خولة الفرشيشي - عين على الجنس في الغرف المغلقة

خ

خولة الفرشيشي

يحظى الجنس بمكانة هامة لدى الفرد في مجتمعاتنا ، يولد وتكبر معه الهواجس والهوامات الجنسية ، دون تفسير أو إحاطة عائلية، فالجنس في هذه المجتمعات يتناول بنوع من التخويف والتقديس والتحقير أيضا، يمكن للرجل أو للمرأة أن يهدد صديقه أو صديقتها بقول : سأنكحك ويمكن أن يصف الفرد يومه قائلا : كان يوما منكوحا .. وهكذا يعيش الفرد في هذه المجتمعات لا يعرف ما معنى الجنس وهل هو مقدّس أو مدنس وهل هو عقاب أم متعة .. ولأنّ الجنس موضوع غامض ومحرّم ،في هذه المجتمعات ، يمكن للمرأة المحافظة والمتدينة أن تبقى عذراء ،حتى في عمر التسعين دون أن يطمثها رجل ، ودون أن تعرف لذّة المتعة الجنسية ، لذلك تجتهد المرأة في الإبقاء على بكارتها كشرط الزواج ، وأن تعيش تهويماتها الجنسية في الخيال ، أو من خلال أحاديث النساء المتزوجات ، أو في لقطة عابرة في فيلم يجمع البطلين في لحظات حميمية … ويبقى الرجل يتنقل في اللحظات العابرة ، بين النساء العابرات في فراشه ،يتعلم معهن وفيهن تمارين الجنس ، فكلّ إمرأة تمرين لإمرأة قادمة ، فيتعلم الرجل الجنس دون أن يتعلم الحبّ ،وكيف تتماهى مشاعره مع لذّة الجسد ، وكيف أن الجنس تتويج لمشاعره ، وليس مجرّد إشباع للغرائز ونشاط قضيبي فرجي ينتهي بقذف . يتزوّج الفرد في مجتمعاتنا رجلا أو إمرأة لأنّ أغلب الشروط متوفرة في الطرف المقابل يتزوّج الفرد ويظل طول عمره يبحث عن الحبّ في الواقع والخيال … وليلة الدخول مازالت تحظى بالقداسة والإهتمام الكلّ يهتم بالتفاصيل وهل تمّ الهناء أي إفتضاض البكارة فيثبت أهل البنت شرفهم وأهل الرجل فحولته .. يمارس الرجل الجنس مع زوجته في الواقع ولكن خياله يرحل مع نهدي هيفاء وهبي ومؤخرة جنيفر لوبير وثغر إليسا وقوام نانسي عجرم … أو ينام معها كأنّها تلك الفتاة التي مرّت أمام المقهى أو نادلة الحانة التي أدارت رقاب الزبائن فيغرق في ظلام الغرفة التي تخفف عنه وطأة الواقع … تحلم المرأة وهي تمارس الجنس مع زوجها بحنوّ مهند بطل المسلسلات التركية وبقبل براد بيت وهي ترحل بخيالها بعيدا عن التمارين الجامدة دون روح ودون حبّ فيتهيأ لها زوجها رجلا من الرجال الذين تحبّ وتحلم فتفتح فخذيها وفرجها ولكنّ قلبها وخيالها لرجل اخر غير ذلك على السرير فتمرّ العملية الجنسية بينهما مع طرف متخيل حيث يكون كل واحد منهما مع الشخصية التي يحلم بمجامعتها ويصبح الجنس واجبا لا مفرّ منه يجب أن ينفذ حتى لا تفقد مؤسسة الزواج إحدى ركائزها المهمة : الجماع . يخون الرجل زوجته والزوجة زوجها ،دون أن يعرفا ، حقا طرفا ثالثا على أرض الواقع فلحظة الجنس بينهما معبر كل واحد منها إلى متخيل في فيلم أو عند منعطف أو ذات نظرة شبقة عابرة ، ولكن خيانة الفكر والقلب أشدّ وطأة من خيانة الجسد فهي تهبه جسدها دون روح فهي الجسم المستهلك اليومي في السرير العائلي فجسدها مستعص عليه كقلبها وخيالها تماما هو كذلك فهو جسم دون روح وشهوة وشبق . يمارس الرجل الجنس مع زوجته ، ويتمنى أن تفعل ، كما كانت تفعل عشيقاته ، قبل أن يتزوّج ولكن لا يحاول فتح الموضوع معها ،حتى لا يفقد هيبته وإحترامه، وتتمنى الزوجة أشياء في العملية الجنسية ،لا تقدر على المطالبة بها ، حتى لا تفقد حياءها ، وحتى لا تتهم بالفجور ، فتمرّ طقوس الجنس في الغرف المغلقة والمحروسة والمظلمة ، مملة رتيبة لا روح فيها ولا حبّ فتموت الأرواح ، وتذبل الأجساد ، ويصبح الجنس واجبا يوميا متكررا . حين يتحرر الفكر في مجتمعاتنا ،ويتحرر العقل، سيتحرر الجسد ،وقتها لن تكون الخيانة ميزة الغرف المغلقة والمحروسة بالعادات والتقاليد ، وسيقبل الفرد على الجنس، كطقس من طقوس الحياة والحب والفرح يؤكد عشقه وحبه للطرف المقابل … ستنتهي الخيانة ،وسيعمر الحبّ هذه المجتمعات، وسيكتفي الطرفان الرجل والمرأة بجعل كل طرف منهما ، نبعا متجددا ومراة عاكسة لإهتزازات الروح وتوجسها . فيكون الجسد صدى للروح في إعتمالاتها الباطنية السرّية جدّا ، فأن يتحابا بعد غياب ،فيهدى الجسد للحبيب على إيقاع اللقاء ، أو أن يتحابا في لحظة غيرة أو بعد لحظة مهيئة على ضوء الشموع ، فيصبح الجنس قصيدة لها إيقاعها وبحرها وتفعيلتها ورائحة اللحظة التي تتغير بعد فراق ،خصام، غياب، غيرة ،إنسياب، وجموح شهوة .
الجنس هو صهيل الروح في الجسد وهو إنحراف جسدين نحو نجمة واحدة ينصهران في في شعاع ضوء .


.



صورة مفقودة
 
أعلى