غالب حسن الشابندر - النزعة الشبقية في روايات أنس بن مالك

(1/2)
أنس بن مالك هو (خادم رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم، ينتمي إلى بني النجار، أخوال النبي الكريم، يروي عن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاذ وأسيد بن الحضير، وغيرهم من الصحابة ويروي عنه كثر منهم من وثّقه علماء الرجال ومنهم من ضعفوه وأهملوه،وكان أنس يقول: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين،وكنّ أمهاتي يحثَثْني على خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم) /1 / أعلام الذهبي جزء3 ص 397 / وهذا يعني إنّه صاحب النبي الكريم عشرة سنوات، ولكن توجد رواية أخرى عنه تقول إن النبي الكريم قدم المدينة وكان عمره ثمان سنوات. له مسند معروف باسمه، ضمنه أحمد بن حنبل في مسنده، ويقول الذهبي: (مسنده ألفان وستون وثمانون، أتفق له البخاري ومسلم على مئة وثمانين حديثا،وانفرد البخاري بثمانين حديثا،ومسلم بتسعين) / 2 نفسه ص 406 /
الرجل عمّر طويلا، فهو حسب الخبر السابق يكون قد ولد لعشر قبل الهجرة، واختلف في وفاته، فمنهم من قال: إنه توفي سنة (أثنتين وتسعين) وعليه الواقدي، ومنهم من قال: إنه توفي سنة (ثلاثة وتسعين) وهو الأصح في رأي الذهبي، فيكون عمره على هذا مئة وثلاث سنين!
هناك نقاط مثيرة في حياة أنس بن مالك هذا، تستحق النظر والتدقيق، وهي مدعاة مطابقة وموازنة بينها وبين ما يروي عن النبي الكريم في بعض الأمور.
أنس بن مالك كان ذا مال كثير، وكثير جدا، هذا ما يقوله هو بالذات عن نفسه، فهو يقول: (... فإني لَمِن أكثر الأنصار مالا...) 3 / البخاري رقم 1982 / ويقول في رواية اخرى: (... والله اكثر مالي حتى إن كرْما لي لتحمل في السنة مرتين) 4 / صحيح مسلم رقم 2480
لم يكن أنس بن مالك كثير المال وحسب، بل كان كثير الذريّة، فهو يقول عن نفسه: (... أَنّه دُفِن لِصُلبي مَقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومئة) / 5 البخاري نفسه /. وفي رواية: (تسع وعشرون ومئة) / 6 الذهبي ص 399 /.
يروي الذهبي عن ابن عساكر: ( قال أبو اليقظان: مات لأنس في طاعون الجارف ثمانون ابنا، وقيل سبعون): المصدر ص 405 / ويبدو أ نهم أ بناء مباشرون، وليسوا أحفادا!!!
يروي الطيالسي عن ثراء أنس بن مالك عن أنس بن مالك أنه قال: (... وكان له بستان يحمل في السنة مرتين،وكان فيها ريحان يجيء منه ريح ومسك) 8الترمذي رقم 3833 /
يبدو أن الرجل كان صاحب أراض شاسعة، نفهم ذلك من رواية ابن عساكر ففيه: (ثابت ا لبناني قال: جاء قَيِّمُ أرض أنس، فقال: عطشت أَرَضوك، فتردّى أنس، ثم خرج إلى البرية، ثم صلّى،ودعا، فثارت سحابة، وغشيت أرضه ومطرت...) 9 عن الذهبي ص /402
يبدو أن الرجل له أخلاقه الخاصة بالاكل، فهو عندما كان يتناول طعامه (... يُلقم لُقماً كبيرا...)/ المصدر نفسه ص 405، وهي عادة غير محبوبة، وليست كريمة، وقد كان الرجل يلقم فمه لقما كبيرا مع حال يُرثى له، إذ كان) أبرص وبه وضح شديد)!!! والخبر من الرواية ا لسابقة، أي الرواية التي تتحدث عن لقمه الكبيرة.
هذا منظر لا يبعث على الإرتياح، وربما يثير التقزز عند ذوي المروءات والذوق السليم، خاصة ويبدو إن الراوي كان يروي عنه هذه الظاهرة وكان كبير السن!!
تروي الاخبار أن له خاتمه الخاص به، ولكن ما هي هيئة هذا الخاتم؟ تقول الرواية: (حمّاد بن سلمة: عن حُميد،عن أنس: نهى عمر أن نكتب في الخواتم عربيا، وكان في خاتم أنس ذئب أو ثعلب) / طبقات بن سعد جزء 7 ص 20، والرواية صحيحة!
يدعي أنس بن مالك إن كل هذا المال الوثير والأراضي الشاسعة، والذرية المنتشرة كان بدعاء الرسول له! فهل هي محاولة من الرجل لتبرير هذا الثراء الذي لا نعرف مصدره، وتبرير هذه الحياة الجنسية التي يبدو إنها كانت مضاعفة؟
يقول أنس: (... أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس، قال: استعملني أبو بكر على الصدقة، فقدمت، وقد مات، فقل عمر: يا أنس! أجئتنا بظهرٍ؟ قلت: نعم.قال: جئنا به، والمال لك.قلتُ: هو أكثر نم ذلك.قال: وإن كان، فهو لك، وكان أربعة آلاف)/ابن عساكر نقلا عن الذهبي ص 401، ولست أدري كيف يبيح أنس لنفسه ذلك، وهو الذي تربى في حضن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ألا كان الأجدر به أن يكون مثل أبي ذر الغفاري؟
يركز ويؤكد أنس بن مالك أن كل هذه الثروة والجاه وا لذرية كان بدعاء رسول الله، فقد دعا له: (اللّهم أكثر مالُه وولدُه...) / صحيح مسلم رقم 2481 /
هذا الدعاء تطور في رواية أخرى: (... اللّهم أكثر ماله وولده، وأطل حياته...) / ا بن سعد ص 19 /
هكذا تمت الحبكة إذن، لقد دعا له النبي الكريم السعة بالمال، وكان له منه حظ وفير وكثير ومثير، ودعا له بكثرة العيال، فكان له من الأبناء المباشرين وغير المباشرين بالعشرات ودعا له بطول العمر فكان عمره مائة وثلاث سنين!!
تطابق مذهل بين الدعاء والحاصل، ومثل هذه التماهي يثير الشك والريبة، فهل سيق الدعاء لتبرير هذا السعة بالمال والكثرة في العيال والطول في العمر؟!
النقطة الحساسة هنا إن دعاء النبي لأنس لم يروه غير انس نفسه، ولكن حيفي عليه، إن النبي لم يدع له بالسلامة من البرص، فأصيب با لبرص!!
يبدو أن الحجاج بن يوسف الثقفي كان مطلعا على حياة أنس جيدا، فلما ألقي القبض عليه بسبب إشتراكه مع ابن الاشعث قال له كما في رواية علي بن زيد: (... يا خبيث. جوال في الفتن، مرّة مع علي، ومرّة مع ابن الزبير، ومرّة مع ابن الاشعث، أما والذي نفسي بيده، لأستأصلنك كما تُستأصل الصَّمغة،ولأجردنّك كما يُجرّد الضّبُّ...) / الذهبي نقلا عن ابن عساكر ص 404، ولكن للأنصاف إن الرواية ضعيفة بـ ( علي بن زيد)، ولكن التاريخ يشهد أنه كان ذا تلون، ولم يرو عن علي!!
ولابد من مبرر غير هذا الدعاء اليتيم، وهو دعاء يتيم إذ لم يروه سوى أنس، أي نفسه، فلابد من مبرر آخر....
يأتي ذاك في الحلقة التالية



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر ايلاف
النزعة الشبقية في روايات أنس بن مالك


.

صورة مفقودة

Christian Schloe
 
أعلى