مذكرة بدفاع الكاتب كرم صابر في قضية إزدراء الاديان

محكمة جنح ببا الجزئية
دائرة ( الثلاثاء)


مذكرة
بدفاع
السيد / كرم صابر ابراهيم متهم

ضــــــــــد

النيابة العامة سلطة اتهام

في القضية رقم 14128 لسنة 2012 جنح ببا والمحدد لنظرها جلسة( الثلاثاء )الموافق 24/ 12 / 2013


الوقائع

… حركت النيابة العامة الجنحة حيث تتحصل وقائع الدعوى مستخلصة من اوراقها فيما أبلغ به كل من ( احمد عبد التواب هشم – محمد سيد محمد – محمد فتحي سليمان – وخرين ) بالشكوى المقدمة للسيد المستشار المحامي العام لنيابات بني سويف الكلية يوم 12 / 4 / 2011 وما ثبت بمحضر الضبط وتحقيقات النيابة العامة من قيام لمتهم بتأليف مؤلف اسماه ( ين الله ) ثم قام بطباعته وتوزيعه على بعض أهالي عزبة رشوان التبعة لقرية طح البيشة وكذا تم إيداعه مكتبة الطفل بمدرسة البلدة المذكورة الى ان اكتشف الأهالي مضمونه والذي يدعو فيه الكاتب الي الإلحاد والكفر والتحريض على الشرك و الإساءة للذات الالهية , وبأجراء تحريات جهة البحث الجنائي أفادت بصحة الواقعة وان قصد المتهم التحريض على الكفر والشرك وازدراء الأديان , وقد استطلعت النيابة العامة راى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر

الشريف والذي أفاد رسميا ( بأن الكتاب المذكور به أفكار تخالف الشريعة الإسلامية وغير صالح للنشر والتداول لأنه يهدم كل القيم العقدية والفكرية و الأخلاقية ويعمل على تشويه وتمزيق النسيج المصري بكل عناصره الإسلامية والمسيحية ) كما أفادت مطرانية بني سويف للأقباط الأرثوذكس في شخص وكيلها بالاستنكار ورفض السخرية من أحكام الشرائع لما ورد بقلم المتهم بالكتاب المذكور . وقد طلبت النيابة في النهاية الي المطالبة بمعاقبة المتهم بالمادة (98 و ) من قانون العقوبات المصري لأنه في غضون شهر مارس و ابريل عام 2011 استغل الدين في الترويج لأفكار متطرفة بقصد أثارة الفتنة وتحقير وازدراء احد الأديان الماوية والطوائف المنتمية اليه و الإضرار بالوحدة الوطنية .

الدفـــــــــــاع

… بداية لسنا بصدد الحديث عن حرية العقيدة أو حرية الرأي، وإنما نحن في الأساس بصدد تجريم تهوين شأن العقيدة وازدرائها والاعتداء عليها، تلك العقيدة التي خلصت حريات الناس إلى اعتناقها.

إن توجيه الاتهام باستغلال العقيدة أيا كانت، في ترويج أفكار متطرفة من شأنها إثارة الفتنة بين الناس، وبلبلة أفكارهم وزعزعة معتقداتهم، يجب أن يستند إلى وقائع مادية، أو نصوص واضحة جلية من كتاب اين الله -، وهو ما افتقر إليه التقريرين، لسبب بسيط ووحيد هو أن الكتاب لم يشر لذلك من قريب أو من بعيد لا تصريحا ولا تلميحا فأمر الله قد استقر وللكل من بعد الحق في أن يتخير سبيله إلى الله، تلك هي حرية العقيدة التي كفلها الدستور، بما فيها الدستور الصادر العام الماضي بعد الثورة، وعني بها أشد الاعتناء فأحاطها بسياج متين من القواعد الثابتة، مؤداها أنه ليس لأحد أنه يتعدى على عقيدة الآخر أو يبدل فيها أو يحول من مدلولها أو يخالف ثوابتها، وإن ثبت ذلك ففي ذلك أبلغ نموذج للتعدي على حرية العقيدة، والمساس بها.

وأوراق الدعوى وقرائنها، ولا أقول أدلتها أبدا، ووقائعها، قد خلت من وجود مثل واضح أو حتى ملتبس لهذه الصورة من التعدي، بل على النقيض جاء التقريرين ومن حرروه وشارك في كاتباته بعكسه، وكأنهم قد التمسوا من الدين بصفة عامة سبيلا، وراحوا يبدلون من جوهره ويفسرون آياته على نحو فاسد، مخالفين الثابت والمعلوم من الدين بالضرورة والتي آمن بها المسلمون جميعا وقنعوا بها عن رضا وإيمان، حتى خلصوا كاتبوا التقرير إلى نتيجة خاطئة واستنتاج فاسد، بأن الكتاب ينطوي على ازدراء للأديان وغير صالح للنشر ، ويؤدي إلى فتنة بين معتنقيها لتحقيق مآربهم بإدانتها بأي وسيلة.وهي كما أوضحت سلفا، عبارات عامة مرسلة تفتقر إلى دليل أو سند صحيح للتدليل على صحتها.

(ب) عندما وضع هذا النص (المادة 98 في قانون العقوبات) أوئل الثمانينيات من القرن الماضي، كانت هذه المادة مضافة إلى قانون العقوبات بالقانون رقم 29 لسنة 1982 هي بالأساس مادة «تأديبية» أُضيفت لقانون العقوبات، بعد «أحداث الزاوية الحمراء» بهدف معاقبة «المتشددين من الشيوخ والقساوسة»، الذين يستخدمون نصوصا دينية للتحريض على العنف..

ولم يكن الهدف إنشاء محاكم تفتيش جديدة، تنقب في عقول المفكرين وتتبع لتأويلها وتحريفها بقصد معاقبتهم على إعمال الفكر والعقل.بل بالعكس كان ذلك لمواجهة ظاهرة إجرامية بحتة لا علاقة لها بالفكر أو حتى العقل.ألا وهي ادعاء النبوة. وهو أمر بالنسبة لي، ربما يثير الشفقة أكثر من أي شعور آخر على هؤلاء الذين يتصورون في أنفسهم أنهم إصلاحيون قائمون على أمر المجتمع، وكأنهم يمتلكون صكوك الغفران فيدعون نبوة مستغلين عقولا خاوية على عروشها لأتباع رضوا باتباعهم فقرا في المال والفكر، فيبدون أمامهم وكأنهم من أصحاب الحظوة والمكانة الدينية المرموقة، وهي أعراض مرضية تصيب أشخاصا غير أسوياء في الأساس، لذا رأى المشرع مواجهة تلك الظاهرة بقانون، إذ ربما تنحصر قبل أن تستفحل في مجتمع يستشري فيه الجهل ويضرب الفقر في جذوره بقوة، وربما يكون هذا التشريع قد نجح في مواجهة هذه الظاهرة، إلا أن المؤكد أنه لم يدر بخلد المشرع وأعضاء مجلس الشعب وقتها، وهو يوافقون على هذا القانون منذ أكثر من ثلاثين عاما، أنه سيستخدم ضد المفكرين وأصحاب الرأي كوسيلة قمع وأداة إرهاب على النحو الذي يجري الآن.

أولا الدفع بعد اختصاص المحكمة مكانيا بنظر الدعوى

تنص المادة 217 اجراءات جنائية على أنه :

يتعين الاختصاص بالمكان الذى وقعت فيه الجريمة او الذى يقيم فيه المتهم او الذى يقبض عليه فيه .

كما تنص المادة 218على أنه :ـ

فى حالة الشروع تعتبر الجريمة انها وقعت فى كل محل وقع فيه عمل من أعمال البدء فى التنفيذ . وفى الجرائم المستمرة يعتبر مكانا للجريمة كل محل تقوم فيه حالة الاستمرار ، وفى جرائم الاعتياد والجرائم المتتابعة يعتبر مكانا للجريمة كل محل يقع فيه احد الافعال الداخلة فيها .

وقد قضي تطبيقا لذلك :

قواعد اختصاص المحاكم الجنائية بما فيها الاختصاص المكانى . من النظام العام .علة ذلك؟ . الأماكن التى يتعين بها الاختصاص . قسائم متساوية . المادة 217 إجراءات . القضاء فى موضوع الدعوى دون التعرض للدفع بعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى . وثبوت عدم اختصاصها محلياً بنظرها . مخالف للقانون . أثر ذلك ؟ مثال لحكم صادر فى الاختصاص المحلى من محكمة النقض لدى نظرها

الأفعال المكونة للجريمة تعتبر مجموعا غير قابل للتجزئة ولو وقعت في أماكن مختلفة والمحكمة المختصة بنظر الدعوى هي التي وقع في دائرتها معظم هذه الأفعال.

(12/4/1913 المجموعة الرسمية س 14 ق 84)


… وبتطبيق ذلك على دعوانا نجد أن محل إقامة المتهم في القاهرة وأن واقعة التأليف لكتابه (أين الله ) وطباعته ونشره تمت في القاهرة أيضا ومن ثم تكون محكمة جنح ببا غير مختصة مكانيا بنظر الدعوى ولا يؤثر في ذلك توزيع الكتاب في أحد الندوات على أهالي عزبة رشوان التابعة لقرية طحا البيشا وفقا لما قرره المبلغون لأن العبرة هنا وفقا لما استقرت عليه محكمة النقض بالمكان الذي تم فيه الفعل المادي وهو في دعوانا التألبف والطباعة والنشر وجميعهم قد تموا في القاهرة وبالتالي ينعقد الاختصاص المكاني لمحكمة جنح الأزبكية التي يتبعها محل إقامة المتهم .


ثانيا: الدفع بعدم قبول الدعوى لتحريكها بغير الطريق الذي رسمه القانون لاختصاص نيابة أمن الدولة دون سواها بتحريك الدعوى الجنائية:

تعد نيابة آمن الدولة العليا واحدة من النيابات المتخصصة وقد أنشئت وحدد اختصاصها بمقتضى قرار وزير العدل المنشور بالعدد 22 من الوقائع المصرية والصادر فى 12 مارس 1953 عدل هذا بقرارات وزير العدل اللاحقة مثال:-

القرار الصادر فى 1/6/57 والمنشور بالعدد 45 من الوقائع والصادر فى 6/6/57

القرار الصادر فى 28/12/64 والمنشور بالعدد 3 من الوقائع والصادر فى 9/1/64

القرار رقم 1270/72 باختصاصات نيابة آمن الدولة العليا والصادر في 13 /11/1972 والمنشور بالعدد 262 تابع من الوقائع والصادر فى 16/11/72

القرار رقم 296/79 بإضافة بعض الاختصاصات إلى نيابة آمن الدولة العليا والصادر فى 25/1/79 والمنشور بالعدد 250 من الوقائع والصادر فى 5/11/79

ويستفاد من استعراض هذه القرارات أن وزير العدل قد اسند إلى نيابة آمن الدولة العليا اختصاصا شاملا ومنفردا فى التصرف فيما يقع فى جميع أنحاء الجمهورية من الجرائم المحددة حصرا فى القرار وتعديلاته.

كما تختص اختصاصا وجوبيا بأعمال التحقيق فى هذه الجرائم والتى تقع بدائرة محافظتى القاهرة والجيزة ولها اختصاص جوازى بالتحقيق فى هذه الجرائم والتى تقع فى خارج محافظتى القاهرة والجيزة ويستفاد أخيرا التوسع المطرد فى اختصاصات هذه النيابة بموجب قرارات وزارية حيث أصبحت تختص بما يلى على سبيل المثال:

الجرائم الواردة فى الباب الأول والثانى والثانى مكرر والثالث والحادى عشر والرابع عشر من الكتاب الثانى من قانون العقوبات. وبذلك تتضمن الجنايات والجنح المضرة بآمن الحكومة من جهة الخارج ومن جهة الداخل وجرائم المفرقعات والرشوة والجنح المتعلقة بالأديان

الجرائم التى تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر إذا كان المجنى عليه موظفا عاما أو شخصا ذا صفة نيابية عامة أو مكلفا بخدمة عامة

الجرائم المنصوص عليها فى المواد 124، 124 أ، 124 ب، 124 ج، 374، 374 مكررا، 375 من قانون العقوبات. وتتضمن جرائم الإضراب عن العمل والتحريض عليه وتحبيذه والاعتداء على حق العمل وحريته والتوقف عنه بالمصالح ذات النفع العام

الجنايات التى يصدر بها أو بإحالتها إلى محاكم آمن الدولة العليا أمر من رئيس الجمهورية طبقا لأحكام قانون الطوارئ رقم 162/58، وهى ما حددت فى فراره رقم 1/1981 وتعديلاته

الجرائم الواردة فى القانون رقم 10/14 بشأن التجمهر، والقانون 14/23 بشأن الاجتماعات العامة والمظاهرات فى الطرق العمومية، والقانون 85/49 بشأن حفظ النظام فى معاهد التعليم، والقانون رقم 10/77 بشأن الأحزاب السياسية

الجرائم المرتبطة بالجرائم المتقدم ذكرها

والسؤال الذي يفرض نفسه هل يجوز تحريك الدعوى الجنائية في الجريمة المنصوص عليها في المادة 98 و من قانون العقوبات عن طريق النيابة العامة ؟

والإجابة عن هذا السؤال تقتضي منا أن نوضح التالي :-

تنص المادة (98 و) والواردة بالباب الثانى من القسم الثانى لقانون العقوبات على أنه: ( يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين فى الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية ).

وحيث ان النيابة العامة قد خالفت نصوص تعليمات النيابة العامة والواردة بالباب السابع عشر من التعليمات كما جاء فى نصوص المواد الاتية

كما نصت المادة(1584)على انه( يجوز إنشاء نيابات تختص بالتحقيق والتصرف في أنواع معينة من الجرائم ، ويصدر بإنشاء هذه النيابات قرار من وزير العدل أو النائب العام ).

كما نصت المادة( 1587 )على ( نيابة أمن الدولة العليا هي نيابة متخصصة صدر بإنشائها وتحديد الجرائم التي تختص بتحقيقها والتصرف فيها قرار وزير العدل بتاريخ 8 من مارس 1953 والقرارات اللاحقة بتعديل اختصاصها ، وهي ملحقة بمكتب النائب العام) .

ونصت ايضا المادة (1588 )على أن : “ تختص نيابة أمن الدولة العليا بالتصرف فيما يقع في كافة أنحاء جمهورية مصر العربية من الجرائم الآتية” :

الجرائم المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني والثاني مكرر والثالث والحادي عشر والرابع عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ، وهي الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج ، ومن جهة الداخل ، وجرائم المفرقعات والرشوة ، والجنح المتعلقة بالأديان ، والجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها .

و نصت المادة 102من تعليمات النيابة العامة على (يجب أخطار نيابة امن الدولة العليا فورا بالتحقيقات التى تجرى………………………………… كما يجب أخطار النيابة المذكورة بما يقع من جرائم تختص بتحقيقها وذلك فور وقوعها لتتخذ ما تراه في شانها وتخطر المكتب الفني للنائب العام بالقضايا الهامة مما تختص نيابة امن الدولة العليا بتحقيقه .

و لما كانت المادة (98 و) و المعاقب بموجبها المتهم الماثل امام الهيئة الموقرة قد جاءت ضمن مواد الباب الثانى من الكتاب الثاني بقانون العقوبات والخاص بالجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل.

ولما كان وزير العدل قد أصدر قراره بإنشاء نيابة أمن الدولة العليا في 8 مارس 1953 والمنشور بالعدد 22 من الوقائع المصرية الصادر في 12 مارس 1953 وقد عدل هذا القرارات بقرارات وزارية لاحقة و أسند إلى نيابة أمن الدولة العليا اختصاصا شاملا ومنفردا في التصرف فيما يقع في جميع أنحاء الجمهورية من الجرائم المحددة حصرا في القرار وتعديلاته كما تختص اختصاصا وجوبيا بأعمال التحقيق في هذه الجرائم التي تقع بدائرة محافظتي القاهرة والجيزة ولها اختصاص جوازي بالتحقيق في هذه الجرائم والتي تقع خارج محافظتي القاهرة و الجيزة .

وجاء نص المادة 331 من قانون الإجراءات الجنائية واضح ويؤكد علي انه:

يترتب البطلان علي عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري .

وقضي في هذا الصدد بان:

… الشارع يرتب البطلان علي عدم مراعاة أي إجراء من الإجراءات الجوهرية التي يقررها دون سواها … وإذا كان ذلك وكان الشارع لم يورد معيارا ضابطا يميز به الإجراء الجوهري عن غيره من الإجراءات التي لم يقصد بها سوي الإرشاد والتوجيه للقائم بالإجراء فانه يتعين لتحديد ذلك … الرجوع إلي علة التشريع فإذا كان الغرض من الإجراء المحافظة علي مصلحة عامة أو مصلحة للمتهم أو غيره من الخصوم فان الإجراء يكون جوهريا يترتب البطلان علي عدم مراعاته .

( الطعن رقم 20844 – لسنة 59 ق – جلسة 11/3/1952)

وهديا بما سبق يبين لعدلكم أن نيابة أمن الدولة هي المختصة دون غيرها بتحقيق الجريمة موضوع دعوانا والمنصوص عليها في المادة (98 و ) من قانون العقوبات باعتبارها من مواد الباب الثانى من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وهو اختصاص منفرد ووجوبي لنيابة أمن الدولة العليا على اعتبار أن الجريمة من الجرائم التي تقع في نطاق اختصاصها وفقا لقرار وزير العدل الأمر.. ولكن ما حدث في دعوانا الماثلة هو التحقيق بنيابة ببا الجزئية بتاريخ 2011/4/23 و إنهاء التحقيقات بتاريخ 2011/6/12 ثم قدمت مذكرة رفعت للمحامي العام لنيابات بني سويف شملت الوقائع والاتهامات والقيد والوصف ثم تم إرسال أوراق القضية الي السيد المستشار المحامي العام الاول لنيابات امن الدولة العليا بتاريخ 2011/6/15 .

…. وبذلك تكون القضية قد تم التحقيق فيها عن طريق نيابة ببا الجزئية ولم تتصل نيابة أمن الدولة صاحبة الاختصاص الوجوبي بهذه القضية الا بعد انتهاء التحقيقات اﻷمر الذي يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوي الجنائية لتحقيق القضية من نيابة غير مختصة .

ثالثا : -انتفاء أركان جريمة ازدراء الأديان المؤثمة بالمادة 98 و من قانون العقوبات

ووفقا للمذكرة الإيضاحية بهذا القانون، فالمعلوم أن الركن المادي للجريمة في ضوء النص القانوني يتمثل في استغلال الأديان السماوية في الترويج والتحبيذ لأفكار متطرفة، بالوسائل والكيفيات التي أوردها النص ترويجا وتحبيذا.

أما الركن المعنوي فهو قصد ازدراء الأديان السماوية أو تحقيرها أو إثارة الفتنة أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، لكي يخرج المنتمين إلى دين معين ليدخلوا في دين آخر ويعتنقوا. وهو فضلا عن استحالة تصوره من قراءة ” اين الله” أو مؤلف آخر، فهو أيضا ما لم يقم أي دليل عليه، سوى عبارات مرسلة لا تعبر إلا عن رأي محرري التقرير. هذا إذا اعتبرنا مجازا أن ما دونوه في تقريرهم يعتبر رأيا! بحسبان أنهم لجأوا إلى عبارات وكلمات تغلب عليها الظنون وتستغرقها بعد أن انحسر عنها اليقين .

وقد قضت محكمة النقض

لما كانت جريمة جريمة استغلال الدين فى الترويج لأفكار متطرفة المنصوص عليها فى المادة 98 (و) من قانون العقوبات تتطلب لتوافرها ركناً مادياً هو الترويج أو التحبيذ بأية وسيلة لأفكار متطرفة تحت ستار مموه أو مضلل من الدين وآخر معنوياً بأن تتجه إرادة الجانى لا إلى مباشرة النشاط الإجرامى و- وهو الترويج أو التحبيذ – فحسب ، وإنما يجب أن تتوافر لديه أيضا إرادة تحقيق واقعة غير مشروعة وهى إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة

الوطنية أو السلام الاجتماعى ، وكان الحكم الابتدائى الغيابى بعد أن أورد وصف النيابة للتهمة بأن الطاعن – استغل الدين فى الترويج باستعمال أفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى – وطلبها عقابه بالمادة 98 (و) من قانون العقوبات استطرد من ذلك مباشرة إلى القول – وحيث أن التهمة ثابتة قبل المتهم قانوناً وكافياً وتتوافر الأركان أخذاً بالثابت بالأوراق التى تطمئن إليها المحكمة وينعين عقابه عملاً بمواد الاتهام بالمادة 304/2 إ . ج- ، ثم قضى الحكم الصادر فى المعارضة الابتدائية – الذى اعتنقبابه الحكم المطعون فيه – بتأييد الحكم الابتدائى الغيابى لأسبابه وأضاف قوله أن المحكمة تضيف لأسباب الحكم المعارض فيه أن التهمة تعد ثابتة فى حق المتهم أخذاً من أقوال المجنى عليه ……….بأن المتهم أحدث بشفرة حلاقة بيده اليمنى علامة على شكل صليب وذكر له أنه سيحدث بالكهرباء أخرى مماثلة ووعده بإعطائه نقوداً إن هو اعتنق المسيحية ومن قول والد المجنى عليه بأن المتهم هو الذى أحدث العلامة بيد ابنه ثم استطرد من ذلك إلى قوله – ومن جماع تلك الأقوال وإلى أقوال المدعو ……………بمحضر الضبط ترى أن التهمة ثابتة فى حق المتهم ركناً ودليلاً – وإذ كان هذا الذى أجمله الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه، على المساق المتقدم، لا يكفى بياناً للواقعة وتدليلاً عليها على النحو الذى يتطلبه القانون ، ذلك أنه اكتفى بسرد أقوال المجنى عليه ووالده ولم يوضح مدى مطابقتهما للأهداف المؤثمة فى القانون ولم يبين من واقع هذه الأقوال الترويج- بأى طريقة من الطرق – للأفكار المتطرفة ، ولا أبان ماهية تلك الأفكار التى دان الطاعن بالرويج لها ولا كذلك استظهر كيف أن القصد منها كان إثارة الفتنة والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى ، فإنه يكون قاصراً عن استظهار العناصر المكونة للجريمة التى دان الطاعن بها عماداً لقضائه ، ارتكن إلى أقوال الشاهد ……….. ولم يورد فحواها ولا أبان وجه اعتماده عليها ، مما يعيبه بالقصور لهذا السبب كذلك .

( الطعن رقم 41774 لسنة 59 ق جلسة 1996/1/7 س 47 ص 16)


رابعا :- ندفع بعدم الاعتداد بالتقارير المقدمة بالقضية من مجمع البحوث الإسلامية و ايضا التقرير المقدم من وكيل مطرانية بني سويف للأقباط الارثوزكس .

… هذا التقرير مع احترامي لمن كتبوه لا يمكن أن يعتد به لأنها جاء من غير متخصصين، ولأنه لم يأت بأي دليل على اتهاماته، ولأنه لم يقدم شيئا غير حيرة من كتبوه، وإصرارهم على إلصاق أية تهمة بمؤلف الكتاب بل يقومون بدور المستشار والقاضي والجلاد ، متجاوزين بذلك دورهم المطلوب منهم ، بل متجاوزين العقل والمنطق باتهامهم لهذا الكتاب القصصي لا سيما وان النيابة لم تطلب منهم الراى بل تطوع الشاكي السيد / احمد عبد التواب هاشم بأعلام النيابة ان هناك شكوي مقدمة من شخص اخر اسمه عبد الرحمن فواز لهذان الجهتان وانه لا يستطيع ان يقدمها لرفضهم ومطالبتهم له بقرار من النيابة , لا سيما القصور الواضح في التقررين وعدم وضحهم وانهم اشبه بالبيانات السياسي عن التقرير .

مدى انطباق النص العقابي الوارد في المادة 98/و من قانون العقوبات على واقعات الدعوى :

يثير الحديث عن نص المادة 98 /و من قانون العقوبات عدة أسئلة منها :

ما هو القصد الذي يجب توافره في هذه المادة وهل هو قصد عام أو خاص ؟

ما هي المصلحة المشمولة بالحماية من وراء التجريم ؟

وفي الواقع فقد أجاب قضاؤنا الشامخ في العديد من الأحكام وكان من آخرها الحكم الصادر في القضية رقم 529 لسنة 2012 جنح جزئي العجوزة والمقضي فيها جلسة 26/4 / 2012 في القضية التي كانت معروفة إعلاميا بقضية عادل إمام :

لذا فإن المحكمة وإعمالاً لسلطتها هذه ، وبما لها من سلطة في الاجتهاد والتفسير لقصد المشروع بالمادة 98 (و) من قانون العقوبات ترى أن الذي يستقيم مع المنطق القانوني ، وما كفله الدستور من حريات ومن مبادئ أساسية للحقوق والواجبات والحريات المقررة بالمعاهدات الدولية والشريعة الإسلامية ، هو تجريم استخدام الدين بغرض إثارة الفتنة أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي ؛ أي أن مناط الحماية القانونية بنص تلك المادة هو الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي ، وليس الأديان السماوية أوالطوائف المنتمية إليها .

ومن حيث المنطق القانوني ، فإنه ، وإن كان المتعارف عليه أن النص على ” أو ” تعني فرضاً أخر يفصل فيما بين ما تقدم عنها وما تأخر ، ألا أن المحكمة ترى أن النص لا يستقيم ؛ إذا أفترض أن قصد المشرع على هذا النحو وهو اعتبارها فِقرات منفصلة ينصبُّ على كلِ منها الحماية القانونية بالتجريم ، فالمحكمة ترى أن النص يجب أن يفسَّر على أنه نصُّ عامُّ ؛ أي أن يفهم في السياق الذي أتت به تلك المادة من مواد سابقة ولاحقة ومن قراءة النص كاملاً دون تجزئته ، لا باعتبار أن كلمة ” أو ” تنص على حالات مختلفة ينصب على كل فقرة منها الحماية القانونية .

فإذا نُصُّ على أن ” كل من أستغل الدين في الترويج لأفكار متطرفة … بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية . “فجاء بكل من “تحقير” و “الطوائف المنتمية إليها” بين “أو” إلا أنه وعلى هذا النحو لا يستقيم المعنى ولا قصد الشارع إلا بإلحاقهم على ما سبقهم وما خلفهم من نص المادة وهو ما يدلل على عدم إمكانية اعتبارهما فقرتين منفصلتين ينصب على كلا منها العقاب ، بل يجب ترابط الفقرات جميعها حتى يستقيم المعنى ؛ فهو قد نص على الفتنة بأول المادة ، ثم شدد بالإشارة إلى الوحدة الوطنية بنهاية المادة ، وهي إشارة على ترابط فقرات المادة بترابط قصد المشرع من أولها وحتى نهايتها ؛ ومن ثم فلا يستقيم اعتبار أن قصد المشرع هو تجريم فعل تحقير وازدراء أحد الأديان السماوية ، دون أن يكون ذلك الفعل بقصد الإضرار بالوحدة الوطنية والفتنة ، كما لا يمكن القول بتجريم فعل تحقير وازدراء الطوائف المنتمية إليها دون الرجوع إلى الأديان السماوية أو الإضرار بالوحدة الوطنية والفتنة.

وبمعنى أخر ، فإن هذه الجريمة تحتاج إلى قصد جنائي خاص لا تقوم بدونه قوامة الإضرار بالوحدة الوطنية وصناعة الفتنة.

ووفقا لما انتهت إليه المحكمة من تفسير لنص المادة العقابية موضوع دعوانا فنحن في حاجة بالإضافة القصد العام وهو ما يتمثل في دعوانا بالفرض الجدلي لصحة الواقعة – والفرض غير الحقيقة – بالفعل المادي المتمثل في التأليف والطباعة والنشر .إلى قصد آخر خاص وهو الإضرار بالوحدة الوطنية والفتنة وهو ما لم يقل به أيا من المبلغين كما وأن النيابة العامة حال التحقيق في هذه الدعوى لم تستخلص هذا القصد على الإطلاق

ودليل آخر على استلزام المشرع للقصد الخاص من ذات الحكم :

… وإذا نظرنا إلى وضع المادة من التقنين العقابي ، وحيث جاءت تلك المادة بين مواد القسم الثاني من الباب الثاني الخاص “بالجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل ” فقد نصت المادة الأولى من القانون رقم 97 لسنة 1992 ، الجريدة الرسمية في 18 يوليو سنة 1992 العدد 29 مكرر ، على أن “يقسم الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات إلى قسمين…”

… وإذ استهل هذا القسم الثاني سالف البيان بالمادة 89 مكرر ، والتي تخص بالحماية وسائل الإنتاج بقصد الإضرار بالاقتصاد القومي ثم المواد 90 و 90 مكرر و 93 والتي تخص بالحماية المباني والأملاك العامة أو المخصصة لمصالح حكومية أو للمرافق العامة أو للمؤسسات العامة أو الجمعيات المعتبرة قانونا ذات نفع عام أو الأراضي أو الأموال المملوكة للحكومة أو لجماعة من الناس ، سواء بالتخريب أو الاحتلال أو الاغتصاب أو النهب والمواد 91 و 92 والتي تخص بالحماية قيادة الجيش والشرطة ، ثم كان نص المادة98 والتي تخص بالحماية نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية بتجريم تأسيس أو تنظيم أو إدارة جمعيات أو هيئات أو منظمات ترمي إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات ، أو إلى القضاء على طبقة اجتماعية أو إلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية .

…. ثم كان نص 98 أ مكرر والتي تخص بالحماية المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم الاشتراكي في الدولة ، أو الحض على كراهيتها أو الازدراء بها أو الدعوة ضد تحالف قوى الشعب العاملة ، أو التحريض على مقاومة السلطات العامة أو ترويج أو تحبيذ شيئ من ذلك ! ثثم كان نص المادة 98 ب والتي تخص بالحماية مبادئ الدستور الأساسية أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات أو للقضاء على طبقة اجتماعية ونظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية .

…. ثم كان نص المادة 98 ج المؤثمة لإنشاء أو تأسيس أو تنظيم أو إدارة جمعيات أو هيئات أو أنظمة من أيّ نوع كان ذا صفة دولية أو فروعاً لها دون ترخيص من الحكومة ثم كان نص المادة 98 د التي تجرِّم تسلم أو قبول أموال أو منافع من شخص أو هيئة في خارج الجمهورية ، ثم كانت المادة 98 (و) موضوع الدعوى ثم المادة 99 التي تجرِّم حمل رئيس الجمهورية على عمل من خصائصه قانوناً أو على الامتناع عنه باستخدام العنف أو التهديد أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة وينتهي القسم الثاني بالمادة 102 مكرر والتي تجرم إذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة .

…. ويستخلص من ذلك ومن نصوص المواد سالفة البيان أنها تشترك جميعاً في تجريم الأفعال التي تضر بالأمن العام ( الأمن القومي )أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة من جهة ( وهو ما وصفة المشرع “بالفتنة ” بالمواد 100 و 102 ) وهو ما نستخلص منه أن القصد العام للمشرع بنص المادة موضوع الدعوى اتجه لحماية الوحدة الوطنية ودرء الفتنة وذلك بقصد صيانة الأمن العام والمصلحة العامة ، وليس في نصه على “الدين” بهاْ إلا التنبيه على أنه وسيلة يمكن أن تستخدم في زرع تلك الفتنة ، وإنما لم يقصد حماية الأديان السماوية في حد ذاتها من التعدي عليها باستخدام ” الأفكار المتطرفة ” ، كما لم يقصد حماية الطوائف المنتمية لها من التحقير أو الازدراء ، إلا إذا كان القصد منه الفتنة ؛ ذلك بأنه لا يضير ولي الأمر وهو بصدد إيجاد أطر عامة لتنظيم المجتمع والحفاظ على النظام العام فيه أن يعتقد شخص فيما يخالف الجماعة أوما يدين به عامة الناس ، وإنما الذي يُعنى به هو نزع فتيل الأزمات والحيلولة دون احتكاك طوائف الشعب الواحد ، وترديهم في هُوّةِ التراع الطائفي المقيت . كما إن حرية الاعتقاد مكفولة ، وحرية ممارسة الشعائر الدينية أيضا ، ولكن الأخيرة تتميز بكونها يمكن أن تقيَّد بأحكام تنظيمية ؛ حفاظاً على الأمن والآداب والصحة العامة ؛ أما حرية التعبير عن الرأي في المعتقد فلا تدخل ضمن حدود التأثيم والعقاب اللذين تملكهما الدولة ؛ إلا إذا أقتضت الضرورة الحفاظَ على السلم العام ، وذلك إذا تعدت الممارسة لشعائر أو استطال الرأي – المفصح به – إلى الدومين العام فتبين أن المعبر عن راية والمعتقد في فكرة ما ، لم يعبر عنها لحسن نية وإنما بسوء قصد ؛ بنية مشاعر وتأليب الناس بعضهم على بعض إذ إنه وبالقول بمثل ذلك وباستخدام هذا المقياس الفضفاض المسمى ” بالأفكار المتطرفة ” والذي لا يبن حداً ضابطاً لما يعدُّ متطرفاً وما يعد غير متطرف ، الأمر الذي يهدد بأن ينتهي بالنظام القانوني بما يشبه محاكم التفتيش فيفتح باب التفتيش في الأفكار ، ومن ثم العقائد والحجر عليها بدعوى الهرطقة – بالمفهوم المسيحي تارة ، والردة والزندقة – بالمفهوم الإسلامي – تارة أخرى ، ويرد المجتمع بأثره إلى الظلامية والجمود ، بل وشمولية تيار فكري ديني بعينه ، يجهض جميع التطلعات بتطوير الخطاب الديني وهو ما يناقض الحرية في التعبير والاعتقاد ، تلك التي هي مقررة بالدستور والشريعة الإسلامية ذاتها ؛ وهو ما ينتهي على المستوى التطبيقي إلى تحكيم بشر من نوع خاص ، يزعمون لأنفسهم احتكار حق الفهم والشرح والتفسير والتأويل ،وأنهم وحدهم الناقلون عن الله ، فالثابت شرعاً أن الله هو شارع الدين ، ومحمد هو مبلغه الأمين ، وأننا جميعاً نعكف على الاجتهاد ، ولا يمتلك أحد منا صواباً ، ولا يملك لآخر معاتبة ، طالما أن التعبير عن الرأي ناجم عن نقاء سريرة واجتهاد محمود.

… أما إذا كان القصد كما سلف أن أشرنا هو الفتنة أو إعاقة ممارسة شعائره الدينية، فهنا يمكن أن يتدخل الشارع بالتجريم – كنص المادتين 160 و161 عقوبات. ومن يقل بغير ذلك فليأت بسند من القرآن أو السنة المطهرة، فلا حدَّ ولا قصاصَ علي ازدراءِ أو تحقير الدين؛ قال تعالي “يَا أَيُّهَا الَّذِينِ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيتُمْ إلَي اللِه َمرِجعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.” (المائدة: 105)

حول مدى اعتبار نص المادة 98/ و منسوخا بحكم القانون

في مجال البحث في نطاق الحقوق والحريات التي تناولها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية – لا يستقيم أن نلتزم في تناولنا للحقوق المدنية والسياسية بإيراد النصوص الكاملة للعهد الدولي، حيث نفضل توسيع نطاق العرض ليتسع لتناول وتأصيل مفاهيم هذه النصوص. وعليه؛ فإن كفالة حماية حق معين بذاته لا يقتصر علي مادة بعينها من العهد الدولي. بل كثيراً ما تقتضي حماية ذات الحق أو أحد الأوجه التي لا يكتمل إلا بها – الاستناد الي أكثر من مادة كلما دعت الضرورة لذلك.

وحيث إن مضمون المادة الثامنة عشرة من العهد الدولي يتصرف إلي أوسع التفسيرات لحرية الفكر والاعتقاد؛ أي حماية كافة صور الفكر والعقائد الدينية وعدم التمييز ضد أي صورة من صورها، كما يشمل ذلك حماية حق الفرد والجماعة في إقامة الشعائر التي تتفق ومعتقداتهم، فلا يجوز تقييد ذلك إلا بنص القانون وبشرط أن يكون التقييد لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة، وعموما يجب أن تكون تلك القيود في أضيق الحدود؛ وإذا كانت الدولة تعد ديناً معيناً، ديناً رسمياً لها، أو كانت غالبية السكان تعتنق ديناً معيناً، فلا يجوز المساس بالحق المكفول لمن يعتنقون دينا آخر، كما لا يجوز التمييز ضدهم في النواحي الأخري مثل الحق في تولي المناصب العامة، أو حرمانهم من المزايا التي يتمتع بها المواطنون عامة. كذلك تحمي هذه المادة من العهد الدولي حرية الآباء والأمهات والأوصياء القانونيين في تأمين التعليم الديني لأطفالهم وفق معتقداتهم.

… إن حرية الرأي والتعبير عنه لمن أهم مقومات النظم الديمقراطية؛ فالانتقاص منها هو انتقاص من الحكم الديمقراطي السليم. ومفهوم المادة التاسعة عشرة من العهد الدولي ينصرف إلى أن حق الفرد في اعتناق الآراء التي يختارها دون تدخل هو حق لا يقبل أي قيد أو استثناء، كما أن حرية التعبير تشمل الحق في تلقي واستقصاء ونقل المعلومات، وفي التعبير عن الرأي والفكر ونقله إلى غيره بأي صورة؛ إما شفاهه أو كتابة أو عن طريق الكلمة المطبوعة أو المسموعة أو في صورة فنية. هذا وان كانت حرية الفرد في اعتناق الرأي الذي يختاره لا تقبل بطبيعتها أي قيد؛ فإن إطلاق الحق في التعبير عن الرأي لا يعني أنه لا يحمل معه واجبات ومسئوليات معينة تسمح بفرض بعض القيود التي تستلزمها حماية مصلحة الجماعة بالكلية، علي ألا نفرغ تلك القيود الحق في التعبير من مضمونه، أي يجب أن تقتصر علي ما تقتضيه في الدول الديمقراطية حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة أو الصحة العامة أو حقوق الغير وسمعتهم.

… ولذلك فإن حماية الدولة لحرية الرأي والتعبير تستلزم تنظيما قانونيا لهذا الحق يتسم بشفافية، ومعايير وشروط قبول أو رفض منح التراخيص اللازمة لذلك، وعدم فرض شروط متطلبات مرهقة، مما يؤدي عمليا إلى التضييق علي القوي السياسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع أو حرمانها من احدي السبل الرئيسية في ممارستها لحرية الرأي والتعبير.

تكفل المادة السابعة والعشرون من العهد الدولي حق الأقليات العرقية والدينية واللغوية في التمتع في الدول التي يعيشون فيها بثقافتهم الخاصة وحقهم كأفراد في أن يعتنقوا ويمارسوا شعائرهم الدينية وفي استخدام لغتهم الخاصة. والهدف من حماية هذه الحقوق هو الإبقاء علي التراث الثقافي بمعناه الواسع الشامل للأقليات بما يثري المجتمع بالكلية. إن تلك الحقوق الواجب كفالتها للأقليات هي حقوق تضاف إلى الحقوق الأخري التي ينص عليها العهد الدولي المكفولة للجميع بمن فيهم الأقليات.

تحدد المادة الثانية من العهد الدولي الإطار العام للالتزام القانوني للدول الأعضاء، وهي بذلك لا تختص بحق من الحقوق بعينه بل تلزم الدول بجميع سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية وغيرها بحماية الحقوق والحريات التي ينص عليها العهد الدولي، وبأن تضمن ذلك لكل الأفراد المقيمين في إقليم الدولة أو الخاضعين لولايتها، وذلك دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الرأي السياسي أو غيره، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو النسب.

… جدير بالذكر أن مصر من الدول المصدقة علي العهد؛ ومن ثم فإنه – وفي مجال التزام الدول المصدقة ومفهوم المادة المذكورة – ما يعني عدم جواز احتجاج الدولة بأن تشريعاتها الداخلية لا تسمح بهذا التطبيق، فلا يجوز لها الاحتجاج بأن دستورها وقوانينها يعفيانها من التزاماتها الدولية التي ارتضتها بالانضمام طواعية إلى العهد الدولي. وينصرف ذلك الي التزام الدولة بتعديل تشريعاتها الداخلية إذا لزم الأمر؛ لتكون أكثر اتساقا مع كفالة جميع الحقوق وحماية الحريات المنصوص عليها في العهد الدولي، وكذلك اتخاذ التدابير اللازمة لإمكان الممارسة العملية الكفيلة بذلك علي أنه يحق لكل دولة أن توفر الحماية المطلوبة قانونا وعملا للحقوق والحريات بالأسلوب الذي يتفق مع إجراءاتها الدستورية.

… وان من المعايير التي تؤخذ في الاعتبار لإلقاء الضوء علي مدي التزام الدولة باحترام المادة الثانية من العهد الدولي، هو إلى أي مدي تجيز الدولة للأفراد الاستناد المباشر إلى نصوص العهد الدولي أمام القضاء الداخلي. فالالتزام القانوني الذي تتضمنه المادة المذكورة له وجهان: إيجابي وآخر سلبي، فالأول يعني أنه علي الدولة أن تتخذ التدابير الإيجابية اللازمة لحماية وتعزيز الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي والعمل علي إزالة جميع العقبات التي تعوق ممارستها بما في ذلك التدابير التشريعية والقضائية والإدارية والبرامج التعليمية؛ أما الالتزام السلبي فيتطلب من الدولة الامتناع عن انتهاك تلك الحقوق وعدم فرض أي قيود عليها تتجاوز ما تسمح به نصوص العهد الدولي، كما لا يجوز أن تفرغ القيود التنظيمية الحق من مضمونه.

وجدير بالذكر أيضا، بأنه – وعلي الرغم من أن حقوق الإنسان لم تقدم تعريفات محددة لكلٍ من “الفكر، والضمير، والديانة، والاعتقاد”، إلا أنه من المتعارف عليه الآن أن اصطلاح “الديانة أو الاعتقاد” يتضمن الملحدين وغير المؤمنين والذين لا يندرجون تحت أي ديانة.

… وجديرٌ بالذكر أيضا أن مصر صوتت لصالح المادة الثامنة عشرة: لكنها أعربت عن تحفظاتها بالنسبة للحق في تغيير الدين أو العقيدة؛ متعللة بأن في ذلك ما قد يشجع البعثات التبشيرية، وهو ما يخالف سبب معارضة المملكة السعودية التي أرجعت سبب معارضتها إلى مخالفة ذلك للإسلام – في إشارة إلى الأحكام الخاصة بالردة.

… ولما كان ذلك من تصديق الدولة المصرية علي المعاهدة، وهي، وإن تختلف عن العهد الدولي لحقوق الإنسان من حيث كونها تتميز بذاتها بصفة اللازم كجزء من القانون الداخلي بالتصديق عليها، فإنها…… وقد عنيت المحكمة الدستورية العليا في مصر في حكمها الصادر في 2 يناير سنة 1993 بالإشارة إلى الحقوق التي تضمنتها الاتفاقات الدولية في مقام الحديث عن الحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدولة الديمقراطية، مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان. ولما كان المستقر عليه فقها وقضاء أنه وفي مصر لا تسري المعاهدات ولا الاتفاقيات الدولية علي القانون الداخلي – علي خلاف دول أخري كفرنسا وبلجيكا – بل تكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة (المادة 151 من الدستور المعطل) ومن ثم فهي تخضع للشرعية الدستورية. (د.أحمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات، ص 47-81).

… ولما كان نص المادة 98(و) يتعارض ونصوص المادتين 17 و18 من الاتفاقية الدولية – العهد الدولي للحقوق المدنية السياسية – ولما كان لكل منهما ذات المرتبة في المنظومة التدريجية القانونية المصرية، ولما كان لا شأن للرقابة الدستورية بالتناقض بين قاعدتين قانونيتين من مرتبة واحدة أو من مرتبتين مختلفتين، فلا يمتد اختصاص المحكمة الدستورية لحالات التعارض بين اللوائح والقوانين، ولا بين التشريع ذات المرتبة الواحدة (دستورية عليا في 15 يونيو سنة 1996، القضية رقم 106 سنة 18 دستورية)، (المرجع السابق، ص 188)، (د.رمزي الشاعر، رقابة دستورية القوانين، ص 185).

… ولما كان قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 نشر بتاريخ 5/8/1937، ومن ثم أصبح معمولا به من ذلك التاريخ، ومن ثم فهو سابق علي المعاهدة الدولية – العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمنصوص علي بدء نفاذه في 1976 طبقا لنصه في المادة 49؛ الأمر الذي يصبح معه تطبيق نصوص المعاهدة أولي لنسخها نصوص قانون العقوبات في هذا الشأن، ومن ثم فالمحكمة لها أن تمتنع عن تطبيق القانون الداخلي في حالة كونه مخالفا للالتزام الدولي اللاحق والأصلح للمتهم، أما ولما كان فهم المحكمة لنص المادة 98(و) لا يتعارض ومضمون الالتزام الدولي سالف البيان،

… إلا أن المحكمة تقرر بوجوب اتباعها لهذا النهج من الفهم والتفسير للمادة أعمالا منها لمبدأ المحكمة الدستورية العليا، من حيث اعتبار تلك المبادئ والأفكار من قبيل القواعد المفسرة الاسترشادية التي تستخلص منها مفاهيم سيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان. واعتبارها ضمن الشرعية الدستورية التي لا تستمد فقط من نصوص الدستور، وإنما من تلك المبادئ والأفكار علي حد سواء. ومن ثم لم تقف عند معني الحرية الشخصية التي كفلها الدستور. (دستورية عليا في 12 فبراير 1994 في القضية رقم 105 لسنة 12 قضائية دستورية، و2 يناير 1993 في القضية رقم 3 لسنة 10 قضائية) »وواضح من هذه المعاني أن المحكمة الدستورية العليا في مصر قد اتخذت المستوي الذي تلتزم به الدول الديمقراطية في قواعدها القانونية وفي احترام حقوق المواطنين والحريات معيارا وضابطا لرقابتها الدستورية يتعلق بسلطتها في تفسير القواعد الدستورية…

(د.أحمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات، دار الشروق، ص 63 وما بعدها).

… ومن ثم ليس بالضرورة صحيحا القول بأن مبادئ وأفكار حقوق الإنسان هي نتاج للفكر الغربي الليبرالي، وأن في ذلك ما يتناقض ومفاهيم ومصالح المجتمعات في الدول التي يدين أغلبية شعوبها بالإسلام ذلك بأنه من المستقر عليه قانونا وفقها مقارنا – وهو المبدأ الذي أخذت به المحكمة الدستورية العليا المصرية سالف البيان – إن مبادئ وأفكار مواثيق حقوق الإنسان ليست قالبا جامدا يأخذ ذات الأبعاد والشكل في كل الدول علي حد سواء، وإنما هي كعملة الاتحاد الأوروبي يختلف نقشها من دولة إلى أخري. فتحمل في كل دولة ما يميز هذه الدولة، ولكن وفي النهاية وان تغير شكلها، إلا أن قيمتها وقوتها لا يتغيران.

… وأخيرا وليس آخرا، وفي تمهيد لما بعده لربط أوصال الفكرة يتعدى نطاق زيادة أرصدة أمتنا من العزة والمجد التي هي اليوم في أشد الحاجة إليهما، بل تشخيص منا لأهم مشاكل عصرنا الحاضر وانساننا العربي مسلما كان أو مسيحيا أو يهوديا الذي ما زال يواجهها ونحن في القرن الواحد والعشرين وفي خضم ثورة سيشهد لها تاريخ الإنسانية الحرة يوما إنها قامت بتحرير العقول والنفوس وما زال يصارعها عبدة الطاغوت والفراعين تنوه المحكمة أن من الأهمية بمكان حديث التذكير بما في الموروث الثقافي الإسلامي والمصري من رجال كانوا سباقين في حمل شعلة الحرية للإنسانية. فكان القائلون بالعدل والتوحيد والمعتزلة بصفة خاصة – في مواجهة فكر المرجئة – يدعون للاختيار والانتصار لحرية الإنسان. (محمد عمارة، المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية، دار الشروق).

… ومن ذات الصفحة المشرقة من التاريخ القريب كان مثالا للوطنية والنزاهة والموضوعية وحسن التقدير، رجال اشتركوا معا في تعاطفهم مع الثورة العرابية، ووقفوا بجانب ثوارها في محنتهم وضد من ادعي عليه بالمروق والزندقة وبالخروج عن طوع الحاكم. كان من هؤلاء العقلاء الشيخ رفاعة الطهطاوي، جمال الدين الأفغاني، عبد الرحمن الكواكبي، الشيخ محمد عبده ورشيد رضا وأخيرا القاضي والمفكر قاسم أمين صاحب القول: أعرف قضاة حكموا بالظلم ليشتهروا بين الناس بالعدل«. كما أنه صاحب المقولة التي غدت كالمثل السائر: الحرية الحقيقية تحتمل إبداء كل رأي ونشر أي فكر وترويج كل مذهب. (الحرية، كلمات، قاسم أمين، الأعمال الكاملة، دار الشروق، الطبعة الثالثة 2006، ص 149).

… وحيث إنه… وعن الشريعة الإسلامية، فقد قال الله تعالي في كتابه العزيز “لا إِكْرَاهَ فِي الدَّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيَّ فَمَنْ يَكْفُرْ(البقرة: 256)، وفي قوله تعالي “وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبَّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” (الكهف: 29)، دلالة علي حرية العقيدة. وبالقياس فإذا كان الله قد قرر حرية العقيدة، فمن باب العقيدة هي العام والرأي الفقهي هو الخاص فلا شك أن يترتب علي ذلك أن لا إكراه علي اعتناق فكر ديني، بدعوي أنه هو الصحيح المستقيم الأورثوذوكس (orthodox)، والحجر علي تيار فكري آخر. وهو ما يعد مخالفا مقاصد الشريعة الكبري (حفظ الدين والنفس والعقل والمال، كما أضاف بعض العلماء الكرامة والحرية والعدالة) ومصالحها المرسلة، علي اعتبار أن الدين إنما جاء لتحقيق الحياة وما تحقق به من وسائل، وحفظ العقل وما يتعلق به من تعليم وحرية وتفكير وتعبير، والي جانب حفظ النفس والمال والنسب ما تقتضيه تحقيق المقاصد الحاجية والتحسينات من حقوق الإنسان فضلا عما يقتضيه كل ذلك من إقامة نظم للجماعة المسلمة من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

(أبواسحاق ابراهيم بن موسي الشاطبي،الموافقات في أصول الشريعة،ج2، ص5).

… من ثم فإن النقد لتيار فكري ديني لا تجريم عليه؛ ولا يقدح في ذلك القول بأن هناك عقابا بالشريعة للمرتد عن دين الإسلام. ففي مسألة الردة، وهي الكفر بعد الإسلام عن وعي واختيار. فلقد نصت آيات الكتاب علي استبشاع هذه الجريمة في مواضع كثيرة وتوعدت مقترفها بأشد العذاب، من دون نص علي عقوبة محددة في الدنيا، غير أنه في السنة – وتقول “في” وليس “من” للتحفظات علي مدي قوة سنده – ما ينص علي “من غير دينه فاقتلوه” ومع ذلك، لم يختلف أهل السنة من اعتبارها جريمة غير أن جمهورهم ذهب إلى قتل مرتكبيها؛ وخالفهم البعض، وكان الخلاف دائرا حول هل الردة »جريمة عقائدية” أم أنها “جريمة سياسية تعزيرية”؛ والمحكمة تأخذ بالرأي الثاني للأسانيد الآتي بيانها.

… ففي القول الأول ما يتناقض مع قوله تعالي “إنَّ الَّذِِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرَا لَمْ يَكُنِ الّلُه ِلَيْغفِرَ َلهُمْ وَلا ِلَيهْدِيَهُمْ سَبِيلا” (النساء: 137)، وهو ما مفاده أنه لا سلطان علي حرية العقيدة ولا عقاب دنيوي علي الردة. ويوضح إمكانية الاختيار للإنسان بين الكفر والإيمان – ليس الجبر – من جهة. ومن جهة أخري، يدحض هذا القول منطقا، فلو كانت جريمة الكفر هي القتل، فإن في هذا غلق الباب أمام إمكانية العودة إلى الإيمان، وهو ما يتعارض وهذه الآية، ويعني غلق باب التوبة، وهو ما يتناقض مع ما هو من المعلوم من الدين أن باب التوبة مفتوح دائما.

أما الاحتجاج بالحديث “من غير دينه فاقتلوه” مردودٌ عليه خلافات – من حيث كونه حديث آحاد – غير الحديث المتواتر أو الحديث المشهور. ولا يؤخذ في أصول الدين بأحاديث الآحاد فهذه قاعدة فقهية – إلا عند السلفية – بل إن البعض لا يأخذ بها في الفروع.

… كما أن تفسير المحكمة لنص المادة 98(و) موضوع هذه الدعوي يتفق والفتوي الأخيرة الصادرة من مفتي الديار المصرية، وما قرره الأزهر من أن الاستتابة للمرتد ليست محدودة بمدة وأنه قد يستتاب مدي الحياة ما دام لم يحاول بردته نشر الفساد في المجتمع والبدء بالعدوان علي الإسلام مشيرا إلى أن أعضاء المجمع اتفق معظمهم علي أنه لا يجب في الإسلام قتل المرتد لمجرد تغيير دينه؛ وإنما القتل يكون إذا أفسد في المجتمع وحاول محاربة الدين.

وفي ذلك قال الشيخ شلتوت – شيخ الأزهر السابق رحمه الله – إن قتل المرتد ليس حدا، فالحدود لاتبين من أحاديث الآحاد، بل إن الكفر نفسه ليس مستبيحا للدم، وإنما المبيح للدم هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم، كما أن ظواهر القرآن الكريم في كثير من الآيات تأبي الإكراه في الدين.

… أي أنها كجريمة الخيانة للوطن أو الخيانة العظمي في هذه الأيام. وتضيف المحكمة أن تطبيقه من قبل أبوبكر الصديق – رضي الله عنه – كان لحماية الدولة الإسلامية الوليدة في المدينة ضد الخروج المسلح علي الدولة وحصار المنشقين عنها رافضي دفع الزكاة وفي غياب من جيش المدينة. وقد رفض عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – تطبيقه علي أبي شجرة مكتفيا بطرده. وفي هذا الاختلاف من حيث جنوح أبي بكر إلى الصرامة وجنوح عمر إلى الهوادة لا يخالف المعهود إذا مضينا فيه إلى ما وراء الظاهر القريب فكان طبع عمر – علي خلاف لأبي بكر الذي يحب الالتزام – هو الأخذ بالاجتهاد علي حسب اختلاف الأحوال

(عبقرية الصديق، عباس محمود العقاد، ص68).

… وإن يكن ذلك عن أمر النبي – صلي الله عليه وسلم – وفعله لذلك – وإن صح – فإنما صدر منه عليه السلام بصفته الولي أي من موقع ولايته السياسية علي المسلمين كتعزيز أي جريمة غير مقدر عقوبتها إنما هو متروك تقديرها للإمام أو القاضي، ويستدلون علي ذلك بعفو النبي لدي دخوله مكة عن قوم ارتدوا ومنهم عبدالله بن أبي السرح الذي كان من كتبة الوحي ثم ارتد فقبل فيه شفاعة عثمان، بينما امتنع عن شفاعة آخرين، فالحدود لا تجوز فيها الشفاعة، ومن ثم فإن المحكمة ترجح الرأي الثاني الذي يستشف من موقف الأحناف والذي ذهب اليه الكثير من المحدثين مثل الإمام محمد عبده، والشيخ عبدالمتعال الصعيدي، وعبدالوهاب خلاف، وأبي زهرة، والشيخ عبدالعزيز جويش، ومن رجال القانون الدستوري فتحي عثمان، ود.عبدالحميد متولي، وعبد الحكيم حسن العيلي، ود.حسن الترابي.

(راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية، الجزء الأول، ص 35–80).

… وهو الأمر الذي يتفق وفهم المحكمة للمادة 98(و) بأن المنوط بالحماية هو أمن واستقرار المجتمع، من جهة، ومن جهة أخري، بين أن قصد المشرع قصد خاص فنصه أن الأخص بالحماية هو الأديان السماوية فقط دون غيرها من الأديان الأخري، تنافيا مع الحق المكفول دستورا بحرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، فميز بذلك أتباع الديانات السماوية عن المعتقدين بسواها من أديان. الأمر الذي يشير بوضوح إلي أن المشرع ربط الحماية القانونية هذه بقصد حماية السلم العام، لكون تلك الأديان السماوية الأكثر اتباعا، ومن ثم الأكثر تأثيرا بالمجتمع، فميز بين هذا النص ونصوص مواد الباب الحادي عشر والذي لم يفرق بين الأديان بالحماية؛ فبالمادة 160 أورد وصف “شعائر ملة” و”شعائر دين”، وبالمادة 161 “علي أحد الأديان”. كما قصد ذات المعني عند وصف أتباع تلك الديانات دون أن يخص السماوية منها فقط قال: “أبناء ملة أو فريق من الناس” ليخرج من حظرها علي أصحاب الديانات دون من لا يعتقدون في أي دين فيميز الأولين عن الآخرين.

والجدير بالذكر أن المادتين 160 و161 من الباب الحادي عشر يوضحان علي نحو ناف للجهالة طرق التعدي علي الأديان المجرمة فحصرها في التشويش علي الشعائر – حماية منه لحق الآخر في ممارسة شعائره – أو التخريب أو الكسر أو إتلاف أو تدنيس المباني الدينية أو أي رموز – لما لها من قدسية – وكذا تحريف الكتب وتقليد احتفال ديني في مكان عمومي بقصد السخرية. فمن الملحوظ أن كل هذه الأفعال المؤثمة فيها تعد علي حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية لدي أصحاب الديانات الأخري، الي هذا فقد رسم المشرع الخط الفاصل بين الحريات وبعضها بتدخله بالتجريم لتلك الأفعال متماشيا مع ما كفله الدستور للمواطنين من مساواة أمام القانون بالمادة 40 من الدستور المعطل، والتي تنص علي أن »المواطنون لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.

… أما القول بأنه “وإن كانت حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضي الدستور إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه. فإذا ما تبين أنه إنما كان ينبغي بالجدل الذي أثاره المساس بحرمة الدين والسخرية منه فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد وتوافر القصد الجنائي هنا – كما في كل الجرائم – هو من الأمور التي نستخلصها محكمة الموضوع من الوقائع والظروف المطروحة أمامها ولا يشترط في الحكم بالعقوبة أن يذكر فيه صراحة سوء نية المتهم، بل يكفي أن يكون في مجموع عباراته ما يفيد ذلك.

(الطعن رقم 653 – لسنة 11 ق – تاريخ الجلسة 27/01/1941– مكتب فني 5 ع – رقم الجزء 1– رقم الصفحة 376 )

… فنختلف معه، فالمحكمة وإن تري أن تجريم السخرية من الأديان بقصد تحقيرها وعدم احترامها واجب اذا كان به ما يفتت علي حق الاعتقاد وممارسة شعائر هذا الدين أو كان بقصد درء الفتنة والحفاظ علي السلم العام إلا أن الأفعال المؤثمة يجب أن تكون موضحة علي سبيل الحصر وغير مجهولة المعني، كما كان نص المشرع في المادتين 160 و 161 أما وإذ جاءت علي غير ذلك السبيل من الحصر كما هو الحلا في نص المادة 98(و). فيجب عدم التوسع في تأويلها والاقتصار في تطبيقها علي حدود مصلحة المجتمع وليس مصلحة أفراد دون آخرين.

كما قررت المحكمة الدستورية

… أنه من المقرر… أن لولي الأمر أن يشرع بما يرد الأمر المتنازع عليه إلي الله ورسوله مستلهما في ذلك أن المصالح المعبرة، هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة متلافية معها، وهي بعد مصالح لا تتناهي جزئياتها أو تنحصر تطبيقاتها ولكنها تتحدد – مضمونا ونطاقا – علي ضوء أوضاعها المتغيرة – يؤيد ذلك أن الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين كثيرا ما قرروا أحكاما متوخين بها مطلق مصالح العباد، طلبا لنفعهم أو دفعا لضرر عنهم، أو رفعا لحرجهم باعتبار أن مصالحتهم هذه تتطور علي ضوء أوضاع مجتمعاتهم وليس ثمة دليل شرعي علي اعتبارها أو إلغائها

( الطعن رقم 8 – لسنة 17ق – تاريخ الجلسة 18/ 5./1996 – مكتب فني 7 – رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 656 – تم رفض هذا الطعن )

… أما بشأن اختلاف المحكمة وتأويل نص المادة علي أنه يفرد التحريم لكل فقرة علي حدة. ومن تم تجريمها لتحفير أو ازدراء إحدي الطوائف المنتمية للأديان السماوية، فإن من الأهمية بحديث أن نفرق بين ما هو مقدس وما هو غير مقدس في الدين وهو ما وفق له المشرع في المادتين 160 و 161 إذ إنه خص بالحماية ما هو مقدس من الدين واقتصر علي ذلك فتبين أن المقدس من الدين كتبه، وشعائره، ومبانيه ورموزهن. أما وقد وضحت جميعا إلا الأخيرة وهي رموزه، فإن المحكمة تري أن الرموز الدينية هي ما ارتبط بالضرورة مع الدين تمييزا له علي غيره من الأديان ومن ذلك كتبه، ورسله، والعلامات التي تعارف تذليلها بالضرورة مع الدين تمييزا له غيره من الأديان ومن ذلك كتبه، ورسله، والعلامات التي تعارف تذليلها بالضرورة عليه كالصلب والكنيسة في المسيحية أو الهلال والمئذنة للإسلام – وان كانوا لا يعتبرون من الدين فالمئذنة لم تكن جزءا من المساجد بالعهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة، أما دون ذلك من أشخاص حفل بهم التراث والتاريخ الديني لهذا الدين فلبسوا ممن يصح إطلاق وصف رمز ديني عنيد، وذلك ل؛كونهم بشرا مثلنا، لنا الحق في الاختلاف معهم فلا يمكن إسباغ الحصانة من النقد عليهم كما أن أفكار هؤلاء لا يمكن إلباسها القداسة، ومن ثم إضفاء الحصانة من الاجتهاد والمناقشة وأتيحت والاختلاف والنقد عليها. وتكس خطورة هذا البحث في أنه – وفي الواقع العملي – أن أي اختلاف في الرأي مع اجتهاد السلف يمكن أن يفسر علي أنه مجادلة في أصول الدين، كما يمكن تفسيره علي أنه ازدراء واحتقار للدين إلي الأفكار أو أشخاص ارتبطت بذلك الدين فقد نصت المادة 49 هي الدستور المعطل علي أن تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والنفاق وتوفر وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك ومن ثم يجب التمييز بين الدين والفر الديني »فالدين هو مجموعة النصوص المقدسة الثابتة تاريخيا، في حين أن الفكر الديني هو الاجتهادات البشرية لفهم تلك النصوص وتأويلها واستخراج دلالتها .

( نصر حامد أبوزيد، نقد الخطاب الديني، ص 196 )

يبقي علينا التأكيد من أن العلاقة الملازمة والتلامس الضروري بين النقد وبين والتحقير والازدراء في مسألة الدين بعد استدلالا علي صعوبة نقد الفكر الديني ومأثوراته وتراثه الذي أضحي من مقدساته في عقول أناسه وأصحابه، دون اعتبار ذلك من التحقير أو الازدراء لتلك المعتقدات. ففي مجال العلوم اللغوية كلمة نقد تأتي وفق (مقاييس اللغة) من “النون والقاف والدال أصلٌ صحيح يدلُّ” علي إبراز شيءِ وبُروزه. من ذلك: النَّقَد في الحافر، وهو تقشُّرُهُ حافرٌ نَقِدٌ: متقشِّر. والنَّقَد في الضِّرس تكسٌّره. وذلك يكون بتكشٌّف لِيطِه عنه ومن الباب: نَقْد الدِّرهم. وذلك أن يُكشف عن حالِةِ في جَودته أو غير ذلك.

وكلمة ازدراء لها مفردان ذوا صلة (غمص “لسان العرب” ) وهي من “غَمَصَه وغَمِِصَة يَغْمِصُه ويَغْمَصُه غَمْصاً واغْتَمَصَه: حَقَّرَه واسْتَصْغَره ولم يرد شيئاً، وقد غَمِصَ فلانٌ يَغْمَصُ غَمَصاً، فهو أَغْمَصُ وفي حديث مالك من مَُرارة الرَّهَاويّ: أَنه أَتى النبيَّ – صلّي الله عليه وسلّم – فقال: إِني أُوتِيتُ من الَجمالِ ما تَري فما يسُرُّني أَن أَحداً يَفْضلني بشِرَاكي فما فوقها فهل ذلك من البَغْي؟ فقال رسول الله صلّي الله عليه وسلّم : “إِنما ذلك مَنْ سَفِهَ الحقَّ وغَمَطَ الناس، وفي بعض الرواية: “وغَمَصَ الناسَ أَي احْتَقَرهم ولم يَرَهم شيئاً. “و (غمط (الصّحّاح في اللغة) وهي من “غَمِطَ النعمة بالكسر يَغْمَطُها. يقال غَمِطَ عيشه وغَمَطَهُ أيضاً بالفتح يَغْمِطُهُ. غَمْطاً بالسكين فيهما، أي بَطِرهُ وحَقَرَهُ وغَمْطُ الناس: الاحتقارُ هم والازدراءُ بهم .

وفي الحديث “إنَّما ذلك من سَقِهَ الحقَّ وغَمَطَ الناسَ”، يعني أن يرى الحقَّ سَفَهاً وجهلاً ويحتقر الناسَ. وأغْمَطَتْ عنه الحمَّى : لغةٌ في أغْبَطَت”. وكلمة حقر (لسان العرب) من” الَحقْرُ في كل المعاني الذِّلَّة؛ حَقَرَ يَحْقِرُ حَقْراً وحُقْرِيَّةَّ، وكذلك الاحْتِقارُ. واَلحقِيرُ: الصغير الذليل وفي الحديث: عَطَسَ عنده رجل فقال له: حَقِرْتَ ونَقِرْتَ؛ حَقِرَ إِذا صار حقيراً أي ذليلاًَ.

وتَحاَقرَتْ إليه نفسه؛ تَصاغَرَتْ. والتَّحْقِيرُ التصغيرُ. والُمَحَّقراتُ: الصغائر. وتحقير الكلمة: تصغيرها. وحَقَّرَ الكلامَ: صَغَّرَه. و(الصّحّاح في اللغة) الَحقيرُ: الصغير الذليل تقول منه: حَقُرَ بالضم حَقارَةً وحَقَرَه، واحْتَقَرَهُ، واستحقره: استصغره . وتَحاقَرَتْ إليه نفسُه: تصاغرت. والتحقيرُ التصغير. والُمحَقَّرات: الصغائر.

وكذلك لما كان الكَشْفُ لغة وفق (القاموس المحيط) من “الكَشْفُ، كالضَّرْبِ، والكاشِفةُ : الإظْهارُ، ورَفْعُ شيء عما يُواريهِ ويُغَطِّيهِ، كالتَّكْشيفِ.” ولما كان الكشف. ومن ثم النقد، هو كشف الشيء عما يواريه يتطلب نزع ذلك الذي يواريه ولما كان – في مجال نقد الخطاب الديني – هذا النزع يتطلب إبطال تلك الأفكار المنقودة ونزع القدسية عنها باعتبارها من اجتهادات البشر التي يمكن الاختلاف فيها، فهو بالضرورة تصغير لها لإنزالها من مصاف المقدسات إلي مصاف الرأي الذي لا قدسية فيه.

الأمر الذي سوف يعد بالضرورة من منظور الجمهور – إذا كان هذا الاتجاه الفكري الديني هو السائد – ليس فقط تصغيراً بل تهكمًا وازدراءً للدين، فهم لا يفرقون بين ما هو من الفكر وما هو من الدين من جهة، ولاختزال الدين في رؤيتهم الخاصة له ولو عليها إجماع من جهة أخري، إذ إن الإجماع ما هو إلا رأي. مع الإشارة إلى استحالة الإجماع عملا. (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال، أبو الوليد محمد بن رشد).

وهنا نتذكر منهج ابن رشد عندما قسم الناس إلي مستويات ثلاثة: العامة، وشملهم للمعرفة هو الوعظ والخطابة، والأسلوب الشعري وأواسط الناس، وهم سبيلهم الجدل وحجج المتكلمين. ثم الخاصة، وسبيلهم صناعة الفلسفة وبراهين العقل وانطلاًقا من هذا الوصف يقول جمال الدين الأفغاني “إن العقل لا يوافق الجماهير، و تعاليمه لا يفقهها إلا النخبة من المتوردين، والعلم علي ما به من جمال، لا يرضي الإنسانية كل الإرضاء، وهي تتعطش إلي مثل أعلي، وتحب التحليق في الآفاق المظلمة السحيقة التي لا قبل للفلاسفة والعقلاء برؤيتها أو ارتيادها.

(الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني، ص 102.)

… وكما قال الإمام محمد عبده: “ولما كان مسرح العقل وميدانه ليس أمور الدنيا وعلومها فقط، بل وعلوم الدين أيضا، والدين الإسلامي علي وجه الخصوص، فالإيمان يقين، ولا يقين مع التحرج من النظر، وإنما اليقين بإطلاق النظر في الأكوان، طولها وعرضها حتي يصل إلي الغاية التي يطلبها دون تقيد.. فالله يخاطب في كتابه الفكر والعقل والعلم، بدون قيد ولا حد.. والوقوف عند حد فهم العبارة مضرٌ بنا، ومناف لما كتبه أسلافنا من جوهر المقولات، والتي تركنا كتبها فراشاً للأتربة وأكلة للسوس، بينما انتفعت به أمم أخري أصبحت الآن نعم باسم النور. وحتي المعجز الخارق الذي تحدي به الإسلام خصومة وهو القرآن وحده، قد دعا الناس إلي النظر فيه بعقولهم.. فهو معجزة عرضت علي العقل وعرفته القاضي فيها وأطلقت له حق النظر في أنحائها، فالإسلام لا يعتمد علي شيء سوي الدليل العقلي والفكر الإنساني الذي يجري علي نظامه الفطري”.

(الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده ج 3 ص 151، 279، ج 4، ص 414)

… ولما كان قول الأفغاني من أن للعلم ثمرات هي فوق إدراك العامة والجمهور، الأمر الذي يدلف بنا إلي الشق الثاني من المادة 98 (و) وما تراه المحكمة من كونه لا يحمي الطوائف الدينية لذاتها، وإنما اختص بالحماية للسلم والأمن العام، فإذا كان الفعل غير مهدد له ولا يرتقي لهذا المستوي فلا تأثيم عليه ولو أضر بمشاعر تلك الجماعة فالقول بغير ذلك يتنافى مع وما سلف أن أوضحنا من عدم قدسية تلك الجماعات ولا أفكارها قداسة الدين، كما أنه ولولا تضارب الأفكار لما نشأت الفرق الدينية، ولكان لكل منها ما يعتنقه من فكر داخل ذات الدين، فكما قال العلماء الاختلاف رحمة، وما كان ليحدث الاختلاف بين الإمام أبي حامد الغزالي (ممثلا للمدرسة الأشعرية ثم السلفية) والعلامة أبي الوليد بن رشد (ممثلا للتيار الفلسفي الإسلامي) وأهل الكلام. فعندما أصدر الأول كتابه “تهافت الفلاسفة”، والذي فيه هجوم علي الفلاسفة والمتكلمين، رد عليه ابن رشد بكتابه “تهافت التهافت” انتصاراً لدور العقل والتوفيق بينه وبين النقل؛ ذلك بتأويل النقل إذا تعارض “ظاهره” مع براهين العقل، وذلك بمؤاخاته بين الحكمة والشريعة.

أما وإذ وضحت المحكمة عقيدتها من نص المادة 98 (و) من قانون العقوبات، بعد أن أولت قصد الشارع وهدفه من وضع تلك المادة في محاولة للوصول إلي فهم نطاق التحريم، بما يتفق والمبادئ الدستورية ومبادئ الحريات والشريعة الإسلامية من مقاصدها الكلية ومصالحها المرسلة، وحيث تطرق بنا هذا البحث إلي التوصل إلي أن هذه الجريمة تتطلب قصدا جنائيا خاصا، وهو إحداث الفتنة وتكدير السلم والأمن العام، وإن كان المعتاد في الفقه القانوني أن الركن المادي للجريمة يسبق في البحث في توافر أركانه الركن المعنوي، إلا أن التطرق للأخير بقدر أكبر فيما سلف من أسباب الحكم، إنما كان بحكم ما فرضته عليها مقتضيات المنهجية في البحث.

أما عن مدي انطباق وقائع الدعوي علي الركن المادي للجريمة، وعن وقائع الدعوي، كما حددتها النيابة من استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة وتحقير وازدراء أحد الأديان السماوية والطوائف المنتمية إليه بأن قام بتأليف وتوزيع كتاب بعنوان (أين الله) ………. والذي انتهت فيه النيابة بطلب الحكم علي المتهم بالعقوبة المنصوص عليها بالمادة 98 (و) من قانون العقوبات.

… والبين من قرار الاتهام أنه قد انطوي علي شقين أساسيين، هما ازدراء الدين الإسلامي من جهة، وتحقير المسلمين عموما

فأما فيما انطوي بادعاء النيابة من ازدراء المتهم الدين الإسلامي وما دللت به على ذلك من عبارات أوردتها في قائمة أدلة الثبوت مثل : أيها الرب المقامر على أفئدة الملايين المؤمنة بجبروتك ورحمتك …….. فتقول له وسط الصلاة : افتح الباب يا عبدالله وعندما لا يهتم يا ابن الوسخة يا رمة افتح الباب يا واد مش شايفني بصلي ، يقوم عبدالله حتى لا تقطع ؟أمه صلاتها …. هصلي ركعتين الوتر عقبال ما تتعشوا …… إلى آخر ما أوردته النيابة من عبارات بقائمة أدلة الثبوت والتي لنا عليها الملاحظات الآتية :

1- أن هذه العبارات أخرجت من سياقها العام وهي بالتالي يستحيل فهمها فهما صحيحا إلا من خلال قراءتها في سياقها

أن أول ما يتطرق للذهن ليس التحقير من الله عز وجل ، وإنما أن هذه العبارات جاءت لخدمة العمل الدرامي وهو ما كان من الممكن أن يبين جليا إذا كان هناك تقريرا موضوعيا عن الكتاب وهو ما لم تتضمنه أوراق الدعوى .

وقد قضي تطبيقا لذلك :

أما عما انطوي عليه الاتهام وبشأن تطاوله علي الذات الإلهية- حسب وصفه- بقوله: “كيف أرشي الله”، فإن المحكمة لا تري في ذلك تطاولاً علي الله في شيء، إذ إن في هذه اللغة من الوضوح ما يدلل علي إنكاره لإمكانية حدوث ذلك وتضيف المحكمة: ولو أنه ليس بمقام البحث، بأنه لا يوجد ما يمنع إظهار شخصية لا نؤمن بالله في ثمة عمل فني ما فالقول بغير ذلك ينافي الواقع في المجتمع من وجود المؤمنين وغير المؤمنين.

خامسا :- الدفع ببطلان أقوال الشهود لافتقارها للنزاهة والموضوعية .

… سيدي الرئيس

تفوح من هذه القضية رائحة الانتقام والغل والكره الشديد للمتهم من قبل مقدمي الشكوي لا سيما وان المتهم منذ 2002 وهو يناضل من اجل الفلاحين وحقهم في استردد اراضيهم ضد عسف وجور هيئة الاوقاف المصرية ببني سويف , مما حدا بالمتهم برفع دعاوي ضد هيئة الاوقاف المصرية لصالح اهالي عزبة رشوان مما نتج خصومة شريفة بين المتهم وهيئة الاوقاف ومركز شرطة ببا على اثر تلك الدعاوي التي انضم المتهم الى صالح الفقراء من هذا الوطن ضد الدولة واجهزته ولم يكن يدور بخلده ان هذه الخصومة ستؤدي به الى غياهب السجون ,وتحول تلك الخصومة الشريفة الى فجر وعنت من قبل الدولة وهذا واضح بجلاء بقائمة ادلة الثبوت من خلال الاعتماد على شهادة السيد / محمود ابراهيم طه مفتش مساجد منتدب بمديرية أوقاف بني سويف بمركز ببا محافظة بني سويف وايضا الاعتماد على الشاهد الثالث السيد / احمد محمد عبدالعظيم خشبة ملازم اول بمركز شرطة ببا .

هؤلاء الشاهدين يعملون بنفس الجهات التي يختصمها المتهم وفي خصومة معهم منذ زمن بعيد ولم يكن يتوقع ان يتحول دفاعه عن الفلاحين والفقراء في قرية عزبة رشوان الي اتهامه والحكم عليه غيابيا في قضية تفوح منها رائحة الانتقام والتلفيق .

سيدي الرئيس

… اذا نظرنا الى الطريقة التي قامت به القضية نجد انها تبعد كل البعد عن الطرق القانونية فقد قام الشاهد الاول بالايقاع بالمتهم والتحايل عليه حتى يحصل على نسخة من الكتاب لان الكتاب لم يكن موجود اصلا في بني سويف كما ادعى الشاهد بل اتصل به واظهر للمتهم اعجابه بالكتاب الذي سمع عنه وانه يريد ان يقيم ندوة لذلك الكتاب وبالطبع المتهم صدقه لانه من المستحيل ان يقوموا اهل القرية التي وقف بجانبهم منذ زمن ضد الدولة ان يقوموا بخداعه او ان يواجه باي سوء ولكن هذا الطلب ما كان الا حيلة من حيل الشيطان للايقاع بالمتهم ونجد ان هذا مثبت باوراق القضية بالصفحة رقم 3 في اقوال احمد عبد التواب.

س / وهل قمت بالاتصال ……. بسالف الذكر ؟

ج / اللي قام بالاتصال هو الاستاذ / محمود اللي كان معايا .

س / وما مضمون تلك المكالمة ؟

ج / هو قاله انه معجب بالكتاب وطلب منه نسخة على اساس انه يقراه وهو رد عليه ان هيبعتله اكثر من نسخة علشان توزعها على الناس وفي القرية وطلب منه يجهز مركز الشباب لعمل ندوة عن الكتاب .

وايضا في موضوع اخر على لسان الشاهد الاول السيد / محمود ابراهيم بصفحة 4 من تحقيقات النيابة .

س/ ما تفصيلات شكواك وما معلوماتك بشان الواقعة محل التحقيق ؟

ج / اللي حصل ……………………………………………… رحت متصل بكرم صابر بعد ما عرفت رقم تليفونه من الناس وقولتله معجب بالكتاب بعدها عرض عليا انه يبعتلي اكتر من نسخة عن طريق البريد وبالفعل بعتلي الكتاب عن طريق البستة ……..

الشيخ الكبير يكذب ويتحايل ويلفق ويصنع قضية من لاشىء ارضاء لرؤسائه بهيئة الاوقاف .

والغريب

سيدي الرئيس

ان الشاهد الاول ارتكب جريمة والنيابة لم تعر اهتمام لهذا وهي جريمة انتهاك حرمة الحياة الخاصة المعاقب عليها بالمادة

309مكرراً من قانون العقوبات .

يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضاء المجني عليه.

(أ) استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون.

(ب) …………………………………..

ويعاقب بالحبس الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماداً على سلطة وظيفته.

ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدام في الجريمة أو تحصل عليه، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها.

وهذا ثابت باتحقيقات النيابة العامة بصفحة 6 باقوال السيد / احمد عبدالتواب هاشم .

س/ ماسبب تواجدك بسرابة النيابة ؟

ج / انا جيت علشان اقدم سي دي محمل عليه مكالمة هاتفية بين المشكو في حقه وبين محمود طه ….

ملحوظة ” قدم لنا الحاضر سي دي قرر انها مسجل عليها المكالمة الهاتفية “

س / زما هو محتوى الاسطوانة تحديدا ؟

ج / تحتوي علي مكالمة هاتفية بين كرم ومحمود .

… هذه الجريمة لم يهتم بها وكيل النائب العام وعلى الرغم انها جريمة وكان على النيابة ان توجه اتهام ضد الشاكي ولكنا لم تفعل ولم تضع تلك المكالمة في قائمة ادلة الثبوت ولكنها وضعت بالقضية وتم فض الاحراز ووجدت ودونت بحكم اول درجة ضمن الاحراز .

مما يتضح بما لا يدع مجالا للشك ان هذه القضية ما هي الي قضية مفبركة يسيطر عليها الكيد والتلفيق .

سيدى الرئيس

… ان للعدل معنى جليل تطمئن إليه النفوس وترتاح إليه الأفئدة , وهو صفة من صفات الله سبحانه وتعالى ٫ ومبدا أساسي دبر به نظام الكون وأسس عليه الوجود .

… ونشر العدل بإعطاء كل ذي حق حقه بالميزان والقسط , هو غاية كل مجتمع وسبيله الى تحقيق الأمن والطمأنينة للكافة.

ومن هنا تبدو أهمية إدارة شئون العدالة فى إرساء أسس الحكم الصالح القائم على احترام الحقوق والحفاظ على الحريات وتحقيق المساواة

لـــــــــــذلك

يلتمس الدفاع من عدالة المحكمة صدور حكمها العادل ببراءة المتهم مما هو منسوب إليه تأسيسا على ما تم إبداءه من دفوع ودفاع .

وكلاء المتهم

طاهر عطية ابو النصر

محمد محمود حسن

المحامون
 
أعلى