إلهام ونوس - عرض كتاب المدينة في ألف ليلة وليلة

عرض كتاب المدينة في ألف ليلة وليلة ملامحها الثقافية والاجتماعية والسياسية. للدكتور محمد عبد الرحمن يونس عرض ومراجعة : إيمان أحمد ونوس ما من عمل أدبي شعبي نال شهرة واسعة في آداب المجتمعات الإنسانية أكثر مما نالته ألف ليلة وليلة، وكم هي الأعمال والدراسات التي تناولت هذا العمل من جوانبه المتعددة، بوصفه نتاجاً معرفياً وحضارياً لكثير من الأمم والشعوب. ويُعتبر كتاب المدينة في ألف ليلة وليلة، ملامحها الثقافية والاجتماعية والسياسية، أحد الكتب العديدة التي كتبها للدكتور محمد عبد الرحمن يونس حول موضوعات ألف ليلة وليلة ، وهي : 1 ـ الجنس والسلطة في ألف ليلة وليلة ، وصدر عن مؤسسة الانتشار الأدبي ، بيروت/ لندن 1998م. 1 ـ تأثير ألف ليلة وليلة في المسرح العربي الحديث والمعاصر بالاشتراك مع الدكتور منذر رديف العاني ورجاء إبراهيم سليمان، وعبد الكريم شعبا ن. وصدر عن دار الكنوز الأدبية ، بيروت ، عام 1995م. 3 ـ الاستبداد السلطوي والفساد الجنسي في ألف ليلة وليلة ، وصدر عن الدار العربية للعلوم ـ ناشرون / بيروت، ومكتبة مدبولي ، القاهرة ، عام 2007م. وقد بذل المؤلف جهداً كبيرا وواضحا في تحليل الحكايات استغرق منه سنوات ثلاث من المواظبة والمثابرة معتمداً على عدة طبعات من كتاب ألف ليلة وليلة ، وهذا ليس بغريب على د. يونس الذي عُرف عنه شغفه بالليالي وتحليلها من عدة زوايا وجوانب متعددة ( اجتماعية، سياسية، اقتصادية، وثقافية) يتناول الدكتور محمد عبد الرحمن يونس في كتابه هذا وبشيء من التفصيل معظم ملامح المدينة العربية والإسلامية في حكايا ألف ليلة وليلة، منطلقاً من بنية نصوص الحكايات نفسها، و معتمداً في الوقت نفسه ، على الخلفيات المعرفية والثقافية والسياسية والتاريخية التي أرّخت لهذه المدن، وكذلك على الكلاسيكيات الأدبية التي ذكرت أخبار هذه المدن وخاصة في العهدين الأموي والعباسي. ويركّز وبشيء من التفصيل على مستويات الحياة في مدن ألف ليلة وليلة : اجتماعيا وطبقيا وسياسيا وثقافيا، وذلك من خلال دراسة ملامح المدن الذي اعتبرها مركزيّة في حكايات ألف ليلة وليلة وهي : ( دمشق، ، بغداد، البصرة، القاهرة، ، وخراسان)، ثم تأتي الإسكندرية وحلب بعد ذلك ، إضافة لغيرها من المدن الفرعية الأخرى أو الأقل مركزية، ويتناول وبشيء بالتفصيل والدراسة الأكاديمية التحليلية دور المرأة في حكايات ألف ليلة وليلة سواء أكانت ( حرّة أم جارية) وعلاقتها بالقصور والرجال في هذه القصور، ودورها الفاعل في تشكيل العلاقات السياسية والاجتماعية، ومن خلال هذا الدور يدرس طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبنيتها في المدن المذكورة. ويقول الدكتور يونس : " وإذا كانت حكايات ألف ليلة وليلة تنهل من كثير من الأبعاد الأسطورية والخرافية، والأحلام البشرية الجمعية الجامحة للطبقات الوسطى والفقيرة، فإن ذلك لا ينفي أن تكون هذه الحكايات قد نهلت من بنية الواقع بعلاقاته وعاداته ومكوناته الفكرية والرؤيوية، ولا ينفي أن تكون الحكايا رصداً أنثربولوجياً لحضارة الجماعات البشرية بأزمنتها وأمكنتها التي من المحتمل أن يكون بعضها متخيلاً بفعل الخبرات المعرفية للرواة الذين قرأوا كثيراً من معارف عصورهم والعصور التي سبقتهم أو حفظوها بعد أن سمعوها شفاهاً- وقد تكون حقيقية- بل هي أقرب إلى الحقيقة منها إلى التخيّل". ص 5 ـ 6. (1) خراسان: وقد ابتدأ المؤلف بدراسة ملامح خراسان ومدنها في الليالي، هذه البلاد التي هي جزء مهم جدا من بلاد فارس ، وهي متاخمة للبلدان العربية. وقد أعطى رواة الليالي لخراسان صفة بلاد فارس كلها. وذلك نظراً لأهميتها باعتبارها أولى حلقات السرد، وأول الفضاءات المكانية التي تتحرك فيها الشخوص، ونظراً لأهميتها العلمية والمعرفية في التاريخ، فقد رأى رواة ألف ليلة وليلة أن الملوك فيها كانوا عظماء وأقوياء بجيوشهم الجرّارة، فإن هذه العظمة لا تكتمل إلاّ بالعلاقة مع خراسان المركزية، فكان الانتماء إليها والزواج بإحدى نسائها- وبخاصة ابنة الملك- يعني زيادة في السطوة والمنفعة لأنها تشكل مركزاً استراتيجياً وحضارياً مرموقاً في أيديولوجيا الرواة الذين نقلوها معهم لأبعد من فضاءات المدن الأخرى فكانت حاضرة في كل مدينة تقريباً. ص 32 ـ 33. إن ما أعطى خراسان هذه الأهمية في نصوص الليالي كونها البلاد التي تشتمل على مدينة الملك شهريار والملكة شهرزاد، وكونها مركزاً تتغلغل فيها الوحدات السردية إلى أقصى أصقاع العالم ثم تعود إليه. ص 36. (2) بغداد: وتحت العنوان الموسوم ببغداد يقول المؤلف : " بغداد هي أم الدنيا وسيّدة البلاد" وكانت فيما مضى قصبة العباسيين الزاهرة وعاصمة العالم الإسلامي. بناها الخليفة أبو جعفر المنصور عام/145هـ- 763م/ ونزل إليها سنة/149هـ- 766م/ لتكون عاصمة للعباسيين ومركزاً حضارياً وسياسياً مهمّاً. وقد روعي في بنائها أن تصدّ المغيرين، لأن أهل الكوفة كانوا يفسدون جند المنصور وهذا ما كلف الخزينة أموالاً طائلة. وبقيت بغداد أهم وأشهر مدن الشرق ومركز حضارة عالمية حتى سقوطها عام/1258م/ على يد هولاكو المغولي. ص 37. اتسعت بغداد في عهد الخليفة هارون الرشيد وولده المأمون، وقد ظلت مركز العالم الإسلامي مدة خمسة قرون، وقد اتخذت عبر تاريخها عدة أسماء منها( دار السلام) وتُعتبر درّة مدن ألف ليلة وليلة، فهي أهم فضاء مكاني في هذه المدن إذ يوليها الرواة أهمية خاصة حيث تحتفي الحكايات بالخليفة الرشيد وزوجته زبيدة وولديه الأمين والمأمون وندمائه ومسامريه كأبي النوّاس والخليع الدمشقي. ومن أهم الحكايات التي كان مسرحها بغداد(حكاية الحمّال والبنات، علي بن بكارة وشمس النهار، وهارون الرشيد مع محمد بن علي الجوهري) ص 43. وعندما نقرأ بغداد في الليالي فإننا نقرؤها بملامحها وعلاقاتها وأخبارها نفسها وإن كانت الليالي قد أعطتها عظمة سحرية تخيلية فاقت حدّ الواقع، إلاّ أن لذلك ما يدل عليه في هذا الواقع. (3) القاهرة: أما القاهرة فقد " مثّلت عاصمة المدينة " في ليالي ألف ليلة وليلة إذ كانت مصر تجذب التجار لا ليثروا من التجارة فيها، ولكن ليروا مظاهر المدينة والخصب والثراء. ص 124. وإذا كانت بغداد في ألف ليلة وليلة قد نالت حظوة كبيرة عند الرواة باعتبارها مدينة مركزية للسياسة والسطوة والعلم والمعرفة والترف والرفاهية، فإن حظّ القاهرة بالرغم من حكاياتها الكثيرة أقل من حظّ بغداد، إذ يصورها الرواة على أنها مدينة" للاحتيال والشطارة والشعوذة والجهل " ويمكن القول أنها تحتل المرتبة الثالثة في مدن الليالي بعد بغداد والبصرة، لكنها وعلى الرغم من تلك الصفات، فإن عليها قسمات وملامح جمالية غير قليلة، فهي قريبة لقلب وعزيزة على النفس، وفضاء لمتعة العين والقلب، ومن ملامحها أنّ الحياة فيها طيبة، وأنها تجمع كل ما تطمح إليه ملذّات النفس البشرية، التقيّة والمارقة، وسكانها محلّ صدق. والقاهرة في بعض الحكايات مدينة تجارية مزدهرة، وتجّارها أثرياء مترفون حتى التخمة. كما يبدو أن مدينة القاهرة في تلك الليالي كانت أكثر المدن فضاءً للحريات والعلاقات الجنسية، لأن سلطاتها آنذاك لم تكن صارمة، وهنا تتشابه القاهرة مع بغداد في هذا الجانب. وأهم حكايات القاهرة( حكاية علاء الدين والي قوص مع أحد اللصوص، الملك الناصر ولولاة الثلاثة، الوزير نور الدين مع أخيه شمس الدين..) ص : (4) دمشق: لا تتفق معظم الدراسات التي أرّخت لدمشق على تاريخ محدد لبنائها، لكنها جميعاً تتفق على أنها من أقدم المدن التاريخية في العالم، وقد بُنيت قبل مولد السيد المسيح بثلاثة آلاف عام. ص 169. ولقد شهدت دمشق عبر تاريخها نشاطاً علمياً ومعرفياً كبيراً في مختلف المعارف والعلوم، وكانت عاصمة الخلافة الأموية ومركز إشعاع علمي ومعرفي للعالمين العربي والإسلامي. وهذه بعض الملامح التي تلتقي مع بعض ملامحها الحكائية في حكايات ألف ليلة وليلة، حيث ترتحل الوحدات السردية إلى دمشق في عدد من الحكايات التاريخية التي تدور أحداثها في دمشق في زمن مرجعي محدد بفترة الخلافة الأموية باعتبارها عاصمة لها. أما الحكايات التي تجري في دمشق أو يتوقف أبطالها فيها حكاية " الملك عمر لنعمان وولديه شركان وضوء المكان" وحكاية " عبد الملك بن مروان والقماقم السليمانية" وفيها يرتحل السرد من دمشق ليصبح فضاء المدن الأسطورية والتخيلية محوراً لهذا السرد. ص 186. إن هذه الصورة المشرقة لدمشق في الليالي لا تختلف عن صورتها التاريخية كما وردت في المصادر التي وصفت معالم هذه المدينة الجمالية. فلم تكن دمشق في الحكايات مركزاً تجارياً مزدهراً وحسب، بل كانت أيضاً مركزاً صناعياً عظيماً ، كما يلاحظ في ( حكاية ملك الصين). ص188. وفي صورة أخرى تبدو دمشق فضاءً للأمان إذ يتعاطف معها الراوي ضدّ بغداد التي تعمل سلطاتها على تهجير أبنائها المشكوك فيهم. ومن ملامحها أيضاً في الليالي أنها مدينة تحتفي بشرب الخمرة، وهي في هذا تشبه معظم مدن الليالي التي شهدت إباحية واحتفاءً بالولائم العامرة، وما كانت سلطات مدينة دمشق وغيرها من سلطات الليالي بقادرة على أن تمنع النساء من ممارسة العهر سراً أو جهاراً لأن هذه السلطات ذاتها كانت غارقة في اللهو والفساد. كما يشير المؤلف في : ص 198 ـ 199 لكن دمشق في الليالي أيضاً هي المدينة المعرفية التي تحتفي بالتاريخ والقصص والمأثورات الشعبية، إضافة إلى أن لها جاذبية خاصة بالنسبة لرجال العلم والمعرفة الذين كانوا يهاجرون إليها، وهنا يمكننا أن نقول أن دمشق سبقت بغداد كمركز للعلم والمعرفة. ص 206. إن كتاب المدينة في ألف ليلة وليلة كتاب أكاديمي قيّم بمرجعيته العلميّة والمعرفيّة المتنوعة والموثقة توثيقا منهجيا دقيقا ، وهو يعطينا فكرة وافرة ورائعة عن هذه المدن عامة، والتي احتفت بها نصوص ألف ليلة وليلة احتفاء كبيرا وواضحا، واحتفى بها الدكتور يونس احتفاء مهما يعادل أهميتها التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية.


ــــــــــــــــــــــــــــــ
د. محمد عبد الرحمن يونس، المدينة في ألف ليلة ولية ، ملامحها الثقافية والاجتماعية والسياسية ، وزارة الثقافة ـ الهيئة العامة للكتاب ـ دمشق، الطبعة الأولى عام 2008م. مراجعة وعرض : إيمان أحمد ونوس
المصدر: موقع ملتقى أدباء ومشاهير العرب


.
صورة مفقودة
 
أعلى