الصفدي - الوافي بالوفيات

عائشة بنت طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم التيمية، أمها أم كلثوم ابنة الصديق؛ تزوجت بابن خالها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وبعده بمصعب بن الزبير، وكان صداقها مائة ألف دينار، وكانت أجمل أهل زمانها وأحسنهن وأرأسهن، فلما قتل مصعب تزوجها عمر بن عبد الله التيمي وأصدقها ألف ألف درهم؛ حدثت عن خالتها عائشة رضي الله عنها، ووثقها يحيى بن معين، وتوفيت في حدود العشرة بعد المائة، وروى لها الجماعة. وكانت لا تستر وجهها من أحد، فعاتبها مصعب في ذلك فقالت: إن الله عز وجل وسمني بميسم جمال أحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضلي عليهم، فما كنت لأستره، ووالله ما في وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد؛ وكانت شرسة الأخلاق، وكذلك نساء بني تيم، وكانت عند الحسين بن علي رضي الله عنهما أم إسحاق بنت طلحة، وكان يقول: والله لربما حملت ووضعت وهي مصارمة لي لا تكلمني. ثم إن عائشة آلت من مصعب فقالت: أنت علي كظهر أمي، وقعدت في غرفة وهيأت فيها ما يصلحها، فجهد مصعب أن تكلمه فأبت، فبعث إليها ابن قيس الرقيات فسألها كلامه فقالت: كيف بيميني؟ فقال: ها هنا الشعبي فقيه أهل العراق فاستفتيه، فدخل عليها فأخبرته، فقال: ليس هذا بشيء، فقالت: أتحلني وتخرج خائباً؟ فأمرت له بأربعة آلاف درهم. وكانت بارعة الحسن وفيها يقول ابن قيس الرقيات لما رآها:
إن الخليط قد ازمعوا تركي ... فوقفت في عرصاتهم أبكي
جنية برزت لتقتلني ... مطلية الأصداغ بالمسك
عجباً لمثلك لا يكون له ... خرج العراق ومنبر الملك
ووصفتها عزة الميلاء لمصعب لما خطبها فقالت: أما عائشة فلا والله ما إن رأيت مثلها مقبلة مدبرة، محطوطة المتنين، عظيمة العجيزة، ممتلئة الترائب، نقية الثغر وصفحة الوجه، غراء فرعاء الشعر، لفاء الفخذين، ممتلئة الصدر، خميصة البطن، ذات عكن، ضخمة السرة، مسرولة الساق، يرتج ما بين أعلاها إلى قدميها، وفيها عيبان: أما أحدهما فيواريه الخمار، وأما الآخر فيواره الخف: عظم الأذن والقدم؛ وكانت عائشة بنت طلحة تشبه بعائشة أم المؤمنين خالتها، ولم تلد عائشة بنت طلحة من أحد من أزواجها إلا من عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي بكر. وهو ابن خالها وأبو عذرها، وولدت له عمران، وبه تكنى، وعبد الرحمن وأبا بكر وطلحة ونفيسة، وتزوجها الوليد بن عبد الملك؛ وطلحة ولدها من أجواد قريش. وصارمت عبد الله مرة وخرجت من دارها غضبى، فمرت في المسجد وعليها ملحفة تريد عائشة أم المؤمنين، فرآها أبو هريرة فسبح وقال: سبحان الله كأنها من الحور العين. فمكثت عند عائشة أربعة اشهر، وكان زوجها قد آلى منها، فأرسلت عائشة تقول: غني أخاف عليك الإيلاء، فضمها إليه، وكان ملقى منها فقيل له: طلقها، فقال:
يقولون طلقها لأصبح ثاوياً ... مقيماً على الهم أحلام نائم
وإن فراقي أهل بيت أحبهم ... لهم زلفة عندي لإحدى العظائم
فتوفي عبد الله بعد ذلك وهي عنده، فما فتحت فاها عليه، وكانت عائشة أم المؤمنين تعدد علها هذا من ذنوبها.

ودخل مصعب يوماً عليها وهي نائمة مضمخة ومعه ثماني لؤلؤات قيمتها عشرون ألف دينار، فأنبهها ونثر اللؤلؤ في حجرها فقالت له: نومتي كانت أحب إلي من هذا اللؤلؤ. وكان مصعب لا يقدر عليها إلا بتلاح ينالها منه ويضربها، فشكا ذلك إلى ابن أبي فروة كاتبه، فقال له: أنا أكفيك هذا إن أذنت لي، قال: نعم، افعل ما شئت، فإنها أفضل شيء نلته في الدنيا، فأتاها ليلاً ومعه أسودان فاستأذن عليها، فقالت له: أفي مثل هذه الساعة؟ قال: نعم، فأدخلته، فقال للأسودين: احفرا ها هنا بئراً، فقالت له جاريتها: وما تصنع بالبئر؟ قال: شؤم مولاتك، امرني هذا الفاجر أن أدفنها حية، وهو أسفك خلق الله لدم حرام، فقالت عائشة: فأنظرني أذهب إليه، قال: لا سبيل إلى ذلك، وقال للأسودين: احفرا. فلما رأت الجد منه بكت وقالت: يا ابن أبي فروة إنك لقاتلي ما منه بد؟ قال: نعم، وإني لأعلم أن الله سيجزيه بعدك، ولكنه قد غضب وهو كافر الغضب، قالت: وفي أي شيء غضبه؟ قال: في امتناعك عليه، وقد ظن أنك تبغضينه وتطلعين إلى غيره، فقد جن! فقالت: أنشدك الله إلا عاودته، قال أخاف أن يقتلني، فبكت وبكى جواريها، فقال: قد رققت لك، وحلف أنه يغرر بنفسه، ثم قال لها: ماذا أقول؟ قالت: تضمن عني أن لا أعود أبداً، قال: فما لي عندك؟ قالت: قيام بحقك ما عشت قال: فأعطيني المواثيق، فأعطته، فقال للأسودين: مكانكما، وأتى مصعباً فاخبره فقال له: استوثق منها بالأيمان، ففعلت، وصلحت بعد ذلك.
وتزوجها عمر بن عبيد الله، وحمل إليها ألف ألف درهم وقال لرسولها: أنا أملأ بيتها خيراً وحرها أيراً، ودخل بها من ليلته، وأكل الطعام الذي عمل له على الخوان كله، وصلى صلاة طويلة، وخلا بها، ودخل المتوضأ سبع عشرة مرة، فلما أصبح قالت له جاريتها: والله ما رأيت مثلك، أكلت أكل سبعة، وصليت صلاة سبعة، ونكت نيك سبعة، فضحك وضرب بيده على منكب عائشة وقال: كيف رأيت ابن عمك؟ فضحكت وغطت وجهها وقالت:
قد رأيناك فلم تحل لنا ... وبلوناك فلم نرض الخبر


.
صورة مفقودة
 
أعلى