محمد الناصر - خواطر في الروض العاطر في نزهة الخاطر للشيخ النفزاوي

كم كنت "أتألم" وأنا أقرأ في الصحف أن كاتبا أو رساما في هذا البلد أو ذاك رسم صورة للنبي محمد "تســيء إلى الإسلام" فيرد عليه "المليار مسلم" إما بالتنديد أو بالدعوة إلى مقاطعة صادرات بلده أو بمظاهرات احتجاج يسقط فيها أحيانا "شهداء" انتماء دينيا معدمون اقتصاديا يتامى سياسيا.
ويمـــر وقت ليس بالطويل فيمحي من الذاكرة كل شيء تقريبا إلى أن يخرج علينا "شيطان" صغير جديد ب"بدعـــة" جديدة فنعود إلى السكن في "طاحونــة الشيء المعتاد".
فكرت أحيانا أن لعبة "القط والفأر "هذه لا بد أن تكون من نسيج يتجاوز قدرة نساج غربي فرد. ولكنني سرعان ما تخليت عن هذا التفكير لأنني رأيت أن "المؤامرة" نسجت خيوطها إما عن وعي أو غير وعي في داخل البلاد العربية والإسلامية وخارج هذه البلاد اذ المستفيدون منها يعيشون في هذين المحيطين على حد سواء بدليل أنه إذا خفت أو "توارى" "مسيء إلى الإسلام" في الغرب تحول جهد "الفأر" الداخلي إلى البحث عن "قط" داخلي "يلاعبه". والأمثلة على ذلك كثيرة نكتفي في هذه القراءة بمثال واحد منها هو الذي تمثل منذ مدة قصيرة في تغني البعض ب "محاسن"كتاب "الروض العاطر" وفي إفراط البعض الآخر في ذكر "مثالبه" وذلك بالرغم من أن هذا الكتاب لم يظهر اليوم أو البارحة ولكن قبل أن يولد ابن خلدون بمعنى أن صاحبه كان رجل دين مجايل للرحالة ماركو بولو (1254-1324) أو إن شئت للرحالة الطنجي ابن بطوطة(1304-1377) أي أنه عاش في فترة الفوضى التي عقبت مباشرة انهيار الدولة الموحدية واستشرت فيها الحروب بين بناتها الثلاث (الحفصية في تونس و قسنطينة وبجاية والزيانية في تلمسان والمرينية في مراكش لاقتسام ملكها) ومن ثم لم يكن مؤلفه من ناحية ينتمي حقيقة إلى أي واحدة منها ولم يكن من ناحية ثانية يعرف شيئا يذكر عن الحضارة الرأسمالية الغربية الحديثة التي بدأت جذورها تمكن لنفسها منذ القرن الثالث عشر في التربة الغربية بكل ما تعني هذه الحضارة الغربية من فردية ودولة قومية واقتصاد رأسمالي وعلمانية(بفتح العين، من العالم أي الفصل بين الدين والدولة) وعلمانية(بكسر العين من العلم أي القول إن العلم هو، وحده، مفتاح كل شيْ).
فما هو السبب الذي يدفع إلى ممارسة هذه اللعبة "المضحكة المبكية" ؟
إن سبب ذلك هو وجه من وجوه الصراع بين نظرتين مختلفتين إلى الأشياء قلل من إمكان التقائهما حول نظرة وسط شعور حضاري عام بالإحباط. وإلا فما معنى أن لا يلتقي الخصمان أي من يحاربه ومن ينتصر له حول حقيقة واحدة أحد مفادها أن الإنسان، امرأة كان أم رجلا، إنما هو كائن مثلث الأبعاد(الجسد والنفس والعقل) وأن الرجل والمرأة، انطلاقا من هذا الفهم، مختلفان لا متناقضان وأن كل فهم ينكر مثل هذه الحقائق إنما هو فهم "إيديولوجي" صرف ؟
إنني لا أود الإطالة في هذا الموضوع لأني أعرف أولا أن هذا الجزء من المقالة لن يفيد، في نهاية المطاف، زوار الموقع وزائراته ولأنني، ثانيا، أحب الكلام الدقيق الموثق الذي لا يفسح المجال للجدال العقيم. ومن هذا الكلام سوء ظني بأغلب من كتبوا، شرقا وغربا، عن مؤلف "الروض العاطر" إما ل"هجائه" وإما ل"مدحه" من دون أن يبذلوا الجهد الكافي للتعريف بصاحبه تعريفا مفيدا أو تحديد الفترة التاريخية التي عاش فيها تحديدا سليما. وهذا نقص لا يغتفر، في نظري، لأنني حريص، دائما، وهذا من "أبجديات" النظرة التاريخية العقلانية، على ربط مضمون أي كتاب بالعصر الذي ظهر فيه اذ لا مضمون "مجنحا يطير" فوق الزمان والمكان. فما هو المكان الذي "ولد البيضة" المسماة ب "بالروض العاطر" وما هو الظرف التاريخي الذي "بيضت" فيه ؟
إن صاحب "الإيضاح" ينسب إلى نفزاوة التي تقع جنوب "شاطئ الجريد" في الجنوب التونسي الحالي وهو عبارة عن "سباخ". ونفزاوة هذه كانت إلى حدود منتصف القرن الحادي عشر الميلادي أي حتى غزوات بني هلال وسليم والخلط واحدا من مواطن البربر البتر واليهم تنتسب على سبيل المثال زينب النفزاوية (1039-1071) التي حولها شطط البحث عن الأنساب اليوم إلى أسطورة ما أبعدها عن حياة هذه البدوية المرابطية الحقيقية.أما نفزاوة منذ منتصف هذا القرن فلقد اجتاحها بدو العرب وامتزجوا بأهلها فتعربت تماما وبذلك أصبحت النسبة إلى نفزاوة تطلق على من ينتسب إليها جغرافيا لا عرقيا خاصـــة عند ما ينزح منها إلى مواطن جديدة اذ لا يعقل أن ينسب، على سبيل المثال، شامي شاميا إلى الشام إن كان مساكنا له. وعلى العكس من ذلك فان من يهاجر من الشام إلى بلد يحتضنه "يعرفه" سكان بلد المهجر ب"الشامي ". ومن هنا يتبين أن نسبة النفزاوي يجب أن تخضع للتدقيق. هذه الملاحظة لا تعد شيئا إذا ما قورنت بمسألة تحديد زمن التأليف. فأنا لم أقرأ شيئا، وأتمنى أن يكون هذا نتيجة نقص اطلاع، يقترب ولو قليلا من الفترة التي عاش فيها المؤلف: فمـــن الكتابات ما تحدث عن زمن تأليف حدث في عصر أحد السلاطين الحفصيين يدعى عبد العزيز في بدايات القرن السادس عشر في حين أنه لا وجود في هذه الفترة لسلطان حفصي يحمل هذا الاسم ومنها ما تحدث، تشبثا منه بهذا الاسم، عن السلطان الحفصي أبي فارس عبد العزيز المتوكل(1394-1433) بل إن منها ما ليس بجدي تماما اذ تحدث عن تأليف حدث زمن أحد "البايات"أي في العهد العثماني.
فكيف يمكن للقوم أن يكونوا على جهل فظيع مثل هذا لا تعادله، في نظرنا، غير فظاعة الحرب العشواء التي لا يرضون عنها، لعجزهم عن تبين قضايا الإنسان المسلم الحقيقية، بديلا؟
لقد كان يمكنهم، لو شاؤوا وهم لم يشاؤوا عن قصد، أن يقرؤوا ما يلي من " تحفة النــظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" لابن بطوطة (1304-1377) فيكونوا فكرة صحيحة عن عصر الشيخ النفزاوي:
"كان خروجي من طنجة مسقط رأسي(...) عام 725 (1324م) معتمدا حج بيت الله الحرام(...) وسني يومئذ ثنتان وعشرون سنـة (ولد سنة 1303)(...) و(قد) وصلنـا مدينة الجزائـر وأقمنا بخارجها أياما إلى أن قدم الشيخ أبو عبدالله (النفزاوي ومرافقوه) فتوجهنا جميعا (...) إلى جبل الزان ( يقصد الجبل الممتد من فج الوزال- تيزي وزو- في بلاد القبائل الكبرى إلى تخوم بجاية، بلاد القبائل الصغرى)ثم وصلنا إلى مدينة بجاية ( موطن قبائل زواوة) فنزل الشيخ أبو عبد الله بدار قاضيها أبي عبد الله(محمد بن عوانة)الزواوي (وهو من أتباع الأمير عبد العزيز، أخي صاحب تونس أبي بكر المتوكل، وكان عبد العزيز هذا يعيش حسب ابن خلدون "في ظل ظليل من النعمة"). وكان أمير بجاية إذاك أبا عبدالله محمد بن سيـــد النـاس الحاجب (ولاه الأمير الحفصي أبو بكر المتوكل - 1318/1349 – حجابتها بين1320 و1326ثم نقله في هذه السنة إلى حجابة تونس بعد أن رفض جد ابن خلدون تقلد هذا المنصب الشبيه برئاسة الوزراء اليوم ثم قتله سنة1332 ).وكان قد توفي (تاجر) من تجار تونس (كان يصاحبنا)(...) وترك ثلاثة آلاف دينار من الذهب وأوصى بها لرجل من أهل الجزائر يعرف بابن حديدة ليوصلها إلى ورثته فانتهى خبره لابن سيد الناس المذكور فانتزعها من يده. وهذا أول ما شاهدته من ظلم عمال الموحدين وولاتهم(....)وسرنا إلى أن وصلنا مدينة قسنطينة فنزلنا خارجها(...)ورحلنا إلى أن وصلنا مدينة بونة (عنابة) ونزلنا بداخلها وأقمنا بها أياما(...) وتجردنا للسير(...) إلى أن وصلنا مدينة تونس فبرز أهلها للقاء (...)أبي عبد الله النفزاوي ،فأقبل بعضهم على بعض بالسلام والسؤال ولم يسلم علي أحـد لعدم معرفتي بهم فوجدت من ذلـك في النفس ما لم أملك معــه سوابق العبـــرة..."
لقد كان عمر ابن بطوطة سنة 1324"ثنتين وعشرين سنة". ولقد رافق في بداية رحلته الشيخ أبا عبد الله محمد بن أبي بكر بن علي النفزاوي. ونحن لا نتصور أن تكون سن الشيخ آنئذ أقل من خمسين سنة وبذلك يكون قد ولــــد في العقد الثامن(1280/1290) من القرن ...الثالث عشر الميلادي.
هذا القرن هو، في نظرنا، قرن ما بعد ابن رشد الذي تعمق فيه وضع اختلال التوازن بين الحضارتين الغربية والمغربية اذ ستغلب صفة "الصيد داخل الذات"(ابن عربي ) و"الصيد داخل الحريم"(النفزاوي) على "الصيد" خارجهما أي الإيغال في الطبيعة أي "اغتصابها". ونحن عندما نستعمل عبارة "الحضارة المغربية" فذلك لسبب بسيط هو أن مؤلف "الروض العاطر" بتري زناتي ذهب أعراب بني هلال وسليم والخلط بقبيلته فاندمج في البرانس من مصامدة المغرب الأقصى(الحفصيين حكام تونس) ومن كتامة و زواوة من بلاد القبائل الكبرى وخاصة القبائل الصغرى ليؤلف "روضا عاطرا" إذا كان يمكن اعتباره مادة ثرية تصلح في الدراسات السوسيولوجية فهو، فيما عدا ذلك لا يصلح لشيء. ولقد كان ضمن مكتبتي إلى عهد قريب وفي متناول يدي ابنتي وابني فلم أر منهما أقل ميل، عدا تصفحه لأنه يحمل لقب النفزاوي، إلى قراءته وذلك لسبب بسيط أنه وجد في البلاد العربية، وان بعدد متدن لأسباب عديدة، جيل جديد تجاوزني أنا شخصيا وقد كنت أعد نفسي "تقدميا" من دعاة "المساواة بين الرجل والمرأة". وهو جيل قد لا يكون من "فئران المكتبات" مثلي أي لا يملك ثقافة تاريخية لن أكذب فأقول إنها جد متواضعة. ولكنه يمتلك حسا جديدا بالأشياء تكون من مصادر متعددة. هذا الحس هو الذي يدفعه، بعد اختلاط تلمذي ثانوي وطالبي، إلى اكتشاف خطا النفزاوي عندما تحدث لا عن حب ولكن عن " جنس" لا يستأهل حتى لفظ "الجنس ". وفعلا فان النفزاوي تحدث عن علاقة "كمية"مثالية بين الرجل والمرأة لا وجود لها حتى في المباغي التي تحتضن بغايا يستقبلن عددا كبيرا من"البغايا الرجال" ولكن الواحدة منهن تحتفظ في قلبها بموقع خاص "لحبيب خاص".
أود أن أقول إن هذا الجيل ليس في إمكانه أن يوفق بين ما كتب الشيخ النفزاوي وحياته الزوجية الفعلية في هذا العصر فلم لا نعينه ابتداء من المدارس الابتدائية بإحداث مادتين تربويتين يضطلع بهما مختصون هما مادة "التربية الغذائية" وشقيقتها مادة "التربية الجنسيـة" ؟


.
 
أعلى