نبيل محمود - سرب الجمال

كفَاكَ ثرثرةً فقد بلّل جفنيها نثيث النعاس، فاكتمْ أنفاسك وأنْزِلْها كالهمس على الفراش ودثّرْها بصوف الصمت. شتِّتْ الكوابيس وانثرْ على وسادتها عطر الأحلام. عند الصباح ابْسطْ كفّيكَ كرقائق الورد، واحْملْها برفقٍ إلى فطور الصباحْ.

كم كنتُ ساهياً عن همس النجوم ونكهة القدّاح ومَيَسان الأزهار؟ حتى لاح حضورها الفوّاح، كموسم قطافٍ يملأ سلال التفّاح.. أكان في عمرها مواسم وفصول؟ أم هو موسم تفتّحٍ دائم، وفصل إشراقٍ مقيم؟
كل صباح، تتواثب الغزلان وتحلّق النوارس وترمش الأفراح في عينيها، كلّ صباح...

لم تتمهّل شفتاي، بل طارتا كفراشتيْ لهفةٍ صوب النور. أصابعي تورّدتْ إذْ لامست أمواج الحرير وبريق اليواقيت وتدفُّق الربيع في حدائقها. كيف تمتزج كلّ هذه العناصر فيها وتنتشي بنسغ الدهشة وطراوة الفجر الأول؟ أنا الذي عشقت عالم الألوان وخبرت أسراره.. كيف تباغتني غـزارة ألوان حـواء؟ شَعرها هسيسٌ منثورٌ يسحرني، ويثملني عودها البضّ. تعـزفني جوقة نظراتها، وثغرها الهائج يراقصني... جسدها العسلي يرشفني، ويُجنِّحني ظلها الذهبي، فنتطاير كالحمام.. ونحلّق في كلّ الجهات أسرابَ مسرّات.

البهجة تتقافز كالعصفورْ، ويترنّح المرح المخمورْ. جذَلٌ لا ندركه إلّا في الفجر الأوّل، عند ذوبان الليل واستيقاظ النهار. أهجرتْنا الآلهة أم تحرّرنا من النفْيٍ القديم؟.. فاعتنقنا الحرّية وانفلتنا من أسر الأسطورة.. استعدْنا حقَّ ابتكار الأسماء وابتداع الأشياء.. ألفينا أنفسنا أحراراً كي نسمّي آلهتنا فسميّتها سيّدة الجهات. لم يكن حلماً ولا ذكرى.. بل كانت رفّةً أخيرةً لفراشة قلبي.. تفتَّتتْ حين حاولتْ ملاحقة سرب الجمال..






# من نصوص (تفاحات إيروس) #
******************************



صورة مفقودة
 
أعلى