قصة ايروتيكية إسلام نوار - لارا

(1)
فلنفترض أني فاقد لقابلية التحول إلى لون برتقالي.
ولنفترض أن الكون لا يسّاقط أو يساقط كتِرْمِسَةٍ تُعضُّ.
أعرف أن لله قضيبا كقضيبي، وهو يتمني مثلي أن ينظر إليه نظرة جارتي لقضيب “عبده”. وأنا نحتُّ نفسي تمثالا في شرفتي ونحلتُ؛ أنتظر عادةَ أن يصير الكونُ اللقيا، اللقيا بين دخول “عبده المجنون” في زفته إلي الحارة بين صراخ الأطفال وأحجارهم، وبين هرولة جارتنا البورنوية الصبة والوجه إلي الشرفة المقابلة لشرفتي منتظرةً تبوله الروتينيَّ أمام منزلها في حركة دائرية كالدرويش.
الوجه بركان، وهي تفشخ فاها الفوهة، قاذفة لعابا كثيفا لزجا كحمم نظراتٍ تلعق بها قضيب “عبده” المتبول؛ وأنا أستنمي حتي يخرجَ الزوج للشرفة صارخا: حد يمشي ابن المرا دا من هنا.
الفلاح الحاج للأبد جيئةً وذهابا في الحارة رابضا علي حماره المتبرزِ حجَّا كدرويش يستجيبُ لنداء الزوج، ويركل “عبده المجنون” علي ظهره هامسا: النسوان اتسعرت؛ ثم يعوج طاقيته ويكتب علي جدار:
“كل شيء يحدث في الحمام”

(2)
يفصل بين بيتي وبيت جارتي عمودُ إنارة كالصراط من الجحيم إلي الجحيم عبر الجحيم، ومنتصبٌ مثقوب آلاف المرات كجسم كهفي لفَرْج ترقص فيه الدماء؛ وعندما ينعق المؤذن لصلاة العصر عبر الميكرفون الذي يشبه مؤخرة خرتيت، أصفق بيديَّ مهللا: في خسر..في خسر؛ ثم أركض نحو العمود طارقا بالوسطي طرقة خفيفة عليه مناديا قاطنه: أنا أنا؛ فيرد علي متسرعا طالبا أن أنشد جملة السر كي أدخل له قبل أن ينهي الغراب آذانه _مع إنه يعرف من أنا_ فألهج منشدا له: “النهد مستدير وبه حلمة أو حلمة مسحوبة، ويفصله عن النهد الآخر أو المقطوع أخدودٌ كالصراط يُطابق تماما صراط العجيزة.”
ما إن يقابل صوتُ تسكين الناعق لهاء الكلمة الأخيرة في الجملة الأخيرة لنعيقه مع تاء كلمة العجيزة المسكنة في نهاية جملة السر _والتي تشبه الهاء_ حتي يتقيأ وأتجشأ، وينشق العمود، وينفتح عن قاطنه مبتسما في استقبالي.
يبدأ حينها الاعتياد في إنارة وجهه في الحارة كوجوه مدن الملاهي الكهربائية كنسيج كل شيء _وأنا عاشق للتعميم، قبل كل كلمة في قاموسي كلمة “كل”_ ثم يبدأ قاطن العمود في إلقاء سؤاله اليومي المكرر علي: من أين أشرقت الشمس اليوم؟ ثم بعده يتحول صوته إلي صوت فيروز وهي تغني أغنية القدس مغنيا كلمتين منها فقط: “وأنا أصلي.”
أجيبه إجابتي المعتادة: يا عابد الشمس برفع يديك لها والغناء من خلال ثقب في عمودك؛ الشمس شموس، فكم عدد أياديك الآن!؟ وكم عدد الشموس!؟ وكم عدد الثقوب!؟
وأضحك.

(3)
لقد رأيتُ أنك أيها الفيلم الكبير تُعرض في لقطات فلاشية لا يزيد طول اللقطة عن ثانية، وأن الموسيقي التصويرية كرياح شمسية من أشخاص ينادون: يحيا تغيير كشافات الشمس البرتقالية في أعمدة إنارة بلدتنا بكشافات ليد بيضاء موفرة للطاقة.
بينما لون القيء الذي تلحسه القططُ السوداء برتقالي، ورائحة الجنس الطفولي برتقالي، ورائحتا كس السماء وكس الأرض برتقاليان، والسبابات تمشي بين جموع الفاتحين من عمال شركة الكهرباء.
يدخل أحد العمال حارتنا ليغير كشاف العمود المسكون دون زيه البرتقالي، فيصعق، فأسمع صوت صرعته، فأخرج له متحولا إلي لون برتقالي يغطي ملبسه، فيقدر أن يغير الكشاف، وتضرب زغرودة، وأرجع من تحولي، فأنادي جارتنا البورنوية “أم محمد” طالبا منها أن تنزل “محمد” للشارع ليستظل بنور الكشاف الجديد.
ينزل محمد فأقول له: تعال ي حبيبي عض الترمسه وبل القرموط
يهلل محمد مصفقا ببلاهة منشدا: هعض الترمسه وأبل القرموط.
وها هي المرة الثانية التي أنحت نفسي تمثالا لكن هذه المرة أمام الابن لا أمه.
ظلت السنين تمر والولد لم يتحرك من أمامي منذ أن أنزل ليستظل، فقط تسارع إيقاع إنشاده حتي تآكلتْ “هعض” وتآكلت “أبل” وظلتا الكلمتان الباقيتان لكن كلمح خطفة شهاب لشيطان مَرَقَ، وفقط تحولت رنات تصفيقه إلي تكْتكات عقرب ثواني يميل معها العمود مقتربا من الأرض ببطء كأنه عقرب ساعات، بينما تغلق ثقوب العمود نفسها بمعدل وسيط كأنها عقرب دقائق.
ظل فم محمد ينفشخ وينفشخ بضحكته البلهاء حتي فقدتُ كل شعور وخرج منه كل شيء أعرف: موتُ قاطني الحارة كلهم وقاطن العمود وكرموسومي الأخير ثم الخمسة وأربعين الباقيين تباعا؛ وهكذا موت ناقص لا يكتمل، يُستطردُ في نقصه من قِبَلِ كأسٍ مقدسة ميتة تمام الموات تنشقُ عنها الأرضُ كل حين، لتملأ نفسها بزيت يشبه عرقي الصخري، تُوقدُ به عشرة آلاف نار.

(4)
يقف عجوز مجنون يقضي أغلب يومه متمتما بنغمة رتيبة ومصفقا وسط زقاق صغير مهجور يتقاطع مع شارع رئيسي كبير، يشاع أنه كان يصفق لتمثال قد تحرك مرة نحو الشارع الرئيسي عندما رأي قرداتي وقرده المنتصب القامة؛ ثم تحول التمثال إلي حشرة عمرت سنين ثم ماتت. يمر عبر هذا الشارع قطار فائق السرعة يمكنه في بعض الأحيان أن يبلغ سرعة الضوء فيتمدد ليسع الكون كله، فيتوقف، ومن ثم ينكمش فيعود لمسيره؛ بينما يخلّف عربات وهمية من الأصوات الثقيلة المتباطئة خلفه كمستودع حكي متجدد.
كانت هذه الحشرة تمتلك شيئا ما كالحوافر تسجل بها هذه الأصوات نقشا علي جدران بيوت الشارع في الليل والناس نيام.
كتبت الحشرة مثلا عن حبس روائيين مجنونين اسمهما “محمد ربيع” و”وحيد الطويلة” في عربة من عربات القطار كي يقتلا فيها معا؛ جاءت مجموعة من “كفر الشيخ” كي يخزوقوا “الطويلة”، ومجموعة أخري من الشرطيين كي يعدموا “ربيع”، فحدث العكس خزوقت مجموعة كفر الشيخ “ربيع”، وأعدم الشرطيون “الطويلة”.
كتبت الحشرة عني؛ عني أنا “إسلام”؛ أنا ذاك المجذوب الذي قاد القطار لبرهة، مسميا نفسه دكتور زيفاجو، لافحا الهواءَ بقلبه الرقيق الذي يشبه ورق الشجر. لقد تركتُ القطار يسير لحتفه، وقفزت منه كقطرة دمعة حارة كالجحيم اصطدمتْ بالأسفلت الحار، فتفرقتْ نداءات لا تُلبي.
ظللتُ أصرخ بصوت مكتوم بين أنفاسي الأخيرة، إذ أمد يدي ل “لارا” التي لا تراني وأنا ساقط علي وجهي.
“يا لارا، يا لاراااااا، يا لارا التي أسميها هدير، يا لارا التي أسميها هايدي، يا لارا التي أسميها هدي، يا لارا التي أسميها فاطمة، يا لارا التي أسميها آية، يا لارا التي أسميها زيزي، يا لارا التي أسميها………



- عن انتلجنسيا
.


صورة مفقودة
 
أعلى