أليسون ليون - الجنسانية / الجنس في مصر الفرعونية

الجنس في مصر الفرعونية هو موضوع يجب الخوض فيه بحذر. لا يمكن أن ننظر إلى السلوك الجنسي في هذا العهد التاريخي من منطلق فهمنا المعاصر/الغربي للهوية الجنسية، بما أن حضارات عديدة – سواء في الحاضر أو الماضي – لا تتبنى فئات وأنواع معينة من النشاط الجنسي مماثلة لما لدينا. كما أن علينا توخي الحذر عند تفسير النصوص المكتوبة والمرئية/الفنية للجنس، حتى لا نُسقط افتراضاتنا وتحيزاتنا – مثل نزوعنا إلى الانحياز للهوية الجنسية المستقيمة للفرد – على فئات وأنواع من النشاط الجنسي لا تستقيم بشكل واضح وتام مع رؤيتنا للهويات الجنسية في عصرنا.

الجنس
في الفن، لا يُعرض الجنس بشكل صريح، وإن كانت الكثير من الأعمال الفنية، سواء في المقابر أو المعابد يُمكن اعتبارها تصوّر أعمالاً جنسية لكن لم تُصوّر كأعمال جنسية صريحة لتفادي تدنيس هذه الأماكن المقدسة. هذا لا يعني أن المصريين القدماء لم يرسموا صوراً جنسية على الإطلاق. إنما في الغالب كان يتم رسم أحد طرفي العلاقة الجنسية كحيوان كنوع من الرقابة، بما أن المصريين القدماء كانوا لا يحبذون الأعمال الفنية التي تصوّر الجنس بين اثنين من البشر. بخلاف هذا، لا يبدو أن المصريين القدماء كانوا خجلين للغاية من مسألة الجنس. الميثولوجيا الفرعونية تعتمد بقوة على تيمات جنسية، وهناك رسائل عديدة (محتملة) محمّلة بالجنس داخل الأعمال الفنية. على سبيل المثال، يظهر الملك توت عنخ آمون في رسم على صندوق، وفي يده قوس، وتقف زوجته عند قدميه وفي يدها سهم تحضره له. فعل “إطلاق” في اللغة المصرية القديمة يعني أيضاً “قذف”. هذه رسالة دالة على الحاجة للعملية الجنسية حتى يُبعث المرء بعد الموت. فضلاً عن أن الديانة المصرية القديمة ذاتها عامرة بالتيمات الجنسية، بما في ذلك الرب “مين”، الذي تُظهره رسوم المعابد منتصب القضيب.

أما بالنسبة للفن الذي يُظهر بشراً في أوضاع جنسية صريحة لا لبس فيها، فهناك مثال شهير، رسمة جدارية لفرعون ولرجل، يُعتقد أنهما حتشبسوت وسننموت. ربما كان من عداد المُحرمات رسم الملكة بهذا الشكل.
هناك عمل آخر أكثر احترافية، هو بردية تورين الإيروتيكية، التي تستعرض مشاهد إما لحيوانات أو لبشر في أعمال وأوضاع جنسية عديدة. يعتبر البعض هذه البردية “عمل يسخر من سلوكيات البشر ورغباتهم، كما يظهر من نقوش الحيوانات الصغيرة في الثلث الأول من البردية”، والبردية تسخر أيضاً من أبناء الطبقة الثرية. يعتبر آخرون البردية مجرد عمل إيروتيكي وأن ذاك كان الغرض منها.

العذرية
يبدو أن مصر القديمة لم يكن بها مفهوم محدد للعذرية، أو توقعات من أي نوع في شأن العذرية. كان بإمكان الأفراد الدخول في علاقات جنسية حرة طالما الطرفين غير مرتبطين.
الاستمناء
هناك أسطورة من أساطير الخلق تستعرض تفصيلاً كيف أن الرب الأول (آتوم أو رع) الذي خلق نفسه، أصبح أباً للجيل التالي من الآلهة الذين جاءوا عن طريق الاستمناء. كانت هناك على ما يبدو فعالية تشهد قيام الفرعون بالقذف في النيل – في احتفالية – محاكاة لعملية خلق آتوم/رع لـ شو وتفنوت، أي لجلب الخصوبة للنيل. (هذه المعلومة غير مؤكدة إذ لم أجد مقالاً يدعمها سوى كتاب “التاريخ الحميم للأورجازم“). في بردية تورين الإيروتيكية يمكن رؤية امرأة جالسة على زهرية لتمتع نفسها، في حين يُعتقد أن كليوباترا ربما ابتكرت لنفسها “فيبريتور” باستخدام النحل.

منع الحمل
للمصريين القدماء تاريخ في استخدام وسائل منع الحمل. هناك وسائل منع حمل عديدة مذكورة في بردية كاهون الخاصة بطب النساء. من موانع الحمل المذكورة استخدام علكة الأكاسيا، التي عُرف عنها أنها يمكن عند طحنها وتعاطيها أن تقتل الحيوانات المنوية. هناك مواد أخرى عديدة استخدمت، داخل المهبل، ومنها عجينة مصنوعة من روث التماسيح.

الزنا
كان الزنا من المحرمات الكبرى في المجتمع الفرعوني، وكان الرجال والنساء يعاقبون على هذا العمل. ربما كان عقاب الرجل على اغتصاب امرأة متزوجة هو خصيه، في حين كان تُعاقب العلاقة القائمة بالقبول بين الطرفين بالجلد أو التشويه، وربما الإعدام. هذا فيما يخص دخول علاقة مع امرأة متزوجة، من ثم كانت علاقات الرجال خارج الزواج، من نساء غير متزوجات، لا تنعكس بشكل سلبي للغاية على صورتهم كما كان الأمر إذا كانت علاقتهم بنساء متزوجات. لكن لم يكن التسامح كبيراً مع الرجال، إذ سُجل في بعض المناطق أن الأزواج الخائنين كانوا يعانون من الوصم الاجتماعي.

نكاح المحارم
قام آلهة كُثر بتزوج شقيقاتهم في الميثولوجيا المصرية. شي وتفنوت، جيب ونوت، أوزيريس وإيزيس، ست ونيفتيس. قلد الفراعنة هذا التقليد. كان أب وأم الملك توت عنخ آمون على سبيل المثال أخوة. أدى هذا التزاوج داخل العائلة إلى المعاناة من التشوهات والأمراض الجينية. لكن لا توجد أدلة تُذكر على انتشار زواج الأشقاء والشقيقات في صفوف العوام. كان الجنس بين شقيق وشقيقته مسألة عجيبة، لكن لا تعتبر تابو.

المثلية
ست وحورس
لكل من ست وحورس تاريخ طويل من التنافس، فضلاً عن بعض التوترات الجنسية. ست – الذي كان يريد أن يصبح كبير الآلهة – حاول أن يؤكد هيمنته على حورس بأن ينام معه، وقد خطط للقاء جنسي مع حورس. كان يفكر في أنه إذا أجبر حورس على الوضع “النسائي” أو “السالب”، فسوف يجلب عليه غضب الآلهة الآخرين. لكن لم يحدث هذا بفضل مساعدة إيزيس التي ساعدت ابنها في إبعاد حيوانات ست المنوية عن جسده، وخططت لقلب السحر على الساحر، ليظهر ست وكأنه الطرف السالب، إذ خدعته ليأكل حيوانات حورس المنوية. (لكن بعض المصادر تقول إن الرجلين كانا متساويين إذ تمكن كل منهما من اختراق الآخر). ما يمكن فهمه من هذه القصة هو أن العلاقات المثلية لم تكن في حد ذاتها مبعثاً للكراهة، إنما – كما كان الحال في اليونان القديمة – كان الشريك “السالب” في العلاقة هو المكروه والمُحتقر.

ني خنوم وخنوم حتب
عندما اكتشف الأثريون مقبرة ني خنوم وخنوم حتب في سقارة، صعقوا عندما وجدوا هذين الرجلين يتشاركان في مقبرة واحدة، لكن وجدوا في المقبرة أيضاً عملاً فنياً يصورهما في أوضاع حميمية للغاية، في تقارب شديد. بدلاً من الاعتقاد بأنهما كانا على علاقة رومانسية و/أو جنسية، تم اقتراح نظرية مفادها أنهما كانا شقيقين، ولا شيء غير هذا. تمادى البعض إلى تأكيد أن ني خنوم وخنوم حتب توأم ملتصق، لتفسير تلامسهما هكذا في العمل الفني. تم تصويرهما يتعانقان بنفس طريقة تصوير الزوج والزوجة في الجداريات الفرعونية، وهو ما يحمل نفس دلالات التقارب في سياق العلاقات الجنسية. أدى هذا الاكتشاف إلى نقاش محتدم.
نظرية أنهما شقيقان تعد مقاربة غريبة منحازة للعلاقات الجنسية التقليدية في فهم هذه العلاقة التي وبكل صدق تبدو محيرة للعقل: ربما لم يكونا عاشقين، بما أن زوجات وأطفال كل منهما مرسومون على جدران المقبرة. لكن ليس هذا بالتفسير الكافي. أولاً، لنفكك المسألة: السلوك لا يكافئ التوجه الجنسي. لأن الأطفال مهمين لاستمرار الحياة بعد الموت في الديانة المصرية القديمة، ربما كانت الزوجات موجودات لتحقيق هذه الغاية لا أكثر. وربما كانا منجذبان للجنسين، وربما كانت تربطهما بالزوجات علاقات رومانسية و/أو جنسية، ومع الانجذاب لأحدهما الآخر في الوقت نفسه.

نفر كارع وساسينيت
تعود هذه الحكاية التي يُرجح أن لا أصول لها من الواقع إلى الأسرة الـ 18 أو الـ 19 أو الـ 20. كان نفر كارع هو الفرعون وساسينيت أحد قادته. تقول القصة إن رجلاً يُدعى شيتي رأى نفر كارع يسير ليلاً وقرر أن يراقبه. ذهب الفرعون إلى بيت ساسينيت، حيث مكث لفترة طويلة معانقاً عشيقه قبل أن يعود إلى بيته، وقد تكررت هذه العملية. هذه الحكاية مقاربة للعلاقة بين أوزيريس ورع، إذ ينهض الأخير تلبية لواجباته بصفته رب الشمس مع انتهاء عناق الليل مع الأول. وكأنها قصة تسخر من الأسطورة، وهي مفيدة لفهم أن العلاقات المثلية، في تلك الحقبة التاريخية، قد أصبحت مرفوضة، وإن لم تتحول بعد إلى تابو يجب ألا يُذكر بالمرة.

السحاق
ليس واضحاً إن كان من السائد في مصر القديمة وصم السيدات اللائي يدخلن علاقات مثلية. هناك بعض المصادر التي أفادت بأن نيفتيس كانت سحاقية، نظراً لعقم زوجها وعدم وضوح ميوله الجنسية. رغم أنني لست مقتنعة تمام الاقتناع بأن نيفتيس كانت سحاقية – وإن كانت تربطها بـ إيزيس علاقة قوية – فإنني أعتقد أن المثلية بين النساء لم تكن تُعتبر بالأمر الغريب أو المُهدد.

البهيمية
يبدو أن المصريين القدماء كانوا يتورطون في الجنس البهيمي أحياناً، من البقر إلى الكلاب، وحتى التماسيح. كانت هذه الممارسة غير قانونية، ويُعاقب عليها بعقوبات مشددة، لكن الغريب أن الناس استمروا فيها على كل حال.

نكاح الأموات
في الأسطورة الفرعونية، قتل ست أوزيريس وقطع عضوه الذكري، ما اضطر إيزيس ونيفتيس إلى جمع قطع جسده المتناثرة. تمكنتا من استعادة كل أجزاء جسد أوزيريس باستثناء قضيبه، فصنعت إيزيس عضواً جديداً له. بعد استعادته، نامت إيزيس مع زوجها فجاءها حورس. ساعد هذا في تهيئة الاعتقاد بأن الشخص، حتى بعد موته، تبقى لديه قوى جنسية، التي إن لم يتم استنفادها فسوف تؤدي لدمار. كتب هيرودوت أنه كان يتم تأخير تسليم بعض الجثث للمُحنطِين لعدة أيام، للحيلولة دون مضاجعتهم للمتوفين.


* الجنسانية / الجنس في مصر الفرعونية
أليسون ليون – موقع قسم الأنثروبولوجيا بجامعة ميتشجن


صورة مفقودة
 
أعلى