حمودة إسماعيلي - المرأة ولغز الأنوثة

(لقد تعود الرجل على أنه هو وحده الذي يفحص المرأة ويختبرها.. هو وحده الذي له حق الاختبار والاختيار.

أما المرأة فليس لها إلا أن تقبل الرجل الذي يختارها .. رجل واحد أوحد .. ويعيش حياته كلها يقنع نفسه أنه هو هذا الواحد الأوحد)

نوال السعدواي



يقول ستيفن هوكينغ بأن "النساء لغز كامل"، وتقول ديانا ستارم أن "الرجل يمنح الكثير من علامات الاستفهام، رغم ذلك تظل المرأة لغزا كاملا"، ويقول إدموندو دو أميسيز بأن "امرأة هي دائما لغز"، أما نيتشه فيقول أن "المرأة لغز مفتاحه كلمة واحدة : هي الحب"، وكأنها قُفل !! .

ومنه نرى أنه مهما بلغت ثقافة الإنسان ومكانته الاجتماعية، فهذا لا يعني أنه لا يتفوّه بالتفاهات ! .
نعلم أن اللغز هو الأمر الملتبس والصعب على الفهم، الذي يحتاج للفك والتوضيح حتى نفهمه. فاعتبار المرأة لغزا يلزم حله حتى نفهمه وهي إنسان مثلها في ذلك مثل الرجل، فهذه حماقة فكرية ! . فهي ليست كائن فضائي ينزل من السماء أو مخلوق تتشارك العفاريت مع البشر في انجابه حتى ننسب له تفاهات ونعتبره كائنا غامضا، فالمراحل التي يمر منها الرجل تمر منها المرأة كذلك منذ بداية تشكّل الأجنة داخل الرحم. وهي مراحل الإنسان العمرية بما تحمل من تغيرات فيزيولوجية.

لدى فإن اعتبار المرأة لغزا كونيا ! ، يكشف لنا عن تعالي ذكوري : فبما أن المرأة لغز وبما أن الرجل هو صاحب الاقتراح (فمن الغريب أن تعتبر الأنثى نفسها لغزا !) ! فإن هذا الأخير هو الذي سيحل اللغز وسيتمكن من فهم هذا المخلوق الذي يعجز عن فهم نفسه _ وعندما أقدر على فهمك أكثر مما تفهم أنت نفسك، يسهل التحكم فيك _ وسنجد غالبا دوافع جنسية خلف مثل هذه الأوهام الذكورية، فاعتبار المرأة كائن غامض يلزم تحليله وتفسيره وكأن الرجل مفهوم !! رغم أن الموضوعية والعقلانية تتطلب فهم الإنسان ذكر وأنثى كإنسان وليس تحديد جنس معيّن دون غيره، فمرد ذلك إلى التمكن من السيطرة على الأنثى وبالتالي ضمان إشباع الحاجة الجنسية .. "ألهذا قامت كل هذه الفوضى ؟!" لو علمت النساء ذلك لأجابت : "يكفي أن يكونوا مُهذبين حتى يحصلوا على مايريدون" ! لأنهم سيبدون كأطفال مثيرين للشفقة، يريدون تحويل مخلوق عادي لنظرية فيزيائية مُعقدة، تلزمها دراسات لتحليلها وفهمها، وذلك بغرض الحصول منها على شيء تراه "عابرا " في حياتها، لايحتاج لكل ذلك التضخيم ! .

لا ننفي أن المرأة اعتبرت لغزا في أزمان معينة تضرب في القدم، عندما عجز الإنسان عن تفسير وظيفة الولادة لديها، فاعتبرت لغزا فقط من هذا الجانب. جانب يكشف عن ألوهية الأنثى بمنحها للحياة وإعادتها للخلق، لتمتلك بذلك سرا من أسرار الحياة وهو الوجود، فيتم رفعها للسماء كمُمثلة لإلهة كبرى أنجبت الحياة والطبيعة، وتُعتبر المرأة مُكملة لوظيفة الربة في الأرض. إذن فاللغز في التفكير (كعجز عن التفسير) وليس في المرأة ! .

وبعد أن يعي الرجل أن الولادة تنجم عن عملية جنسية يتشارك فيها الزوجان، بدل الاعتقادات السائدة التي كانت تفيد أن المرأة تلد بمساعدة الأرواح أو تدخل الآلهة، ستنقلب الكثير من المفاهيم وينتصب القضيب كمانح للحياة بدل أن كان الرحم. فتُنزع بذلك الألوهية من الأنثى وتمنح للرجل الذي لن يلتفت بعدها لسر الولادة، إنما سيبني الأبراج والأعمدة كتكريم لقضيبه صاحب الفضل، حتى أن "كليفورد هوارد" يرى أن بناء الأهرامات قد تكون له علاقة بهذا الأمر، لأنه من المعروف لدى علماء الرموز أن مثلث "رأسه لأعلى" إشارة للقضيب ورأسه للأسفل إشارة للرحم، كرموز (رسومات أو منحوتات) في الأديان القديمة. وللإشارة فالمثلث يكون غالبا بدون قاعدة، فيرسم كحرف V .

ماعلينا .. نأتي لنقطة مهمة وهي حول المعتقد الجمعي الذي يعتبر النساء ماديات استغلاليات لايهمهن سوى المال ولا يتعلّقن إلا بذوي الجاه والنفوذ، وهو تفكير أغلب الرجال خاصة المكبوتين والمحرومين، والعاطلين عن العمل الذين يتصرفون كأنهم رجال أعمال، ومن يضعون صورا بموقعهم الاجتماعي ويحسبون أنهم صاروا نجوما، والمهووسين برياضة كمال الأجسام من يحسبون أن العضلات تثير النساء كما يثير الشمبانزي القردة الأنثى بكتفيه العريضتين .. "نحن لسنا في غابة أيها المُغفلون" ! .

وليس مرد التشبت بالاعتقاد هنا أنه يخفف من وطأة الإحساس بالفقر لدى هاته النوعية، إنما هو تعويض عن عجزهم أن يجعلوا أنفسهم محبوبين من طرف النساء ـ "لما لا يتحول الواحد منمهم لدبدوب.. ويُريحنا" !! ـ فيجدن السلوى طالما أن النساء تتحلق كالفراشات على ذوي الجاه والثروة ! . هذه نتيجة من يصدق الفيديوكليبات ! .. فتباً ل إم تي في ! .

نحن لا نُكذِّب هذه الأفكار التي تدور حول تصرفات النساء، لكن حتى نفسر هذا الأمر، يلزم أن نعود للمجتمع وللثقافة التي ينتجها. فمنذ الطفولة يتربى الأفراد على اعتبار أن الاقتصاد هو أهم شيء، فهم يجب أن يدرسوا جيدا حتى يشتغلوا بوظيفة مرموقة (براتب شهري كبير !)، وهذا من شروط تحقيق الحياة السعيدة والرفاهية. "ماذا عن الفكر وتعميق الوعي" ؟! ـ "ضعه في قطعة خبز وكُله !!!" إتس أُولْ أَبَاوْتْ ماني ! و No Money No Honey .

لكن بالنسبة للأنثى وحتى نؤكد أنها لا تختلف عن الذكر في هذا الأمر (اكمال الدراسة والتوظيف)، غير أن ذلك لا يشير لضمان استقلاليتها وحريتها في العيش، بل بغرض الحصول علي عريس من مستوى اجتماعي عالي ! . فلا ضير حتى لو فشلت الأنثى في دراستها أو وظيفتها المهم أن تتعلم الطبخ حتى تضمن لنفسها مكانة بين المتزوجات، فوظيفتها في الأخير هي خدمة زوجها .. ألا يعلم هؤلاء الأقوام أن الأكل أصبح يباع جاهزا وأفضل من أكل البيت ؟!! أم انهم يفكرون انطلاقا من المعدة وليس الدماغ ؟! .

من ذلك يكبر الإنسان (وليس فقط الأنثى) ولديه فوبيا من الفقر والعجز المادي، يتهافت الجميع على أي وسيلة تضمن الغنى والاكتفاء المادي. فكيف نريد من الأنثى أن تعشق الرجال الفقراء وهي تراهم (بسبب المجتمع) كمخلوق مُرعب ! . رغم أن الوقع يهدم ما نتحدث عنه هنا، فكثير من النساء ضَحّيْن وغامرن مع رجال هم أقل اقتصاديا من مستوى عائلاتهن، ورضين بالعيش مع الرجل حتى لو كان مستقبله المادي مشوشا وغير واضح .. ولايقفز لنا أحدهم ويقول أنهن لم يقمن بذلك إلا لأنهم رأين أن قطار الزواج سيفوتهن (كآخر فرصة)، فهناك "أيها الأبله" من أقدمن على هذا الأمر وهن لازلن ورودا متفتحة أو تتفتح . "فشوية" احترام "الله يخليكم" ! .

ولا يتوقف التركيز على المادة عند هذا الحد، بل حتى في الحديث الديني "تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ: (لمالها) ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها"، وكما يقول المفسرون أن الترتيب في النصوص الدينية والأحاديث لا يأتي عشوائيا بل لحكمة، وهو كذلك. وحتى لا ننسى تتمة الحديث "فَاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ "، فمن الطبيعي أن يتم التركيز علي الدين لأن الخطاب ينطلق من الجانب الديني ويدور حوله.

أما عن الناقصات عقلا ودين وكما يحاول مرتزقة الدين أن يفسروها بأن النقص الديني إشارة للحيض والامتناع عن آداء الطقوس، وأن النقص العقلي مرده لغلبة العاطفة لدى الأنثى على عقلها وقراراتها. فهذا محض تخريف ! .

حتى الأطفال في مجتمعنا يحبون من يمنحهم البون بون ويعطيهم الدولارات، وتجدهم يوم العيد لا يزورون العائلات التي لا تمنحم المال أو الهدايا ليباركوا لها العيد !! . فنأتي ونعيب على الأنثى رغم أن المجتمع بأغلبيته مادّي.

بحديثنا عن الأنثى، نحن لا ندافع عن المرأة، إنما ندافع عن "الإنسان"، حتى لا يقع أو يظل في براثن المعتقدات الرديئة والفكر المجتمعي السخيف والمتناقض. الفكر الذي تكشفه "شيماماندا" بقولها:

” نحنُ نعلّم الإناثَ أنَّ ما يجب عليهنّ فعله (في العلاقة مع الذكر) هو تقديم التنازلات، ونعلّمهن أن تنظرَ كلُّ واحدة منهنّ إلى الأخرى على اعتبار أنّها منافسة لها، ليس على مستوى الإنجاز أو الحصول على وظيفة مثلاً، وهي أشياء جيّدة فيما أظنّ، وإنما نعلمهنّ التنافس فيما بنيهنّ في الكيفية التي يجتذبن فيها الرجال ويلفتن أنظارهم.

نحن نعلّم الفتيات أنّه لا يمكنهنّ أن يكنَّ ” كائناتٍ جنسيّة طبيعية ” بالطريقة نفسها التي يتميّز بها الأولاد؛ فلو كان عندنا أولادٌ مثلا، فنحن لا نمانع إن عرفنا أنّ لهم صديقات حميمات، لكن، أن يكون لبناتنا أصدقاءٌ حميمون..!! لا قدّر الله..

لكن، بالتأكيد حينما يأتي الوقت المناسب فإنّنا نتوقّع أن تقترن بناتنا بالرجل المثالي، نحن نقوم بدور رقابي على الفتاة، ونمدحها على عذريتها، لكننا لا نمدح الشاب على عذريّته، وهو تناقضٌ يجعلني في حيرةٍ من أمري، إذ كيف يمكن لهذا الأمر أن يحدث؛ ففقدان العذريّة عند الأنثى عمليّة تنطوي على…….



نحن نعلّم الفتيات الخجل: أغلقي ساقيك، غطّي نفسك، فنثير فيها الإحساس بالعار، وكأنّها صارت في موضع اتّهامٍ بمجرّد أنّها وُلدت ” أنثى”.

وعلى هذا النحو، تنمو الفتيات ليصرن نساءً مكبوتات، غير قادرات على التصريح برغباتهن، يكمّمن أفواههنّ بأيديهنّ، دون أن يمتلكن القدرة على التصريح بما يفكّرن به على نحو حقيقي، وتكبر الفتيات – وهذا أسوأ ما في الأمر – ليكنّ نساءً يجمّلن المظاهر الزائفة. “(1).

ونضيف أن المرأة لا تحتاج لحماية أو لمن يحميها فليست كائنا ناقصا أو تَالِفاً، وحماية الإنسان هي بتعليمه كيفية حماية نفسه ليس حراسته كأنه محارة.

لا نقول أن النساء طيبات أو أن الرجال أشرار، إنما هناك إنسان قد يتصرف معك بطيبة و إنسان يتصرف بسوء (أكان ذكرا أو أنثى)، فالناس تختلف. أما عن المثرثرين أن الرجال أكثر ثقة من النساء وأقدر على المساعدة، فهم ينتمون لتلك النوعية التي ذكرناها سابقا .. فكثيرا من المواقف التي قد يجد فيها الإنسان أن النساء من معارفه قدّمن ما لم يقدمه أصدقاءه من الذكور.



.
صورة مفقودة
 
أعلى