محمد العياشي - أيريات أبي حكيمة

سنقف في مقالنا –هذا- عند شاعر متميز كل التميز في موضوعته التي غلبت على جل شعره حتى صارت سمة وعلامة مائزة له ليس في الشعر العربي القديم بل إلى إليوم ، هو شاعر اشتهر بالرثاء, طبعا حين تسمع الرثاء يذهب ذهنك مباشرة إلى الشعراء الرثّائين في الشعر العربي القديم كالخنساء وليلى الأخيلية وغيرهما …لا لا هذا ليس رثاء تقليديا صديقي بل هو رثاء للمتاع، للعضو الذكري، لقد أنفق جل شعره فيه إلى أن عُرف به كما عرفت الخنساء برثاء صخر ومتمم بن نويره برثاء مالك… فعُرف هو برثاء ذكره واشتهر به, لما أصيب به من العنة أو العجز الجنسي، وكان لشعره رواج كبير في زمنه حتى بلغ بلاط الخليفة وأنشِد فيه ,وإن لم يعرف في زماننا بسبب ضياع أغلبه وبسبب التحفظات من التيمة التي تسيطر عليه… سأعفي نفسي وأعفيك معي إلا لماما من الخوض في النقاش الدائر عند المهتمين القدامي بشعره بين موكد وناف للعلة بين من يقول كان عنينا وبين من يقول كان اتخذ هذا المسلك الشعري فقط ليجد موطئ قدم لشعره في زمن كان أبو تمام والبحتري سيدي الشعر فيه ..ومن الدلائل التي أوردها المشككون في عنته:

ما رويَ عن أحمد بن أبي طاهر أنشدت أبا حكيمة مرثية لمتاعي…فقال أبو حكيمة: “والله إنه لا شريك لي في هذا الفن، وإني قد تفردت به من دون الخلق، وأنا أعطي الله عهدًا يأخذني به إن أنا قلت شيئًا بعدها في هذا المعنى”. قال فكان أبو تمام يقول يا متوب ابي حكيمة من شقائه كيف حالك.

إنه أبو حكيمة راشد بن إسحاق الكاتب المتوفي وهو في طريقه إلى الحج 240هـ,

ومهما يكن فإني مع الذين يذهبون إلى أن الشاعر صادق فيما ادعاه على نفسه في شعره , وكيف لكذاب أن يقول كل هذا الشعر بهذه الحرارة ويستغرق منه جل شعره لو لم يكن كذلك,

إطلالة واحدة منك على مراثيه تخلف فيك انطباعا فائقا ويهزك بريق الشعر , لأن الموضوعة غير مطروقة حتى وإن قال محقق ديوانه إنه كان عالة على عمار ذي كناز و(إنه مثل شاعرنا من أهل الكوفة) ولكن هذا لا يبخس الشاعر شاعريته فعمار هذا لا يعرفه أحد….:

إني هنا لا أحدثك عن أبي حكيمة في أشعاره الأخرى التي تصادفها في ديوانه والتي لا تميزه عن باقي شعراء عصره . من غزل ورثاء تقليدي ومجون صريح وهي كما قلت لك لا تميزه عن غيره ولا تعطيه قصب سبق, ولا تشكل في الديوان إلا نزرا يسيرا. ولكن رثاءه عضوه قوة شعره ويعطيه علامة كاملة بين شعراء العربية القدامى في رأيي

-يالي ويالحسرتي من أمر هذا الميت, الموتي كلهم يكفنون وهذا الميت بين رجلي لا كفن له إنها قمة الحسرة المغلفة بالطرافة والتهكم من هذا المصاب الجلل ويستطرد في النعي والتشكي.

ديون أبي حكيمة
تُكَفِّنُ الناسُ مَوتاهُم إِذا هَلَكوا =وَبَينَ رِجلَيَّ مَيتُ ما لَهُ كَفَنُ
,,
مَيتٌ تُصافِحُهُ أَيدي أَحِبَّتِهِ = لَم يَفتَقِد شَخصَهُ أَهلٌ وَلا وَطَنُ
,,
رَأَيتُهُ مالَ وَاِستَرخى فَقُلتُ لَهُ = ضَعفٌ أَصابَكَ يا مِسكينُ أَو وَسَنُ
,,
يا راثِيَ الأَيرِ قَد رَثَّت حَبائِلُهُ = لَم تُبكِ عَينَكَ أَطلالٌ وَلا دِمَنُ
,,
لا تَستَكينُ إِلى لَهوٍ تَلَذُّ بِهِ = أَلَم يَكُن لَكَ مِن خودِ الدُمى سَكَنُ,

- وهنا دعوة صريحة إلى ترك بكاء الأطلال ومساءلة الدمن والإعراض عن السؤال عن الأحبة والإلتقات إلى عضوه الذي فقد وظيفته والبكاء عليه لا أحد يستحق السؤال عنه والبكاء عليه إلا هو ولا شيء يستحق الوصف غيره وهو عندي تجاوز أبا نواس ومن ذهب مذهبه فهذا الأخير دعا إلى ترك بكاء الأطلال إلى الخمرة في توجه شعوبي كما هو معروف وهذا دعا إلى ترك بكاء الأطلال ودعا إلى بكاء الأير ,


لا يوحِشَنَّكَ فَقدُ الحَيِّ إِن رَحَلوا = دَعهُم لِكُلِّ فَقيدٍ مِنهُم بَدَلُ
وَإِن نَأَوا حَيثُ تَرتابُ الظُنونُ بِهِم = فَلا تَقُل لَيتَ شِعري ما الَّذي فَعَلوا
وَلا تُبَكِّ عَلى رَسمٍ بِذي سَلَمِ = وَلا يُذَكِّرْكَ أيّــام الصِبا مَلَلُ
وَلا تَقِف بَينَ أَطلالٍ تُسائِلُها = فَلَن يَرُدَّ جَوابَ السائِلِ الطَلَلُ
تَطوي بِهِ العيسُ وَالظَلماءُ داجِيَةٌ = أَرضاً يَكادُ بِها المُجتازُ يَختَزِلُ
في وَصفِ أَيرِكَ شُغلٌ لَو عُنيتَ بِه = إِنَّ اللَبيبَ بِما يَعنيهِ مُشتَغِلُ
أَيرٌ ضَعيفٌ مُدَلّى فَوقَ خُصيَتِهِ = أَودَت بِقُوَّتِهِ الأَسقامُ وَالعِلَلُ

وفي قصيدة أخرى يلح على بكاء الأير لا الأطلال.

لا تبك للركْب إن راحوا وإن بكَروا = ولا تسائلْ عن الأظعان ما الخبرُ
ولا تقف بديار لا أنيس بها = ……………………………
ولتبك عينُك أيرا لا حراك به = مقوّس المتنِ في أوصاله خوَرُ
يهوى الغواني فتسترخي مفاصله = كأنه جلْدة قد مسها مطر

وكثيرا ما يصف العملية الجنسية بالمعركة التي يعود منها مهزوما مدحورا , فقد كان في الأمس جموحا في ساحة الوغى وطالما جدل فرسانها واقتحم القلعة أما اليوم فقد تزهد في غير تقوى واشتهى الغبن واختار الدعة.

كُنتَ بِالأَمسِ جَموحاً في الوَغى = فَاِشتَهَيتَ الغَبنَ وَاِختَرتَ الدَعَه
وَتَزَهَّدتَ عَلى غَيرِ تُقىً = ظَهَرَت مِنكَ وَلا حُسنِ دَعَه
وَلَئِن نِمتَ لَكُم مِن حاجَةٍ = قُمتَ لي فيها قِيامَ الصَومَعَه
طالَما جَدَّلتَ فُرسانَ الوَغى = وَاِقتَحَمتَ القَلعَةَ المُمَنَّعَه
وَتَقَحَّمتَ مَطاميرَ الهَوى = فَعَرَفتَ الضيقَ مِنها وَالسَعَه

-ويستمر هنا في وصف معركته التي يخسر فيها ويتذكر أيام كان يغدو إلى الطعان بهامة من الصخر.

تَقولُ سُلَيمى حينَ غَيَّرَهُ البِلى = وَأَعقَبَهُ مِن صَرفِ أَيّامِهِ صَرفُ
لِئِن دَقَّ وَاِستَرخى لَقَد كانَ مَرَّةً = لَهُ مَقبَضٌ في كَفِّ لا مِسِهِ يَجفو
صَبيحَةَ يَغدو لِلطِعانِ بِهامَةٍ = مِنَ الصَخرِ لا قَرنانِ فيهِ وَلا قِحفُ
إِذا شِئت لا قاني بِمَسِّ مُقَوَّمِ = وَمَشحوذَةٍ مِثلِ السِنانِ لَها حَرفُ
فَما لي أَراهُ ضارِباً بِجِرانِهِ = كَذي سَكرَةٍ مالَت بِهِ السَحرَةُ الصِرفُ

وفي وصف جليل للوهن والضعف الذي أصابه

ينام على كفّ الفتاة وتارةً = له حركاتٌ ما تُحسُّ بها الكفُّ
كما يرفع الفرخُ ابن يومَيْن رأسَه = إلى أبويه ثمّ يدركه الضعفُ“

أيضا

ويجبن عن حل الإزار وتحته = مواضع مستنٍ له ومجال
فأصبح لا تسمو إلى اللهو نفسه = ولا تخطر اللذات منه ببال
إذا استنجدتْه للقاء خريدة = تقاعس عن ضعْف به وكلال
تدلدل فوق الخصيتين كأنه = رشاء على رأس الركيَّة” بالي

الركية : البئر

-وهنا يبلغ كل مبلغ في حسرته وبكائه على ذكره وإنه صار فقط ميزاب بول وذلك منتهي الخيبة والذل
“أذللتني بعد عزٍّ = ويلي عليك وعَوْلي,
قد كنتَ حربة نيكٍ = فصرت ميزاب بولِ
جلَّت عيوبُك عندي = عن كلّ وصفٍ وقولِ“

ويضيف في رثائه ونعيه

“أبكي على لهوي ولذّاتي = بعبرة تشفي حراراتي
أبكي على أيرٍ ضعيف القوى = يخونني في وقت حاجاتي
ينام عما يستلذّ الفتى = ونومه إحدى المصيباتِ“.

وعموم شعره من هذا القري الناصع, وهذه بعض الملامح التي عنت لنا في هذه الإطلالة العاجلة ,ولعل القارئ الممعن للنظر سيجد نقاطا أخرى غير هذه … على كل حال هو خليق بالقراءة والحفظ فلترجع صديقي إليه في ديوانه فهو متوفر أو لقصائده المنتشرة في الإنترنيت ذلك لتميزه الواضح ولسهولة تراكيبه ,فشعره يخلو من التعقيدات اللغوية والتقعرات الأسلوبية التي كان يتعمدها أحيانا أعلام جيله خاصة في أغراضهم التقليدية كالمديح , وكما نلاحظ في الأمثلة المسوقة أنه مقروء في زمننا بكل أريحية وسهولة, والملاحظ أن شعره خارج مراثيه عادي ولا تفرقه عن باقي الشعراء لاعتماده الكليشيهات المنتشرة في شعر تلك المرحلة فهذا نموذج من الغزل:

غَزالٌ شَجاني فاتِرُ الطَرفِ أَحوَرُ = يَصيدُ بَعَينَيهِ القُلوبَ وَيَسحَرُ
إِذا ما رَمَتني مُقلَتاهُ بِلَحظَةٍ = تَذَكَّرتُ فَضلاً حينَ تَسمو وَتَنظُرُ
فَيَنهَلُّ دَمعي بِالصَبابَةِ وَالهَوى = وَتَعتادُ قَلبي لَوعَةٌ وَتَفَكُّرُ
شَبيهٌ بِفَضلٍ في المَحاسِنِ كُلِّها = وَلَكِن لِفَضلٍ فَضلُها حينَ يُذكَرُ
وَقائِلَةٍ لي لِمَ تَناسَيتَ ذِكرَها = فَقُلتُ هَوى فَضلٍ أَجَلُّ وَأَكبَرُ

وأخير أتركك مع هذه المقطع الجميل من نص طويل وأنا على يقين أنه سيترك في نفسك اثراباقيا

نامَ أَيري وَالنَومُ ذُلٌّ وَهونُ = إِنَّ هَمّي بِهَمِّهِ مَقرونُ
كَيفَ يَلتَذُّ عَيشَهُ آدَمِيٌّ = بَينَ رِجلَيهِ صاحِبٌ مَحزونُ
دَبَّ فيهِ البَلى فَماتَت قُواهُ = وَهوَ حَيٌّ لَم تَختَرِمهُ المَنونُ
أَيُّها الأَيرُ لَم تَخُنّي وَلَكِن = خانَني فيكَ رَيبُ دَهرٍ خَؤونُ
طالَما قُمتَ كَالمَنارَةِ تَهتَ = زُّ قِياماً تَسمو إِلَيهِ العُيونُ
رُبَّ يَومٍ رَفَعتُ فيهِ قَميصي = فَكَأَنّي في مِشيَتي مَختونُ
سَلَبَتكَ الأَيّامُ لَذَّةَ عَيشٍ = يَقصُرُ الوَهمُ عِندَها وَالظُنونُ
كانَت الحادِثاتُ تَنكُلُ عَنها = وَخُطوبُ الزَمانِ فيها تَهونُ
فَتَخَلَّيتَ مِن مُجونِ التَصابي = وَتَخَلّى مِنكَ الصِبا وَالمُجونُ
أَينَ إَقدامُكَ الشَديدُ إِذا ما = سُعِرَت بِالكُماةِ حَربٌ زَبونُ1

للرجل ممارسة كلّ شيء، خصوصاً إذا كان هذا الرجل ممن أولع بالنساء وبالخمر… وقد انتهى الأمر بأبي حكيمة إلى الطلب من أمير المؤمنين أن يمنحه جاريةً تحيي ذَكَره:
“يكفّن الناس موتاهم إذا هلكوا = وبين رِجلَيَّ مَيْتٌ ما له كفنُ
هذا الخليفة فاستوهبه جاريةً = حوراء تضحك في أعطافها الفتنُ
لعلّ أيرك يحيى إن ألمّ به = وجه مليحٌ، وخلق ناعم حسنُ“.

هذا الخليفة هو المأمون نفسه الذي عيّن قاضياً لوطياً (يحيى بن أكثم)، وفيه قال أبو حكيمة شعراً ذاع صيته:
“وكنّا نرجّي أن نرى العدل ظاهراً = فأعقَبَنا بعد الرجاء قنوطُ
متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها = وقاضي قضاة المسلمين يلوطُ؟“.

ومن نافل القول إن أبا حكيمة لم يكن بعيداً عن جو الغلمان إلا أنه كان شديد الميل نحو النساء، وما رثاؤه لذكره إلا من باب التأسّف والتفجّع على “عدّة الجنس” التي خذلته في كبره. لم يبكِ أبو حكيمة على الأطلال كما تفعل العرب عادة، بل احتقر هذه العادة كشريكه أبي نؤاس، ترك أطلال الحجر ليرثي أطلال الذَّكَر:
“لا يوحشنّك فقدُ الحيّ إن رحلوا = دعْهم لكلّ فقيدٍ منهمُ بَدَلُ
ولا تقف بين أطلالٍ تسائلها = فلن يردّ جواب السائل الطللُ
ولتبكِ عينك أيراً لا حراك به = لا اللمس يُنشطه يوماً ولا القُبَلُ“.

ومن “غيره” يستحقّ الرثاء، بعد الذلّ الذي سبّبه كسله وقعوده:
“أذللتني بعد عزٍّ = ويلي عليك وعَوْلي
قد كنتَ حربة نيكٍ = فصرت ميزاب بولِ
جلَّت عيوبُك عندي = عن كلّ وصفٍ وقولِ“.

ويقول أيضاً:
“أبكي على لهوي ولذّاتي = بعبرة تشفي حراراتي
أبكي على أيرٍ ضعيف القوى = يخونني في وقت حاجاتي
ينام عما يستلذّ الفتى = ونومه إحدى المصيباتِ“.

لم يستطع أبو حكيمة تحمّل خسارة “رجولته”، فعمد إلى المجاهرة بما أصابه، علّ هذا الإشهار يخفّف عن نفسه ويروّح عن جميع المبتلين بهذه الحال، مستذكراً زمن “معاركه” و”غزواته” المشهورة بين النساء:
“ألا أيها الأير الذي ليس ينفعُ = أعندك في تحريك رأسك مطمعُ
إلى كم وقد نُبّهتَ من سكرة الكرى = توسّدُ إحدى بيضتيك وتهجعُ
عدمتكَ من أيرٍ قليل غناؤه = خلت منه أسباب المنافع أجمعُ
تغيّرتَ حتى ما تُرى فيك شيمةٌ = من الأير إلا أنّ رأسك أصلعُ“.

لم يكن رثاء أبي حكيمة رثاء حزيناً فقط، بل حمل شعره اللوم والتقريع، مع مسحة الصابر المضطرّ في صبره:
“ألا أيها الأير الذي قلّ نفعه = أما فيك خيرٌ كم تذمّ وكم تُشكى
رأيتك في حال الفسوق مشمِّراً = ففيمَ هداك الله لي تكتم النسكا
بكيتكَ لما لم تقم عند حاجة = وحُقَّ لأيرٍ لا يقوم بأن يُبكى“.

وهكذا ظلّ الحنين يداعب مخيّلة شاعرنا، يوصله بالأيام الخوالي، ليقيم موازنةً بين حاضره وماضيه، من دون أن ينسى تقريع عضوه المستكين:
“تنّبه أيها الأير المدلّى = لشأنك إنّ طول النوم عارُ
توقَّرُ عن ملاعبة الغواني = وشرُّ خلائق الأير الوقارُ
تقلّصُ إن أصابك برد ليلٍ = وتسترخي إذا حميَ النهارُ
وفي ما بين ذلك أنت ملقى = على الخصيين ليس بكَ انتشارُ
تولّي الغانيات قفا لئيمٍ = تليق به الهزيمة والفرارُ
تحنّ على البعاد إلى سليمى = وتهجرها إذا قَرُب المزارُ
وتُعرضُ حين تلقي الثوب عنها = وتسجد كلما خُلع الإزارُ“.

غلّف أبو حكيمة رثاءه بنكهة الطرافة والتفكهة، فكأنه يريد أن يطبّق القول المأثور “شرّ البلية ما يضحك”:
“يا ربّ صائحةٍ بالويل حين رأت = ما بين فخذيّ من خزيٍ ومن عِبرِ
أيرٌ تعقّفَ واسترخت مفاصله = مثل العجوز حناها شدّة الكبرِ
كأنه حالفٌ بالله مجتهدٌ = ألا يقوم على أنثى ولا ذكرِ“.

والحقّ أن بناء صورة المتاع في عجزه لدى أبي حكيمة مما يأسر بجماله وابتكاره:
“ينام على كفّ الفتاة وتارةً = له حركاتٌ مما تُحسُّ بها الكفُّ
كما يرفع الفرخُ ابن يومَيْن رأسَه = إلى أبويه ثمّ يدركه الضعفُ“.

كذلك فلنقرأ هذه الرسم الكاريكاتوري الذي يرسمه لنفسه وقد غدا من دونه:
تقول سُليمى ما لأيركَ لا يُرى = أطار به من فوق خُصييك طائرُ
فقلت لها: أيري مقيم مكانه = ولكنه رخو المفاصل ضامرُ
فهل أبصرت عيناكِ قبلي وقبله = فتى غاب عنه أيره وهو حاضرُ؟!”.

طالما قمت كالمنارة تهتــــــــ = ـــــــز قياماً تسمو إليك العيون
رب يوم رفعت فيه قميصي = وكأني في مشيتي مختون
لم يدع منك حادث الدهر إلا = جلدة كالرشاء فيها غضون
تثنى كأنها صولجان = أو كما عرقت من الخط نون
 
أعلى