العبدلكاني الزوزني - حماسة الظرفاء من أشعار المحدثين والقدماء

باب النسيب والملاهي

قال بشار بن برد:
يا قُرّةَ العينِ إنّي لا أُسمّيكِ ... أُسْمي سواكِ أُفدّيها وأعنيكِ
يا أطيبَ النَّاسِ ريقاً غيرَ مُخْتبرٍ ... إلاَّ شهادةَ أطرافِ المساويكِ
قد زُرْتنا زورةً في الدَّهْرِ واحدةً ... ثَنِّي ولا تجعليها بيضةَ الديكِ
وقال آخر:
تَطوي المنازلَ عن حبيبكَ دائماً ... وتَظلُّ تبكيه بدمعٍ ساجِمِ
هلاّ أقمتَ ولو علَى جمرِ الغَضا ... قُلِّبتَ أو حدِّ الحُسامِ الصارمِ
كَذبتْك نفسُك لستَ من أهلِ الهَوَى ... تشكو الفراقَ وأنتَ عينُ الظالمِ
وقال عدي بن زيد:
يا سُلَيْمَى أوقدي ناراً ... إنّ منْ تهويْنَ قد حارا
رُبَّ نارٍ بِتُّ أرمُقُها ... تقضم الهِنْديّ والغارا
عِنْدُها ظبيٌ يُورّثُها ... عاقِدٌ في الجيد تِقْصارا
رشأٌ في طرفهِ حَورٌ ... وتَخالُ الخدَّ دِينارا
وقال قيس بن ذريح:
فواكَبِدا وعاودني رُداعي ... وكانَ فراقُ لُبْنى كالخِداعِ
أطافَ بيَ الوُشاةُ فأزعجوني ... فيا لله للواشي المُطاعِ
فأصبحتُ الغَداة ألومُ نفسي ... علَى أمرٍ وليسَ بمُسْتطاعِ
كَمغبونٍ يَعضُّ علَى يديه ... تَبيَّنَ غَبْنه بعد البِياعِ
وقال عروة بن حزام:
لقد تركتْ عَفْراءُ قلبي كأنّه ... جَناحا غُرابٍ دائما الخفقانِ
ألا لعنَ اللهُ الوُشاةَ وقيلهم ... فُلانةُ أمسَتْ خُلَّةً لِفُلانِ
ضَمنْتُ لعَرّافِ اليمامةِ حكمه ... وعرّافِ مصرٍ إنْ هما شَفيانِ
ويسألُني عمّي ثمانينَ ناقةً ... وما ليَ يا عفراء غيرُ ثمانِ
فيا وارثي مالي ويا طالبي دمي ... خُذا بدمي منْ لو يَشاءُ شَفاني
خُذا بدمي من قدْ رَماني بسهمه ... فأقصدَني بالسَّهْمِ حينَ رَماني
هوى ناقتي خَلفي وقُدّامي الهَوَى ... فإنّي وإيَّاها لمخْتَلفانِ
وقال كعب بن زهير:
فلا يَغرَّنْكَ ما منَّتْ وما وَعَدتْ ... إنّ الأمانيّ والأحلامَ تَضْليلُ
فما تدومُ علَى حالٍ تكونُ بها ... كما تَلوّنُ في أثوابها الغُولُ
ولا تمسّكُ بالعهدِ الَّذي عهدَتْ ... إلاَّ كما يُمسكُ الماءَ الغَرابيلُ
كانتْ مواعيدُ عُرْقوبٍ لها مثلاً ... وما مواعيدُها إلاَّ الأباطيلُ
وقال آخر:
بيضُ أوانسُ ما هَمَمْنَ بريبةٍ ... كظِباءِ مكّةَ صَيْدُهنَّ حرامُ
يُحْسَبْنَ من لينِ الكلامِ زَوانياً ... ويَصُدّهنّ عن الخنا الأسلامُ
وقال آخر:
يا مُنتهى الوصفِ في جمالِكْ ... ألا تحرَّجْتَ من فَعالكْ
زعمْتَ أنّي رَخِيّ بالٍ ... يا ليتَ حالي غَدتْ كحالِكْ
لا سلمَتْ من هواك روحي ... ولا تمتَّعتْ من نَوالكْ
إنْ كنتُ أبكي علَى رُقادي ... إلاَّ لِشوقي إلى خيالكْ
وقال آخر:
لقد بخِلَتْ عليَّ بكلِّ شيءٍ ... من المعروف حتَّى بالسّلامِ
فقلت لها بخلتِ عليَّ يَقْظى ... فجودي بالخيال لمستهامِ
فقالت لي وأنتَ تنام أيضاً ... فتطمعُ أنْ تراني في المنامِ
أنشدني ناصر بن منصور:
ولستُ بواصفٍ أبداً حبيباً ... أُعَرِّضهُ لأهواءِ الرجالِ
كأنّي أطلبُ الشُّركاءَ فيه ... وآمَنُ فيه أحداث الليالي
وما بالي أُشوّق عينَ غيري ... إليه ودونه سِتْرُ الحِجالِ
وقال ابن المعتز:
وزائرةٍ يقتادُها الشّوقُ طارِقَهْ ... أتَتْنا من الفِردوس لا شكّ آبِقَهْ
إذا ما تثنّتْ قالَ للريحِ قَدُّها ... كذا حركي الأغصانَ إن كنتِ حاذِقَهْ
وقال آخر:
يا نسيمَ الرَّوْضِ في السَّحَرِ ... وشبيهَ الشَّمسِ والقمرِ
إنّ من أسهرتَ ناظرَه ... لَقريرُ العينِ بالسَّهَرِ
وقال آخر:
أتتني تُؤنبني بالبُكا ... فأهلاً بها وبتأنيبها
تقولُ وفي قولها حِشْمةٌ ... أتبكي بعينٍ تراني بها
فقلتُ إذا استحسنَتْ غيركمْ ... أمرتُ الدموعَ بتأديبها
آخر:
مساكينُ أهلُ الحبِّ حتَّى قبورُهمْ ... عليها تُرابُ الذُلِّ بينَ المقابرِ
آخر:
مساكينُ أهلُ الحبِّ لستُ بمُشْترٍ ... حياةَ جميعِ العاشقينَ بِدانقِ
آخر:
مساكينُ أهلُ الحبِّ كم من بليَّةٍ ... يُقاسونَها في قُربِ دارٍ وفي بُعْدِ
يُروى للرشيد:
وتَنالُ منك بحدِّ مقلتها ... ما لا ينال بحدّهِ النَّصْلُ
وإذا نظرتَ إلى محاسنها ... فبكلِّ موضعِ نظرةٍ قَتْلُ
ولِوَجْهها من وجهِها قمرٌ ... ولِعَيْنها من عينها كُحْلُ
وقال إبراهيم النظّام:
دقّتْ محاسِنُه فجلَّ بها ... عن أن يَحيطَ بوصفه لَفْظُ
نطقَ الجمال بعُذرِ عاشقِه ... في العالمينَ فأُخْرسَ الوعظُ
وله:
ولو أنَّ جلدي غَشّني في وِصالها ... وعَيّرني فيها خرجتُ من الجِلْدِ
ولو لَبسَتْ ثوباً من الورد خالياً ... لَخدّشَ منها جلدَها ورقُ الوردِ
يُخدِّشها مسُّ الحريرِ لِلينها ... وتشكو إلى داياتها ثِقَلَ العقْدِ
وقال آخر:
وإذا الدُرُّ زانَ حُسنَ وُجوهٍ ... كان للدرِّ حُسْنُ وجهك زَيْنا
وتزيدينَ طَيِّبَ الطيبِ طيباً ... إذْ تَمسّيه أينَ مثلُكِ أينا
أنشدني أحمد بن حاتم المنقري:
قمرٌ قامر قلبي فَقمرْ ... صيّرَ العينَ من الضَّعْفِ أثَرْ
قمر مذْ حلَّ قلبي حبُّه ... لم يدعْ منِّي سوى قلبِ القمرْ
وقال مجنون بني عامر، وهو قيس بن الملوّح:
يقولونَ لو عزّيتَ قلبَك لارْعوَى ... فقلتُ وهل للعاشقينَ قُلوبُ
ولو أنَّ ما بي بالحصى فلقَ الحصى ... وبالريحِ لم يُسْمَع لهنَّ هُبوبُ
ولو أنَّ أنفاسي أصابتْ بحرّها ... حديداً إذاً كانَ الحديدُ يذوبُ
ولو أنَّني أستغفرُ اللهَ كلّما ... ذكرتُكِ لم تُكتبْ عليّ ذُنوبُ
ولو أنَّ ليلَى تطلُعُ الشَّمْسُ دونها ... وكنتُ وراءَ الشَّمس حينَ تَغيبُ
لحدَّثْتُ نفسي أنْ تَريع بها النَّوى ... وقلتُ لنفسي أنَّها لقَريبُ
دعاني الهَوَى والشوقُ لمّا ترنّمتْ ... هَتوفُ الضُّحى بينَ الغصونِ طَروبُ
تُذكّرني ليلَى وقد شطَّ دارُها ... وعادَتْ عَوادٍ بيننا وخُطوبُ
وله أيضاً:
تطلَّعُ من نفسٍ إليكَ نوازعٌ ... عوارفُ أنَّ اليأسَ منكَ نصيبُها
وزالت زوالَ النَّفسِ عن مستقرِّها ... فَمنْ مُخْبري في أيِّ أرضٍ غروبُها
حلالٌ لِليلى أن تَروعَ فؤادَهُ ... بهجرٍ ومغفورٌ لليلى ذنوبُها
وقال الأحوص بن محمد الأنصاري:
إذا أنتَ لم تعشقْ ولم تدرِ ما الهَوَى ... فكنْ حجراً من يابس الصَّخرِ جَلْمَدا
وما العيشُ إلاَّ ما تلَذُّ وتَشْتهي ... وإنْ لامَ ذو الشنْآنِ فيه وفَنّدا
وله:
كمْ منْ دنيّ لها قد صِرْتُ أتبعُه ... ولو صحا القلبُ عنها كان لي تَبعا
وزادَني شغفاً بالحبِّ أنْ مُنِعَتْ ... وحبّ شيءٍ إلى الإنسانِ ما مُنِعا
أنشدني تاجر بن أبي مطيع:
كم قد ظفرْتُ بمنْ أهوى فيمنعُني ... منه الحياءُ وخوفُ الله والحذَرُ
وكم خلوتُ بمن أهوى فيُقنعني ... منه الفُكاهَةُ والتقبيلُ والنظَرُ
أهوى المِلاحَ وأهوى أن أجالسهُمْ ... وليسَ لي منهمُ في ريبة وطَرُ
كذلك الحبّ لا آتيه فاحشة ... لا خيرَ في لَذّةٍ من بعدها سقَرُ
وقال جميل بن معمر العذري:
لا والَّذي تسجُد الجباهُ له ... ما لي بما تحتَ دِرْعها خبَرُ
ولا بفيها ولا هَمَمْتُ به ... إنْ كانَ إلاَّ الحديثُ والنظَرُ
وقال أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني الأديب:
أنا عفُّ الضمير غيرُ مُريبٍ ... غيرَ أنّي مُتيّمٌ بالحِسانِ
لا تظُنَّنَّ بي فُسوقاً فما ... يزكو فسوقٌ بحاملِ القُرآنِ
أنشدني خطيب هراة لأعرابي:
وحديثُها كالقَطْر يسمَعُه ... راعي سنينَ تتابعتْ جَدْبا
فأصاخَ يرجو أن يكونَ حيّاً ... ويقولُ من فَرجٍ هيا ربّا
أنشدني أبو الحسن الكرخي لابن الرومي:
وحديثُها السِّحْرُ الحلالُ لو انَّهُ ... لم يجنِ قتْلَ العاقلِ المتحرزِ
إنْ طالَ لم يملل وإنْ هيَ أوجزَتْ ... ودَّ المحدِّثُ أنَّها لم توجزِ
شرَكُ العقولِ ونزْوةٌ ما مِثلها ... للمطمئنِّ وعُقلةُ المُستوفزِ
وقال آخر:
وكُنَّا كمثلِ الفَرقديْنِ تألّقاً ... نرى أنَّ حبْلَ الوصلِ لم يتقطَّعا
فلمَّا رمانا الدَّهرُ فيمَنْ نُحبُّه ... تَشتتَ من أمرِ الهَوَى ما تجمَّعا
لقد كنتُ أبكي خيفةً من فراقِه ... فكيفَ وقد سارَ الغَداةَ فودَّعا
إذا سارَ من تهوى وأسلمَكَ العَزا ... فكبّرْ علَى اللَّذاتِ واللَّهوِ أربَعا
وقال أبو فراس الحمداني:
وزيارة من غيرِ وعْدِ ... في ليلةٍ طرقَتْ بسَعْدِ
بات الصّباحُ إلى الصَّبا ... حِ مُضاجعي خدّاً لخَدِّ
ما زالَ مَولايَ الأجلَّ ... فصيّرتْهُ الراحُ عبدي
ليستْ بأوّلِ نِعمةٍ ... مَشكورةٍ للرّاحِ عِندي
وقال أيضاً:
فليتَكَ تَحْلو والحياةُ مَريرةٌ ... وليتَكَ تَرضى والأنامُ غِضابُ
وليتَ الَّذي بيني وبينكَ عامرٌ ... وبيني وبينَ العالمينَ خَرابُ
وقال آخر:
بكرَتْ عليَّ وهيّجتْ وجْدا ... حَسْرى الرّياحِ وذكّرتْ نجدا
أتَحنّ من جزع إذا ذَكرتْ ... نجدٌ وأنتَ تركتَها عَمْدا
وقال آخر:
أحبّ من حبّكم مَنْ كانَ يشبِهكم ... حتَّى لقد صرت أهوى الشَّمسَ والقمرا
أمرّ بالحجر القاسي فألثُمه ... لأن قلبك قاسٍ يُشبه الحجرا
وقال جرير:
إنَّ العيونَ الَّتي في طرفها مَرضٌ ... قتلننا ثمَّ لم يُحْيينَ قتلانا
يصرَعْنَ ذا اللُّبِّ حتَّى لا حراك به ... وهُنَّ أضعفُ خلقِ الله إنسانا
يا أمَّ عمرو جزاكِ الله مغفرةً ... رُدِّي عليَّ فؤادي كالذي كانا
يا حبّذا جبل الريّانِ من جبلٍ ... وحبّذا ساكنُ الريّانِ من كانا
وقال الأخيطل المخزومي:
بيضاءُ ألبستِ الأديمَ أديمَ ال ... حسنِ فهو لجلدها جِلْدُ
فالوجهُ مثل الصّبحِ مُبْيضّ ... والفرعُ مثل اللَّيل مُسْودُّ
ضِدّان لما استُجْمعا حَسُنا ... والضِدّ يُظهر فضلَه الضِدُّ
ولها بنان لو أردتَ لها ... عقداً بكفّك أمكنَ العقْدُ
وكأنها وسْنى إذا نظرت ... أوْ مُدنف لمّا يُفِقْ بعْدُ
بفُتور عين ما بها رمَد ... وبها تُداوى الأعينُ الرُّمْدُ
فقعودُها مَثْنى إذا قعدت ... عن وَنْيةٍ وقيامُها فَرْدُ
هلْ عندَكم لمُتيّمٍ فَرجٌ ... أوْ لم يكنْ فليَحْسُن الردُّ
إن لم يكنْ وصلٌ لديكَ لنا ... يشفي الصبابةَ فليكنْ وعْدُ
قد كانَ أورقَ وصلكُمْ زمناً ... فَذوى الوصالُ وأينعَ الصَّدُّ
لله أشواقي إذا نزحَتْ ... دارٌ بنا ونأى بكَ البُعْدُ
إن تُتْهِمي فَتِهامةٌ وطني ... أوْ تُنْجدي يكنِ الهَوَى نَجْدُ
وقال آخر:
ليتَ الديارَ الَّتي تبقى لتَحزُننا ... كانت تَبين إذا ما أهلُها بانوا
يَنأونَ عنّا ولا تنأى محبَّتُهم ... فالقلبُ فيهم رهينٌ حيثُ ما كانوا
أنشدني أبو الحسن الإيلاقي:
وحوراء المدامعِ من أبان ... كأنَّ حديثَها ثمرُ الجنانِ
إذا قامَتْ لسبحتها تثنّتْ ... كأنّ عِظامَها من خيزُران
من السُّمْر اللِّدان إذا اسبكرَّت ... وموتُ النَّفس في السمر اللدان
شبيهات الرِّماحِ قنا متونٍ ... ووَخْزاً في القلوب بلا سِنانِ
وأنشدني أبو الحسن القوّال:
وبِتْنا علَى رغم الحَسود وبيننا ... حديثٌ كماءِ المُزْنِ شيبَتْ به الخَمْرُ
حديثٌ لَوَ انَّ الميتَ نودي ببعضه ... لأصبحَ حيّاً بعدَ ما ضمّه القبرُ
فوسَّدتُه كفّي وبِتُّ ضجيعَه ... وقلت لليلي طُلْ فقد رقد البدرُ
فلمّا أضاء الصّبحُ فرّق بيننا ... وأيُّ نعيمٍ لا يكدّره الدَّهرُ
وقال آخر:
شبيهُكَ بدرٌ في السّماءِ محلُّهُ ... فكنتُ إذا ما غبتَ آنسُ بالبدْرِ
فغطّتْ علَى بدرِ السَّماءِ غمامةٌ ... فصارَ عليَّ الغيمُ أيضاً مع الدَّهر
وقال آخر:
شكوتُ إلى بدرٍ هوايَ فقال لي ... ألستَ ترى بدرَ السّماءِ الَّذي يَسْري
فقلتُ بلى قال التمسهُ فإنّه ... نظيري وشكلي في علايَ وفي قدري
فإن نِلْتَه فاعلمْ بأنّكَ نائلي ... وإن لم تنلْه فابغِ أمراً سوى أمري
فكانَ كلا البدرين صعباً مرامُه ... ليَ الويلُ من بدرِ السّماءِ ومن بدري
قرأت في كتاب وقْصِ الموتى، لرجل من بني عذرة:
يا ليتها أصبحتْ خمراً وكنتُ لها ... ماءً نميراً ونحنُ الدَّهرَ في كاسِ
أوْ ليتنا طائرا جوٍّ بمهمهةٍ ... نخلو جميعاً ولا نأوي إلى النَّاسِ
لو حُزَّ بالسيفِ رأسي في مودّتها ... لمالَ يهوي سريعاً نحوها راسي
أنشدني الوكيعي علي بن محمد لابن كيغلغ:
أنزلني منزلَ العبيدِ ... من قلبه صيغَ من حديدِ
ونَمَّ دمعي بما أُلاقي ... من أسَفٍ دائمِ المزيدِ
وكيفَ يخْفي الهَوَى مُحبٌّ ... ودمعُه صاحبُ البريدِ
وقال آخر:
يا نازِحَ الدارِ عن بلادي ... سَقْياً لأيامِكَ المَواضي
إذْ أنا للجارِ غيرُ قالٍ ... وعن صُروفِ الزّمانِ راضي
كأنَّ آثارَها علينا ... مَواقعُ الماءِ في الرياضِ
وقال نصر بن أحمد العتكي الخبزارزي:
كلُّ الهَوَى صعْبٌ ولكنّني ... بُليتُ بالأصعبِ من أصعبهْ
أذابني الحبّ فلو زُجّ بي ... في ناظر النَّائم لم ينتبِهْ
وكان لي قبل الهَوَى خاتَمٌ ... فالآنَ لو شئتُ تمنطقتُ به
وزارني طيفُك حتَّى إذا ... أرادَ أنْ يمضي تعلقتُ به
يا منْ إذا أقبلَ قال الوَرَى ... هذا أميرُ الحُسْنِ في موكبه
عبدُك لا تسألُ عن حاله ... حَلّ بأعْدائك ما حلَّ بهْ
وقال آخر:
يا صاحِ ما طلعَتْ شمسٌ ولا غربَتْ ... إلاَّ وأنتَ مُنى قلبي ووَسْواسي
ولا تنفستُ محزوناً ولا فَرِحاً ... إلاَّ وذكركَ مقرونٌ بأنفاسي
ولا هممتُ بشربِ الماءِ من عطش ... إلاَّ رأيتُ خيالاً منك في الكاسِ
ولا جلستُ إلى قومٍ أُحدّثهُم ... إلاَّ وأنتَ حديثي بين جُلاّسي
وقال العبَّاس بن الأحنف:
قالت مرضْتُ فعدتُها فتبرمَتْ ... وهي الصحيحةُ والمريضُ العائدُ
والله لو أنَّ القلوبَ كقلبِها ... ما رقَّ للولدِ الضعيفِ الوالِدُ
وقال آخر:
مرضَ الحبيبُ فعُدْته ... فمرضْتُ من حذَري عليه
فَبرا الحبيبُ فعادَني ... فبرأتُ من نظري إليه
آخر:
ألا تلكَ عَزّةُ قد أعرضَتْ ... تُقلِّبُ دونك طرفاً غَضيضا
تقول مرضْتُ فلا عُدْتَني ... وكيف يعودُ مريض مَريضا
وقال الأعشى:
كأنَّ مِشْيَتها من بيتِ جارتها ... مَرُّ السحابةِ لا رَيثٌ ولا عَجلُ
ما روضةٌ من رياض الحزنِ مُعْشبةٌ ... خضراءُ جاد عليها مسبِلٌ هَطِلُ
يُضاحك الشَّمْس منها كوكبٌ شرقٌ ... مُؤزّرٌ بعَميم النبتِ مكتهِلُ
يوماً بأطيبَ منها نشر رائحةٍ ... ولا بأحسنَ منها إذْ دَنا الأصُلُ
عُلقتها عَرضاً وعُلقَتْ رجلاً ... غيري وعُلِّقَ أخرى غيرَها الرجلُ
وقال أيضاً:
لو أسندَتْ مَيْتاً إلى نحرها ... عاشَ ولم يُنْقَلْ إلى قابر
حتَّى يقولَ النَّاسُ ممّا رأوا ... يا عجباً للميّتِ الناشر
وقال أيضاً:
وتبردُ بردَ رِداء العَرو ... سِ بالصيف رقرقتَ فيه العَبيرا
وتَسخُن ليلةَ لا يستطيعُ ... نُباحاً بها الكلبُ إلاَّ هَريرا
وقال آخر:
تَجنَّى علينا آلُ مكتومةَ الذَّنْبا ... وكانوا لنا سِلماً فصاروا لنا حرْبا
وأفشوا لنا في الحيِّ أقبحَ قِصّة ... وما أنكروا إلاَّ الرسائلَ والكُتْبا
ولو أنَّها للمشركينَ تعرّضت ... إذنْ لا دعوها دونَ أصنامهم رَبّا
ولو غمسَتْ في البحر والماء مالحٌ ... لأصبحَ ماءُ البحرِ من جلدها عَذْبا
وقال ديك الجن:
قامَتْ مذكرةً وقامَ مؤنّثاً ... فَتناهَبا الأرواحَ باللحظينِ
أُصبُبْ علينا الراحَ إنّ هلالَنا ... قد صبَّ نقمتَه علَى الثقلين
وقال آخر:
ولمّا رأينا البينَ قد جدّ جِدّه ... ولم يكُ من أهلِ الصّفاء رُكودُ
وقفنا فأمطرنا دموعاً سماؤُنا ... جُفونُ عيونٍ والبِقاعُ خُدودُ
وقالت أم حِمارٍ الهمدانية:
طافَ الهَوَى بعبادِ الله كُلِّهم ... حتَّى إذا مرَّ بي من بينهم وقَفا
إنِّي لأعجَبُ من قلبٍ يُحبّكم ... ولا يرى منكمُ بِرّاً ولا لَطَفا
وقال ذيّالٌ اليهودي من أهل تيماء:
نِعْمَ ضجيعُ الفَتَى إذا بردَ ال ... ليلُ سُحَيْراً وقَفْقفَ الصَّرَدُ
زيّنَها الله في القلوبِ كما ... زُيّنَ في عينِ والدٍ ولَدُ
وقال أبو السّنور:
وليس يَطيبُ الراحُ حتَّى يُديرها ... غزالٌ كحيلُ الناظرين مُحبَّبُ
مَليحٌ علَى حُسنِ القَوام مُقَرْطقٌ ... فإن شئتَ ندمانٌ وإن شئتَ مركبُ
لأبي بكر بن داود الأصفهاني:
هممتَ بفرقةٍ والموتُ فيها ... كأنك حَتْفَ نفسك تَسْتثيرُ
فلا تَجْسُرْ علَى أمرٍ قَويّ ... عليك فربّما هلكَ الجَسورُ
وقال الحسين بن أسد العامري:
يا مُمرضي بجفونِ عينكَ داوِني ... بعقيقتينِ علَى سِماطِ ثُغورِ
إن لم تَزُرْني اليومَ مُتّ بغُصّتي ... فاحضُرْ غداً لجنازة المقبورِ
وقال آخر:
أضعتَ وُدّي وخنتَ عهدي ... صنعتَ بي أقبحَ الصنيعِ
يا منْ تأسّى ببخلِ نومي ... تعلم الجودَ من دُموعي
وقال آخر في الوداع:
إنّي لأُكثِرُ من أهلِ الهَوَى عجباً ... أنَّى يُطيقونَ للتوديع مدَّ يَدِ
لم لا يكونونَ مثلي يومَ بينهمُ ... يدٌ علَى القلب والأُخرى علَى الكبدِ
وقال آخر:
صَدّني عن حلاوة التَّشْييعِ ... اجتنابي مرارةَ التوديعِ
لم يَقُمْ أنس ذا بوحشةِ هذا ... فرأيتُ الصّوابَ تركَ الجميعِ
يا صاحِ ما طلعَتْ شمسٌ ولا غربَتْ ... إلاَّ وأنتَ مُنى قلبي ووَسْواسي
ولا تنفستُ محزوناً ولا فَرِحاً ... إلاَّ وذكركَ مقرونٌ بأنفاسي
ولا هممتُ بشربِ الماءِ من عطش ... إلاَّ رأيتُ خيالاً منك في الكاسِ
ولا جلستُ إلى قومٍ أُحدّثهُم ... إلاَّ وأنتَ حديثي بين جُلاّسي
وقال العبَّاس بن الأحنف:
قالت مرضْتُ فعدتُها فتبرمَتْ ... وهي الصحيحةُ والمريضُ العائدُ
والله لو أنَّ القلوبَ كقلبِها ... ما رقَّ للولدِ الضعيفِ الوالِدُ
وقال آخر:
مرضَ الحبيبُ فعُدْته ... فمرضْتُ من حذَري عليه
فَبرا الحبيبُ فعادَني ... فبرأتُ من نظري إليه
آخر:
ألا تلكَ عَزّةُ قد أعرضَتْ ... تُقلِّبُ دونك طرفاً غَضيضا
تقول مرضْتُ فلا عُدْتَني ... وكيف يعودُ مريض مَريضا
وقال الأعشى:
كأنَّ مِشْيَتها من بيتِ جارتها ... مَرُّ السحابةِ لا رَيثٌ ولا عَجلُ
ما روضةٌ من رياض الحزنِ مُعْشبةٌ ... خضراءُ جاد عليها مسبِلٌ هَطِلُ
يُضاحك الشَّمْس منها كوكبٌ شرقٌ ... مُؤزّرٌ بعَميم النبتِ مكتهِلُ
يوماً بأطيبَ منها نشر رائحةٍ ... ولا بأحسنَ منها إذْ دَنا الأصُلُ
عُلقتها عَرضاً وعُلقَتْ رجلاً ... غيري وعُلِّقَ أخرى غيرَها الرجلُ
وقال أيضاً:
لو أسندَتْ مَيْتاً إلى نحرها ... عاشَ ولم يُنْقَلْ إلى قابر
حتَّى يقولَ النَّاسُ ممّا رأوا ... يا عجباً للميّتِ الناشر
وقال أيضاً:
وتبردُ بردَ رِداء العَرو ... سِ بالصيف رقرقتَ فيه العَبيرا
وتَسخُن ليلةَ لا يستطيعُ ... نُباحاً بها الكلبُ إلاَّ هَريرا
وقال آخر:
تَجنَّى علينا آلُ مكتومةَ الذَّنْبا ... وكانوا لنا سِلماً فصاروا لنا حرْبا
وأفشوا لنا في الحيِّ أقبحَ قِصّة ... وما أنكروا إلاَّ الرسائلَ والكُتْبا
ولو أنَّها للمشركينَ تعرّضت ... إذنْ لا دعوها دونَ أصنامهم رَبّا
ولو غمسَتْ في البحر والماء مالحٌ ... لأصبحَ ماءُ البحرِ من جلدها عَذْبا
وقال ديك الجن:
قامَتْ مذكرةً وقامَ مؤنّثاً ... فَتناهَبا الأرواحَ باللحظينِ
أُصبُبْ علينا الراحَ إنّ هلالَنا ... قد صبَّ نقمتَه علَى الثقلين
وقال آخر:
ولمّا رأينا البينَ قد جدّ جِدّه ... ولم يكُ من أهلِ الصّفاء رُكودُ
وقفنا فأمطرنا دموعاً سماؤُنا ... جُفونُ عيونٍ والبِقاعُ خُدودُ
وقالت أم حِمارٍ الهمدانية:
طافَ الهَوَى بعبادِ الله كُلِّهم ... حتَّى إذا مرَّ بي من بينهم وقَفا
إنِّي لأعجَبُ من قلبٍ يُحبّكم ... ولا يرى منكمُ بِرّاً ولا لَطَفا
وقال ذيّالٌ اليهودي من أهل تيماء:
نِعْمَ ضجيعُ الفَتَى إذا بردَ ال ... ليلُ سُحَيْراً وقَفْقفَ الصَّرَدُ
زيّنَها الله في القلوبِ كما ... زُيّنَ في عينِ والدٍ ولَدُ
وقال أبو السّنور:
وليس يَطيبُ الراحُ حتَّى يُديرها ... غزالٌ كحيلُ الناظرين مُحبَّبُ
مَليحٌ علَى حُسنِ القَوام مُقَرْطقٌ ... فإن شئتَ ندمانٌ وإن شئتَ مركبُ
لأبي بكر بن داود الأصفهاني:
هممتَ بفرقةٍ والموتُ فيها ... كأنك حَتْفَ نفسك تَسْتثيرُ
فلا تَجْسُرْ علَى أمرٍ قَويّ ... عليك فربّما هلكَ الجَسورُ
وقال الحسين بن أسد العامري:
يا مُمرضي بجفونِ عينكَ داوِني ... بعقيقتينِ علَى سِماطِ ثُغورِ
إن لم تَزُرْني اليومَ مُتّ بغُصّتي ... فاحضُرْ غداً لجنازة المقبورِ
وقال آخر:
أضعتَ وُدّي وخنتَ عهدي ... صنعتَ بي أقبحَ الصنيعِ
يا منْ تأسّى ببخلِ نومي ... تعلم الجودَ من دُموعي
وقال آخر في الوداع:
إنّي لأُكثِرُ من أهلِ الهَوَى عجباً ... أنَّى يُطيقونَ للتوديع مدَّ يَدِ
لم لا يكونونَ مثلي يومَ بينهمُ ... يدٌ علَى القلب والأُخرى علَى الكبدِ
وقال آخر:
صَدّني عن حلاوة التَّشْييعِ ... اجتنابي مرارةَ التوديعِ
لم يَقُمْ أنس ذا بوحشةِ هذا ... فرأيتُ الصّوابَ تركَ الجميعِ
أنشدني الفقيه أبو عبد الرحمن النيلي لنفسه:
إذا رأيتَ الوداعَ فاص ... بِرْ ولا يهُمّنّك البِعادُ
وانتظرِ العَوْدَ عن قريبٍ ... فإنَّ قلبَ الوداعِ عادوا
وله:
أشفقتُ لمّا حلَّ أصداغُه ... ساحةَ خَدٍّ جَمْرهُ مُحرقُ
فانقلبتْ أصداغُه كلّها ... سالمةً واحترقَ المُشفقُ
وقال كثيّر بن عبد الرحمن:
يُكلِّفُها الخنزيرُ شتمي وما بها ... هواني ولكنْ للمليكِ استذلَّتِ
هنيئاً مريئاً غيرَ داءٍ مُخامر ... لعَزّةَ من أعراضنا ما استحلّتِ
فوالله ما قاربتُ إلاَّ تباعدتْ ... بصرْمٍ ولا أكثرتُ إلاَّ أقلّتِ
وإنّي وتَهْيامي بعزّةَ بعدَ ما ... تخلّيتُ ممّا بيننا وتخلّتِ
لكالمرتجي ظلَّ الغمامة كلّما ... تَبوّأ منها للمقيل اضْمَحلّتِ
وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
ألا ليتَ أنّي يومَ تُدعى جِنازتي ... أشمُّ الَّذي ما بين عينيكِ والفَمِ
وليتَ طَهوري كان ريقَكِ كلَّه ... وليتَ حَنوطي من مُشاشك والدمِ
وليتَك من بعدِ المماتِ ضَجيعتي ... هُنا وهُنا في جنّةٍ أوْ جَهنّمِ
وقال مجنون بني عامر:
ولقدْ هممَتُ بقتلِها من أجلها ... كيْما تكونَ خصيمتي في المحْشَرِ
حتَّى يطولَ علَى الصراط وقوفُنا ... فتلَذّ منها مُقْلتايَ بمنظَرِ
ثمَّ ارتجعتُ فقلتُ روحي روحُها ... لمّا همَمْتُ بقتلِها لم أقْدرِ
وقال عبد الرحمن بن حسان:
قد كنتُ أعذلُ في السفاهةِ أهلَها ... فاعجَبْ لما تأتي به الأيّامُ
فاليوم أعذرُهم وأعلَمُ إنَّما ... سُبلُ الغواية والهُدى أقسامُ
وقال آخر:
يا موقدَ النّار يُذكيها ويُخمدها ... قُرُّ الشّتاء بأرواحٍ وأمطارِ
قُمْ فاصطَلِ النَّارَ من كبدي مُضرّمةً ... للشوق تَغْنَ بها يا موقِدَ النَّارِ
ويا أخا الذَّوْد قد طال الظماء به ... لم يدرِ ما الرِّيّ من جَدْب وإقتارِ
ردّ العطاش علَى عيني ومحجرها ... ترو العطاش بدمع واكف جارِ
يا مدمعَ العينِ إنْ جدّ الرحيلُ فلا ... كانَ الرحيلُ فإني غيرُ صبّارِ
وقال آخر:
استر هواكَ من الَّذي تهوى ... لا تُفْضينّ إليه بالشكوى
فلرُبَّ مُمْتنعٍ علَى طلب ... خلّيتُه فانقادَ لي عفَوا
جُبِلوا علَى إكرام مبغِضهم ... وعلى التهاوُنِ بالذي يَهْوى
آخر:
غلامٌ كان مطروحاً لدينا ... كطرحة ف.... حين.... جي
فلما قيل معشوقٌ تعالى ... علوَّ النجمِ في فَلك البُروجِ
ولو جملُ السقاية لَقّبوه ... بمعشوق لحذّف باذروجي
أنشدني أبو العبَّاس بن اللحام، قال: أنشدني والدي علي بن الحسين لنفسه:
بكرَ الربيعُ وذو الهَوَى لا يُعْذَر ... ما لم يكنْ للَّهوِ فيه مبكرُ
فاطوِ الظلامَ بضوءِ كأسكَ واسْقني ... عذراءَ قَصّر عن سِنيها قيصَرُ
خلتِ السنون بروحها حتَّى صفَتْ ... فكأنها في الكأسِ شمسٌ تَزْهرُ
كم موردٍ للحُسْنِ فيه ومنهلٍ ... إن عبَّ لهوك فيه عزّ المصدَرُ
يُلهيك عن ورد الخدودِ بوَرْده ... وكأنَّ نرجِسَه عيونٌ تنظرُ
من كلّ شاخصةِ الجفونِ كأنها ... والشَّمْسُ طالعة ظباءٌ تُذْعَرُ
وكأن نَوْرَ الأُقحوانِ تبسُّماً ... فيه ثُغورُ خرائدٍ ما تُثْغرُ
ومُداهن من نار آذريونَها ... يذكو قرارتهنّ مسكٌ أذفَرُ
وكأنما زهرُ البنفسج فوقَها ... المرجانُ والمنثورُ دُرّ يُنْثَرُ
وقال أبو أحمد منصور بن أبي منصور قاضي هَراة:
الله جارُ عصابةٍ رَحلوا ... ساروا وقلبُ الصبِّ عندهمُ
ما الشأنُ عندي في رحيلهمُ ... الشَّأنُ كيفَ بقيتُ بعدهُمُ
وقال آخر:
لا تُظهِرَنَّ محبَّةً لحبيبِ ... فترَى بعينكَ منه كلَّ عجيبِ
أظهرتُ يوماً للحبيبِ مودَّتي ... فأخذتُ من هجرانِهِ بنَصيبِ
وقال آخر:
تَفانيتُ حتَّى كِدتُ أخفَى من القَضَا ... ويَعمَى مَجَسِّي عن عيونِ حِمَامي
ولو أنَّ أحداثَ الزَّمانِ طلبْنَنِي ... بخير وشرّ ما عَرفنَ مقامِي
آخر:
ضَنِيتُ فلو أُدخِلتُ في حلقِ بقَّةٍ ... خَريفيَّةٍ من دِقاًتي لم تَغَصَّ بِي
للمتنبي:
ولو قَلَم أُدخلتُ في شَقّ رأسِهِ ... من السُّقمِ ما غَيّرت من خطِّ كاتِبِ
وقال آخر:
ومُنَعَّمٍ كالغصنِ ذي مَيَل ... جَمّشتُهُ فاحمرَّ من خَجَل
لمَّا شممت الخمرَ من فمِه ... وفَّيتُهُ حَدّاً من القُبَل
وقال وضَّاح اليمن:
قالتْ ألا تَلِجَنْ دارَنَا ... إنَّ أبانَا رجلٌ غائرُ
أما رأيتَ القصرَ مِن دوننا ... فقلتُ إنِّي فوقَهُ ظاهرُ
قالتْ فإنَّ اللَّيثَ غادٍ به ... فقلتُ سيفي صارمٌ باترُ
قالتْ فإنَّ البحرَ قدَّامَنَا ... قلتُ فإنِّي سابحٌ ماهرُ
قالتْ أليسَ الله من فوقنا ... قلتُ بلَى وهو لَنَا غافرُ
قالتْ فأمَّا حينَ أعييتنا ... فأْتِ إذا ما هجَعَ السَّامرُ
فاسقُطْ علينا كسُقوطِ النَّدَى ... ليلةَ لا ناهٍ ولا آمرُ
وقال آخر:
فأسبَلَتْ لُؤلؤاً من نرجسٍ وسَقَتْ ... ورداً وعضَّتْ علَى العُنَّابِ بالبَرَدِ
آخر:
خَريدَةٌ لو رأتْها الشَّمْسُ ما طلعَتْ ... من بعدِ رؤيتِها يوماً علَى أَحَدِ
وقال آخر:
بَيني وبينَ الدَّهْرِ فيكَ عِتابُ ... سيطُولُ إنْ لمْ يَمْحُهُ الإعتابُ
يا غائباً بوِصالِهِ ومَزَارِهِ ... هلْ يُرتَجَى من غيبتيكَ إيَابُ
لولا التَّعلُّلُ بالمُنَى لتَقَطَّعتْ ... نفسٌ عليكَ شِعارُهَا الأوصابُ
لا يأسَ من روحِ الإلهِ فربَّما ... يصِلُ القطوعُ ويَقدم الغيَّابُ
وقال أبو القاسم المهراني الزوزني:
بَلائِي منكَ يَا مَوْلا ... يَ في خَطَّينِ من مسْكِ
كليلٍ تحتَهُ صُبْحٌ ... تَلاشَى فيهما نُسْكي
وقال آخر:
لِي إلى الريح حاجةٌ لو قَضَتْها ... كنتُ للرِّيحِ ما حَيِيتُ غُلامَا
حَجَبوها عنِ الرِّياحِ لأنِّي ... قلتُ للرِّيحِ بلِّغيها سَلامَا
لو رَضُوا بالحِجابِ هانَ ولكنْ ... مَنَعُوها يومَ الرِّياحِ الكلامَا
فَتَثَنَّيتُ ثمَّ قلتُ لِطَيْفِي ... ويكَ لو زُرْتَ طيفَهَا إلمامَا
خصّها بالسَّلام سرّاً وإلاَّ ... مَنَعوها لشقوَتي أنْ تَنَامَا
ولأبي القاسم الزوزني:
أعطِنِي تَذكرةً خاتَماً ... اسمُكَ مكتُوبٌ علَى فَصِّهِ
مَا روَّعَتْني زَفَراتُ الهَوَى ... إلاَّ تَرَوَّحتُ إلى مَصِّهِ
وقال أبو علي الطلقي، وقد كتب بها إلى أبي القاسم الزوزني هذا مع غلام أهداه له:
قدْ وَهَبْنا غزالَنَا المَوْموقا ... لكَ إذْ كنتَ للغزالِ حَقِيقَا
وأَفَقْنا عن الصَّبابةِ واللَّهْ ... وِ وما كانَ عزمُنَا أنْ نُفِيقَا
هاكَ خذه إليكَ بَدراً مُنيراً ... وغزالاً أحوَى وغُصناً أَنيقَا
أبداً يَستفيدُ من وجهِهِ النَّا ... ظرُ معنًى من الجمالِ دَقيقَا
وقال آخر:
مَن عاشَ في الدُّنيا بغير حَبيب ... فحياتُهُ فيها حياةُ غَريبِ
أوَ مَا تَرَى الطَّيرينِ كيفَ تَزَاوَجَا ... من غيرِ خاطبةٍ وغيرِ خطيبِ
وأنشدني لطف الله بن أحمد الهاشمي لنفسه:
قالتْ سَلاَ وُدُّنا وحالَ ولمْ ... أسْلُ فَتَجْزِي به ولمْ أحُلِ
عندكِ قلبِي فقلِّبيهِ فإنْ ... وجدتِ فيه سواكِ فانتَقِلِي
وقال أبو بكر الخوارزمي:
يَفُلُّ غداً جيشُ النَّوَى عسكرَ البَقَا ... فرأيُكَ في سَحّ الدُّموعِ مُوَفَّقَا
وخُذْ حجَّتِي في تركِ جيبِي سالماً ... وقلبِي ومِن حَقَّيهما أنْ يُشَققَا
يَدي ضَعُفَتْ عنْ أنْ تمزقَ جَيْبَهَا ... ولم يكُ قَلبي حاضراً فَيُمزَّقا
وقال غيره في الغيرة:
إنِّي لأحسُدُ ناظريَّ عليكَا ... حتَّى أغُضَّ إذا نظرتُ إليكَا
وأراكَ تخطُرُ في شَمائلكَ الَّتي ... هي حَسرتِي فأغارُ منكَ عليكَا
ولوِ استطعتُ جرحتُ لفظَك عامداً ... إنِّي أراهُ مُقبِّلاً شَفتيكا
خلَصَ الهَوَى لكَ واصطفتْكَ مودَّتي ... وغدوت من حبَّيك طوع يديكا
من فرطِ إشفاقِي ورقَّة غيرتي ... إنِّي أغارُ عليكَ مِنْ مَلَكَيْكا
وقال أبو سهل النيلي:
قُولا لمُنَى قلبيَ إسماعيلا ... أنعِمْ بِنَعَمْ أطلتَ إسماعيلا
شعَّلتَ حَشَايَ بالهَوَى تَشْعيلا ... أدرِكْ رَمَقي فإنَّ صبرِي عِيلا
وقال المؤمّل بن أميل:
لسْنا بسَالينَ إن سَلَوا أبداً ... عنهمْ ولا هاجرينَ إنْ هَجَروا
نحنُ إذاً في الجَفَاءِ مثلهُمُ ... إذا غدرْنا بهم كَما غَدَروا
إنْ يهجرُونا فطالَمَا وَصَلوا ... وإنْ يَغيبُوا فطالَمَا حَضَروا
وقال آخر:
أنت كدَّرتَ يا حياتي حياتي ... أنت أقررت بي عيونَ العداةِ
يا قضيباً يهتزُّ بين رياض ... وغزالاً يجولُ في الفلواتِ
أنت أحلَى من الأمانِ لجان ... ومن النَّوم وقت كلّ صلاةِ
ليسَ بِي أن أموت وجداً ولكنْ ... حذراً من شماتِ أهل الشّماتِ
ويروى للمهدي أمير المؤمنين:
أمَا يكفيكِ أنَّكِ تملكيني ... وأنَّ النَّاس كلّهم عَبيدي
وأنَّك لو قطعت يدي ورجلي ... لقلت من الرّضا أحسنت زيدي
أرَى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيلَ إلى الورودِ
ورودي حوض مائك فاعلميه ... أحبُّ إليَّ من نيلِ الخلودِ
غداً ينأَى الأحبَّةُ غير شكّ ... فأبد مقالة الرَّجل الجليدِ
ستضحي بعدَ بينهم وحيداً ... غداً والله جارك من وحيدِ
وقال سحيم الحبشي عبد بني الحسحاس:
فما بيضةٌ باتَ الظَّليمُ يحفُّها ... ويرفعُ عنها جؤجؤاً مُتجافِيا
ويُلبسُها من الصَّقيع جناحَهُ ... ويبدي لها وَحْفاً من الزِّفِّ وافِيا
بأحسنَ منها يومَ قالتْ أرائحٌ ... مع الرَّكبِ أمْ ثاوٍ لَدَينا ليالِيا
ألا نادِ في آثارهنَّ الغَوانيا ... تساقينَ سمّاً ما لهنَّ وما لِيا
وراهُنَّ ربِّي مثلَ ما قد وَرَيْنني ... وأحمَى على أكبادهنَّ المكاوِيا
تعاوَرْنَ مِسواكِي وأبقينَ مُذْهَبَا ... من الحليِ في صُغْرَى بنانِ شمالِيَا
فلو كنتُ ورداً لونُه لعَشِقْنَني ... ولكنَّ ربِّي شانَني بسوادِيا
رأتْ قَتَباً رثّاً وأخلاقَ شَمْلَةٍ ... وأشعثَ ممَّا يملكُ النَّاسُ عارِيا
وقال آخر:
يا قمراً غابَ عن عِيانِي ... قلْ لِي حبيبي مَتَى الطُّلوعُ
غِبْتَ وما غبتَ عن فُؤادي ... يا ليتَ شِعري مَتَى الرُّجوعُ
لو أنبَتَ العشبَ دمعُ عينٍ ... لكانَ في خَدّي الرَّبيعُ
آخر:
إنْ أنتَ لم تقدِرْ علَى نقدِ الجُمَلْ ... فليسَ للحُبِّ معَ الفقرِ عَمَلْ
وقال القاضي التنوخي:
أعشَقُ لا عشقتُ أخا نُحولٍ ... فَغيري صاحبُ الخلْقِ الظَّريفِ
إذا لمَسَتْهُ كَفِّي لم تلامسْ ... سِوَى جِلدٍ علَى بَدَنٍ نحيفِ
آخر:
قالُوا عشقتَ عظيمَ الجِسمِ قلتُ لهم ... الشَّمسُ أعظَمُ جسمٍ حازَهُ الفلَكُ
وقال آخر في ضدّه:
شرْطِي البياضُ فلا أبغِي بِهِ بدلاً ... ممَّن أَرَى قدَّه كالغصنِ مجْدولا
لا أعشَقُ الأسمرَ المقبوحَ من سِمَن ... لكنَّني أعشَقُ البِيضَ المَهازِيلا
وقال آخر:
بَدَتْ فبَدَا لنا قمرٌ ... بَها واللَّيلُ مُعتَكِرُ
فقالتْ ما دَهَاكَ أبِنْ ... فقلتُ دَهَانيَ النَّظرُ
سَلِي أجْفانَكِ المرضَى ... وعندَ جُهَينَةَ الخبرُ
وقال آخر:
أصبُو إلى فِئة نادمتُهم زَمَناً ... مثلَ الشَّياطينِ في زِيِّ الشَّياطينِ
مَشَوا إلى الرَّاحِ مشيَ الرُّخِّ وانصرفُوا ... والرَّاحُ تمشي بهم مشيَ الفَرازينِ
وقال الحسن بن هانئ في أدب الشّرب:
ولستُ بقائلٍ لنديمِ صدقٍ ... وقد أخَذَ الشَّرابُ بوجنتَيْهِ
تَنَاولْها وإلاَّ لمْ أذُقْها ... ليشربَهَا وإنْ ثقُلتْ عليهِ
ولكنِّي أصدُّ الكأسَ عنهُ ... وأصرِفُها بغمزَةِ حاجبيهِ
وإنْ ثنَّى الوِسادَ لنومِ سُكْرٍ ... دَفعتُ وِسادَتي أيضاً إليهِ
وقال آخر في نحوه:
قلْ للأميرِ أدامَ اللهُ مدَّتهُ ... والحقُّ أفضلُ من تنحُوهُ من نَحْوِ
إنَّ الشَّرابَ له رسمٌ سمعتَ بِهِ ... أنْ لا يُعادَ حديثُ السُّكْرِ في الصَّحْوِ
وقال آخر:
مشرقُ الوجهِ أضاءَ الغَلَسا ... كادَ لا يُبقي لنفسِي نَفَسَا
لبسَ الصّوفَ لكيْ أنكِرهُ ... وبَدَا لي شاحباً قدْ عَبَسا
قلتُ أهلاً وقد عَرفناكَ وَذَا ... جُلُّ سُوءٍ لا يَشين الفَرَسا
كلُّ ثوبٍ أنتَ فيه حَسَنٌ ... لا يُبالي حَسَنٌ ما لبِسَا
آخر:
لا تَعجَبُوا من بِلَى غِلالتِهِ ... إذْ زُرَّ كَتَّانهُ علَى القَمَرِ
وقال مروان بن أبي حفصة:
إنَّ الغَوانِي طالَمَا قَتَّلنَنَا ... بعُيُونهنَّ وما وَديْنَ قَتيلا
أردينَ عروةَ والمرقّشَ قبلَهُ ... وكثيِّراً قتلنَهُ وجَميلا
إنْ لم أكُنْ ممَّن قتلنَ فإنَّني ... ممَّن تركنَ فؤادَهُ مَتْبولا
وقال أبو أحمد اليمامي:
ما ذاقَ مُرَّ الموتِ قبل مَذاقِهِ ... إلاَّ محبٌّ غابَ عنهُ حبيبُ
النَّارُ في أحشائِهِ مَشْبوبَةٌ ... والدَّمعُ في أجفانِهِ مسكوبُ
ضِدَّانِ مختلِفانِ يَعْتَوِرانه ... ليَتِمَّ في الدُّنيا له التَّعذيبُ
وقال ابن المعتزّ:
أقولُ لصحبٍ ضمَّتِ الكأسُ شملهمْ ... وداعِي صَباباتِ الهَوَى يترنَّمُ
خُذوا بنصيبٍ من نعيمٍ ولذَّةٍ ... فكلٌّ وإنْ طالَ المَدَى يتصرَّمُ
ألا إنَّ أهنا العيشِ ما سامحتْ بِهِ ... صُروفُ اللَّيالي والحوادثُ نُوَّمُ
آخر:
أقولُ للقلبِ وعاتَبْتُهُ ... علَى التَّصابي مِئَتَيْ مرَّهْ
يا قلبِ دعْ عنكَ طِلابَ الهَوَى ... ما كلُّ يومٍ تسلَمُ الجرَّهْ
وقال نصيب:
إنْ تسألُوا عن قِصَّتِي فأنا الَّذي ... لعِبَ السّقامُ بمُهْجَتي فأعَلَّها
قالُوا يسرُّكَ أنْ تزُورَكَ في الكَرَى ... وتَبِينُ نفسُك عنكَ قلتُ ومَنْ لها
أنشدني سليمان بن رحمة بن غانم الأسدي:
ولمَّا تلاقَيْنا جرتْ من عيونِنَا ... دُموعٌ كَفَفْنا غربَهَا بالأصابِعِ
ونِلْنا سِقاطاً من حديثٍ كأنَّها ... جَنَى النَّحلِ ممزوجاً بماءِ الوقائِعِ
أنشدني قاضي سجستان:
ملكتَ روحِي فأنتَ تُتْلِفها ... حكمُك في قبضِ مُهجَتِي ماضِ
والخصمُ لا تُرتَجَى النَّجاةُ لهُ ... يوماً إذا كانَ خصمُهُ القاضِي
وقال أبو العبَّاس الأشعث الزوزني:
يا مَن حَمَى عيني الكَرَى وينامُ ... قَتْلِي بلا جرمٍ عليكَ حرامُ
شيَّبتَ رأسِي قبل حينِ مَشيبِهِ ... ومِن العجائبِ أن يَشيبَ غلامُ
وقال آخر:
يا هلالاً يدورُ في فلكِ النَّا ... وَرْدِ رفقاً بأعيُنِ النَّظَّارَهْ
قِف لنا في الطَّريقِ إنْ لم تزُرْنا ... وقفةٌ في الطَّريقِ نصفُ زِيارَهْ
وقال أبو الفضل بن العميد:
قدْ سَبَاني ابنُ مجوس ... يٍّ بطرفٍ واحْوِرارِهْ
وجهُهُ قبلَةُ وَجهي ... وفُؤادِي بيتُ نارِهْ
آخر:
مُتَهَوِّدٌ صبَغَ الهَوَى لَوني لَهُ ... وأذابَ قلبي في الهَوَى تَذكارُهُ
فكأنَّني من صُفرتِي عَسَليُّهُ ... وكأنَّني من دقَّتي زِنَّارُهُ
فإذا جَحَدْتُ هواهُ أوْ أنكرتُهُ ... شَهدتْ عليَّ من الهَوَى آثارُهُ
وقال بعض القضاة في نصرانيّ:
لولا الحياءُ وأنَّني مَستورُ ... والعيبُ يلحقُ بالكبيرِ كَبيرُ
لَحَلَلْتُ بالبيتِ الَّذي أنتُم بِهِ ... ولَكانَ منزلُنَا هو المَهجورُ
في خيَّاط:
وأعذبُ من شَمِّ ريحِ الحنا ... نِ خيوطٌ تَرَوَّينَ من ريقِهِ
في بائع السُّكّر:
يَصيحُ والسّكّرُ قُدَّامهُ ... مَنْ يَشتري الحلوَ من الحلوِ
وقال أبو علي الفَلْجَرْدي في كاتب مختطّ:
وقد غَرَّهُ خطَّانِ خَطُّ بَنَانِهِ ... وخَطُّ عِذارٍ كالمدادِ يلوحُ
وليسَ يُبالي بالزَّمانِ وأهلِهِ ... ولا بغرابٍ بالفراقِ يَنوحُ
أنشدني الحسن بن أبي قابوس:
عَلَّقوا اللَّحمَ للبُزا ... ةِ علَى ذِرْوَتَيْ عَدَنْ
ثمَّ لامُوا البُزاةَ أنْ ... خَلَعتْ عندَهَا الرَّسَنْ
قلْ لمنْ لامَ في الهَوَى ... نَقِّبُوا وجهَهُ الحَسَنْ
وقال آخر:
يا قمراً جَمّشتُهُ فَتَغَضَّبا ... وأظهَرَ إعْراضاً لنا وتَجنُّبا
فإنْ كنتَ للتَّجميشِ واللَّحظِ كارهاً ... فلا تدخُلَنَّ السُّوقَ إلاَّ منقّبا
ولا تظهرنَّ الخَدَّ للنَّاسِ فِتنةٌ ... ومن تحتِ صحنِ الخدِّ صُدْغاً معَقْربا
فتهتِكَ مَستوراً وتَفتِنَ ناسكاً ... وتقتلَ قاضِي المسلمينَ مُعذّبا
وقال مجنون بني عامر:
إذا طنَّتِ الأذْنانِ قلتُ ذَكرتِني ... أو اختلجتْ عيني رَجَوتُ التَّلاقيَا
أُصلِّي فما أدري إذا ما ذكرتُها ... أثنتينِ صلَّيتُ الضُّحَى أمْ ثمانِيا
خليليَّ إن بانُوا بليلَى فَقَربَا ... ليَ النَّعشَ والأكفانَ واستغفرا لِيَا
خليليَّ إلاَّ تبكِيَا ليَ أستعِنْ ... خليلاً إذا أفنيتُ دمعي بكَى لِيَا
فلو أنَّني أشكو الَّذي قدْ أصابَني ... إلى مَيتٍ في قبرِهِ لبكَى لِيَا
ولو أنَّني أشكو الَّذي قد أصابَني ... إلى جَبَلٍ صعبِ الذُّرَى لانْحَنَى لِيَا
ولو أنَّني أشكو الَّذي قد أصابَني ... إلى مُقعَدٍ في بيتِهِ لعَدَا لِيَا
وإنِّي لأسْتَغْشي وما بي نَعسَةٌ ... لعلَّ خَيَالاً منكِ يَلقَى خَيالِيَا
تَجَرَّمَ أهلُوها الذّنوبَ كأنَّني ... قَتَلْتُ لِليلَى إخوةً ومَوَالِيَا
حَلَفتُ لئنْ لاقيتُ ليلَى بخَلْوةٍ ... أن ازْدَار بيتَ اللهِ رَجْلانَ حَافِيَا
تَكَنَّفني الواشونَ من كلِّ جانبٍ ... ولو كانَ واشٍ واحدٌ لكَفانِيَا
ولو أنَّ واشٍ باليمامةِ دارُهُ ... ودَاري بأعلى حَضْرموتَ اهتَدَى لِيَا
وماذا لهمْ لا أحسَنَ الله حفظهُمْ ... من الخطِّ في تصريمِ ليلَى حِبالِيَا
إذا ما قَعدْنا موضِعاً نستلذُّهُ ... أطافوا بِنا حتَّى أمَلَّ مكانِيَا
وقال آخر:
أيا طلعةَ القمرِ الزَّاهِرِ ... ويا قامَةَ الغُصنِ النَّاضِرِ
ويا غائباً حاضراً في الفؤادِ ... سَلامٌ علَى الغائِبِ الحاضِرِ
وقال آخر:
يا قمرَ القصرِ مَتَى تطلُعُ ... أشقَى وغَيري بكَ يستمتِعُ
إن كانَ ربِّي قد قَضَى كلَّ ذا ... منكَ علَى رأسي فما أصنَعُ
وقال آخر:
وأَحببتُ القيامَةَ لا لشيءٍ ... ولكنْ كيْ أراكِ علَى الصِّراطِ
ومِنْ دونِ الَّذي أمَّلتُ منكمْ ... دُخُولَ الفيلِ في سمّ الخياطِ
وقال آخر:
يا مَنْ بلا سَبَبٍ أطالَ عَذابي ... لا يتْلَفَنَّ علَى يَدَيكَ شَبابِي
قد كنتُ أنظرُ في النُّجومِ محاسِباً ... ما كانَ حبُّكَ في دقيقِ حسابِي
الصَّابرونَ علَى الهَوَى وعذابِهِ ... يُجْزَونَ أجرهُمُ بغيرِ حسابِ
وقال الحسن بن أبي العبَّاس الزوزني:
قلْ للَّذي طُرَّتُهُ كالدُّجَى ... وَوَجْهُهُ تحتَ الدُّجَى كالضُّحَى
قَتَلتَني عمْداً وجرَّحْتَني ... قلْ لأبي الفضلِ حليفِ النَّدَى
وقال آخر:
عَلَى بُعدِكَ لا يصبرُ ... مَنْ عادَتُهُ القُرْبُ
وفي هجرِكَ لا يصبِرُ ... مَنْ تيَّمَهُ الحُبُّ
لئنْ غِبْتَ عن العينِ ... لَقَدْ أبصرَكَ القلبُ
وقال كشاجم:
لوْ لمْ يكنْ مِن بَرَدٍ ساقُها ... لاحترَقَتْ من نارِ خَلْخالِها
تستدْفِعُ الأعينَ عن حسنِهَا ... بِعُوذةٍ من قُبْحِ أفعالِها
وقال أبو طالب المأمونيّ:
أبَى طارقُ الطَّيفِ إلاَّ غُرورَا ... فَسُومي خيالَكِ أنْ لا يَزُورا
وما أكرَهُ الطَّيفَ بغضاً لَهُ ... ولكنَّني أكرَهُ الوَصْلَ زُورَا
وقال ابن سكّرة الهاشميّ:
ومُشتملٍ بالحُسنِ لم يبقِ حُبُّه ... فُؤاداً صَحيحاً للعبادِ ولمْ يَذَرْ
إذا اشتَقْتُهُ يوماً فبالشَّمسِ سَلوتِي ... أوْ اشتقتُهُ ليلاً تعلَّلتُ بالقَمَرْ
لَهُ عارضٌ كالمسكِ قد لاحَ في نَقَا ... صحيفةِ دُرٍّ لا يُقاسُ إلى الدُّرَرْ
تيقَّنْتُ مُذْ لاحتْ صَوالج صُدغِهِ ... علَى خدِّهِ أنَّ القلوبَ لها أُكَرْ
وقال أبو الحسن بن ناصر العلويّ صاحب طبرستان:
قُمْ عَصَافير بطرفِ الطّرفينِ ... واسقِنِي العِقْيانَ في كأسِ لجيْنِ
اسمُ ساقِينَا بها نَعْتٌ لها ... فاسْقِنِي الرَّاحَ وشُدَّ الوَتَرَيْنِ
أنشدني أبو إسحاق بن بندهزار الزوزني:
تحتَ ثِيابِي بَدَنٌ ناحلٌ ... وفي فؤادِي شُغُلٌ شاغِلُ
يا ربِّ لا صبرَ علَى كلّ ذَا ... مَوْتٌ وإلاَّ فَرَجٌ عاجِلُ
وقال القاضي التنوخي:
فديتُ عينيكَ وإنْ كانَتَا ... لم تُبقِيَا من جَسَدِي شَيَّا
إلاَّ خَيالاً لو تأمَّلتَهُ ... في الشَّمسِ لم تُبصرْ له فَيَّا
وقال آخر:
مَنْ كانَ يَزعمُ أنْ سيكتُم حُبَّه ... حتَّى يُشَكَّكَ فيه فهو كَذوبُ
الحُبُّ أغلبُ للرِّجالِ بقهره ... من أنْ يُرَى للسِّرِّ فيهِ نَصيبُ
إنِّي لأَبْغَضُ عاشقاً متحفِّظاً ... لم تتَّهِمْهُ أعيُنٌ وقلوبُ
وقال آخر:
زَمُّوا المَطايا غَداةَ البَيْنِ وارْتَحَلوا ... وخَلَّفوني علَى الأطلالِ أبْكِيها
تَبِعْتُهم فاستَرابُوني فقلتُ لهم ... إنِّي بُعثتُ مع الأجمالِ أحدوهَا
قالوا فنفسُكَ تعلو هكذا صُعُداً ... ودمعُ عينكَ لا تَرقى مآقيهَا
قلتُ التَّنفُّسُ من إدمانِ سيركمُ ... ودمعُ عينيَ جارٍ من قَذًى فيها
نفسِي تُساقُ إذا سِيقَتْ رِكابكمُ ... فإنْ عزمتُم على قتلِي فَسُوقُوها
وقالت امرأة:
أماطتْ كِساءَ الخَزِّ عن حُرِّ وجهِهَا ... وأرخَتْ علَى الخدَّينِ بُرْداً مُهلَّهَلا
منَ الَّلاءِ لمْ يَحْجُجْنَ يَبغينَ حِسْبَةً ... ولكنْ ليقتُلْنَ البَريءَ المُغفَّلا
أنشدني أبو علي الحبوبي الزوزني:
أُسكُنْ إلى سَكَنٍ تَقَرُّ بِهِ ... ذهبَ الزَّمانُ وأنتَ مُنفردُ
تَرجُو غَداً وغَدٌ كوالدةٍ ... في النَّاسِ لا يَدرُونَ ما تلِدُ
وقال عبد الصّمد بن المعذّل:
أقولُ وجنحُ اللَّيلِ مُلْبِدُ ... وللَّيلِ في كلِّ فجٍّ يَدُ
وقد ضمَّ أجسادَنَا مَجْسَدٌ ... ولله ما ضمَّنَ المجْسَدُ
أيا ليلةَ الوصلِ لا تَنْفَدِي ... كَمَا ليلةُ الهجرِ لا تنفَدُ
ويا غَدُ إنْ كنتَ بي مُحسناً ... فلا تدنُ من ليلتي يا غَدُ
وقال آخر:
أيا جَبَلَيْ نُعمانَ باللهِ خَلّيَا ... طريقَ الصّبَا يخلُصْ إليَّ نسيمُها
فإنَّ الصَّبَا ريحٌ إذا ما تَنَسَّمتْ ... علَى نفسِ مَهمومٍ تجلَّت هُمومُها
وقال آخر:
قِفْ بالمطِيّ فَنادِ في صحرائهم ... فعَسَى يُجيب الحيُّ من أبنائهمْ
أما الخِيام فإنَّها كخيامهم ... وأَرَى نساءَ الحيِّ غيرَ نسائهمْ
لا والَّذي حجَّتْ قريشٌ بيتَهُ ... يَستقبلونَ الرّكنَ من بطحائهمْ
ما أبصَرَتْ عيني خيامَ قبيلةٍ ... إلاَّ ذكرتُ أحِبَّتي بفنائهمْ
آخر:
لأصمتُ إنْ لمْ أَصُمْ عن كلِّ جاريةٍ ... حتَّى يكونَ بِريقٍ منكَ إفْطارِي
آخر:
كأنَّما الكأسُ إلى ثغرِهِ ... مَوصولةٌ بالأنمُلِ الخمسِ
ياقوتةٌ حَمراءُ قد صُيِّرتْ ... واسطةٌ للبدرِ والشَّمسِ
أنشدنا القاضي المؤمل بن الخليل خطيب غزنة:
قدْ برَّحَ الحُبُّ بمشتاقِكْ ... فأَوْلِهِ أحسَنَ أخلاقِكْ
لا تَجْفُهُ وارْعَ له حقَّهُ ... فإنَّهُ آخرُ عُشَّاقِكْ
وقال آخر:
مِن حبّهَا أتمنَّى أنْ يُلاقِني ... مِن نحوِ بلدَتِها ناعٍ فينعَاهَا
كَيْما أقولُ فراقٌ لا وِصالَ لَهُ ... ويضمِرُ القلبُ يأساً ثمَّ أسْلاها
حدَّثني عبد الله بن يوسف الأصفهاني بنيسابور، قال: حدَّثنا أحمد بن علي بن حسنويه، قال: حدَّثنا سليمان بن سيف، قال: حدَّثنا أبو عاصم النِّيلي عن أميَّة بن عبد الله بن أبي عثمان عن محمد بن قيس بن مخرمة أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلّم رأى رجلاً معه سوط لا علاقة له، فقال له: " أحسِن علاقة سوطك، فإنَّ الله جميل يحبُّ الجمال ".
وروي عن ابن عبَّاس أنَّه قال: من عشق وكتم فمات مات شهيداً.
وروي عن علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه، كانت له جارية تسعى في حوائجه مليحة، وكان له مؤذّن شيخ كلّما رأى الجارية قال: إنِّي أحبّك، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين، فقال لها: إذا قال لك أنا أحبّك فقولي له: وأنا أيضاً أُحبّك، فماذا؟ فقالت له ذلك، فقال: أصبر وتصبرين حتَّى يحكم الله وهو خير الحاكمين. فذكرت ذلك لأمير المؤمنين فدعا بالمؤذّن، فأعتق الجارية وزوّجها منه وقال: قد حكم الله وهو خير الحاكمين.
وروي أن محمد بن هارون الأمين كلن يوسف زمانه جمالاً وكان الكسائيّ يؤدّبه وإخوته. فرجع محمد إلى الرَّشيد ذات ليلة فقال له: إنَّ الكسائيّ يحدّد النَّظر إليّ من بين إخوتي، فقال الرشيد: إنَّ الكسائيّ عفيف، ولكن بكّر إليه قبل الصّبيان فقل له وهو وحده: إنَّك لتحدّد النّظر إليَّ، فإن كانت لك إليَّ حاجة فاعرضها عليّ فإنَّها مقضيّة، ثمَّ خبّرني بما يردّ إليك. فبكّر إليه محمد، فلمَّا خلا به قال له ذلك، فقال الكسائيّ: يا بنيّ، أما علمت أنَّ النَّظر إلى الوجه الحسن يورث الغير نوراً والقلب سروراً؟ فأمَّا الحاجة إليك فلا والحمد لله، لا تعد لمثل هذا الحديث. فرجع إلى الرَّشيد فأخبره، فقال: لم تخطئ فراستي في الكسائيّ، وزاده بعد ذلك إكراماً.
وحدَّثني الحسن بن محمد الوليدي الفقيه عن مشايخه أنَّ أبا يوسف القاضي كان عند الرشيد ذات يوم وبين يدي الرشيد غلام مختطّ حسن الوجه من أبناء عمّه قائم علَى رسم الخدمة، وكان الرشيد يحدّث أبا يوسف وأبو يوسف يحدّد النَّظر إلى الغلام، فقال له الرشيد: هو ذا أحدّثك وأنت مقبل ببصرك علَى هذا القائم، فقال أبو يوسف: نعم يا أمير المؤمنين، حدَّثني ابن أبي ذئب عن الزهري عن أنس عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلّم أنَّه قال: " ثلاثة تجلو البصر: الاكتحال بالإثمد، والنَّظر إلى الماء الجاري، والنَّظر إلى الوجه الحسن "، وأنا شيخ ضعيف البصر أحببت أن أجلو بصري، فتبسَّم الرشيد وأومأ بيده فقامت جارية من وراء الخدر ونقرت العود نقراً أعجب السَّامعين جودة فصبر أبو يوسف حتَّى فرغت، ثمَّ قال: أحسنت، فقال الرشيد: لم تقتصر علَى حسن السماع حتَّى قلت أحسنتِ، فقال: إنَّما قلتُ أحسنتِ حين أمسكت، فقال الرشيد: لله درّكم يا أصحاب أبي حنيفة، من ذا يقاومكم.
راود عبد الملك بن مروان نصيباً علَى الشرب، فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّما قرَّبني منك عقلي فهبه لي.
ويقال: اتَّقوا عشق العفيف، وضربة الجبان، ومنطق السَّاكوت، أيّ هذه الأشياء إذا وقعت كانت بليغة.
ويقال: الحبّ ثلاثة أنواع: نوع حجازيّ، وصاحبه يقتصر علَى الوقوف بالأطلال وسؤال الرسوم والنظر من بعيد، كما قال بعض أصحابه:
ليسَ في العاشقينَ أقنَعُ منِّي ... أنا أرضَى بنظرةٍ من بعيدِ
وقال الآخر:
أقلِّبُ طرفِي في النُّجومِ لعلَّهُ ... يُوافقُ طرفِي طرفَهَا حينَ أنظُرُ
وقال آخر:
أليسَ اللَّيلُ يجمعُنَا جميعاً ... أليسَ شرابُنَا من ماءِ وادِي
وحبّ عراقي: وصاحبه يتعاطى التَّقبيل والملامسة ولا يتعدَّاهما إلى غيرهما، ويقول أحد أصحابه:
ما الحُبُّ إلاَّ قُبَلٌ ... وغمزُ كفٍّ وعَضُدْ
فلا تَعَاطَ غيرَهَا ... مَن نكَحَ الحُبّ فسَدْ
تمَّ باب النسيب.


.

- عبد الله بن محمد بن يوسف العبدلكاني الزوزني (المتوفى: 431هـ)




صورة مفقودة
 
أعلى