النويري - نهاية الأرب في فنون الأدب

الباب الثاني
من القسم الأول من الفن الثاني
أعضاء الإنسان وتشبيهها وما وصف به طيب الريق والنكهة، وحسن الحديث، والنعمة، واعتدال القدود، ووصف مشي النساء. وهو مرتب على ترتيب بنية الإنسان في المذكر والمؤنث.
الشعر وما قيل فيه قال الثعالبي عن أئمة اللغة: العقيقة، الشعر الذي يولد به الإنسان.
الفروة، شعر معظم الرأس.
الناصية، شعر مقدم الرأس.
الذؤابة، شعر مؤخر الرأس.
الفرع، شعر رأس المرأة.
الغديرة، شعر ذؤابتها.
الغفر، شعر ساقها.
الدبب، شعر وجهها.
الوفرة، ما بلغ شحمة الأذن من الشعر.
اللمة، ما ألم بالمنكب منه.
الطرة، ما غشى الجبهة منه.
الجمة والغفرة، ما غطى الرأس منه.
الهدب، شعر أشفار العين.
الشارب، شعر الشفة العليا.
العنفقة، شعر الشفة السفلى.
المسربة، شعر الصدر. وفي الحديث أنه كان عليه الصلاة والسلام دقيق المسربة.
الشعرة، العانة.
الإسب، شعر الأست.
الزبب، شعر بدن الرجل. ويقال بل هو كثرة الشعر في الأذنين.
تفصيل أوصافه
يقال: شعر جفال، إذا كان كثيرا.
ووحف، إذا كان متصلا.
وكث، إذا كان كثيرا كثيفا مجتمعا.
ومعلنكس، ومعلنكك، إذا زادت كثافته.
ومنسدر، إذا كان منبسطا.
وسبط، إذا كان مسترسلا.
ورجل، إذا كان غير جعد ولا سبط.
وقطط، إذا كان شديد الجعودة.
ومقلعط، إذا زاد على القطط.
ومفلفل، إذا كان نهاية في الجعودة كشعر الزنج.
وسخام، إذا كان حسنا لينا.
ومغدودن، إذا كان طويلا ناعما.
وقال الأصمعي: من لم يخف شعره قبل الثلاثين لم يصلع أبدا؛ ومن لم يحمل اللحم قبل الثلاثين لم يحمله أبدا.
وصف به الشعر
قال نصر بن أحمد، عفا الله تعالى عنه:
سلسل الشعر فوق وجه، فحاكى ... ظلمة الليل فوق ضوء الصباح
وقال ابن الرومي:
وفاحم وارد يقبل مم ... شاه إذا اختال مرسلا غدره
أقبل كالليل من مفارقه ... منحدرا لا يذم منحدره
حتى تناهى إلى مواطنه ... يلثم من كل موطئ عفره
كأنه عاشق دنا شغفا ... حتى قضى من حبيبه وطره
وقال فتح الدين بن عبد الظاهر:
حل ثلاثا يوم حمامه ... ذوائبا يعبق منها الغوال
فقلت، والقصد ذؤاباته: ... يا سهري في ذي الليال الطوال!
وقال آخر:
قد علق القلب بدبوقة ... وجن منها فهو مفتون؟
واعجيا للعشق في حكمه ... بشعرة قيد مجنون!
وقال آخر:
رأيت على قد الحبيب ذؤابة ... فعيني على تلك الذؤابة تهمع
يقول لي الواشون: مالك باكيا؟ ... فقلت: بعيني شعرة فهي تدمع
وقال آخر:
وشعرة عاينهنا ناظري ... على قوام مائس الخطرة
فسال دمعا وهمي جفنه، ... والدمع لا شك من الشعرة
وقال آخر:
ولرب ممشوق القوام تضمه ... ممشوقة، فتعانقا غصنين
أرخت ذوائبها وأسبل شعره، ... فتقابلا قمرين في ليلين
شعور النساء
قال بكر بن النطاح:
بيضاء تسحب من قيام فرعها ... وتغيب فيه فهو جثل أسحم
فكأنها فيه نهار ساطع، ... وكأنه ليل عليها مظلم
وقال آخر:
نشرت علي ذوائبا من شعرها، ... حذر الكواشح والعدو المحنق
فكأنني وكأنها وكأنه ... صبحان باتا تحت ليل مطبق
وقال عمر بن أبي ربيعة:
سبته بوحف في العقاص كأنه ... عناقيد، دلاها من الكرم قاطف
أسيلات أبدان، دقاق خصورها، ... وثيرات ما التفت عليه الملاحف
وقال المتنبي:
ومن كلما جردتها من ثيابها، ... كساها ثيابا غيرها الشعر الوحف
وقال أيضا:
دعت خلاخيلها ذوائبها، ... فجئن من فرقها إلى القدم
وقال في أخرى:
نشرت ثلاث ذوائب من شعرها ... في ليلة، فأرت ليالي أربعا
واستقبلت قمر السماء بوجهها، ... فأرتني القمرين في وقت معا
وقد ألم في ذلك بقول ابن المعتز:
سقتني في ليل شبيه بشعرها ... شبيهة خديها بغير رقيب
فأمسيت في ليلين بالشعر والدجى، ... وشمسين من خمر وخد حبيب
وقال ابن المعتز:
فلما أن قضت وطرا وهمت ... على عجل بأخذ للرداء،
رأت شخص الرقيب على تدان ... فأسبلت الظلام على الضياء.
وغاب الصبح منها تحت ليل، ... وظل الماء يقطر فوق ماء.
وقال ابن لنكك:
هل طالب ثأر من قد أهدرت دمه ... بيض، عليهن نذر قتل من عشقا؟
من العقائل ما يخطرن عن عرض ... إلا أرينك في قد قنا ونقا.
رواعف بخدود زانها سبج ... قد زرفن الحسن في أصداغها حلقا.
نواشر في الضحى من فرعها غسقا، ... وفي ظلام الدجى من وجهها فلقا.
أعرن غيد ظباء روعت غيدا، ... والورد توريد خد، والمها حدقا.
وقال ابن دريد الأزدي:
غراء لو جلت الخدود شعاعها ... للشمس عند طلوعها، لم تشرق
غصن على دعص تألق فوقه ... قمر تألق تحت ليل مطبق
لو قيل للحسن: احتكم لم يعدها ... أو قيل: خاطب غيرها! لم ينطق
فكأننا من فرعها في مغرب، ... وكأننا من وجهها في مشرق
وقال آخر:
جعودة شعرها تحكي غديرا ... يصفقه الجنوب مع الشمال
الشيب والخضاب
من المدح والذم فأما مدح الشيب، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة " .
وقال ابن أبي شيبة: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نتف الشيب وقال: هو نور المؤمن " .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أول من رأى الشيب إبراهيم الخليل عليه السلام، فقال: يا رب ما هذا؟ فقال له: الوقار، فقال: رب زدني وقارا " .
وتأمل حكيم شيبه فقال: مرحبا بزهرة الحنكة ويمن الهدى ومقدمة العفة ولباس التقوى.
وقيل: دخل أبو دلف على المأمون وعنده جارية له، وكان أبو دلف قد ترك الخضاب، فأشار المأمون إلى الجارية فقالت له: شبت يا أبا دلف، إنا لله وإنا إليه راجعون. فسكت عنها أبو دلف، فقال له المأمون: أجبها، فقال:
تهزأت إذ رأت شيبي فقلت لها: ... لا تهزئي من يطل عمر به يشيب!
شيب الرجال لهم زين ومكرمة، ... وشيبكن لكن الويل فاكتئبي!
فينا لكن وإن شيب بدا أرب،وليس فيكن بعد الشيب من أرب!
وقال آخر:
أهلا وسهلا بالمشيب ومرحبا، ... أهلا به من وافد ونزيل!
أهدي الوقار وذاد كل جهالة ... كانت، وساق إلي كل جميل.
فصحبت في أهل التقى أهل النهى ... ولقيت بالتعظيم والتبجيل.
ورأى لي الشبان فضل جلالة ... لما اكتهلت، وكنت غير جليل.
فإذا رأوني مقبلا، نهضوا معا: ... فعل المقر لهيبة التفضيل.
إن قلت، كنت مصدقا في منطقي، ... ماضي المقالة حاضر التعديل.
وقال مسلم بن الوليد:
الشيب كره، وكره أن يفارقني ... اعجب لشيء على البغضاء مودود.
وقال علي بن محمد الكوفي:
بكى للشيب، ثم بكى عليه ... وكان أعز من فقد الشباب.
فقل للشيب: لا تبرح حميدا ... إذا نادى شبابك بالذهاب.
وقال العسكري:
يود أن شيبه ... إذ جاء لا ينصرف.
يخلف ريعان الصبا ... والموت منه خلف.
وقال ابن المعتز:
قد يشيب الفتى، وليس عجيبا ... أن يرى النور في القضيب الرطيب.
وقال أبو تمام:
ولا يؤرقك إيماض القتير به ... فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب.
وقال أبو الفتح البستي:
يا شيبتي دومي ولا تترحلي ... وتيقني أني بوصلك مولع!
قد كنت أجزع من حلولك مرة، ... فالآن من خوف ارتحالك أجزع!
وقال آخر:
فأما المشيب فصبح بدا ... وأما الشباب فليل أفل.
سقى الله هذا وهذا معا ... فنعم المولى ونعم البدل!
وقال أبو الفتح كشاجم:
تفكرت في شيب الفتى وشبابه ... فأيقنت أن الحق للشيب واجب.
يصاحبني شرخ الشباب فينقضي، ... وشيبي لي حتى الممات مصاحب.
وقال أبو العلاء السروي، شاعر اليتيمة:
حي شيبا أتى لغير رحيل، ... وشبابا مضى لغير إياب!
أي شيء يكون أحسن من عا ... ج مشيب في آبنوس شباب؟
وقال أبو عوانة الكاتب:
هزئت إذ رأت مشيبي، وهل غي ... ر المصابيح زينة للسماء؟
وتولت فقلت قولا بإفصا ... ح لها، لا بالرمز والإيماء:
إنما الشيب في المفارق كالنو ... ر بدا والسواد كالظلماء.
لا محيض عن المشيب أو المو ... ت، فكن للحوباء أو للنماء!
إن عمرا عوضت فيه عن المو ... ت بشيب من أعظم النعماء!
وقال ابن عبد ربه:
كأن سواد لمته ظلام ... يطل من المشيب عليه نور.
وقال أبو عبد الله الأسباطي:
لا يرعك المشيب، يا ابنة عبد الله، فالشيب زينة ووقار!
إنما تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في ظلالها الأنوار.
ذم الشيب،
قال قيس بن عاصم رحمة الله عليه: الشيب خطام المنية.
وقال غيره: الشيب نذير الموت.
وقد ورد في بعض التفاسير في قوله تبارك وتعالى " وجاءكم النذير " . قيل: هو الشيب.
وقال أعرابي: كنت أنكر البيضاء، فصرت أنكر السوداء؛ فيا خير مبدول ويا شر بدل.
وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: عجل عليك الشيب يا رسول الله، قال: " شيبتني هود وأخواتها " . قيل: هي عبس، والمرسلات، والنازعات.
وقيل لعبد الملك بن مروان: عجل عليك الشيب يا أمير المؤمنين، قال: شيبني ارتقاء المنابر وتوقع اللحن.
وقال بعضهم: خرجت إلى ناحية الطفاوة، فإذا أنا بامرأة لم أر أجمل منها، فقلت: أيتها المرأة، إن كان لك زوج فبارك الله له فيك، وإلا فأعلميني. قال فقالت: وما تصنع بي؟ وفي شيء لا أراك ترتضيه. قلت: وما هو؟ قالت: شيب في رأسي. قال: فثنيت عنان دابتي راجعا، فصاحت بي: على رسلك، أخبرك بشي، فوقفت وقلت: وما هو، يرحمك الله؟ قالت: والله ما بلغت العشرين بعد، وهذا رأسي فكشفت عن عناقيد كالحمم، وقالت: والله ما رأيت برأسي بياضا قط، ولكن أحببت أن تعلم أنا نكره منك ما تكره منا، وأنشدت:
أرى شيب الرجال من الغواني ... بموضع شيبهن من الرجال!
قال: فرجعت خجلا، كاسف البال.
قال أبو تمام:
غدا الشيب مختطا بفودي خطة ... سبيل الردى منها إلى النفس مهيع.
هو الزور يجفى، والمعاشر يجتوى، ... وذو الإلف يقلى، والجديد يرقع.
له منظر في العين أبيض ناصع ... ولكنه في القلب أسود أسفع.
وقال آخر:
تقول لما رأت مشيبي ... بدا، وعندي له انقباض:
لا ترج عطفا عليك مني، ... سود ما بيننا البياض!
وقال آخر:
وقالوا: مشيب المرء فيه وقاره، ... وما علموا أن المشيب هو العيب.
وأي وقار لامرئ عرى الصبا، ... ومن خلفه شيب وقدامه شيب؟
وقال آخر:
من شاب، قد مات وهو حي، ... يمشي على الأرض مشي هالك!
لو كان عمر الفتى حسابا ... كان له شيبه فذالك.
وقال محمود الوراق:
بكيت لقرب الأجل، ... وبعد فوات الأمل!.
ووافق شيب طرا ... بعقب شباب رحل.
شباب كأن لم يكن ... وشيب كأن لم يزل.
طوى صاحب صاحبا ... كذاك اختلاف الدول!
وقال عبيد بن الأبرص:
والشيب شين لمن أمسى بساحته! ... لله در شباب اللمة الخالي.
وقال البحتري:
وددت بياض السيف يوم لقينني ... مكان بياض الشيب حل بمفرقي.
وقال أبو العتاهية:
عريت عن الشباب، وكان غضا، ... كما يعرى من الورق القضيب.
ألا ليت الشباب يعود يوما ... فأخبره بما فعل المشيب!
وقال آخر:
يا حسرتا أين الشباب الذي ... على تعديه المشيب اعتدى؟
شبت، فما أنفك من حسرة ... والشيب في الرأس رسول الردى!
إن مدى العمر قريب فما ... بقاء نفسي بعد قرب المدى؟
وقال آخر:
هذا عذارك بالمشيب مطرز ... فقبول عذرك في التصابي معوز!
ولقد علمت وما علمت توهما أن المشيب لهدم عمرك يرمز.
وقال أيضا:
ألست ترى نجوم الشيب لاحت ... وشيب المرء عنوان الفساد!
وقال أيضا:
أبلى جديدي هذان الجديدان ... والشأن في أن هذا الشيب ينعاني!
كأنما اعتم رأسي منه بالجبل الر ... اسي، فأوهنني ثقلا وأوهاني.
وقال آخر:
لما رأت وضح المشيب بعارضي ... صدت صدود مجانب متحمل.
فجعلت أطلب وصلها بتلطف، ... والشيب يغمزها بأن لا تفعلي!
وقال كشاجم:
ضحكت! من شيبة ضحكت ... لسواد اللمة الرجلة
ثم قالت وهي هازئة: ... جاء هذا الشيب بالعجلة!
قلت: من حبيك، لا كبر، ... شاب رأسي فانثنت خجلة.
وثنت جفنا على كحل ... هي منه الدهر مكتحلة.
أكثرت منه تعجبها! ... فهي تجنيه وتعجب له.
وقال أبو تمام:
دقة في الحياة تدعى جلالا، ... مثل ما سمي اللديغ سليما.
غرة مرة ألا إنما كن ... ت أغرا أيام كنت بهيما.
وقال ابن المعتز:
لقد أبغضت نفسي في مشيبي ... فكيف تحبني الخود الكعاب؟
وقال أبو هلال العسكري:
فلا تعجبا أن يعبن المشيبا ... فما عبن من ذاك إلا معيبا!
إذا كان شيبي بغيضا إلى ... فكيف يكون إليها حبيبا؟
وقال محمد بن أمية:
رأين الغواني الشيب لاح بعارضي، ... فأعرضن عني بالخدود النواضر.
وكن إذا أبصرنني أو سمعن بي، ... دنون فرقعن اللوى بالمحاجر.
وقال آخر:
قالت، وقد راعها مشيبي: ... كنت ابن عم فصرت عما.
واستهزأت بي، فقلت أيضا: ... قد كنت بنتا فصرت أما.
وقال آخر:
تضاحكت لما رأت ... شيبا تلالا غرره.
قلت لها: لا تعجبي ... أنبيك، عندي خبره.
هذا غمام للردى، ... ودمع عيني مطره.
مدح الخضاب
ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد " .
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يخضب بالحناء وبالكتم.
وقد مدح الشعراء الخضاب.
فمن ذلك قول عبد الله بن المعتز:
وقالوا: النضول مشيب جديد! ... فقلت: الخضاب شباب جديد!
إساءة هذا بإحسان ذا ... فإن عاد هذا فهذا يعود.
وقال أبو الطيب المتنبي:
وما خضب الناس البياض لأنه ... قبيح، ولكن أحسن الشعر فاحمه.
وقال محمود الوراق:
للضيف أن يقرى ويعرف حقه! ... والشيب ضيفك، فاقره بخضاب.
وقال عبدان الأصبهاني:
في مشيبي شماتة لعداتي، ... وهو ناع منغص لحياتي.
ويعيب الخضاب قوم، وفيه ... أي أنس إلى حضور وفاتي.
لا ومن يعلم السرائر مني ... ما به رمت خلة الغانيات.
إنما رمت أن يغيب عني ... ما ترينيه كل يوم مراتي.
وهو ناع إلي نفسي، ومن ذا ... سره أن يرى وجوه النعات؟
وقال ابن الرومي:
يا بياض المشيب سودت وجهي، ... عند بيض الوجوه سود القرون!
فلعمري، لأخفينك جهدي ... عن عياني وعن عيان العيون!
ولعمري، لأمنعنك أن تض ... حك في رأس آسف محزون!
بخضاب فيه ابيضاض لوجهي ... وسواد لوجهك الملعون!
وقال آخر:
نهى الشيب الغواني عن وصالي ... وأوقع بين أحبابي وبيني.
فلست بتارك تدبير ذقني ... إلى أن ينقضي أمدي لحيني.
أدبر لحيتي ما دمت حيا ... وأعتقها ولكن بعد عيني.
وقال آخر:
قالوا: فلان لم يشب، ... وأرى المشيب عليه أبطا.
فأجبتهم: لولا حدي ... ث الصبغ لانكشف المغطى.
ذم الخضاب
قال محمود الوراق، رحمه الله:
يا خاضب الشيب الذي ... في كل ثالثة يعود.
إن النصول إذا بدا ... فكأنه شيب جديد.
وله بديهة روعة ... مكروهها أبدا عتيد.
فدع المشيب لما أرا ... د فلن بعود لما تريد.
وقال آخر:
تستر بالخضاب، وأي شيء ... أدل على المشيب من الخضاب؟
وقال ابن الرومي:
قل للمسود حين سود: هكذا ... غش الغواني في الهوى إياكا!
كذب الغواني في سواد عذاره، ... فكذبنه في ودهن كذاكا!
وقال المتنبي:
ومن هوى كل من ليست مموهة ... تركت لون مشيبي غير مخضوب.
ومن هوى الصدق في قولي وعادته ... رغبت عن شعر في الوجه مكذوب.
وقال الأمير شهاب الدين بن يغمور عفا الله عنه:
يا صابغ الشيب، والأيام تظهره: ... هذا الشباب، وحق الله مصنوع!
إن الجديد إذا ما كان في خلق ... يبين للناس أن الثوب مرقوع.
ما وصف به الوجه فمن ذلك ما قيل في المذكر.قال الوجيهي:
مستقبل بالذي يهوى، وإن كثرت ... منه الإساءة، معذور بما صنعا.
في وجهه شافع يمحو إساءته ... من القلوب، وجيها حيثما شفعا.
وقال الآخر:
رأيت الهلال على وجهه ... فلم أدر أيهما أنور؟
سوى أن ذاك قريب المزار ... وهذا بعيد لمن ينظر.
وذاك يغيب وذا حاضر ... فما من يغيب كمن يحضر.
ونفع الهلال كثير لنا ... ونفع الحبيب لنا أكثر.
وقال ابن لنكك:
البدر والشمس المني ... رة والدمى والكوكب:
أضحت ضرائر وجهه ... من حيث يطلع تغرب.
وكأن جمر جوانحي ... في خده يتلهب.
وكأن غصن قوامه ... من ماء دمعي يشرب.
وصوالج في صدغه ... بسواد قلبي تلعب.
وقال ابن المعدل:
نظرت إلى من زين الله وجهه، ... فيا نظرة كادت على عاشق تقضي!
وكبرت عشرا، ثم قلت لصاحبي: ... متى نزل البدر المنير إلى الأرض؟
وقال الخبزأرزي:
رأيت الهلال ووجه الحبيب ... فكانا هلالين عند النظر.
فلم أدر من حيرتي فيهما ... هلال الدجى من هلال البشر!
فلولا التورد في الوجنتين ... وما راعني من سواد الشعر،
لكنت أظن الهلال الحبيب ... وكنت أظن الحبيب القمر!
وقال أبو الشيص:
تخشع شمس النهار طالعة ... حين تراه، ويخشع القمر.
تعرفه أنه يفوقهما ... بالحسن، في عين من له بصر.
وقال أبو هلال العسكري:
ووجه نشرب ماء النعيم، ... فلو عصر الحسن منه انعصر.
يمر فأمنحه ناظري ... فينثر وردا عليه الخفر.
تمتعت العين في حسنه، ... فما حفلت بطلوع القمر.
وقال ابن المعتز:
يا مفردا بالحسن والشكل، ... من دل عينيك على قتلي؟
البدر من شمس الضحى نوره، ... والشمس من وجهك تستملي.
وقال ابن المعدل يصف عتبة:
لعتبة صفحتا قمر ... يفوق سناهما القمرا.
يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا.
وقال السري الرفاء:
قمر تفرد بالمحاسن كلها، ... فإليه ينسب كل حسن يوصف.
فجبينه صبح، وطرته دجى، ... وقوامه غصن رطيب أهيف.
لله ذاك الوجه! كيف تألفت ... فيه محاسن لم تكن تتألف؟
وقال آخر:
وفي أربع مني حلت منك أربع، ... فما أنا أدري أيها هاج لي كربي؟
أوجهك في عيني، أم الريق في فمي، ... أم النطق في سمعي، أم الحب في قلبي؟
ومثله قول يعقوب الكندي:
وفي خمسة مني حلت منك خمسة: ... فريقك منها في فمي طيب الرشف،
ووجهك في عيني، ولمسك في يدي، ... ونطقك في سمعي، وعرفك في أنفي.
وقال أبو نواس:
كأنما الوجه إذ بدا قمر ... مركب فوق قامة الغصن.
يا ذا الذي أصبح العباد به ... في فتنة من عظائم الفتن!
أقبل بوجه الهوى إلي، فقد ... أطلت بالصد معرضا حزني!
وقال محمد بن وهب:
نم فقد وكلت بي الأرقا ... لا هنا بعد لمن عشقا.
إنما أبقيت من جسدي ... شبحا غير الذي خلقا.
ما لمن تمت محاسنه ... أن يعادي طرف من رمقا.
لك أن تبدي لنا حسنا ... ولنا أن نعمل الحدقا.
وجه الأنثى
قال ابن سكرة:
في وجه إنسانة كلفت بها ... أربعة ما اجتمعن في أحد.
فالخد ورد والصدغ غالية ... والريق خمر والثغر من برد.
لكل جزء من حسنها بدع ... تودع قلبي ودائع الكمد!
وكان مكتوبا على عصابة ورد جارية الماهاني:
تمت! وتم الحسن في وجهها! ... فكل شيء ما سواها محال.
للناس في الشهر هلال، ولي ... في وجهها كل صباح هلال!
وقال آخر:
وإذا الدر زان حسن وجوه، ... كان للدر حسن وجهك زينا.
وتزيدين طيب الطيب طيبا ... إن تمسيه! أين مثلك أينا؟
وقال آخر:
ليس فيها أن يقال لها: ... كملت، لو أن ذا كملا.
كل جزء من محاسنها ... صائر من حسنها مثلا.
وقال عمر بن أبي ربيعة:
وفتاة إن يغب بدر الدجى، ... فلنا في وجهها عنه خلف.
أجمع الناس على تفضيلها، ... وهواهم في سواها مختلف.
وقال الجماني من أبيات:
نرى الشمس والبدر معناهما ... بها واحدا، وهما معنيان.
إذا طلعت وجهها، أشرقا ... بطلعتها، وهما آفلان.
صفاء الوجه ورقة البشرة،
فمن ذلك ما قيل مذكرا.
قال أبو نواس:
نظرت إلى وجهه نظرة ... فأبصرت وجهي في وجهه.
وقال آخر:
أعد نظرا! فما في الخد نبت، ... حماه الله من ريب المنون!
ولكن رق ماء الوجه حتى ... أراك مثال أهداب الجفون!
ومثله قول الآخر:
ولما استدارت أعين الناس حوله ... تلاحظه كيف استقل وسارا،
تمثلت الأهداب في ماء وجهه، ... فظنوا خيال الشعر فيه عذارا.
وقال الأرجاني:
ما أنس، لا أنسى له موقفا، ... والعيس قد ثورهن الحداه.
لما تجلى وجهه طالعا، ... وقد ترامت نظرات الوشاة.
قابلني حين بدت أدمعي ... في خده المصقول مثل المراه.
يوهم صحبي أنه مسعدي ... بأدمع لم تذرها مقلتاه.
وإنما قلدني منة ... بدمع عين من جفوني امتراه.
ولم تقع في خده قطرة ... إلا خيالات دموع البكاه.
وقال أيضا:
وأغيد رق ماء الوجه منه، ... فلو أرخى لثاما عنه، سالا.
تبين سوادها الأبصار فيه، ... فحيث لحظت منه، حسبت خالا.
ومن ذلك ومما قيل في المؤنث، قال بشار:
وما ظفرت عيني غداة لقيتها ... بشي، سوى أطرافها والمحاجر.
بحوراء من حور الجنان عزيزة، ... يرى وجهه في وجهها كل ناظر.
وقال السري الرفاء:
بيضاء تنظر من طرف تقلبه: ... مفرق بين أجساد وأرواح.
ماء النعيم على ديباج وجنتها ... يجول بين جنى ورد وتفاح.
رقت: فلو مزج الماء القراح بها ... والراح، لامتزجت بالماء والراح!
وقال الأرجاني من أبيات:
ولما تلاقينا، وللعين عادة ... تثير وشاة عند كل لقاء،
بدت أدمعي في خدها من صقاله، ... فغاروا وظنوا أن بكت لبكائي!
ومما قيل في صفرة الوجه، فمن ذلك ما قيل مذكرا.
قال أبو عبادة البحتري:
بدت صفرة في وجهه، إن حمدهم ... من الدر ما اصفرت نواحيه في العقد.
وقال آخر:
لم تشن وجهه المليح، ولكن ... جعلت ورد وجنتيه بهارا.
وقال الأرجاني وأجاد:
راق ماء الحياة من وجنتيه، ... فهو مرآة أوجه العشاق!
ومن ذلك ما قيل في المؤنث، قال سلم الخاسر:
تبدت فقلت: الشمس عند طلوعها ... بوجه غني اللون عن أثر الورس!
فقلت لأصحابي، وبي مثل ما بهم، ... على مرية: ما ها هنا مطلع الشمس!
وقال أبو تمام:
صفراء صفرة صحة قد ركبتجثمانها في ثوب سقم أصفر.
وقال مسعود الأصبهاني، شاعر الخريدة:
وقينة قال لها ناقص: ... كملت، لولا صفرة اللون.
قلت: اتئد! فالشمس مصفرة، ... وهي صلاح الأرض في الكون!
ومما قيل في السمرة، قال شاعر:
كيف لا أعشق ظبيا ... سارحا في ظل ملك.
إنما السمرة فيه ... مزج كافور بمسك.
وقال آخر:
يا ذا الذي يذهب أمواله ... في حب هذا الأسمر الفائق!
ما الذهب الصامت مستكثرا ... إذهابه في الذهب الناطق!
وقال آخر:
ذهبي اللون! تحسب من ... وجنتيه النار تقتدح.
خوفوني من فضيحته! ... ليته وافى، وأفتضح!
ومما قيل في السواد (وهو يختص بالمؤنث): قال الزركشي في " دنانير " البرمكية:
أشبهك المسك، وأشبهته: ... قائمة في لونه قاعدة.
لا شك، إذ لونكما واحد، ... أنكما من طينة واحدة.
وقال ابن الرومي:
أكسبها الحب أنها صبغت ... صبغة حب القلوب والحدق.
فأقبلت نحوها الضمائر وال ... أبصار، يعبقن أيما عبق!
يفتر ذاك السواد عن يقق ... في ثغرها كاللآلئ النسق.
كأنها، والمزاح يضحكها، ... ليل تفرى دجاه عن غسق.
وقال الصنوبري:
يا غصنا من سبج رطب، ... أصبح منك الدرفي كرب!
حبك من قلبي مكان الذي ... أشبهته من حبة القلب.
وقال محمد بن عبد الله السلامي، شاعر اليتيمة عفا الله عنه:
يا رب غانية بيضاء تصبحي ... من العتاب كؤوسا ليس تنساغ.
أشتاق طرتها أو صدغها ومعي ... من كلها طرر سود وأصداغ!
كأننا، لا أتاح الله فرقتنا! ... يا كعبة المسك، يا زنجية، زاغ.
وقال آخر:
أحب النساء السود من أجل تكتم، ... ومن أجلها أحببت من كان أسودا!
فجئني بمثل المسك أطيب نفحة! ... وجئني بمثل الليل أطيب مرقدا!
وقال العسكري:
صرفت ودي إلى السودان من هجر، ... ولا التفت إلى روم ولا خزر!
أصبحت أعشق من وجه ومن بدن ... ما يعشق الناس من عين ومن شعر.
فإن حسبت سواد الخد منقصة، ... فانظر إلى سفعة في وجنة القمر!
وقال بشار وأجاد:
يكون الخال في خد نقي ... فيكسبه الملاحة والجمالا،
ويونقه لأعين مبصريه، ... فكيف إذا رأيت اللون خالا؟
وقال أبو علي بن رشيق:
دعا بك الحسن فاستجيبي ... باسمك في صبغة وطيب.
تيهي على البيض واستطيلي، ... تيه شباب على مشيب!
ولا يرعك اسوداد لون ... كمقلة الشادن الربيب.
فإنما النور عن سواد ... في أعين الناس والقلوب!
وقال آخر:
إن أزهرت ليلا نجوم السما ... بيضا على أسود مرخي الإزار.
وأوجب العكس مثالا لها، ... فالسود في الأرض نجوم النهار.
ومما وصف به أثر الجدري في الوجه، فمن ذلك قول الناجم:
يا قمرا جدر لما استوى ... واكتسب الملح بتلك الكلوم!
أظنه غنى لشمس الضحى ... فنقطته فرحا بالنجوم.
وقال آخر:
وقالوا: شابه الجدري، فانظر ... إلى وجه به أثر الكلوم!
فقلت: ملاحة نثرت عليه! ... وما أحسن السماء بلا نجوم؟
ومثله قول الآخر:
أيها العائبون وجها مليحا ... نثر الحسن فيه نبذ خدوش!
أي أفق بها بغير نجوم؟ ... أي ثوب زها بغير نقوش؟
وقال أبو زيد القاضي:
غاية الحاسد الذي لام فيه ... أن رأى فوق خده جدريا.
إنما وجهه هلال تمام، ... جعلوا برقعا عليه الثريا!
وقال أبو تمام بن رباح:
خدك مرآة كل حسن، ... تحسن من حسنها الصفات!
مالي أرى فوقه نجوما، ... قد كسفت وهي نيرات؟
ومما قيل في الحواجب، فمن محاسنها: الزجج، والبلج.
فأما الزجج، فدقة الحاجبين وامتدادهما.
وأما البلج، فهو أن يكون بينهما فرجة. والعرب تستحب ذلك.
ومن معايبها: القرن، والزبب، والمعط.
فالقرن، اتصال الحاجبين، والعرب تكرهه.
والزبب، كثرة شعرهما.
والمعط، تساقط الشعر عن بعض أجزائهما.
ومما وصفت به الحواجب، قال الزاهي:
وأغيد مجدول القوام جبينه ... سنا القمر البدري في الغصن الرطب.
تنكب قوس الحاجبين فسهمه ... لواحظه المرضى، وبرجاسه قلبي!
وقال عبد الله بن أبي الشيص:
حذرت الهوى حتى رميت من الهوى ... بأصرد سهم من قسي الحواجب.
وقال محمد بن عبد الرحمن الكوفي:
ومستلب عين الغزال وقد ترى ... بجبهته عين الغزالة مائلا.
تناول قوس الحاجبين مفوقا ... بأسهم ألحاظ تشك المقاتلا.
وقال آخر:
غزاني الهوى في جيشه وجنوده ... وعبي علي الخيل من كل جانب.
بميمنة أعلامها أعين المها ... وميسرة تقضي بزج الحواجب.
وقال آخر:
لها حاجبان، الحسن والغنج منهما ... كأنهما نونان من خط ماشق.
العيون ووصفها فمن محاسنها: الدعج، وهو شدة السواد مع سعة المقلة.
البرج، وهو شدة سوادها وشدة بياضها.
النجل، سعتها.
الكحل، سواد جفونها من غير كحل.
الحور، اتساع سوادها كأعين الظباء. وقيل: هو سواد العين وشدة بياضها.
الوطف، طول أشفارها؛ وفي الحديث أنه كان عليه الصلاة والسلام في أشفاره وطف.
الشهلة، حمرة في سوادها.
ومن معايبها: الحوص، ضيق العين.
الخوص، غؤورها مع الضيق.
الشتر، انقلاب الجفن.
العمش، هو أن العين لا تزال سائلة رامصة.
الكمش، أن لا تكاد تبصر.
الغطش، شبه العمش.
الجهر، أن لا تبصر نهارا.
العشا، أن لا تبصر ليلا.
الخزر، أن ينظر بمؤخر عينه.
الغضن، أن يكسر عينه حتى تتغضن جفونه.
القبل، أن يكون كأنه ينظر إلى أنفه. وهو أهون من الحول.
الشطور، أن تراه ينظر إليك وهو ينظر إلى غيرك. وهو قريب من صفة الأحول. وفيه يقول الشاعر:
حمدت إلهي إذ بلاني بحبه ... وبي حول أغنى عن النظر الشزر.
نظرت إليه والرقيب يظننينظرت إليه فاسترحت من العذر.
الشوص، أن ينظر بإحدى عينيه ويميل وجهه في شق العين التي ينظر بها.
الخفش، صغر العين وضعف البصر. ويقال إنه فساد في العين يضيق له الجفن من غير وجع.
الدوش، ضيق العين وفساد البصر.
الإطراق، استرخاء الجفن.
الجحوظ، خروج المقلة وظهورها من الحجاج.
البخق، أن يذهب البصر؛ والعين منفتحة.
الكمه، أن يولد الإنسان وهو أعمى.
البخص، أن يكون فوق العين أو تحتها لحم ناتئ.
عوارض العين
يقال: حسرت عينه، إذا اعتراها كلال من طول النظر.
زرت عينه، إذا توقدت من خوف.
سدرت عينه، إذا لم تكد تبصر.
اسمدرت عينه، إذا لاحت لها سمادير؛ وهي ما يتراءى لها من أشباه الذباب وغيره.
قدعت عينه، إذا ضعفت من الإكباب على النظر.
حرجت عينه، إذا حارت.
قال ذو الرمة: وتحرج العين فيها حين تنتقب هجمت، إذا غارت.
ونقنقت، إذا زاد غؤورها؛ وكذلك حجلت وهججت.
ذهبت، إذا رأت ذهبا كثيرا فحارت فيه.
شخصت، إذا لم تكد تطرف من الحيرة.
كيفية النظر وهيئته
إذا نظر الإنسان إلى الشيء بمجامع عينيه، قيل: قد رمقه.
فإذا نظر من جانب أذنه، قيل: لحظه.
فإذا نظر إليه بعجلة، قيل: لمحه.
فإذا رماه ببصره مع حدة، قيل: حدجه بطرفه.
وفي الحديث ابن مسعود " حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم " .
فإن نظر إليه بشدة وحدة، قيل: أرشقه وأسف النظر إليه.
وفي حديث الشعبي أنه كره أن يسف الرجل إلى أمه وأخته وابنته.
فإن نظر إليه نظر المتعجب أو الكاره المبغض، قيل: شفنه وشفن إليه شفونا وشفنا.
فإن أعاره لحظ العداوة، قيل: نظر إليه شزرا.
فإن نظر إليه بعين المحبة، قيل: نظر إليه نظرة ذي علق.
فإن نظر إليه نظرة المستثبت، قيل: توضحه.
فإن نظر إليه واضعا يده على حاجبه مستظلا بها من الشمس ليستبين المنظور إليه: قيل استكفه واستوضحه واستشرفه.
فإن نشر الثوب ورفعه لينظر إلى صفاقته: قيل استشفه.
فإن نظر إلى الشيء كاللحمة ثم خفى عنه، قيل: لاحه لوحة. قال الشاعر: وهل تنفعني لوحة لو ألوحها فإن نظر إلى جميع ما في المكان حتى يعرفه، قيل: نفضه نفضا.
فإن نظر في كتاب أو حساب، قيل: تصفحه.
فإن فتح عينيه لشدة النظر، قيل: حدق.
فإن لألأهما، قيل: برق.
فإن انقلب حملاق عينيه، قيل: حملق.
فإن غاب سواد عينيه من الفزع، قيل: برق بصره.
فإن فتح عين مفزع أو مهدد، قيل: حمج.
فإن بالغ في فتحها وأحد النظر عند الخوف، قيل: حدج.
فإن كسر عينه عند النظر، قيل: دنقش وطرفش.
فإن فتح عينه وجعل لا يطرف، قيل: شخص. وفي القرآن العزيز: " شاخصة أبصارهم " .
فإن أدام النظر مع سكون، قيل: أسجد.
فإن نظر إلى أفق الهلال ليراه، قيل تبصره.
فإن أتبع الشيء بصره، قيل: أتأره بصره.
وقد أوسع الشعراء في وصف العيون ووصفوها بالمرض والسقم، وإن كانت صحيحة. فمن ذلك قول الشاعر:
برح السقم بي وليس صحيحا ... من رأت عينه عيونا مراضا.
إن للأعين المراض سهاما ... صيرت أنفس الورى أغراضا.
جوهر الحسن منذ أعراض للقل ... ب ثنى الجسم كله أعراضا.
وقال جرير:
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا.
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا.
وقال ذو الرمة:
وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولين بالألباب ما تفعل الخمر.
ومما وصفت به العيون على لفظ التذكير، فمن ذلك قول عبد الله بن المعتز:
عليم بما تحت الصدور من الهوى ... سريع بكر اللحظ والقلب جازع.
ويجرح أحشائي بعين مريضة ... كما لان مس السيف والسيف قاطع.
وقال خالد:
عينه سفاكة المهج ... من دمي في أعظم الحرج.
أسهرتني وهي لاهية ... باحورار العين والدعج.
وقال الهمذاني:
تعمل الأجفان بالدعج ... عمل الصهباء بالمهج.
قل لظبي تسترق له ... مهج الأحرار بالدعج.
أنت والأجفان ما لحظت ... من فتور العين في حرج.
كيف أدعو الله أسأله ... فرجا ممن به فرجي؟
وقال خالد:
ومريض طرف ليس يصرف طرفه ... نحو امرئ، إلا رماه بحتفه.
قد قلت إذ أبصرته متمايلا، ... والردف يجذب خصره من خلفه:
يا من يسلم خصره من ردفه، ... سلم فؤاد محبه من طرفه!
وقال أبو هفان:
أخو دنف رمته فأقصدته ... سهام من جفونك لا تطيش.
قواتل لاقداح سوى احورار ... بهن، ولا سوى الأهداب ريش.
وقال أبو تمام:
يا سقم الجفن من حبيبي، ... ألبستني حلة السقام!
كم قتلت مقلتاك ظلما ... من عاشق القلب مستهام.
يا من بعينيه لي غرام ... قرب من مهجتي حمامي!
قد رويت من دمي، فحسبي ... صوائب النبل والسهام!
وقال العسكري:
فأرعى تحت حاشية الدياجي ... شقائق وجنة سقيت مداما.
إذا كرت لواحظ مقلتيه، ... حسبت قلوبنا مطرت سهاما.
وقال ابن المعلم:
سل من بعينيه يصول: ... أهي اللحاظ أم النصول؟
ما جردت يوم النوى، ... إلا لتختلس العقول!
شهرت عيونهم سيو ... فا، ما بمضربها فلول.
تصمي بغير جراحة، ... تفري بغير دم يسيل.
ولها بأفئدة الهوى ... فتك، وليس لها صليل.
وقال آخر:
روحي الفداء لمن أدار بلحظه ... صهباء في عقلي لها تأثير!
ومن العجائب أن يدير بلحظه ... مشمولة، وإناؤها مكسور!
وقال آخر:
القلب بك المسلوب والملسوب ... والصب بك المعتوب والمتعوب.
يا من طلبت لحاظه سفك دمي: ... مهلا، ضعف الطالب والمطلوب!
وقال أبو تمام:
متطلب بصدوده قتلي ... فرد المحاسن وجهه شغلي.
ألحاظه في الخلق مسرعة ... فيما تريد كسرعة النبل.
وقال آخر:
ألحاظكم تجرحنا في الحشا، ... ولحظنا يجرحكم في الخدود.
جرح بجرح، فاجعلوا ذا بذا! ... فما الذي أوجب هذا الصدود؟
وقال آخر:
ومقلة شادن أودت بقلبي، ... كأن السقم لي ولها لباس.
يسل اللحظ منها مشرفيا ... لقتلي، ثم يغمده النعاس.
وقال ابن الرومي:
يا عليلا، جعل الع ... لة مفتاحا لظلمي!
ليس في الأرض عليل ... غير جفنيك وجسمي.
بك سقم في جفون، ... سقمها أكد سقمي.
وقال تاج الدين بن أيوب:
أسقمني طرفك السقيم، وقد ... حكاه مني في سقمه الجسد!
هب نسيم من نحو أرضك لي ... فزادني في هواك ما أجد.
وهاج شوقي، والنار ما برحت ... عند هبوب الرياح تتقد.
وقال ابن المعتز:
ضعيفة أجفانه، ... والقلب منه حجر!
كأنما ألحاظه ... من فعله تعتذر.
وصف العيون على لفظ التأنيث
فمن ذلك ما قاله عدي بن الرقاع:
وكأنها بين النساء أعارها ... عينيه أحور من جاذر جاسم.
وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم؟
وقال الناجم:
كاد الغزال يكونها، ... لكنما هو دونها.
والنرجس الغض الجن ... ي أغض منه جفونها.
من كان يعرف فضلها ... فعن القياس يصونها.
وقال أبو دلف:
نقتنص الآساد من غيلها، ... وأعين العين لنا صائده!
ينبو الحسام العضب عنا وقد ... تكلم فينا النظرة القاصدة!
تهابنا الأسد، ونخشى المها: ... آبدة ما مثلها آبده!
وقال آخر:
لله ما صنعت بنا ... تلك المحاجر في المعاجر!
أمضى وأنفذ في القلو ... ب من الخناجر في الحناجر!
وقال آخر:
ينظرن من خلل السجوف كأنما ... يمطرن أحشاء الكريم نبالا!
وقال أبو فراس الحمداني عفا الله تعالى عنه ورحمه:
وبيض بألحاظ العيون كأنما ... هززن سيوفا أو سللن خناجرا.
تصدين لي يوما بمنعرج اللوى ... فغادرن قلبي بالتصبر غادرا.
سفرن بدورا، وانتقبن أهلة، ... ومسن غصونا، والتفتن جاذرا.
وأطلعن في الأجياد للدر أنجما ... جعلن لحبات القلوب ضرائرا.
وقال ابن الرومي:
نظرت، فأقصدت الفؤاد بطرفها، ... ثم انثنت عني، فكدت أهيم!
ويلاي! إن نظرت وإن هي أعرضت: ... وقع السهام ونزعهن أليم!
وقال أيضا:
لطرفها وهو مصروف كموقعه ... في القلب حين يروع القلب موقعه.
تصد بالطرف لا كالسهم تصرفه ... عني، ولكنه كالسهم تنزعه.
وقال الأرجاني:
نقبوهن خشية العشاق! ... أو لم تكف فتنة الأحداق؟
إن في الأعين المراض لشغلا ... للمعنى عن الخدود الرقاق!
كل ما فات في الليالي المواضي ... فهو في ذمة الليالي البواقي.
وقال أيضا:
سترن المحاسن إلا العيونا ... كما يشهد المعرك الدارعونا.
سللن سيوفا ولاقيننا! ... فلا تسأل اليوم ماذا لقينا.
كسرن الجفون ولولا الرضا، ... بحكم الغرام كسرنا الجفونا.
وحسب الشهيد سرورا بأن ... يعاين حورا مع القتل عينا.
وقال أبو نواس:
ضعيفة كر الطرف تحسب أنها ... قريبة عهد بالإفاقة من سقم.
وقال آخر:
يا من تكحل طرفها ... بالسحر لا بالإثمد!
نفسي كما عذبتها ... وقتلتها بالإثم، دي!
أدواء العين
فمن ذلك: الغمص، أن لا تزال العين ترمص.
اللحح، أسوأ الغمص.
اللخص، التصاق الجفون.
العائر، الرمد الشديد. وفيه يقول النابغة:
وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمد.
وكذلك الساهك.
الغرب، ورم في المآقي.
السبل، أن يكون على بياضها وسوادها شبه غشاء.
السجا، أن يعسر على الإنسان فتح عينيه إذا انتبه من النوم: الظفر، ظهور ظفرة وهي جليدة تغشي العين من تلقاء المآقي.
الطرفة، أن يحدث في العين نقطة حمراء.
الانتشار، أن يتسع ثقب الناظر حتى يلحق البياض من كل جانب.
الحثر، أن يخرج في العين حب وهو الجرب.
القمر، أن يعرض للعين فترة وفساد. يقال: قمرت عينه.
مما قيل في أرمد
فمن ذلك قول عبد الله بن المعتز وقيل إنها لابن الرومي، وقيل للناجم:
قالوا: اشتكت عينه! فقلت لهم: ... من كثرة الفتك نالها الوصب!
حمرتها من دماء من قتلت، ... والدم في النصل شاهد عجب.
وقال ابن منير الطرابلسي:
رنا وفي طرفه احمرار، ... يغض من سحر مقلتيه.
وفاض من نرجسيه ماء، ... ضرجه ورد وجنتيه.
فقلت يا ممرضي بوجه، ... أظن دائي سرى إليه!
هيهات، لا تجحدن قتلي! ... هذا دمي شاهد عليه!
وقال الواثق بالله:
لي حبيب قد طال شوقي إليه، ... لا أسميه من حذاري عليه.
لم تكن عينه لتجحد قتلي، ... ودمي شاهد على وجنتيه!
وقال الصولي:
يكسر لي طرفا به حمرة، ... قد خلط النرجس في ورده.
ما احمرت العين، ولكنه ... يكحلها من وردتي خده!
وقال آخر:
قالوا: بدت في عينه حمرة ... قد حازها من مردة الخد.
فقلت: لم يرمد ولكنه ... يصافح النرجس بالورد!
وقال أبو عبد الله بن الحداد الوزير:
يا شاكي الرمد الذي بشكاته، ... قد صار دهري فيه ليلة أرمدا!
الله والإشفاق يعلم أنني ... لو أستطيع فدا، لكنت لك الفدا!
كم من دم سفكت جفونك لم تزل ... تخفي وتكتم سفكه حتى بدا.
لم يشتمل بدم غرار مهند ... إلا وقد أهدى النفوس إلى الردى.
وقال أبو الفرج الببغاء:
بنفسي ما يشكوه من راح طرفه ... ونرجسه مما دهى حسنه ورد!
أراقت دمي ظلما محاسن وجهه ... فأضحت وفي عينيه آثاره تبدو!
غدت عينه كالجمر حتى كأنما ... سقى عينه من ماء توريده الخد.
لئن أصبحت رمداء مقلة مالكي، ... لقد طال ما استشفت به مقل رمد!
وقال آخر:
قضب الهند والقنا أخدانك! ... والمقادير في الورى أعوانك!
أيها ذا الأمير ما رمدت عي ... نك! حاشا لها، ولا أجفانك!
بل حكت فعلك الكريم ليضحى ... شأنها في العلى سواء وشأنك.
فهي تحمر مثل سيفك في الرو ... ع، وتصفو كما صفا إحسانك.
وقال آخر وأجاد:
لقد جار ما تشكوه في الحكم واعتدى ... وأسرف في أفعاله وتمردا!
فمن لي بأن لو كنت أعرف حيلة ... تصير أجفاني لأجفانك الفدا؟
دهت عينك العين التي قد قضى القضا ... بأنك فيها سوف تصبح أرمدا.
فمذ بدلت من نرجس بشقائق، ... أعادت لجين الدمع مني عسجدا.
سللت حسام اللحظ منها على الورى، ... وقد كان أحرى أن يصان ويغمدا!
فأنت الذي أبليتها بالذي بها، ... إذا السيف لم يغمد تراكبه الصدا.
ومما قيل في أرمد غطى عينيه بشعرية،
قول السراج الوراق:
شعريتي، مذ رمدت قد حجبت ... كرفي عنكم، فصرت محبوسا.
الحمد لله! زادني شرفا: ... كنت سراجا فصرت فانوسا.
وقال آخر:
غطى على عينيه شعرية ... تشعل في القلب لهيب الغرام.
كأنه البدر بدا نصفه، ... ونصفه الآخر تحت الغمام!
وقال آخر:
لا تحسبوا شعرية أصبحت ... من رمد في وجهه مرسلة.
وإنما وجنته كعبة، ... أستارها من فوقها مسبلة.
ومن رقعة كتبها أرمد وهو عبد الله بن عثمان الواثقي غفا الله عنه. قال: صادف ورود كتابه رمدا في عيني قد حصرني في الظلمة، وحبسني بين الغم والغمة، وتركني أدرك بيدي ما كنت أدرك بعيني: كليل سلاح البصر، قصير خطو النظر. قد ثكلت مصباح وجهي، وعدمت بعضي، الذي هو آثر عندي من كلي. فالبيض عندي سود، والقريب مني بعيد! قد أحاط الوجع أجفاني، وقبض عن التصرف بناني؛ ففراغي شغل، ونهاري ليل، وطوال الخطا قصار، وقصار أوقاتي طوال. وأنا ضرير وإن عددت في البصراء، وأمي وإن كنت من جملة الكتاب والقراء. قد قصرت العلة خطوتي قلمي وبناني، وقامت بين يدي ولساني.
وقد كانت العرب تزاوج بين كلمات، فيقولون: القلة ذلة، والوحدة وحشة، والهوى هوان، والأقارب عقارب، والمرض حرض، والرمد كمد، والعلة قلة، والقاعد مقعد.
والله تعالى أعلم.
ترتيب البكاء
إذا تهيأ الرجل للبكاء، قيل: أجهش.
فإذا امتلأت عينه دموعا، قيل: اغرورقت عينه، وترقرقت.
فإذا سالت، قيل: دمعت، وهمعت.
فإذا كثرت دموعه، قيل: همت.
فإن كان لبكائه صوت، قيل: نحب ونشج.
فإذا صاح مع بكائه، قيل: أعول.
قال سلم الخاسر:
أتتني تؤنبني في البكاء ... فأهلا بها، وبتأنيبها!
تقول، وفي قولها حشمة: ... أتبكي بعين تراني بها؟
فقلت: إذا استحسنت غيركم، ... أمرت الدموع بتأديبها.
الأنف الشمم، ارتفاع قصبة الأنف مع استواء أعلاها.
القنا، طول الأنف، ودقة أرنبته، وحدب في وسطه.
الفطس، تطامن قصبته مع ضخم الأرنبة.
الخنس، تأخر الأنف عن الوجه.
الدلف، شخوص طرفه مع صغر أرنبته.
الخشم، فقدان حاسة الشم.
الخرم، شق في المنخرين.
الخثم، عرض الأنف. يقال ثور أخثم.
القعم، اعوجاج في الأنف. قال الشاعر:
لين المنخرين معتدل الما ... رن لا سائل ولا جعد.
الشفاه والفم، الشدق..، سعة الشدقين.
الضجم، ميل في الفم وفيما يليه.
الضزز، لصوق الحنك الأعلى بالأسفل.
الهدل، استرخاء الشفتين وغلظهما.
اللطع، بياض يعتريهما.
القلب، انقلابهما.
الجلع، قصرهما عن الانضمام.
تقسيم ماء الفم
ما دام فيه، فهو ريق، ورضاب.
فإذا علك، فهو عصيب.
فإذا سال، فهو لعاب.
فإذا رمى به، فهو بزاق، وبصاق.
ترتيب الضحك
التبسم أول مراتبه، ثم الإهلاس وهو إخفاؤه، ثم الافترار، ثم الانكلال وهما الضحك الحسن، ثم الكتكتة أشد منهما، ثم القهقهة والقرقرة والكركرة، ثم الاستغراب، ثم الطخطخة، ثم الإهزاق والزهزقة، وهو أن يذهب الضحك به كل مذهب.
قال كشاجم:
عذبت في الرشف منه شفة ... مصها أطيب من نيل الأمل!
وعليها حمرة في لعس ... تستعير اللون من صبغ الخجل!
هي فيما خلت آثار دم ... من فؤادي، عل فيه ونهل!
وقال ابن سكرة الهاشمي:
يا ضاحكا، يستهل مضحكه ... عن برد واضح وعن شنب!
أعطيتني قبلة رشفت بها الش ... هد مشوبا بعبرة العنب.
كأنني إذ لثمت فاك بها ... لثمت تفاحة من الذهب.
وقال كشاجم:
كأن الشفاه اللعس منها خواتم ... من التبر مختوم بهن على در.
وقال سيف الدولة بن حمدان، في صباه:
أقبله على عجل ... كشرب الطائر الفزع.
رأى ماء فأطمعه ... فخاف عواقب الطمع.
فصادف فرصة فدنا ... ولم يلتد بالجرع.
طيب الريق والنكهة
طيب الريق على لفظ التذكير
فمن ذلك قول ابن الرومي:
أهيف الغصن، أهيل الدعص لما ... يقتسم قده وشاح ومرط.
طيب طعمه إذا ذقت فاه، ... والثريا في جانب الغرب قرط.
وقال آخر:
يا مانعي طيب المنام، ومانحي ... ثوب السقام، وتاركي كالآل!
عمن أخذت جواز منعي ريقك ال ... معسول، يا ذا المعطف العسال؟
عن ثغرك النظام، أم عن شعرك ال ... فحام، أم عن طرفك الغزال؟
وقال آخر:
أتدرون شمعتنا لم هوت؟ ... لتقبيل ذا الرشا الأكحل!
درت أن ريقته شهدة ... فحنت إلى إلفها الأول.
وقال بشار بن برد:
يا أطيب الناس ثغرا غير مختبر ... إلا شهادة أطراف المساويك!
وقال ابن وكيع البستي:
ريق إذا ما ازددت من شربه ... ريا، ثناني الري ظمآنا.
كالخمر أروى ما يكون الفتى ... من شربها أعطش ما كانا.
وقال ابن الرومي:
يا رب ريق بات بدر الدجى ... يمجه بين ثناياكا.
يروي ولا ينهاك عن شربه ... والماء يرويك وينهاكا.
وقال أبو الفتح كشاجم:
بلغته الكأس فارتعدت ... طربا منها إلى فمه.
منعته أن يؤخرها ... في يديه من تحشمه.
فحساها ثم أعقبها ... أرجا من طيب مبسمه.
وقال آخر:
بقدر الصبابة عند المغيب، ... تكون المسرة عند الحضور.
وأطيب ما كان برد الثغور ... إذا هو صادف حر الصدور.
طيب الريق على لفظ التأنيث
فمن ذلك قول ابن ميادة:
كأن على أنيابها المسك شابه ... بعيد الكرى من آخر الليل عابق.
وما ذقته إلا بعيني تفرسا ... كما شيم في أعلى السحابة بارق.
يضم إلي الليل أذيال حبها ... كما ضم أردان القميص البنائق.
وقال البحتري:
كأن على أنيابها بعد هجعة، ... إذا ما نجوم الليل حان انحدارها،
مجاجة مسك صفقت بمدامة ... معتقة صهباء، حان اعتصارها.
وقال ذو الرمة:
أسيلة مجرى الدمع هيفاء طفلة ... عروب،كإيماض الغمام ابتسامها.
كأن على فيها، وما ذقت طعمه، ... زجاجة خمر طاب فيها مدامها
وقال كشاجم:
البدر لا يغنيك عنها إذا ... غابت وتغنيك عن البدر.
في فمها مسك ومشمولة ... صرف ومنظوم من الدر.
فالمسك للنكهة، والخمر للر ... يقة، واللؤلؤ للثغر.
وقال الهذلي:
وما صهباء صافية شمول، ... كعين الديك منجاب قذاها،
تشج بماء سارية عريض ... على ظمأ به رصيف صفاها،
بأطيب نكهة من طعم فيها ... إذا ما طار عن سنة كراها.
وقال ابن الرومي:
وما تعتريها آفة بشرية ... من النوم إلا أنها تتختر.
كذلك أنفاس الرياض بسحرة ... تطيب وأنفاس الأنام تغير.
وما ذقته إلا بشم ابتسامها ... وكم مخبر يدنيه للعين منظر.
وغير عجيب طيب أنفاس روضة ... منورة باتت تراح وتمطر.
وقال جميل:
وكأن طارقها على علل الكرى، ... والنجم وهنا قد دنا لتغور،
يستاف ريح مدامة معلولة ... بذكي مسك أو سحيق العنبر.
وقال الشريف الموسوي، شاعر اليتيمة:
يا عذبة المبسم! بلي الجوى ... بنهلة من ريقك البارد!
أرى غديرا سيحا ماؤه، ... فهل لذاك الماء من وارد؟
من لي بذاك العسل الذائب ال ... جاري خلال البرد الجامد؟
طيب عرف النساء قالوا: من أجود ما قيل في ذلك من قديم الشعر قول الأعشى:
ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل،
يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزر بعميم النبت مكتهل،
يوما بأطيب منها نشر رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل.
وقول القطامي:
وما ريح قاع ذي خزامى وحوله ... شذا أرج من طيب النبت غارب،
بأطيب من مي إذا ما تقلبت ... من الليل وسنى جانبا بعد جانب.
أخذه ابن المعتز ببعض لفظه وزاد زيادة حسنة، فقال:
وما ريح قاع مست الندى ... وروض من الريحان سحت سحائبه،
فجاء سحيرا بين يوم وليلة ... كما جر من ذيل الغلالة ساحبه،
بأطيب من أنياب سرة موهنا ... إذا الليل أدجى وارجحنت كتائبه.
إذا رغبت عن جانب من فراشها ... تضوع مسكا أين مالت جوانبه.
وقال ابن الرومي:
والعرف ند ذكي، وهي ذاكية ... إذا أساء جوار العطر أبدان.
نعيم كل بهار من مجامرها ... ويشمس الليل منها فهو ضحيان.
كأنها، وعثان الند يشملها، ... شمس عليها ضبابات وأدجان.
وقال ابن الأحنف:
ذكرتك بالريحان لما شممته ... وبالراح لما قابلت أوجه الشرب.
تذكرت بالريحان منك روائحا ... وبالراح طعما من مقبلك العذب.
ومن بليغ قول سحيم:
فما زال بردى طيبا من ثيابها ... إلى الحول، حتى أنهج البرد باليا.
وأبلغ منه قول الأحنف:
وجد الناس ساطع المسك من دج ... لة قد أوسع المشارع طيبا.
فهم ينكرون ذاك وما يد ... رون أن قد حللت منها قريبا.
وقال آخر:، وأحسن:
جارية أطيب من طيبها ... والطيب فيها المسك والعنبر.
ووجهها أحسن من حليها ... والحلي فيها الدر والجوهر.
وقال امرؤ القيس:
ألم تر أني كلما جئت طارقا، ... وجدت بها طيبا، وإن لم تطيب.
وقال آخر:
أتاها بعطر أهلها فتضاحكت ... وقالت: وهل يحتاج عطر إلى عطر؟
وقد بالغوا حتى وصفوا طيب المواضع التي وطئها المحبوب.
وأول من قال ذلك النميري الشاعر في زينب بنت يوسف أخت الحجاج فقال:
تضوع مسكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات.
وقال جميل:
ألا أيها الربع الذي غير البلى! ... عفا وخلا، من بعدما كان لا يخلو.
تداءب ريح المسك فيه وإنما ... به المسك أن جرت به ذيلها جمل.
وقول الآخر:
أرى كل أرض دست فيها، وإن مضت ... لها حجج، يزداد طيبا ترابها!
الأسنان
من محاسنها
الشنب، وهو رقة الأسنان واستواؤها وحسنها.
الرتل، حسن تنضيدها واتساقها.
التفليج، تفرج ما بينها.
الشتت، تفرقها من غير تباعد بل في استواء وحسن. يقال: ثغر شتيت، إذا كان مفلجا حسنا أبيض.
الأشر، تحزيز في أطراف الثنايا يدل على حداثة السن.
الظلم، الماء الذي يجري على الأسنان من البريق لا من الريق.
في مقابحها
الروق، طولها.
الكسس، صغرها.
الثغل، تراكبها وزيادة سن فيها.
الشغا، اختلاف منابتها.
اللصص، شدة تقاربها وانضمامها.
اليلل، إقبالها على باطن الفم.
الدفق، انصبابها إلى قدام.
الفقم، تقدم سفلاها على العليا.
القلح، صفرتها.
الطرامة، خضرتها.
الحفر، ما يلزق بها.
الدرد، ذهابها.
الهتم، انكساها.
اللطط، سقوطها.
ترتيب الأسنان
وهي: أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربع أنياب، وأربع ضواحك، وثنتا عشرة رحا، وأربعة نواجذ.
قال أبو الفتح كشاجم:
عرضن! فعرضن القلوب من الجوى ... لأسرع في كي القلوب من الجمر!
كأن الشفاه اللعس فيها خواتم ... من المسك، مختوم بهن على در.
وقال أيضا:
كالغصن في روضة تميس: ... تصبو إلى حسنها النفوس.
ما شهدت والنساء عرسا، ... فشك في أنها عروس!
تبسم عن باسم برود ... تعبق من طيبه الكؤوس.
يجمع فيه لمجتنيه: ... مسك، وورد، وخندريس.
وقال المتنبي:
ويبسمن عن در تقلدن مثله ... كأن التراقي وشحت بالمباسم.
وقال الصنوبري:
تلك الثنايا من عقدها نظمت، ... بل نظم العقد من ثناياها.
وقال البحتري:
ويرجع الليل مبيضا إذا ضحكت ... عن أبيض خصل السمطين وضاح.
وقال ابن الرومي:
كأني لم أبت أسقى رضابا: ... يموت به ويحيا المستهام!
تعللنيه واضحة الثنايا، ... كأن لقاءها حولا لمام.
تنفس كالشمول ضحى شمال ... إذا ما فض عن فمها الختام.
وقال النابغة:
تجلو بقادمتي حمامة أيكة ... بردا، أسف لثاته بالإثمد.
كالأقحوان غداة غب سمائه ... جفت أعاليه، وأسفله ندى.
وقال شقيق بن سليل:
وتبسم عن ألمى اللثات، مفلج: ... خليق الثنايا بالعذوبة والبرد.
وقال جميل:
بذي أشر كالأقحوان يرينه ... ندى الطل، إلا أنه هو أملح.
وقال السمهري:
كأن وميض البرق بيني وبينها، ... إذا حان من بعض البيوت، ابتسامها.
وقال آخر:
أحاذر في الظلماء أن تستشفني ... عيون العبارى في وميض المضاحك!
في السواك
قول بعض الشعراء:
أقول لمسواك الحبيب: لك الهنا، ... بلثم فم ما ناله ثغر عاشق!
فقال، وفي أحشائه حرق الجوى ... مقالة صب للديار مفارق:
تذكرت أوطاني فقلبي كما ترى، ... أعلله بين العذيب وبارق!
وقال آخر:
نقل الأراك بأن ريقة ثغره ... من قهوة، مزجت بماء الكوثر.
قد صح ما نقل الأراك لأنه ... قد جاء يروي عن " صحاح الجوهري " .
وقال آخر:
بالله، إن جزت بوادي الأراك ... وقبلت أغصانه اللدن فاك،
فانبعث إلى المملوك من بعضها ... فإنني والله مالي سواك!
مما قيل في اللسان
من محاسنه
إذا كان الرجل حاد اللسان قادرا على الكلام، فهو ذرب اللسان، وفتيق اللسان.
فإذا كان جيده، فهو لسن.
فإذا كان يضعه حيث أراد، فهو ذليق.
فإذا كان فصيحا بين اللهجة، فهو حذاقي.
فإذا كان مع حدة اللسان بليغا، فهو مسلاق.
فإذا كان لا يعترض لسانه عقدة، ولا يتحيف بيانه عجمة، فهو مصقع.
فإذا كان المتكلم عن القوم، فهو مدره.
فصل في عيوبه الرتة، حبسة في لسان الرجل، وعجلة في كلامه.
اللكنة والحكلة، عقدة في اللسان وعجمة في البيان.
الهتهتة بالتاء والثاء، حكاية التواء اللسان عند الكلام.
التعتعة بالتاء والثاء، حكاية صوت الألكن والعي.
اللثغة، أن يصير الراء لاما من كلامه.
الفأفأة، أن يتردد في الفاء.
التمتمة، أن يتردد في التاء.
اللفف، أن يكون في اللسان ثقل وانعقاد.
الليغ، أن لا يبين الكلام.
اللجلجة، أن يكون فيه عي وإدخال بعض كلامه في بعض.
الخنخنة، أن يتكلم من لدن أنفه. ويقال: هي أن لا يبين الرجل كلامه فيخنخن في خياشيمه.
المقمقة، أن يتكلم من أقصى حلقه.
في ترتيب العي
يقال: رجل عيي، ثم حصر، ثم فه، ثم مفحم، ثم لجلاج، ثم أبكم.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: المرء مخبو تحت لسانه.
وقال شاعر:
وما المرء إلا الأصغران: لسانه ... ومعقوله. والجسم خلق مصور.
وقال امرؤ القيس:
وذلك من نبأ جاءني، ... وخبرته عن أبي الأسود.
ولو عن نثا غيره جاءني، ... وجرح اللسان كجرح اليد.
النثا القبيح من الكلام.
وقال جرير:
لساني وسيفي: صارمان كلاهما! ... وللسيف أشوى وقعة من لسانيا!
قوله أشوى إذا أخطأ المقتل.
وقال آخر:
وجرح السيف تدامله فيبرى، ... وجرح الدهر ما جرح اللسان!
حسن الحديث والنغمة
فمن ذلك قول ذي الرمة:
ولما تلاقينا، جرت من عيوننا ... دموع كففنا غربها بالأصابع.
ونلنا سقاطا من حديث كأنه ... جنى النحل ممزوجا بماء الوقائع.
وقال أيضا:
وإنا ليجري بيننا حين نلتقي ... حديث له وشي كوشي المطارف!
حديث كوقع القطر في المحل يشتفى ... به من جوى في داخل القلب، لاطف.
وقال ابن الرومي:
ولقد سئمت مآربي، ... فكأن طيبها خبيث.
إلا الحديث فإنه ... مثل اسمه أبدا حديث.
وقال بشار:
وكأن رجع حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا.
وكأن تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا.
وتخال ما اشتملت علي ... ه ثيابها: ذهبا وعطرا.
وقال البحتري:
فلما التقينا والنقا موعد لنا تعجب رائي الدر حسنا ولاقطه.
فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها، ... ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه!
وقال آخر:
ظللنا نشاوي عند أم محمد ... بنوم، ولم نشرب شرابا ولا خمرا!
إذا صمتت عنا، صحونا بصمتها؛ ... وإن نطقت، هاجت لألبابنا سكرا.
وقال ابن الرومي عفا الله عنه:
وحديثها السحر الحلال، لو أنه ... لم يجن قتل العاشق المتحرز.
إن طال لم يملل، وإن هي أوجزت ... ود المحدث أنها لم توجز.
شرك القلوب، وفتنة ما مثلها ... للمطمئن، وعقلة المستوفز.
وقال القطامي:
فهن ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلة الصادي.
وقال علي بن عطية البلنسي:
لمتني فخلت درا نثيرا، ... وتأملت عقدها هل تناثر.
فازدهاها جمالها، فأرتني ... عقد در من التبسم آخر!
وقال الوأواء الدمشقي:
وحديث كأنه ... أوبة من مسافر.
كان أحلى من الرقا ... د لدي طرف ساهر.
بت ألهو بطيبه ... في رياض زواهر:
بين ساق وسامر ... ومغن وزامر.
وقال الطائي:
مدت إليك بنانة أسروعا، ... تشكو الفراق، ومقلة ينبوعا.
كادت لعرفان النوى ألفاظها ... من رقة الشكوى تكون دموعا.
وقال ابن المعتز:
وسر أحاديث عذاب لو أنها ... جني النحل، لم تمجج حلاوتها النحل.
ومما قيل في الأذن، الصمع، صغرها.
السكك، كونها في نهاية الصغر.
القنف، استرخاؤهما وإقبالهما إلى الوجه.
الخطل، غلظهما.
في ترتيب الصمم يقال: بأذنه وقر.
فإذا زاد، فهو صمم.
فإذا زاد، فهو طرش.
فإذا زاد حتى لا يسمع الرعد، فهو صلخ.
مما وصف به الصدغ، فمن ذلك قول عبد الله بن المعتز:
ريم! يتيه بحسن صورته، ... عبث الفتور بلحظ مقلته.
فكأن عقرب صدغه وقفت، ... لما دنت من نار وجنته.
وقال ابن الرومي:
أبدا نحن في خلاف: فمني ... فرط حب ومنك لي فرط بغض.
فبصدغيك فوق خط عذار ... ظلمات، وبعضها فوق بعض.
وقال الصاحب بن عباد:
وعهدي بالعقارب حين تشتو ... تخفف لدغها وتقل ضرا.
فما بال الشتاء أتى، وهذا ... عقارب صدغه يزددن شرا؟
وقال ابن المعتز:
أمن سبج في عارضيه صوالج ... معطفة تفاح خديه تضرب؟
وما ضره نار بخديه الهبت؛ ... ولكن بها قلب المحب يعذب؟
عناقيد صدغيه بخديه تلتوي ... وأمواج ردفيه بخصريه تقلب.
شربت الهوى صرفا زلالا، وإنما ... لواحظه تسقي وقلبي يشرب.
وقال الثعالبي:
صولجان في يدي شادن ... لا يسمع العاشق أن يذكره.
وصولجان المسك في خده ... متخذ حبة قلبي كره.
وقال الناشئ الأصغر:
لك صدغ كأنما ... نونه ونون كاتب.
يلدغ الناس إذ تعق ... رب لدغ العقارب.
وقال الصاحب بن عباد:
يا شادنا في وجهه عقرب ... ما يستجيب الدهر للراقي.
يسلم خداه على لدغها، ... ولدغها في كبدي باقي!
وقال عمر المطوعي:
بنفسي من تمت محاسن وجهه! ... فما هو إلا البدر عند تمام.
وأرسل صدغا فوق خد كأنه ... جناح غراب فوق طوق حمام.
وقال آخر:
حلت عقارب صدغه في خده ... قمرا، فجل بها عن التشبيه!
ولقد عهدناه يحل ببرجها ... فمن العجائب كيف جلت فيه؟
وقال العماد الأصبهاني:
وإذا بدا لك صدغه في وجهه، ... أبصرته قمرا بدا في العقرب!
وقال أبو الفتح كشاجم:
ومنعن ورد خدودهن فلم نطق ... قطفا لها لعقارب الأصداغ!
وصف الخدود والوجنات
فمن ذلك ما ورد على لفظ التذكير.
قال أبو الفتح كشاجم:
غدا، وغدا تورد وجنتيه ... لعين محبه يصف الرياضا.
على خديه ماء عسجدي؛ ... فلو نظر الرقيب إليه، غاضا.
وقال آخر:
دعوت بماء في زجاج، فجاءني ... حبيبي به خمرا نظرت له شزرا.
فقال: هو الماء القراح وإنما ... تجلى له خدي فأوهمك الخمرا!
وقال أبو القاسم عبد الغفار المصري، شاعر اليتيمة:
ورد الخدود أرق من ... ورد الرياض وأنعم.
هذا تنشقه الأنو ... ف، وذا يقبله الفم.
فإذا عدلت، فأفضل ال ... وردين ورد يلثم.
وقال أيضا ويروى للوأواء الدمشقي:
لا تظلموا الناس ولا تطلبوا ... بثارى اليوم أذى مسلم!
ويا لقومي دونكم شادنا ... معتدل القامة والمبسم!
فإن أبى إلا جحود الهوى ... واكتتم الأمر ولم يعلم،
قولوا له يكشف عن خده؛ ... فإن فيه نقطا من دمي.
وقال ابن الرومي:
وغزال ترى على وجنتيه ... قطر سهميه من دماء القلوب.
لهف نفسي لتلك من وجنات ... وردها ورد شارق مهضوب!
أنهلت صبغ نفسها ثم علت ... من دماء القتلى بغير ذنوب.
جرحته العيون فاقتص منها ... بجوى في القلوب دامي الندوب.
وقال أيضا:
يا وجنتيه اللتين من بهج ... في صدغيه اللذين من دعج!
ما حمرة فيكما: أمن خجل، ... أم صبغة الله، أم دم المهج؟
وقال أبو الفتح البستي:
ومهفهف غنج الشمائل أزعجت ... قلبي محاسن وجهه إزعاجا.
درت الطبيعة أن فاحم شعره ... ليل فأذكت وجنتيه سراجا.
وقال عبد الله بن المعتز:
يا من يجود بموعد من لحظه ... ويصد حين أقول: أين الموعد؟
ويظل صباغ الحياء بخده ... تعبا: يصفر تارة ويورد.
وقال الراضي بالله:
يصفر وجهي إذا تأملني ... خوفا، ويحمر خده خجلا.
حتى كأن الذي بوجنته ... من ماء وجهي إليه قد نقلا.
وقال الخبزأرزي:
صل بخدي خديك، تلق عجيبا ... من معان يجار فيها الضمير.
فبخديك للربيع رياض، ... وبخدي للدموع غدير.
وقال أيضا:
أظهر الكبرياء من فرط زهو، ... فتلقيته بذل الخضوع.
وحباني ربيع خديه بالور ... د فأمطرته سحاب الدموع.
وقال الصنوبري:
رق، فلو كلفته أعيننا ... أن يرشح الخمر خده، رشحا.
وقال المفجع:
ظبي إذا عقرب أصداغه، ... رأيت ما لا يحسن العقرب.
تفاح خديه له نضرة ... كأنه من دمعتي يشرب.
وقال آخر:
ومبيح أسرار القلو ... ب بوجنتيه وحاجبيه.
جمع الإله له المحا ... سن ثم أفرغها عليه.
وكأن مرآتين عل ... قتا بصفحة عارضيه.
وكأن ورد الجلن ... ار مضعف في وجنتيه.
وقال علي بن عطية البلنسي في غلام جرح خده:
وأحوى رمى عن قسي الحور ... سهاما يفوقهن النظر.
يقولون: وجنته قسمت ... ورسم محاسنه قد دثر.
وما شق وجنته عابثا ... ولكنها آية للبشر.
جلاها لنا الله كيما نرى ... بها كيف كان انشقاق القمر.
وصفها على لفظ التأنيث
فمن ذلك قول عبد الله بن المعتز:
نجل العيون، سواحر اللحظات ... هيجن منك سواكن الحركات.
أقبلن يرمين الجمار تنسكا، ... فجعلن قلبك موضع الجمرات.
فكأنهن غصون بان ناعم ... يحملن تفاحا على الوجنات.
وقال ابن الرومي:
تشرع الألحاظ في وجنتها ... فتلاقي الري من مشربها.
فهي حسب العين من نزهتها، ... وهي حسب الأذن من مطربها.
وقال ديك الجن:
بأبي الثلاث الآنسا ... ت الرائقات الغانيات!
أقبلن، والأصداغ في ... وجناتهن معقربات!
ألفاظهن مؤنثا ... ت والجفون مذكرات!
حتى إذا عاينته ... ن وللأمور مسببات،
جمشتهن، وقلت: طي ... ب عناقكن هو الحياة!
فخجلن حتى خلت أ ... ن خدودهن معصفرات.
مما وصفت به الخيلان فمن ذلك ما ورد على لفظ التذكير.
قال بعض الشعراء:
في الساعد الأيمن خال له ... مثل السويداء على القلب.
كأنه من سبج فاحم ... مركب من لؤلؤ رطب.
وقال ابن منير الطرابلسي:
لاح لنا عاطلا، فصيغ له ... مناطق من مراشق المقل.
حياة روحي وفي لواحظه ... حتفي بين النشاط والكسل.
ما خاله من فتيت عنبر صد ... غيه ولا قطر صبغة الكحل.
لكن سويداء قلب عاشقه ... طفت على نار وردة الخجل.
وقال أيضا:
أنكرت مقلته سفك دمي، ... وعلى وجنته فاعترفت.
لا تخالوا خاله في خده ... قطرة من صبغ جفن نطفت.
تلك من نار فؤادي جذوة ... فيه ساخت وانطفت ثم طفت!
وقال آخر:
لا تخال الخال يعلو خده ... نقط مسك ذاب من طرته.
ذاك قلبي سلبت حبته ... فاستوت خالا على وجنته.
وقال ابن منير:
كأن خديه ديناران قد وزنا ... وحرر الصيرفي الوزن واحتاطا.
فخف إحداهما عن وزن صاحبه، ... فحط فوق الذي قد خف قيراطا.
وقال آخر:
أضحى ليوسف في الجمال خليفة، ... يخشاه كل العالمين إذا بدا.
عرج معي وانظر إليه لكي ترى ... في خده علم الخلافة أسودا.
وقال آخر:
كم قلت للنفس: اذهبي، ... فحبه المشهور من مذهبي!
مهفهف القد له شامة ... من عنبر في خده المذهب.
آيسني التوبة من حبه ... طلوعه شمسا من المغرب!
وقال آخر:
ومهفهف من شعره وجبينه ... يغدو الورى في ظلمة وضياء.
لا تنكروا الخال الذي في خده ... كل الشقيق بنقطة سوداء.
وقال آخر:
لهيب الخد حين رأته عيني ... هوى قلبي عليه كالفراش.
فأحرقه فصار عليه خالا؛ ... وها أثر الدخان على الحواشي!
وقال آخر:
بدا على خده خال يزينه، ... فزادني شغفا منه إلى شغفي،
كأن حبة قلبي عند رؤيته ... طارت فقلت لها: في الخد منه قفي!
وقال آخر:
خيلان خدك ردت ... صحيح قلبي مريضا.
في العين سود، ولكن ما زلن في القلب بيضا.
وقال آخر:
خدك مرآة كل حسن ... يحسن من حسنها الصفات.
مالي أرى فوقه نجوما ... قد كسفت وهي نيرات؟
وقال آخر:
حجت إلى وجهك أبصارنا ... طائفة، يا كعبة الحسن!
تمسح خالا منك في وجنة ... كالحجر الأسود في الركن.
وقال الأسعد بن بليطة:
سكران لا أدري وقد وافى بنا أمن الملاحة أم من الجريال.
تتنفس الصهباء في لهواته ... كتنفس الريحان في الآصال.
وكأنما الخيلان في وجناته ... ساعات هجر في ليال وصال.
وصفه على لفظ التأنيث
فمن ذلك قول أبي الفتح كشاجم:
فديت زائرة في العيد واصلة ... لمستهام بها للوصل منتظر.
فلم يزل خدها ركنا ألوذ به، والخال في صحنه يغني عن الحجر.
وقال العباس بن الأحنف:
محجوبة في الخدر عن كل ناظر، ... ولو برزت، ما ضل بالليل من يسري.
بخال بذاك الخد أحسن منظرا ... من النقطة السوداء في وضح البدر.
مما قيل في العذار فمن ذلك ما ورد فيه على سبيل المدح قال ماني الموسوس عفا الله عنه ورحمه:
وما غاضت محاسنه؛ ولكن ... بماء الحسن أورق عارضاه.
سمعت به فهمت إليه شوقا! ... فكيف لك التصبر، لو تراه؟
وقال أبو فراس:
من أين للرشاء الغرير الأحور ... في الخد مثل عذاره المنحدر؟
يا من يلوم على هواه سفاهة! ... أنظر إلى تلك السوالف، تعذر.
قمر كأن بعارضيه كليهما ... مسك تساقط فوق ورد أحمر.
وقال ابن المعدل:
سالت مسايل عارضي ... ه بنفسجا في ورده.
فكأنه من حسنه ... عبث الربيع بخده.
وقال الخباز البلدي:
وعارض مثل دارة البدر ... دار بوجه كليلة القدر.
فلو تراه وحسن منظره، ... شهدت أن الجمال للشعر.
وقال ابن المعتز:
وتكاد الشمس تشبهه ... ويكاد البدر يحكيه.
كيف لا يخضر عارضه، ... ومياه الحسن تسقيه؟
وقال محمد بن وهب:
صدودك في الورى هتك استتاري، ... وساعده البكاء على اشتهاري.
ولم أخلع عذاري فيك إلا ... لما عانيت من حسن العذار.
وكم أبصرت من حسن، ولكن ... عليك من الورى وقع اختياري.
وقال أبو الفرج الوأواء:
وشمس بأعلاه ولبلان أسبلا ... بخديه، إلا أنها ليس تغرب.
ولما حوى نصف الدجى نصف خده ... تحير حتى ما درى أين يذهب.
وقال الخبزأرزي:
انظر إلى الغنج يجري في لواحظه، ... وانظر إلى دعج في طرفه الساجي!
وانظر إلى شعرات فوق عارضه ... كأنهن نمال سرن في العاج!
وقال أيضا:
وجه تكامل حسنه ... لما تطرفه عذاره.
والسيف أحسن ما ترى ... ما كان مخضرا غراره.
وقال الأمير سيف الدين المشد:
ولائم في عذار بدر ... لم أستطع عن هواه ميلا.
فقلت، والدمع في جفوني ... لفرط وجدي تسيل سيلا:
ضللت في خده نهارا! ... كيف رشادي، وصار ليلا؟
وقال أيضا:
ولما أن بدا في الخد شعر ... توقف عند منتصف العذار.
فقلت للائمي فيه: تعجب ... لنصف الليل في نصف النهار!
وقال أيضا:
ومهفهف يحمي ورود رضابه ... بصوارم سلت من الأجفان.
كتب العذار بليقة مسكية ... في خده سطرا من الريحان.
وقال أيضا:
يقول العواذل لما بدا ... على خده شعر زائر:
ذوي ورد خديه، قلت: اقصروا ... فنرجس ألحاظه وافر!
وقال آخر:
وقالوا: تسلى فقد شانه ... عذار أراحك من صده.
فقلت: وهمتم، ولكنني ... خلعت العذار على خده.
وقال آخر:
بروحي وقلبي ذلك العارض الذي ... غدا مسكه فوق السوالف سائلا.
درى خده أني أجن من الهوى، ... فأظهر لي الجنون سلاسلا!
وقال آخر:
أصبحت مأسورا بغنج لحاظه ... ومقيدا من صدغه بسلاسل.
حتى بدا سيف العذار مجردا ... فخشيت منه، فقلت هذا قاتلي!
وقال آخر:
قالت: اسود عارضاك بشعر، ... وبه تقبح الوجوه الحسان!
قلت: أشعلت في فؤادي نارا، ... فعلى عارضي منه دخان!
وقال آخر:
قلت، وقد أبصرته مقبلا ... وقد بدا الشعر على الخد:
صعود ذا النمل على خده ... يشهد أن الريق من شهد.
ومثله قول الآخر:
قالوا: التحى، فاصب إلى غيره! ... قلت لهم: لست إذا أسلو!
لو لم يكن من عسل ريقه، ... ما دب في عارضه النمل.
وقال آخر:
عذاره أحسس ما فيه، ... تيهه من أحسن التيه.
في فمه الشهد، فلا تعجبوا ... إن دب نمل بعذاريه.
وقال آخر:
أصلى بنار الخد عنبر خاله ... فغدا العذار دخان ذاك العنبر.
وقال آخر وقد تقدم إيراده في صفاء الخد:
أعد نظرا، فما في الخد نبت ... حماه الله من ريب المنون!
ولكن رق ماء الوجه حتى ... أراك مثال أهداب الجفون.
ومثله قول الآخر وقد تقدم إيراده:
ولما استدارت أعين الناس حوله ... تلاحظه كيف استقل وسارا،
تمثلت الأهداب في ماء وجهه ... فظنوا خيال الشعر فيه عذارا.
وقال الحاجري:
وما اخضر ذاك الخد نبتا، وإنما ... لكثرة ما شقت عليه المرائر.
وقال آخر:
يا لائمي في حب ذي عارض، ... ما البلد المخصب كالماحل!
يموج ماء الحسن في وجهه ... فيقذف العنبر في الساحل.
وقال آخر:
ولما بدا خط العذار بوجهه ... كظلمة ليل في ضياء نهار،
تغلغل في قلبي هواه فلم أزل ... خليع عذار في جديد عذار.
وقال آخر:
قالوا: التحى، فامتحت بالشعر بهجته! ... فقلت: لولا الدجى لم يحسن القمر.
من كان منتظرا للصبر عنه به، ... فإنني لغرامي كنت أنتظر.
خطت يد الحسن منه فوق وجنته: ... هذي محاسن، يا أهل الهوى، أخر!
وقال آخر:
وقلت: الشعر يسليني هواه! ... ولم أعلم بأن الشعر حيني.
فظلت لشقوتي أفدي وأحمي ... سواد عذاره بسواد عيني.
وقال محمد بن عبد الله السلامي، شاعر اليتيمة:
عذارك جادت عليه الريا ... ض بأجفانها وبآماقها.
وطال غرام الغواني به ... فقد طرزته بأحداقها.
وقال ابن سكرة الهاشمي:
وغزال لولا نميمة شعر ... ذكرته، لقلت: إحدى الجواري.
شارب أشرب الصبابة قلبي، ... وعذار خلعت فيه عذاري.
وقال آخر:
قالوا: التحى وستسلو عنه، قلت لهم: ... هل يحسن الروض ما لم يطلع الزهر؟
هل التحى طرفه الساجي، فأهجره؟ ... وهل تزحزح عن ألحاظه الحور؟
وقال أبو الفتح كشاجم:
من عذيري من عذارى قمر، ... عرض القلب لأسباب التلف؟
زيد حسنا وضياء بهما، ... فهو الآن كبدر في سدف.
خمشا خديه ثم انعطفا، ... آه ما أحسن ذاك المنعطف!
علم الشعر الذي عاجله ... أنه جار عليه، فوقف.
فهو في وقفته معترف ... بالتناهي في التعدي والسرف.
وقال آخر:
لا تعتقدوا ما لاح في وجنته ... شعرا، غلطا! ما ذاك من شيمته!
بل ساكن ماء الحسن قد حركه ... موج قذف العنبر في حافته.
وقال عبد الله بن سارة الإشبيلي:
ومعذر رقت حواشي حسنه، ... فقلوبنا حذرا عليه رقاق.
لم يكس عارضه السواد، وإنما ... نفضت عليه صباغها الأحداق.
وقال أبو بكر الداني، شاعر الذخيرة:
بدا على خده عذار ... في مثله يعذر الكئيب.
وليس ذاك العذار شعرا، ... لكنما سره غريب.
لما أراق الدماء ظلما، ... بدت على خده الذنوب.
وقال عبد الجليل الأندلسي:
ومعذرين كأنما بخدودهم ... طرق العيون ومنهج الأوداج.
وكأنما صقلوا الجمال فأظهروا ... مشى النمال على متون العاج.
ومما وصف به العذار
على طريق الذم، فمن ذلك ما قاله الوزير أبو المغيرة ابن حزم، عندما عرضت عليه رسالة بديع الزمان في الغلام الذي خطب إليه وده بعد أن عذر، قال: " ورد كتابك ينشد ضالة ودنا، ويرقع خلق عهدنا؛ ويطلب ما أفاءته جريرتك إلينا، وذهبت به جنايتك علينا؛ أيام غصنك ناضر، وبدرك زاهر؛ لا نجد رسولا إليك، غير لحظة تخرق حجاب الدموع، أو زفرة تقيم منآد الضلوع؛ فإن رمنا شكوى ينفث بها مصدورنا، ويستريح إليها مهجورنا؛ لقينا دونها أمنع سد، وأقبح كف وصد، وأقدح رد. " وفي فصل منها: " حتى إذا طفئت تلك النيران، وانتصف لنا منك الزمان؛ بشعرات أغشت هلالك كسوفا، وقلبت ديباجك صوفا؛ وأعادت نهارك ليلا، وناحت عليك تلهفا وويلا؛ وأطار حمامك غرابك، وحجب ضياءك ضبابك؛ فصار عرسك مأتما، وعاد وصلك محرما، قال القائل:
وبت مداما تسر النزيف ... فأصبحت تجرع خلا ثقيفا.
وصرت حجازا جديب المحل، ... وقد كنت للطالب الخصب ريفا.
أقبلت تتسلل إلينا لواذا، وتطلب منا عياذا؛ قد أنساك ذل العزل عز الولاية، وأولاك طمعا نسياننا تلك الجناية؛ أيام ترشقنا سهام ألحاظك رشقا، وتقتلنا سيوف ألفاظك عشقا؛ وتميس غصنا، فتثير حزنا؛ وتطلع شمسنا، فتفتت نفسا.
فالآن نلقاك بدمع قد جف، ووجد قد كف؛ وعزاء قد أبد، وصبر قد أغار وأنجد؛ وننظر منك إلى روض قد صوح، وسار قد أصبح؛ وأعجم قد أفصح، ومبهم قد صرح. فلا شك قد رفع الغطاء، ولا إفك قد برح الخفاء، ولا لوم قد وقع الجزاء. وهلا ذكرت المثل الممتهن " الصيف ضيعت اللبن! " ونسيت من أحرقت قلبه صدا، وأقلقت جنبه ردا؛ وملأت جوانحه نارا، وتركت نومه غرارا؛ أن يوفيك قرضا، ويجازيك حتى ترضى؛ حين نكس علمك، وعثرت قدمك؛ وضاقت طرقك، وأظلم أفقك؛ وهوى نجمك، وخاب قدحك؛ وفل سيفك، وحط رمحك؛ فاطو ثوب وصلك فلا حاجة لنا إلى لباسه، وازو طارق شخصك فلا رغبة لنا في إيناسه؛ فما يشتهي اليوم زيارة رمس، من زهد فيه أمس. قال:
حانت منيته فاسود عارضه، ... كما تسود بعد الميت الدار.
يا من نعته إلى الإخوان لحيته، ... أدبرت، والناس إقبال وإدبار!
فيا لدهر مضى ما كان أحسنه! ... إذ أنت ممتنع والشرط دينار.
أيام وجهك مصقول عوارضه، ... وللرياض على خديك أنوار!
وقال علي بن نصر الكاتب تعزية لمن طلعت لحيته: لكل حادثة يفجع بها الدهر - أحسن الله معونتك - حد من القلق والالتياع، ومبلغ من التحرق والارتياع؛ تستوجب فنا من التعزية، وتستحق نصيبا من العظة والتسلية؛ والاختصار فيها لما قرب خطبه وشانه، والإكثار لما جل محله ومكانه.
ومصابك هذا - أعانك الله - في بياض عارضك لما اسود، كمصابك في سواده إذا ابيض؛ والألم ببياض روضه جميما، نظير الألم به يوم يعود هشيما.
فليس أحد يدفع عظيم النازل بك، ولا يستصغر جسيم الطارق لك؛ وإن كان ما يتعقبه من المشيب أقذى للعيون.
التفتت عنك النواظر، وكانت ملتفتة إليك، ووقفت عنك الخواطر، وكانت موقوفة عليك؛ وصيرك قذى الأجفان وكنت جلاها، وجعلك كربة النفوس وكنت هواها؛ وأبدلك من أنس التقبل، وحشة التنقل؛ وعوضك من رقة الترفرف، وكلفة التأفف؛ فتبارك الله الذي صرف عنك الأبصار، ونقل فيك الأطوار! فعويلا دائما وبكاء! وعزاء عن الذكر الجميل عزاء! فلكل أجل كتاب، وعلى كل جائحة ثواب.
ولقد استوفيت أمد الصبا والصبابة، واستنبت الحسرة عليها والكآبة. فرزيتك راسية والرزايا سوائر، ومصيبتك ثابتة والمصائب عوائر. " إنا لله وإنا إليه راجعون " .
ثم لا حيلة، فإنها الأيام التي لا تثبت على حاله، ولا تعرف غير التنقل والاستحالة! فآجرك الله في وجه نضب ماؤه، وذهب رواؤه ومات حياؤه! وفي ضيعة استأجم برها، واستدغل نورها؛ وأسبع طريقها، واتسعت تنوفتها! وفي جاه كان عامرا فخرب، ودخل كان وافرا فذهب، وتذكار كان واصلا إلى القلوب فحجب! فأصبحت مسبوق السكيت، وظللت حيا وأنت الميت؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله من محن دفعت إليها، ولم تعن بحال عليها.
وقد يشغل الإنسان عن نوائبه المشاركون فيها، ويسليه عنها المساهمون في معنى معانيها؛ وأنت من بين هذه المنزلة لا شريك لك، فإنهم يعتاضون عنها ولست بمعتاض، ويركضون للعيش ولست بركاض. والدهر يطوي محاسنك طي السجل كتابه، وينشر مقابحك نشر اليماني أثوابه. ويمل الطرف رؤيتك فلا يفيق عليك جفنا، ويمج السمع ذكرك فلا يجد عنده أذنا.
ومنها: وقد جعلت رقعتي هذه جامعة بين البكاء عليك والأنين، وناظمة بين العزاء والتأبين. لها حلاوة النثر، وعليها طلاوة الشعر. نتجتها قريحة عليك، ونسجتها خواطر خاطرت إليك؛ تخفف غرامك والناس مشاغيل بتثقيله، وتكرم مكانك والإجماع واقع على تهوينه. فإن عرفت لي ذاك، وإلا عرفه الصندق؛ وإن شكرنه، وإلا شكره الحق.
والسلام عليك من أسير لا يخلص بالفدية، وقتيل بسيف السبال واللحية. " وقال الصنوبري:
ما بدت شعرة بخدك إلا ... قلت في ناظري أو في فؤادي.
أنت بدر جنى الخسوف عليه ... ظلمة، لا أرى لها من نفاذ.
فاسوداد العذار بعد ابيضاض ... كابيضاض العذار بعد اسوداد.
وقال آخر:
أصبح نحسا وكان سعدا من كان مولى فصار عبدا.
بكى على حسنه زمانا ... لما رأى الشعر قد تبدى.
لو نبت الشعر في وصاله، ... لعاد ذاك الوصال صدا!
وقال الخبزأرزي:
بدا الشعر في وجهه، فانتقم ... لعاشقه منه لما ظلم.
وما سلط الله نبت اللحى ... على المرد إلا زوال النعم.
توحشت العين في وجهه، ... وحق لها وحشة في الظلم.
إذا اسود فاضل قرطاسه، ... فما ظنه بمجاري القلم؟
ولم يعل في خده كالدخا ... ن إلا وأسفله كالحمم.
وقال التنوخي:
قلت لأصحابي، وقد مر بي ... منتقبا بعد الضيا بالظلم:
بالله، يا أهل ودادي! قفوا ... كي تبصروا كيف زوال النعم!
وقال إبراهيم بن خفاجة الأندلسي في ملتح:
ما للعذار، وكان وجهك قبلة، ... قد خط فيه من الدجى محرابا.
وإذا الشباب وكان ليس بخاشع قد خر فيه راكعا، وأنابا.
وقال أيضا:
وافى بأوله صحيفة صفحة ... جعل العذار بها يسيل مدادا.
متجهما ثكل الشباب كأنما ... لبس العذار على الشباب حدادا.
وقال عمر المطوعي، من شعراء اليتيمة:
غدا منذ التحى ليلا بهيما،وكان كأنه القمر المنير.
فقد كتب السواد بعارضيه ... لمن يقرا: " وجاءكم النذير " .
وقال عبد الجليل الأندلسي، من شعراء الذخيرة:
وأمرد يستهيم بكل واد ... وينصب للحشا خدا صليبا.
دعوت دعاء مظلوم عليه، ... وكان الله مستمعا مجيبا.
فطوقه الزمان بما جناه، ... وعلق من عذاريه الذنوبا.
مما قيل في العنق يقال:الجيد، طولها - التلع، إشرافها - الهنع، تطامنها - الغلب، غلظها - البتع، شدتها - الصعر، ميلها - الوقص، قصرها - الخضع، خضوعها - الحدل، عوجها.
وقال دعبل:
أتاح لك الهوى بيض حان ... سلبنك بالعيون وبالنحور.
نظرت إلى النحور فكدت تقضي ... فأولى لو نظرت إلى الخصور.
وقال قيس بن الخطيم:
وجيد كجيد الريم صاف يزينه ... توقد ياقوت وفصل زبرجد.
كأن الثريا فوق ثغرة نحرها ... توقد في الظلماء أي توقد.
مما قيل في اليد إذا باشرت ما يعلق بها يقال: من اللحم غمرة، ومن الشحم زهمة، ومن السمن نسمة، ومن الزبد وضرة، ومن الجبن نشمة، ومن اللبن مذقة، ومن البيض زهكة، ومن المسك صمرة، ومن الزيت قنمة، ومن الخمر عتكة، ومن الخل خمطة، ومن العسل ونحوه لزجة، ومن الطيب عطرة، ومن الغالية عبقة، ومن الزعفران ردعة، ومن العنبر لطخة، ومن الخلوق ضمخة، ومن الحناء قنئة، ومن الدم ضرجة، ومن الماء بللة، ومن الطين لثقة وردغة، ومن البرد صردة، ومن التراب كئبة وغضرة، ومن القار حلكة، ومن الفحم حممة، ومن المداد طرسة، ومن الحديد سهكة، ومن الفضة سبكة، ومن الذهب نضرة، ومن النار شعلة، ومن الرياحين فوحة، ومن البقل زهرة، ومن الفاكهة الرطبة لزقة، ومن البابسة فكهة، ومن العمل مجلة ونفطة، ومن الخشونة شثنة وثفنة، ومن الشوك مشطة وشظية، ومن الحطب حزمة، ومن الرمح كعبة، ومن الصولجان لعبة، ومن الجود سبطة، ومن العظية منحة، ومن البخل جعدة، ومن المنع لحزة، ومن العدم تربة، ومن الرز زنخة، ومن الصابون حفرة، ومن الفرصاد قانية، ومن الرجيع قثمة، ومن كل القاذورات قذرة، ومن الوسخ درنة.
مما مدحت به اليد
قال مؤيد الدين الطغرائي:
ويد تمد المال راحتها ... أبدا، ويغمر ظهرها القبل.
إن ضن غيث أو خبا قمر ... فجبينه ويمينه البدل.
وقال عبد المؤمن بن هبة الله الأصبهاني:
قالوا: بدت عارضة لا بدت! في كف ذاك السيد الأوحد.
راحته راحة من يجتدي، ... وكفه كف الذي يعتدي.
فلا أصابت يده آفة! ... فكم يد عندي لتلك اليد.
وقال ابن دريد:
يا من يقبل كف ممخرق، ... هذا ابن يحيى ليس بالمخراق!
قبل أنامله، فلسن أناملا؛ ... لكنهن مفاتح الأرزاق!
وقال ابراهيم بن العباس بن محمد:
لفضل بن سهل يد ... تقاصر عنها المثل.
فباطنها للندى، ... وظاهرها للقبل.
وبسطتها للغنى، ... وسطوتها للأجل.
وقال ابن الرومي:
فامدد إلي يدا تعود بطنها ... بذل النوال، وظهرها التقبيلا.
وقال أبو ناس:
يا قمرا، أبرزه مأتم ... يندب شجوا بين أتراب!
يبكي فيذري الدر من نرجس، ... ويلطم الورد بعناب.
وقال الناشي:
من كف جارية كأن بنانها ... من فضة قد طرفت عنابا.
وكأن يمناها إذا نطقت بها ... تلقى على يدها الشمال حسابا.
وقال الراضي بالله:
قالوا: الرحيل! فأنشبت أظفارها ... في خدها، وقد اعتلقن خضابا.
فاخضر تحت بنانها فكأنها ... غرست بأرض بنفسج عنابا.
وقال ابن كيغلغ:
لما اعتنقنا للوداع وأعربت ... عبراتنا عنا بدمع ناطق،
فرقن بين معاجر ومحاجر، ... وجمعن بين بنفسج وشقائق.
وقال كشاجم:
فما أنسها، لا أنس منها إشارة ... بسبابة اليمنى إلى خاتم الفم!
وأعلنت بالشكوى إليها فأومأت ... حذارا من الواشين أن لا تكلم.
فلم أر شكلا واقعا فوق شكله ... كعنابة تومى بها فوق عندم.
مما قيل في النهود يقال: ثندوة الرجل، ثدي المرأة، خلف الناقة، ضرع الشاة والبقرة، طبي الكلبة.
قال ابن الرومي:
صدور فوقهن حقاق عاج، ... وحلي زانه حسن اتساق!
يقول الناظرون إذا رأوها: ... أهذا الحلي من هذي الحقاق؟
وما تلك الحقاق سوى ثدي ... قدرن من الحقاق على وفاق.
نواهد لا يعد لهن عيب ... سوى منع المحب من العناق.
وهو مأخوذ من قول بعض الأعراب:
أبت الروادف والثدي لقمصها ... مس البطون، وأن تمس ظهورا.
وقال محمد بن مبادر:
ولها ثديان ما عدوا ... من حقاق العاج أن كعبا.
قسمت نصفين دعص نقا ... وقضيبا لان، فاضطربا.
وقال عبد الله بن أبي السمط بن مروان:
كأن الثدي إذا ما بدت ... وزان العقود بهن النحورا،
حقاق من العاج مكنونة ... يسعن من الدر شيئا كثيرا.
وقال علي بن الجهم:
كنت مشتاقا وما يحجزني ... عنك إلا حاجز يمنعني.
شاخص في الصدر، غضبان على ... قبب البطن وطي العكن.
يملأ الكف ولا يفضله، ... وإذا أثنيته لا ينثني.
وقال ابن الرومي:
ملقمات أطفالهن ثديا ... ناهدات كأحسن الرمان.
مفعمات كأنها حافلات ... وهي صفر من درة الألبان.
وقال ابن المعتز:
قبيح بمثلك أن تهجري، ... وأقبح من ذاك أن تهجري.
أقاتلتي بفتور الجفون ... ورمانتين على منبر،
كحقين من لب كافورة ... برأسيهما نقطتا عنبر!
مما قيل في البطن يقال: الدحل، عظمه - الحبن، خروجه - الثجل، استرخاؤه - القمل، ضخمه - الضمور، لطافته - العجر، البجر، شخوصه - التخرخر، اضطرابه.
قال محمد بن مبادر:
والبطن ذو عنكة لطيف ... صفر وشاحاه جائلان.
أشرف من فوقه عليه ... ثديان ميلان ناهدان.
مما قيل في الأرداف والخصور فمن ذلك ما ورد على لفظ التذكير.
فمنه قول عبد الله بن طاهر:
صب كئيب يشتكيك الهوى ... كما اشتكى خصرك من ردفكا.
لسانه عن وصف أسقامه ... أكل منه عن مدى وصفكا.
وقال ابن أبي البغل:
كأنه في اعتداله غصن ... وفي السراويل منه أمواج.
إذا مشى كالقضيب جاذبه ... ردف له كالكثيب رجاج.
ويعلم الله أنني رجل ... إليه مذ قد كبرت محتاج.
وأنشد أبو بكر دريد عفا الله عنه ورحمه:
قد قلت لما مر يخطر ماشيا ... والردف يجذب خصره من خلفه.
يا من يسلم خصره من ردفه ... سلم فؤاد محبه من طرفه.
وقال السري الرفاء:
ضعفت معاقد خصره وعهوده ... فكأن عقد الخصر عقد وفائه.
وقال المتنبي:
وخصر تثبت الأبصار فيه ... كأن عليه من حدق نطاقا.
وقال السري الرفاء:
أحاطت عيون الناظرين بخصره ... فهن له دون النطاق نطاق.
وقال الأمير سيف الدين المشد:
وأهيف القد بت أشكو ... له تلافي وما تلافي.
فلان عطفا ودق خصرا ... وإنما ردفه تجافى.
وقال أبو نواس:
لين القد لذيذ المعتنق ... يشبه البدر إذا البدر اتسق.
مثقل الردف إذا ولى حكى ... موثقا في القيد يمشي في زلق.
وإذا أقبل كادت أعين ... نحوه تجرح فيه بالحدق.
وقال آخر وأجاد:
أيامن نصفه غضن ... يميل ونصفه كفل.
صفاتك في تباينها ... فمنفصل ومتصل.
فنصفك موج عاصفة ... ونصفك شارب ثمل.
وصفها على لفظ التأنيث
فمنه قول أبي عبادة البحتري:
كأنهن وقد قاربن في نظري ... ضدين في الحسن تثقيلا وإخطافا.
رددن ما خففت عنه الخصور إلى ... ما في المآزر فاستثقلن أردافا.
وقال آخر:
لها ردف تعلق في لطيف ... فذاك الردف لي ولها ظلوم.
يعذبني إذا فكرت فيه ... ويتعبها إذا قصدت تقوم.
وقال مؤمل وأفرط:
من رأى مثل حبتي ... تشبه البدر إذ بدا.
تدخل اليوم ثم تد ... خل أردافها غدا.
وقال أبو هلال:
تمشي بأرداف أبين قعودها ... بين النساء كما أبين قيامها.
وقال علي بن عطية البلنسي:
وإنسية زارت من الليل مضجعي ... فعانقت غصن البان منها إلى الفجر.
أسائلها أين الوشاح؟ وقد سرت ... معطلة منه، معطرة النشر.
فقلت: وأومت، للسوار نقلته ... إلى معصمي لما تقلقل في خصري.
وقال الطائي:
من الهيف لو أن الخلاخل صيرت ... لها وشحا عليها الخلاخل.
وقال إسحاق الموصلي:
ظباء كاليعافير ... كنوس في المقاصير.
وأدبرن بأعجاز ... كأوساط الزنانير.
وقال عمر بن أبي ربيعة:
يتقابلن كالبدور على الأغ ... صان في مثقل من الأرداف.
بخصور تحكي خصور الزناني ... ر ضعاف هممن بالانقصاف.
وقال آخر:
عظمت روادفها فآذت خصرها ... ووشاحها قلق كقلب المغرم.
وقال آخر:
آخرها متعب لأولها ... فبعضها جائر على بعض.
وقال آخر:
تمشي فتثقلها روادفها ... فكأنها تمشي إلى خلف.
وقال البجلي:
إن العزيز علي خصرك إنه ... بالردف حمل منك ما لا يحمل.
فخذي له جسمي مكان وشاحه ... إن العليل بشكله يتعلل.
ومما قيل في السوق فمن ذلك قول الأمير سيف الدين المشد:
ساق تجلى كأنه قمر، ... يحمل شمسا، أفديه من ساق!
شمر عن ساقه غلائله، ... فقلت: مهلا، واكفف عن الباقي!
لما رآني، وقد فتنت به ... من فرط وجدي وعظم أشواقي،
غنى وكأس المدام في يده: ... قامت حروب الهوى على ساق.
وقال عروة:
فقمن بطيئا مشيهن تأودا ... على قصب قد ضاق عنه خلاخله.
كما هزت الميزان ريح فحركت ... أعاليه منه وارجحنت أسافله.
وقال كثير عزة:
ويجعلن الخلاخل حين تلوى ... بأسوقهن في قصب خدال.
وقال كشاجم:
قلت: وقد أبصرتها حاسرا ... عن ساقها فاضل سربالها:
لو لم تكن من برد ساقها، ... لاحترقت من نار خلخالها.
وله أيضا:
وإذا لبسن خلاخلا، ... كذبن أسماء الخلاخل.
مما وصفت به القدود فمن ذلك قول أبي فراس الحمداني:
غلام فوق ما أصف ... كأن قوامه ألف.
إذا ما مال يرعبني: ... أخاف عليه ينقصف.
وأشفق من تأوده: ... أخاف يذيبه الترف.
وقال الخبزأرزي:
أهيف يحكي بقده الألفا ... يخسر من لم يكن به كلفا.
أحسن من بهجة الخلافة والأم ... ن لمن قد يحاذر التلفا.
لو أبصر الوجه منه منهزم ... يطلبه ألف فارس، وقفا.
وقال ماني:
أتمنى الذي إذا أنا أومأ ... ت إليه بطرف عيني، تجنى.
أهيف كالقضيب لو أن ريحا ... حركت هدب ثوبه، لتثنى!
وقال آخر:
أيا سائلي عن قد محبوبي الذي ... كلفت به وجدا وهمت غراما.
أبى قصر الأغصان ثم رأى القنا ... طوالا، فأضحى بين ذاك قواما.
وقال آخر، وهو محمد بن التلمساني:
يا مخجلا بقوامه ... أغصان بنات اللوى!
ما أنت عندي والقضي ... ب اللدن في حد سوى!
هذاك حركه الهوا ... ء وأنت حركت الهوى!
وقال آخر:
يا غصنا راح الصبا ... يثنيه، لا ريح الصبا!
ما إن بدا للعين إلا ... ارتاح قلبي وصبا.
ولا انثنى يخطر إلا ... ازداد قلبي وصبا.
وقال آخر، وهو كشاجم:
معتل من كل أعطافه، ... مستحسن القامة والملتفت.
لو قيست الدنيا ولذاتها ... بساعة من وصله، ما وفت.
سلطت الألحاظ منه على ... قلبي، فلو أودت به ما اشتفت.
واستعذبت روحي هواه فلا ... تصحو ولا تسلو، ولو أتلفت.
مما قيل في العناق فمن ذلك ما ورد على لفظ التذكير: فمنه قول الحسين بن الضحاك:
وموشح، نازعت فضل وشاحه ... وكسوته من ساعدي وشاحا.
بات الغيور يشق جلدة خده ... وأمال أعطافا علي ملاحا.
وقال آخر:
بت وبدر الدجى نديمي ... وهو موات بلا امتناع.
فقلت للحاسدين لما ... أشرقت الشمس بالشعاع:
القلب والطرف منزلاه ... وهو إلى الآن في الذراع.
وقال ابن المعتز:
ما أقصر الليل على الراقد! ... وأهون السقم على العائد!
يفديك ما أبقيت من مهجتي، ... لست لما أوليت بالجاحد.
كأنني عانقت ريحانة ... تنفست في ليلها البارد.
فلو ترانا في قميص الدجى، ... حسبتنا في جسد واحد.
وقال أبو هلال في نحو ذلك:
ونحن في نظم الهوى واحد ... كأننا عقدان في نحر.
وقال ابن الصولي:
طال عمر الليل عندي ... إذ تولعت بصد.
يا ظلوما نقض العه ... د ولم يوف بعهد!
أنسيت الوصل إذ بت ... نا على مرقد ورد.
واعتنقنا كوشاح ... وانتظمنا نظم عقد.
وتعطفنا كغصني ... ن، فقدانا كقد.
وقال ابن عبد كان الكاتب:
وكلانا مرتد صاحبه ... كارتداء السيف في يوم الوغى.
بخدود شافيات من جوى ... وشفاه مرويات من ظما.
نتساقى الريق فيما بيننا: ... زق أمات القطا زغب القطا.
وقال علي بن الجهم:
سقى الله ليلا ضمنا بعد فرقة، ... وأدنى فؤادا من فؤاد معذب!
فبتنا جميعا: لو تراق زجاجة ... من الخمر فيما بيننا، لم تسرب.
وقال الخبزأرزي:
طوقته طوق العناق بساعدي، ... وجعلت كفي للثام وشاحا.
هذا هو الفوز العظيم فخلنا، ... متعانقين فما نريد براحا!
وقال صالح بن يونس:
لي سيد ما مثله سيد، ... تصدت الحمى له فاشتكى.
عانقته عند موافاته، ... والأفق بالليل قد احلولكا.
فجاءت الحمى كعادتها، ... فلم تجد ما بيننا مسلكا
وقال الحسين بن علي بن بشر الكاتب
ضممته ضم مفرط الضم، ... لا كأب مشفق ولا أم
ولم نزل، والظلام حارسنا، ... جسمين مستودعين في جسم
ألثمه في الدجى، وبرق ثنا ... ياه يريني مواضع اللثم
ثم افترقنا عند الصباح وقد ... أثرت فيه كهيئة الختم
وقال أبو عبد الله الحامدي
سقاني وحياني وبات معانقي! ... فيا عطف معشوق على ذل عاشق!
ويا ليلة، باتت سواعدنا بها ... تدور على الأعناق دور المخانق!
نبث من الشكوى حديثا كأنه ... قلائد در في نحور العواتق.
مما ورد على لفظ التأنيث
فمن ذلك قول أبي إسحاق الصابي:
هيفاء تحكي قضيبا ... قد جمشته الرياح.
تفتر عن سمط در ... عليه مسك وراح.
جردتها واعتنقنا: ... كل لكل وشاح!
باتت، وكل مصون ... لي من حماها مباح.
في ليلة لم يعبها ... في الدهر إلا الصباح.
وقال أيضا:
أقول وقد جردتها من ثيابها ... وعانقتها كالبدر في ليلة التم:
لئن آلمت صدري بشدة ضمها، ... لقد جبرت قلبي وإن أوهنت عظمي!
وقال أبو الفضل الأصبهاني:
يا ليلة قرنت لنا ... فيها المآرب بالنجاح.
بتنا برغم وشاتنا ... متعانقين إلى الصباح.
متمازجين كأننا ... روحان من ماء وراح.
ظن الوشاة لفرط ضم ... ي أنني بعض الوشاح!
وصف مشي النساء يقال: تهالكت المرأة، إذا انفتلت في مشيتها.
تأودت، إذا اختالت في تثن وتكسر.
بدحت وتبدحت، إذا أحسنت مشيتها.
تهزعت تهزعا، إذا اضطربت في مشيتها.
قرصعت قرصعة، وهي المشية القبيحة؛ وكذلك مثعت مثعا.
وقال الأعشى:
غراء، فرعاء، مصقول عوارضها ... تمشي الهوينى كما يمشي الوجى الوحل.
كأن مشيتها من بيت جارتها ... مر السحابة: لا ريث ولا عجل.
وقال آخر:
يمشين مشي قطا البطاح تأودا، ... قب البطون، رواجح الأكفال.
وقال ابن عائشة من أبيات:
فكأنهن إذا أردن خطا ... يقلعن أرجلهن من وحل.
وقال أبو الفتح كشاجم:
وتهتز في مشيتها مثل ما ... تهز الصبا غصنا ناعما.
وتأمر بالأمر فيه الذي ... كرهت فأرضى به راغما.
وقال آخر:
شبهت مشيتها بمشية ظافر ... يختال بين أسنة وسيوف.
صلف تباهت نفسه في نفسه، ... لما انثنى بسنانه المرعوف.
وقال آخر:
تمشي الهوينى إذا مشت فضلا ... مشي النزيف المخمور في صعد.
تظل من زور بيت جارتها ... واضعة كفها على الكبد.
وقال المنخل اليشكري:
ولقد دخلت على القنا ... ة الخدر في اليوم المطير.
فدفعتها فتدافعت ... مشي القطاة إلى الغدير.
ولمتها فتنفست ... كتنفس الظبي البهير.
وقال عمر بن أبي ربيعة:
أبصرتها ليلة، ونسوتها ... يمشين بين المقام والحجر.
يرفلن في الريط والمروط كما ... تمشي الهوينى سواكن البقر.
وقال ابن مقبل:
يهززن للمشي أوصالا منعمة ... هز الجنوب ضحى عيدان يبرينا.
أو كاهتزاز رديني تداوله ... أيدي التجار فزادوا متنه لينا.
يمشين هيل النقا مالت جوانبه ... ينهال حينا وينهال الثرى حينا.
وقال أشجع السلمي:
وماجت كموج الماء بين ثيابها ... يميل بها شطر ويعدلها شطر.
إذا وصفت ما فوق مجرى وشاحها ... غلائلها ردت شهادتها الأزر.
وقال العباس بن الأحنف:
شمس مقدرة في خلق جارية ... كأنما كشحها طي الطوامير.
كأنها حين تمشي في وصائفها ... تخطو على البيض أو خضر القوارير!
انتهى الغرض في وصف الأعضاء، وما شاكلها واتصل بها.
فلنذكر إن شاء الله تعالى ما جاء فيما قدمناه من الأمثال.
أمثال ذكر فيها الإنسان يقال: شديد على الإنسان ما لم يعود.
وما علم الإنسان إلا ليعلما.
الناس من جهة التمثيل أكفاء.
الناس أخياف وشتى في الشيم.
الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم.
وما الناس إلا هالك وابن هالك.
والناس أولاد علات فمن علموا ... أن قد أقل فمهجور ومحقور.
وقال آخر:
الناس أكيس من أن يحسدوا رجلا ... حتى يروا عنده آثار إحسان.
ويقال: المرء أعلم بشأنه.
المرء مع من أحب.
دع امرأ وما اختار.
كل امرئ في شأنه ساع.
كل امرئ مصبح في أهله.
كل امرئ من شجو صاحبه خلو.
المرء يعجز لا محالة.
المرء تواق إلى ما لم ينل.
المرء يجمع، والزمان يفرق.
ويقال: الرجال بالأموال.
تقطع أعناق الرجال المطامع.
ولكل دهر دولة ورجال.
أمثال في ذكر النفس يقال: النفس مولعة بحب العاجل.
النفس أعلم من أخوك النافع.
أكذب النفس إذا حدثتها.
ما عاتب الرجل اللبيب كنفسه.
الجود بالنفس أقصى غاية الجود.
نفس عصام سؤدت عصاما.
أعضاء الإنسان في الأمثال الظاهرة والباطنة
الرأس والشعر
من نجا برأسه فقد ربح.
رماه بأقحاف رأسه. أي بالدواهي.
اختلفت رؤوسها فرتعت.
كل رأس به صداع.
ويقال: أدق من الشعر.
أهون من الشعر الساقط.
ذكر الوجه
وجه المحرش أقبح. أي وجه مبلغ القبيح أقبح من وجه قائله.
في وجه مالك تعرف إمرته.
قبل البكاء كان وجهك عابسا.
قال أبو تمام:
وما أبالي، وخير القول أصدقه، ... حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي.
وقال ابن الرومي:
وقل من ضمنت خيرا طويته ... إلا وفي وجهه للخير عنوان.
له محيا جميل يستدل به ... على جميل، وللبطنان ظهران.
وقال آخر:
صلابة الوجه صلاح الفتى ... ورقة الوجه من الخرقة.
من ذكر العين
يقال: أسرع من طرف العين.
أسرع من لمح البصر.
العين ترجمان القلب.
شاهد البغض اللحظ.
رب عين أنم من لسان.
ليس لما قرت به العين ثمن.
نظرة من ذي علق.
عين عرفت فذرفت.
لحظة أصدق من لفظه.
ليس لعين ما رأت، ولكن لكف ما أخذت.
لا تطلب أثرا بعد عين.
من أطاع طرفه، أصاب حتفه.
وأي عار على عين بلا حور.
والدمع قد يعلن ما في الصدور.
ومن الأبيات:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة؛ ... ولكن عين السخط تبدي المساويا.
وقال الأمير أبو الفضل الميكالي:
كم والد يحرم أولاده ... وخيره يحظى به الأبعد.
كالعين لا تنظر ما حولها، ... ولحظها يدرك ما يبعد.
ذكر الأنف
أنفك منك وإن كان أجدع. يضرب في القريب السوء.
شفيت نفسي وجدعت أنفي.
لأمر ما جدع قصير أنفه.
كل شيء أخطأ الأنف جلل.
لدغت حيث لا يضع الراقي أنفه. يضرب للأمر الذي لا دواء له.
رب حام لأنفه وهو جادعه. يضرب لمن أنف من الشيء فتوقعه الأنفة في أشد منه.
مات حتف أنفه.
جدع الحلال أنف الغيرة. قاله رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
أنف في السماء، واست في الماء!
ذكر الفم، واللسان، والأسنان
كل جان يده إلى فيه.
حدثني، فاه إلى في.
فلان خفيف الشفة. أي قليل المسألة.
سكت ألفا، ونطق خلفا.
قرع سن النادم.
كدمت في غير مكدم. أي طلبت غير مطلب.
وجرح الدهر ما جرح اللسان.
وجرح اللسان كجرح اليد.
ذكر الأذن
جاء فلان ناشرا أذنيه.
لبست على ذلك أذني.
أساء سمعا فأساء إجابة.
كلامه يدخل في الأذن بلا إذن.
جعلت ذلك دبر أذني.
ذكر العنق
حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.
أذل الحرص أعناق الرجال.
وقال أبو الفتح البستي:
فكم دقت وشقت واسترقت ... فضول العيش أعناق الرجال.
ذكر اليد
أهدى من اليد إلى الفم.
ألزم من اليمين للشمال.
يداك أوكتا، وفوك نفخ.
اليد العليا خير من اليد السفلى.
آثر لديه من يمين يديه.
ذهبوا أيدي سبا. أي متفرقين.
بالساعد تبطش الكف.
على يدي دار الحديث. إذا كان خبيرا بالأمر.
هو على حبل ذراعه. أي موافق له.
تربت يداه. دعاء عليه بالفقر.
ما تبل إحدى يديه الأخرى. للبخيل.
تركه على أنقى من الراحة.
فلان يقلب كفيه.
سقط في يديه. للنادم.
أعطاه عن ظهر يد. أي ابتدأه لا عن مكافأة.
ما سد فقرك مثل ذات يدك.
إن الذليل الذي ليست له عضد.
يد تشح، وأخرى منك تأسوني.
على اليد رد ما أخذت.
وما الكف إلا إصبع ثم إصبع.
ومن الأبيات:
قد تطرف الكف عين صاحبها، ... ولا يرى قطعها من الرشد.
وقال آخر:
فلو أنها إحدى يدي رزئتها؛ ... ولكن يدي بانت على إثرها يد.
وقال أبو تمام:
وهل يستعيض المرء من خمس كفه، ... ولو صاغ من حر اللجين بنانها؟
ذكر الصدر والقلب
صدرك أوسع لسك.
صدور الأحرار، قبور الأسرار.
لا بد للمصدور من أن ينفث.
ألزم له من شعرات صدره.
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
القلب طليعة.
القلوب تتقلب.
قال بعض الشعراء:
متى تجمع القلب الذكي وصارما ... وأنفا حميا، تجتنبك المظالم.
وقال آخر:
إن التباعد لا يض ... ر إذا تقاربت القلوب.
ذكر الظهر والبطن والجنب
استظهر على الدهر بخفة الظهر.
قلب الأمر ظهرا لبطن.
لا تجعل حاجتي بظهر. أي لا تلقها وراء ظهرك.
انقطع السلى في البطن. لتناهي الشدة.
نزت به البطنة. لمن لا يحتمل النعمة.
لكل جنب مصرع.
لجنبه فلتكن الوجبة، في الدعاء عليه.
دمث لجنبك قبل النوم مضطجعا.
ذكر الكبد والدم والعروق
يا بردها على الكبد! فلان بين الخلب والكبد.
ما ينفع الكبد يضر الطحال.
ويقال: جرى منه مجرى الدم في العروق.
هو أعز من دم الفؤاد.
سرك من دمك.
لا تكايل بالدم.
لا يحزنك دم هراقه وأهلكه. للجاني على نفسه.
فلان لا يشرب الماء إلا بدم.
العرق نزاع.
ألا إن عرق السوء لا بد مدرك!
ذكر الساق والقدم
يقال: التفت الساق بالساق. في الشدة.
كشفت الحرب عن ساقها، وكشرت عن نابها.
قدح في ساقه، إذا عمل في شيء يكرهه.
لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا.
قد شمرت عن ساقها، فشمري! في الحث على الجد.
ويقال: له قدم في الخير. أي سابقة.
إنك لا تسعى برجلي من أتى.
وقال الشاعر:
إن قريشا وهي من خير الأمم لا يضعون قدما على قدم.
من ضرب به المثل
من الرجال
يقولون: أسخى من حاتم.
أجود من كعب بن مامة.
أجود من هرم. قال الميداني: هو هرم بن سنان بن أبي حارثة. وفيه يقول زهير بن أبي سلمى:
إن البخيل ملوم حيث كان ول ... كن الجواد على علاته هرم.
أقرى من مطاعيم الريح. ومطاعيم الريح أربعة: منهم أبو محجن الثقفي. وكان لبيد بن ربيعة العامري يطعم إذا هبت الصبا.
أشجع من ربيعة بن مكدم.
أعز من كليب بن وائل.
أعز من مروان القرظ.
أسود من قيس بن عاصم.
أحلم من الأحنف بن قيس.
أزكن من إياس بن معاوية.
أفتك من البراض بن قيس النمري، خليع بني كنانة. فتك بعروة الرحال، والمساور بن مالك الغطفاني، وأسد بن خيثم الغنوي بسبب لطيمة النعمان. وبسبب ذلك كانت أيام الفجار الأخر؛ وسنذكرها في وقائع العرب إن شاء الله تعالى.
أوفى من الحارث بن عباد. وخبره مشهور مع مهلهل أخي كليب لما أمنه يوم تحلاق اللمم.
أوفى من عوف بن محلم.
أوفى من هانئ بن قبيصة. وخبره مشهور في أدرع النعمان؛ وبسببها كانت وقعة ذي قار.
أوفى من السموءل بن عادياء.
أجمل من ذي العمامة. وهو سعيد بن العاص بن أمية، ويكنى أبا أحيحة؛ وهو المقول فيه:
أبو أحيحة من يعتم عمته ... يضرب ولو كان ذا مال وذا ولد.
أمضى من سليك المقانب.
أغلى فداء من حاجب بن زرارة؛ ومن بسطام بن قيس؛ ومن الأشعث. أسرته مذحج ففدى نفسه بثلاثة آلاف بعير.
أعدى من الشنفري؛ ومن السليك بن السلكة.
أبطأ من فند. وهو مولى لعائشة بنت طلحة؛ وقال أبو هلال العسكري: عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، بعثت به مولاته ليقتبس نارا، فأتى مصر، فأقام بها سنة، ثم جاء يشتد ومعه نار، فتبددت فقال: تعست العجلة!
أنوم من عبود. كان عبود عبدا أسود؛ وكان الله عز وجل قد بعث نبيا إلى قومه. قال الميداني: إن النبي هو خالد بن صفوان، نبي أهل الرس. فلم يؤمن به أحد منهم إلا ذلك العبد الأسود، وإن قومه احتفروا له بئرا فصيروه فيها وأطبقوا عليه صخرة. فكان ذلك الأسود يخرج من القرية فيحتطب، ويبيع الحطب فيشتري به طعاما وشرابا، ثم يأتي به إليه فيعينه الله تعالى على الصخرة فيرفعها ويدلي إليه الطعام والشراب. فاحتطب يوما وجلس فنام على شقه الأيسر سبع سنين. ثم هب من نومه فانقلب على شقه الأيمن، فنام سبع سنين، وهو يظن أنه نام ساعة من نهار. ثم احتمل حزمته وأتى القرية، فباع الحطب وجاء إلى الحفرة فلم يجد النبي وكان قد بدا للقوم فأخرجوه. فكان يسأل عن الأسود، فيقولون: لا ندري. فضرب به المثل لمن ينام نوما طويلا. وقيل فيه غير ذلك. وذكره الميداني في أمثاله ولم يذكر السبعة الثانية، وإنما ذكرها صاحب كتاب المفاخر.
أنعم من خريم الناعم. هو رجل من ولد سنان بن أبي حارثة، كان في زمن الحجاج.
أبلغ من سحبان وائل. ويقال أخطب من سحبان: وهو الذي يقول:
لقد علم الحي اليمانون أنني ... إذا قلت: أما بعد، أني خطيبها.
أخطب من قس. هو قس بن ساعدة بن حذافة بن زهير بن إياد بن نزار. وكان من حكماء العرب وهو أول من كتب من فلان إلى فلان؛ وأول من أقر بالبعث من غير علم؛ وأول من قال: " البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر " . وقيل: إنه عمر مائة وثمانين سنة.
روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: وفد وفد بكر بن وائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم! فلما فرغ من حوائجهم قال: أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الإيادي؟ فقالوا: كلنا نعرفه! قال: ما فعل؟ قالوا: هلك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كأني به على جمل أحمر بعكاظ قائما، يقول: " أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا! كل من عاش مات، وكل من مات فات، وكل ما هو آت أت! إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا: مهاد موضوع، وسقف مرفوع، وبحار تموج، وتجارة لن تبور وليل داج، وسماء ذات أبراج! أقسم قس حقا: إن كان في الأرض رضا ليكونن بعده سخط! وإن لله عز وجل دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه! مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون؟ أرضوا فأقاموا؟ أم تركوا فناموا! " ثم أنشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه شعرا حفظه له، وهو:
في الذاهبين الأول ... ين من القرون لنا بصائر.
لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر.
ورأيت قومي نحوها ... تسعى: الأصاغر والأكابر.
لا يرجع الماضي إلي ... ولا من الباقين غابر.
أيقنت أني لا محا ... لة حيث صار القوم صائر!
ويقال: أعيا من باقل. وهو رجل من ربيعة ابتاع ظبيا وحشيا بأحد عشر درهما، وجعل بقية الدراهم في فيه. فسئل عن ثمنه، ففعل بيديه تجاه السائل أي فتح أصابعه وفغر فاه وأدلى لسانه يشير بذلك إلى ثمنه. فحصل من ذلك انفلات الظبي؛ وسقوط الدراهم؛ والإساءة على السائل فضرب به المثل.
أبر من العملس. كان برا بأمه يحملها على عاتقه.
أبر من فلحس. وهو رجل من شيبان. حمل أباه على ظهره وحج به. وفيه أيضا يقال: أسأل من فلحس كان سيدا عزيزا، يسأل سهما في الجيش وهو في بيته فيعطى لعزه؛ فإذا أعطي سأل لامرأته؛ فإذا أعطي سأل لبعيره، وكان له ولد يقال له زاهر، فكان مثله، فقيل فيه: " العصا من العصية " .
ويقال: أخيب صفقة من شيخ مهو. وهو حي من عبد القيس اشتروا الفسو من إياد وكانوا يعرفون به، فعرفت به عبد القيس. قال الميداني: هذا الشيخ اسمه عبد الله بن بيدرة، اشترى الفسو من إياد ببردى حبرة، وقال لقومه: اشتريت لكم عار الدهر، فقالت عبد القيس في ذلك:
إن الفساة قبلما إياد ... ونحن لا نفسو ولا نكاد.
وفيهم يقول شاعر:
يا من رأى كصفقة ابن بيدرة ... من صفقة خاسرة مخسرة؟
المشتري العار ببردى حبره! ... شلت يمين صافق ما أخسره!
أخسر صفقة من أبي غبشان. فإنه باع مفاتيح الكعبة من قصي بزق خمر.
أضل من سنان. وهو ابن أبي حارثة المري؛ وكان قومه عنفوه على الجود، فركب ناقة له ورمى بها الفلاة، فلم ير بعد ذلك. وسمته العرب ضالة غطفان؛ وقالوا: إن الجان استفحلته تطلب كرم نجله.
أبطش من دوسر. وهي كتيبة النعمان.
أهدى من قيس بن زهير.
أفرغ من حجام ساباط. يقال إنه كان إذا أعوزه من يحجمه حجم أمه. فلم يزل يحجمها حتى نزف دمها، فماتت.
أندم من الكسعي. واسمه محارب بن قيس، وقيل غامد بن الحارث. وكان أرمى الناس، لا يخطئ له سهم، فخرج ومعه قوس سهام فرمى صيدا في الليل فأصاب سهمه ونفذ، فوقع في الحجر فقدح نارا. ثم رمى كذلك حتى استنفذ السهام. وهو يظن أنه أخطأ في الجميع فكسر قوسه، وخلع إبهامه. فلما أصبح رأى رميته، فندم على فعله.
أمنع من الحارث بن ظالم. وسيأتي خبره في وقائع العرب.
أبخل من مادر. وسيأتي خبره في باب الهجاء.
أكذب من مسلمة الحنفي، وخبره مشهور في دعواه النبوة ومن المهلب، وكان يكذب لأصحابه في حرب الأزارقة، يعدهم بالنجدة والإمداد.
أحمق من راعي ضأن ثمانين، وذلك أن أعرابيا بشر كسرى ببشارة سر بها، فقال له كسرى: سلني ما شئت! فقال: أسألك ضأنا ثمانين؛ ومن هبنقة، وهو ذو الودعات؛ واسمه يزيد بن ثروان أحد بني قيس بن ثثعلبة؛ وبلغ من حمقه أنه ضل له بعير، فنادى من وجد بعيري فهو له، فقيل له: فلم تنشده؟ قال: فأين حلاوة الوجدان. وفيه يقول الشاعر:
عش بجد وكن هبنقة القي ... سي نوكا أو شيبة بن الوليد.
رب ذي إربة مقل من الما ... ل وذي عنجهية مجدود.
العنجهية الجهل.
أحمق من ربيعة البكاء. هو ربيعة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ومن حمقه أن أمه تزوجت بعد أبيه، فدخل عليها الخباء، وكان قد التحى فوجد زوجها يباضعها، فتوهم أنه يريد قتلها، فبكى وهتك الخباء، فاجتمع الناس وسألوه عن شأنه، فأخبرهم أنه وجده على بطنها يريد قتلها، فقالوا: " أهون مقتول " فصار مثلا.
أتيه من أحمق ثقيف. وهو يوسف بن عمرو.
ألص من شظاظ. وهو رجل من بني ضبة.
أزنى من قرد. وهو قرد بن معاوية بن هذيل.
أمطل من عرقوب.
وقال كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل
أشأم من خوتعة. وهو رجل من بني غفيلة بن قاسط أخي النمر بن قاسط.
أشأم من قدار وهو عاقر الناقة؛ ومن أحمر ثمود وهو عاقرها أيضا.
أشأم من طويس. وهو مخنث، كان يقول إنه ولد يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم؛ وفطم يوم مات أبو بكر؛ وبلغ يوم قتل عمر؛ وتزوج يوم قتل عثمان؛ وولد له يوم قتل علي.
أمكر من قيس بن زهير.
من النساء
يقال. أنجب من مارية. ولدت لزرارة: حاجبا، ولقيطا، وعلقمة.
أنجب من بنت الحارث. ولدت لزياد العبسي بنيه الكملة، وهم: ربيعة الكامل، وعمارة الوهاب، وقيس الحافظ، وأنس الفوارس.
أنجب من أم البنين. ولدت لمالك بن جعفر بن كلاب، ملاعب الأسنة عامرا، وفارسا.
أنجب من عاتكة: ولدت لعبد مناف هاشما، وعبد شمس، والمطلب.
أسرع من نكاح أم خارجة. وهي عميرة بنت سعد بن عبد الله بن قدار بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ولدت في نيف وعشرين حيا من العرب. كان الرجل يقول لها: خطب! فتقول: نكح! قال أبو الفرج الأصبهاني: فمن ولدت، الديل، وليث، والحارث بنو بكر بن عبد مناف بن كنانة؛ وغاضرة بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة؛ والعنبر، وأسيد، والهجيم بنو عمرو بن تميم؛ وخارجة بن يشكر وبه كانت تكنى؛ وسعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن مزيقيا وهو أبو المصطلق.
قال: زعموا أن بعض أزواجها طلقها فرحل بها ابن لها عن حيه إلى حيها فلقيها راكب، فلما تبينته، قالت لابنها: هذا خاطب لي لا شك فيه، أفتراه يعجلني أن أنزل عن بعيري، فجعل ابنها يسبها.
أحمق من الممهورة إحدى خدمتيها. وذلك أن زوجها طلقها، فطالبته بمهرها، فأخذ أحد خلخاليها من رجلها وأعطاها إياه، فرضيت به أحمق من دغة. وهي مارية بنت مغنج بن ربيعة بن عجل، وقيل بنت منعج؛ تزوجت وهي صغيرة في بني العنبر بن تميم، فحملت. فلما أدركها المخاض، ظنت أنها تريد الخلاء فتبرزت فولدت فاستهل الولد. فانصرفت وهي تقدر أنها إنما أحدثت. فقالت لضرتها يا هنتاه، هل يفغر الجعرفاه؟ قالت: نعم، ويدعو أباه! فمضت ضرتها للولد فأخذته، فبنو العنبر تسمي بنى الجعراء.
أبصر من زرقاء اليمامة وهي امرأة من طسم، كانت تبصر الراكب على مسيرة ثلاث ليال. وسيأتي إن شاء الله تعالى خبرها في وقعة طسم وجديس.
أزنى من هر. وهي امرأة يهودية؛ وهي التي قطع المهاجر يدها فيمن قطع من النساء حين شمتن بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أشبق من حبي المدنية.
أشأم من البسوس. وهي جارة جساس بن مرة، صاحبة الناقة التي قتل بسببها كليب، وثارت الحرب بين بكر وتغلب أربعين سنة.
ويقال: أمنع من أم قرفة. وهي امرأة مالك بن حذيفة بن بدر الفزاري. كان يعلق في بيتها سبعون سيفا، كل سيف لذي محرم منها. فضرب بها المثل. والله سبحانه وتعالى أعلم.
الباب الثالث من القسم الأول من الفن الثاني
الغزل، والنسيب، والهوى..،
والمحبة، والعشق ولنبدأ بذكر الهوى، لأنه السبب الباعث على الغزل. وذلك أنه إذا حل في الأجسام ارتاحت النفوس، ورقت القلوب، وانجذبت الخواطر، وصفت الأذهان، وسهل على القرائح فأبرزته الألسن. والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.
ذكر شيء مما قيل في الهوى، والمحبة ، والعشق، وما قيل في ماهية العشق، وحقيقته وسببه، وما قيل في مدحه، وذمه، والممدوح منه، والمذموم، وضرر العشق في الدنيا، والآفات التي تجري على العاشق: من المرض، والجنون، والضنا، والمخاطرات بالنفوس، وإلقائها إلى الهلاك.
ثم نذكر أخبار ... ... ... ... ... ... ... ... .... ومن أخرجه عن دينه حتى كفر بربه، ومن قتل، وقتل فيه، ومن قتل نفسه.
ثم نذكر ما ورد في التحذير من فتنة النساء، وذم الزنا، والنظر إلى المردان، والتحذير من اللواط، وعقوبة اللائط، وغير ذلك من أمر العشق، على ما سنشرحه إن شاء الله تعالى فنقول، وبالله التوفيق.
أما ماهية العشق وحقيقته، فقد تكلم عليه أوائل الحكماء والفلاسفة وغيرهم من المسلمين، على ما نشرحه إن شاء الله تعالى.
كلام الحكماء والفلاسفة فقال أفلاطون: العشق، حركة النفس الفارغة بغير فكرة.
وسئل ديوجانس عن العشق، فقال: سوء اختيار صادف نفسا فارغة.
وقال أرسطاطاليس: العشق، هو عمى الحس عن إدراك عيوب المحبوب.
وقال فيثاغورس: العشق، طبع يتولد في القلب ويتحرك وينمى ثم يتربى، ويجتمع إليه مواد من الحرص، وكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج، والتمادي في الطمع، والفكر في الأماني، والحرص على الطلب، حتى يؤديه ذلك إلى الغم المقلق.
وإلى هذا المعنى أشار المتنبي بقوله:
وما العشق إلا غرة وطماعة: ... يعرض قلب نفسه فيصاب.
وقال بعض الفلاسفة: لم أر حقا أشبه بباطل، ولا باطلا أشبه بحق من العشق: هزله جد، وجده هزل، وأوله لعب، وآخره عطب.
وقد ذهب بعضهم إلى أنه مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا.
كلام الإسلاميين في العشق فقد حكي عن أبي العالية الشامي، قال: سأل المأمون بن يحيى بن أكثم عن العشق ما هو؟ فقال: هو سوانح للمرء يهيم بها قلبه وتؤثرها نفسه! قال فقال له ثمامة: اسكت يا يحيى! إنما عليك أن تجيب في مسئلة طلاق أو محرم صاد ظبيا، أو قتل نملة؛ فأما هذه فمسائلنا نحن! فقال له المأمون: ما العشق؟ يا ثمامة، فقال: العشق جليس ممتع، وأليف مؤنس، وصاحب مملك، ومالك قاهر، ومسالكة لطيفة، ومذاهبه غامضة، وأحكامه جائرة؛ ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والعقول وآراءها، وأعطى عنان طاعتها، وقيود تصرفها، وتوارى عن الأبصار مدخله، وغيض في القلوب مسلكه! فقال له المأمون: أحسنت والله، يا ثمامة! وأمر له بألف دينار.

.
صورة مفقودة




.
 
أعلى