكومين والى النساء والرجال، منذ ما سمي في التاريخ بالنظام العبودي، أو الطبقي الأبوي، إذ كان الأب هو صاحب السلطة والنسب والأملاك التي تشمل النساء والأطفال والماشية والأرض".
وفي رأيها "أن تأثيم المعرفة كان إحدى وسائل السلطة للسيطرة على الأجساد والعقول والأرواح أما أخطر السلطات فهي السلطة داخل الأسرة، حين يصبح من حق الرجل أن يمنع المرأة من الخروج أو العمل ويفرض عليها الحجاب.
ويعد كتاب «الجنس والسلطة في ألف ليلة وليلة" للدكتور محمد عبد الرحمن يونس، من أجرأ الكتب العربية التي حللت حكايات ألف ليلة و ليلة، وبينت علاقات الارتباط العميقة بين الجنس والسلطة في حكايات الليالي، ودور المرأة في هذه الحكايات، من خلال نمو السرد وتشعبه، وانتقاله من فضاء إلى فضاء، ودورها أيضا في تشكيل الفضاء في مدن الليالي، إضفاء مكونات السحر والتخيل والأسطورة على جماليات جسدها الذي يبدو هو الآخر أكثر سحرا وأكثر جاذبية، وأكثر حضورا في بنية الحكاية سردا ووصفا وحوارا.
للجنس والسلطة وجه آخر قد نختزله بعلاقة الحاكم أو السلطان بالمرأة المتمردة والشرسة التي لا يسهل ترويضها، فتمر العلاقة، حينئذ، بشلال من المشاعر المختلفة والمتناقضة، أحيانا، بين الإعجاب والحب والتعلق، ثم الرغبة في الانتقام، كأقصى درجات الحب ربما.
وهنا يمكن استحضار العلاقة الغامضة التي ربطت الشيخة «خربوشة"، أو حويدة، والقائد عيسى بن عمر العبدي، الذي يعتبر، حسب المؤرخين، واحدا من كبار القياد وسلاطين الجهات في عهد الحماية الفرنسية وقبله. وعرف بن عمر، الذي لم يستكمل تعليمه، بدهائه وبطشه وحنكته السياسية في إدارة عدد من الأزمات والمعارك وفرض هيبة المخزن في منطقته التي كانت تمتد لمئات الكيلومترات، كما كان رجل «نشاط وزهو"، محبا لسهرات الفن الشعبي التي تنشطها الشيخات و"العيوط".
وتحول هذا العشق إلى قصة مطاردة لإحدى نجمات هذا الفن، الشيخة خربوشة، التي جعلت من كلماتها وأغانيها و"عيوطها" بنادق موجهة إلى صدر القايد عيسى بن عمر، كما تحولت إلى ناطقة باسم قبيلتها المتمردة على السياسات الضريبية التي فرضها القائد، وتخرج معها في معاركها ضد الحاكم، وتنثر حول أفرادها تباشير الثورة القادمة
واختلف المؤرخون في المشاعر الحقيقية التي كان القايد عيسى يكنها إلى الشاعرة المحاربة، وحين أمر باقتيادها إليه بعد اختطافها من عسكر السلطان، لم يصدق أحد هذه الرواية، فقالوا إن الرجل كان يريدها لنفسه، بعد أن اكتشف أن السلطان يطمع فيها.
سجن عيسى بن عمر عشيقته في أحد سجون داره المسماة الآن «دار سي عيسى"، ثم، بعد ذلك، تتعدد الروايات لتنتهي بقتلها، أو رميها في بئر ما زالت تسمى بئر حويدة، وبين دفنها حية وسط حائط.


يوسف الساكت


.
صورة مفقودة
 
أعلى