الطاهر الطويل - محكمة مغربية تصدر حكما ضد أستاذ الفلسفة بسبب رواية.. إطلاق صفحة تضامن مع الكاتب

تحولت رواية مدرس فلسفة مغربي إلى قضية تشغل الرأي العام المحلي في مدينة ورزازات (جنوب) بسبب أشخاص اعتبروا أنفسهم مقصودين بموضوع العمل الأدبي وشخصياته، فلجأوا إلى توجيه تهديدات له والاعتداء عليه، ورفعوا قضيتهم في المحكمة، متهمين إياه بالسباب والشتم.
وأفاد موقع «بديل» أن المحكمة الابتدائية في مدينة ورزازات قضت، الأسبوع الماضي، بإدانة الكاتب الروائي عزيز بنحدوش بشهرين سجنا مع وقف التنفيذ وغرامة قدرها 1000 درهم (حوالي 100 دولار أمريكي) وتعويض مدني قدره 20000 درهم (حوالي 2000 دولار) للمشتكين، بسبب رواية «جزيرة الذكور».
وقال كاتب الرواية الذي يعمل أستاذا للفلسفة في تصريح للموقع المذكور إن الحكم تم طبقا لقانون الصحافة، بعد اتهامه من طرف مشتكين بـ«السب والشتم» عبر الرواية المذكورة. ووصف الحكم بـ«الظالم» خاصة أن الرواية هي عمل أدبي، مشيرا إلى أن هناك «تأثيرات خارجية من جهات فاسدة ساعدت في إدانته». وأكد أنه استأنف الحكم، متمنيا أن تأخذ العدالة مجراها لرد الاعتبار له.
وعند سؤاله حول ما إذا كان يقصد فعلا استهداف أشخاص معينين بروايته هذه، رد بنحدوش: «لا لا أبدا، لم أكن أستهدف أحدا، فقط بدت لي قصة الأطفال الأشباح غريبة فكتبت عنها، فتبين لي أنها فعلا قصة حقيقية»، وأردف المتحدث قائلا:»كم من كاتب أصاب أهدافا لم يكن يتوقعها».
وكان أستاذ الفلسفة بنحدوش، الذي يعمل في منطقة تازناخت باقليم ورزازات قد تعرض لاعتداء كاد – على إثره – أن يفقد حياته بسبب ذات الرواية، حيث اعتقد شخص نافذ أن أحداثها وشخصياتها تتحدث عنه، فاعترض سبيله واعتدى عليه بالضرب والسب.
ونقل موقع «بديل» عند الروائي عزيز بنحدوش قوله إنه «تلقى تهديدات بالقتل منذ مدة طويلة، من طرف أناس يعتقدون أن الرواية مكتوبة ضدهم»، مضيفا أنه «كتب الرواية منذ ثماني سنوات، ونظرا لظروف مادية لم يستطع تحمل تكاليف إصدارها ونشرها، وحين فعل وقع ما وقع».
وتابع قائلا: «كنت داخل سيارتي فباغتني شخص معروف بنفوذه في المنطقة، فانبرى يضربني بعصا على رأسي وفي أنحاء مختلفة من جسمي، بنية القتل، محاولا تكسير زجاج السيارة، قبل أن ألوذ بالفرار.»
وأطلق متضامنون مع الكاتب صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» تحت عنوان»: «كلنا عزيز بنحدوش». وقدم الكاتب توضيحات حول هذه الرواية قائلا: «جزيرة الذكور» رواية تحمل مضمونها في عنوانها، أي مجتمع ذكوري لا يعترف بوجود المرأة ولا يعترف بحقوقها، مجتمع أبوي يهيمن الذكر فيه ويسود وقد يفسد الذكور مستقبل النساء إذا لم يحترموا الإنسان. تطرح الرواية سؤالا مهما: هل يمكن لأستاذ الفلسفة الذي يدرس الحق والحرية والكرامة والتسامح، أن ينشر هذه القيم خارج قاعة الدرس؟ وما هي الوسائل التي يمكن أن يعتمدها؟ الرواية إذن هي محاولة لتعليم موحى الذي حمل صفة الجبان (أباهوس) في الرواية. ومجال التربية و التعليم هو المجال الذي تتقاطع فيه كل أفعال التربية، لهذا تناقش الرواية كل القضايا مثل: التعليم، الصحة، القضاء، الإنسان بشكل عام.
وتحت عنوان «جزيرة الذكور: رواية كادت تقتل مؤلفها»، كتب الإعلامي والناقد الفني عزيز المجدوب ما يلي: «أن تجلب رواية أدبية متاعب لمؤلفها حد الاعتداء الجسدي، أمر لم نعتد عليه في المغرب، ولم نسمع أو نقرأ عنه سوى في الدول الأخرى أو في الأفلام. فقد اعتدنا أن تمر الأعمال الأدبية، مهما كانت روعتها أو مهما حاولت ملامسة قضايا حساسة، دون أن تخلف أدنى تفاعل، إيجابي أو سلبي، من قبل غالبية القراء المغاربة الذين تزداد قاعدتهم انحسارا حتى تكاد تعتقد أنهم صاروا محاصرين فوق حجرة.
وغير بعيد عن «الحجر»، أو ما شاكله من وسائل الاعتداء اليدوية، فلم يكن يعتقد الكاتب المغربي عزيز بنحدوش يوما أن روايته الجديدة «جزيرة الذكور» ستكون سببا في رجمه بالحجارة والانهيال عليه ضربا بهراوة من قبل شخص نافذ في منطقة تازناخت (نواحي ورزازات)، غاظه ما جاء في الرواية التي تطرقت إلى العديد من الظواهر الشاذة بالمنطقة، معتقدا أنه المعني بأحداثها وشخوصها.
تفاصيل واقعة الاعتداء هذه حكاها الكاتب عزيز بنحدوش، خلال حلوله ضيفا على معرض الكتاب المستعمل في ساحة السراغنة في البيضاء، وكشف جزءا من معاناته النفسية والجسدية منذ الاعتداء الذي تعرض له، بعد أن داهمه شخص معروف بتازناخت حيث يشتغل أستاذا لمادة الفلسفة، منذ أكثر من ستة عشر عاما، عندما كان يهم بركوب سيارته، قبل أن يفاجأ بالمعتدي وهو ينهال عليه ضربا بهراوة على رأسه وأنحاء مختلفة من جسده، ولولا أن فر الكاتب بجلده الذي لطخته الدماء، لكان في عداد القتلى، خاصة أن المعتدي حرص على أن يكمل «خيره» ويرجم الكاتب بالحجارة وكأنه نبي ينهى قومه عن عبادة الأصنام.
بنحدوش قال إنه لم يفاجأ بالاعتداء لكنه لم يكن يتوقع أنه سيكون بهذه البشاعة والوحشية، خاصة أنه منذ صدور الرواية قبل بضعة أشهر وهو يتلقى تهديدات بالتصفية عبر الهاتف أو عبر رسائل تترك له تحت باب منزله، ورغم أنه أبلغ مصالح الدرك بذلك، إلا أنها لم تأخذ الأمر على محمل الجد، فكان ما كان. لكن بعد الاعتداء ألقي القبض على المعتدي فكانت المفارقة أن المدة التي حكم عليه فيها بالسجن لم تتعد شهرا، هي بالكاد مدة العجز التي حددتها الشهادات الطبية المسلمة إلى المعتدى عليه، الذي قال إنه ما زال يتعرض للتهديدات، خاصة أن العقوبات لم تكن رادعة، وهو ما جعله يستأنف القضية.
وتحدث الكاتب بطريقة ساخرة قائلا أنه بات يعيش مفارقة غريبة، فبالقدر الذي اشتهرت به رواية «جزيرة الذكور» بسبب هذا الاعتداء، وضمنت استمرارها، بالقدر الذي بدأ يستشعر أن استمراره في هذه الحياة صار مهددا، رغم أن وقائع الرواية من محض خياله واستلهمها من حكايات سكان تازناخت.
ورغم أن الرواية تتضمن جرعة زائدة من الجرأة تجاه قضايا الجنس والدين وظاهرة الأطفال الأشباح المسجلين في وثائق وهمية من أجل الحصول على تعويضات اجتماعية، فإنها في النهاية تبقى عملا أدبيا تخييليا لا يستحق الاعتداء على صاحبه.»
 
أعلى