غالب حسن الشابندر - مراحل عشق الجسد

ذاتٌ وموضوع، عُقدةٌ يشتكيها جَسدٌ يقترب من جسد، بين الجسدين هوةُ اسرارٍ تعاندُ البوح، مكتومةٌ في شرايين لذة ٍ ترفض الاستعارة، تتمرد على الكناية، تتحايل على المجاز... تعترضُ أناملَ الرغبة الفائرة أنْ تكون بديلا...
لذةٌ تُرهقُ رَجفاتُها الاسرارَ، تقتَحِمُ حريقَها المشتعلَ بهمسها، لتزدادَ اشتعالا، تريد حرق المسافاتِ بين ذات وموضوع...
ولتكنِ الذاتُ مبتدا، وليكنِ الموضوعُ خبراً، فذاك يزيدُ اللَّذة شبقَ الاقتحام المجنون...ولتكنِ الذاتُ مِصداقاً، وليكنِ الموضوعُ مفهوما، عند ذاك يكون حريقٌ وأيُّ حريقْ...
مسافة بين جسدٍ وجسد، والهوَّة تقاوم عِناد اللَّذة أن تكونَ هي الذات والموضوع، أن تكون هي المبتدا والخبر، أن تكون هي المصداق والمفهوم...
اللذةُ تتناسلُ دوائرَ من لهيبٍ لا يُطاق، تصرخ في فضاء الكون كله، تهز أوتار الوجود كله، تستنجد بآهات عشتار أن يعود إلى الارض مجددا... تتزاحم... تتلاحم... تتطاحن... تتشاعل... وتنزُّ صرخةٌ آخرى تستغيث ربَّ الشهوات أن يعيرها المزيد والمزيد والمزيد... فهل من مزيدٍ يا لذَّةً تحرقُ سهلا؟
المسافة تقاوم... عصية... لا تريد أن تُكشَف أسرارُها... تعشقُ الهَتكَ... أن تُهتكَ أسرارُها... فالنهدُ مزكومٌ بانفاسه، يتحرَّق في داخله، يأبى أن يكون معلوما، لتزدادَ الهُوَّة بين الذات والموضوع، فيطفحُ العشقُ الأبديُّ بزيته المقدس...
مرحلة ما قبل الآتية...
تشرَّبيني وارتوي من مائك المخزون على شفتّي، ولا ترتاعي من دفقِ لذّةٍ بعرف الدين حرام، يطهرُها ربُنا اللذيذُ بجنون الحب، أما عرفتي أنَّ اللذةَ سرُّ الوجود؟
رَعْشتي لا تكتميها... تتنمَّلُ على سفح زندك المصقول لذَّةً هائجةً، لذَّةً مصروعةً بآهاتها، فنشربُ سويةً عذيبَ الطلا، في ضوءِ سكارةٍ متوترةِ الأوصال، تحرقُ سوادَ الليل البهيمْ، ليكتبَ التاريخُ صراحة الجسد المقموع....
اقتربتْ الهوَّة...
تكتسحُ جبروتَ ارسطو طاليس... تزحزحُ بهدوءٍ مشبوبٍ بالوجد أصنام سيبويه... تخاتلُ مخاوف التاريخ... تسوِّي بين تخوم الجغرافية كلِّها... تمازجُ بين ماءٍ فُراتْ وآخر أُجاجْ... تطفو رغوةٌ ساخنةٌ بالأنات، صادرةٌ من رحيق اللهيب الذي يزداد اشتعالا...
فاشتعالا...
واشتعالا...
اقتربتْ الهوَّة...
وماذا بعد؟
نهدٌ من أقصى الجسد جاءَ يسعى،عاري الشهوة، تهرقُ سعيَرها عن بعدٍ بين أصابعي، تتوهّجُ ظلماتُ الخوف فرحاً بنارالجسد، تعلن بدء الحرية الحمراء... فما زال شبحُ السوط اللاهوتي يتدلَّى من سماءٍ زائفةٍ... سماءْ تشهد أنها ليست سماء...
حُلْمةٌ صُنَوْبَريةٌ تُقَطِّرُ شهوة َ ملحِ البحرْ، تُقطِّرُها على سفح نهدها، يهتاجُ الكونُ مرتعشا، يسكرُ بخمرة العرشِ قبل أن يتفجَّر كونا، تتجمَّعُ في راحتيَّ منتشيةً بوعد الانتظار...
ويغفو الجسدانْ... فما زالت الهوَّة صُلْبة... جافيةٌ... لا تعرف معنىً للحب...
كلُّ ذرَّةٍ من أجسادها يهدي الإله سرّا... ذاهلا... كيف سَأفْرِقُ بين ذرّة ولصيقتها، بقُبلَةٍ مُشقَّقَةِ الشَّفاه، مشبوبةٍ بعسيلِ شهقتها، يعتصرُ لذّتَهُ بعنفِ الجسد كلِّه... تتفجَّرُ لذَّةٌ وأشهى، مثلاً أعلى، لكل جديد ياتي، وكل قديم مضى، يصارعُ الزمنَ المعكوسَ، ليشربَ من حميم الطِلا...
مرحلةٌ على المشارف...
لمستُ شضيَّة الوِترْ الايمن لهفةً... فاستجاب الوِترُ الآخرُ مزهوا برعشةٍ مجنونةْ، فَصلِّى الشِفعُ وِصالاً على وقع نشيدِ لاهوتِ الحب... طفحَ الجسدُ يلتهم َرشفاتَ الجسد...
فاشتعلنا نارا...
والتصقنا بعد أن تاهَ الطريقْ...
والتصقنا بعد أن غابَ الطريقْ...
والتصقنا بعد أن كان اللهيبُ هو الطريق...
والتصقنا بعد أن كان اللهيبُ جسدا... والجسدُ هو اللهيبْ...
وماذا بعدُ يا ربَّ الشهوات؟
ما زال السِفر حافلاً باسرار الجسد الحليبي...
ما زالْ...
اغفاؤةُ شَفتيكِ على وَجنَتيَّ ايقظتْ سُباتَ روحي، وارتعش في داخلنا الايمان بالحريّة، يحدوها لذَّة العناق أن نكون واحداَ أو أدنى، وسالتْ لذَّةٌ مهمومة ُالنيران بين اناملي الحانيات، تعبثُ بهمساتِ الجسدِ المخمورْ، مخمورٌ بحباتِ عَرقٍ لعوب، يَسْبَحن في حرائقَ نهرٍ خالدٍ بين نهدين، يعتصرانِ رعشةَ الانامل الحانيات، ليشتعلَ الزيتُ الصوفيُّ على سَفْحهما بنار برومثيوس إلى أبد الآبدين.
والتحمنا بعد أن شارفَ الحريقُ أسوارَ الشهوة المكتومة...
والتحمنا بعد أن غاصتٌ شِفاهٌ في شفاه...
والتحمنا...
مَساماتٌ تتشارطُ الاشتهاءَ المحموم ْ، تتداخل بمثلها، ليكون هناك جسدٌ... جسدٌ من جديد... جسدٌ يتأجَّج عمقُه باحلام النار، نارٌ تعشقُ لهيبَها بجنونٍ يُمزِّقُ اسرارَ السكونْ.
وكان صراخ...
أنا من أهوى... ومن أهوى أنا... كلانا روحانِ حللنا بدنا.. هكذا قالوا واقول : ـ
خَميرةُ نهدك تُطلي نغماتَ لمْسي، باسرار يومي وغدي وأمسي، إنْ كان نهداً من بلاد الشَّمال... خَميرةُ نهدك تتشرَّب روحي مُترعةً باللذة المهتاجة، إنْ كان نهداً من بلاد الشرق... خَميرةُ نهدك تتمَّرغ بطين احتراقي وحرِّ إشواقي، إنْ كان نهداً من بلاد الغرب... خميرةُ نهدِك تنتهبُ زَفراتي، إنْ كان نهداً من بلاد الجنوب...
وتبادلنا الأسماءَ ولا ندري...
وتبادلنا الأجسادَ ولا ندري...
وضاعَ الطريقُ منِّي إليها ومنها إليّْ...
وضاعَ الوصالُ داخل الوصال...
وانتفينا بشرط البقاء...
وكان شرطُ البقاءِ لذَّةً تصرخُ ضد الحرام...
وارْتهنَّا لسلبٍ لا يَفيق... يفرحُ جَذلاً من شهقِ شهوةٍ سَرَتْ مِن قبلُ في جسد الإله...
وارتهنَّا لغيبوبةٍ تبادلناها بوعي اللّذة أنْ لا نَفيق ْ...
وتهاوى كلُّ شيء يا جَسدي وإنْ هُوْ إلَّاْ جَسدُكِ... نستبدل وجوداً بشهود... هياماً ببحر شهوتنا، أنعشتْ شرايينَ الحياة من قدر الموت، فكانت ملحمة الخلود...
والآن يا ربيب الهوى ألا نستريح؟
جَذْبَةُ نَهدِك البكرْ يستفز شهوةَ الخمرِ المُعتَّق لالفِ عام... أنْ يشربَ من قطراته سرَّ الخلود، ويرتجفُ الخمرُ المُعتَّقُ ثملاً من نزق الجذْبَة ذاتها... فتعاليْ نرتوي مزيدا من عذابات الوصال حتى نلقى الله عراة، من غير وعد ٍ ولا وعيد...
وما زال هناك ما غاب... وغابَ... وغابْ


.



صورة مفقودة
 
أعلى