ياسين رفاعية - وفارقته كالغصن يهتز في الثرى

الحب قيمته الكبرى في الوفاء له. الوفاء يقويه ويشد أزره، الوفاء للحبيبة من شيم كرم الأخلاق والرجولة الخالصة، والمرأة تحترم وفاء الحبيب لها وتعتز به وتثق فيه في كل أمور الحياة. ولا يخطر في بالها قط أن يغدر بها إذا ما زاحمتها امرأة أجمل فيتخلى عنها من أجل الوافد الجديد.

الرجل الذي من هذا النوع لا أخلاق عنده ولا مثل عليا ولا مبادىء،.. وما أكثر هذا النوع من الرجال الذي يجعل المرأة مطية لأمرأة أخرى ثم يتخلى عن هذه لينتقل إلى تلك.‏

المرأة الذكية تنتبه إلى هذا النوع من الرجال وتكشفه وترفضه بل وتحتقره، وكم من قصص من هذا النوع في كل المجتمعات.‏

العصر أفسد الناس، وتكالبت المادة على العواطف النبيلة، وفي العموم، تأثر الحب بهذه الأجواء ويصير الحب الزائف مطية للأكاذيب والخداع، ونادراً ما تنجو امرأة من رجل مخادع كذاب. أقول المرأة ولا أقول الرجل، ففي المفاضلة المرأة أكثر وفاء من الرجل لأنها لا تمنح حبها لأول طارق أو أول تصريح منه بأنه يحبها. فالكلام كلام، مالم يقترن بالتجربة وينهض بالوفاء.‏

أسئلة لا حصر لها واحدها يتبع الآخر عن المشاعر الحائرة المتعطشة إلى الوصول إلى المرافىء الآمنة، عن الوصول إلى موقف يقنع الحبيبة أن هذا هو الرجل المطلوب. ومعظم قصص الحب لا تصل إلى الحل النهائي، لأن الشكوك تحيط به من كل جانب، الشك يضعضع الحب. ويخرجه عن مساره الطبيعي في تواصل الأرواح بعضها مع بعض، وعندما يتعامل الرجل مع المرأة التي يدعي أنه يحبها بحيث، لابد مع الوقت أن تنكشف نواياه، إنما الوفاء سيبقى هو الأصل في كل علاقة حب بين انسانين. إنما الحياة ملأى بالهموم والمشكلات المستعصية التي تجعل من ردات الفعل عند إنسان ما يشكل خطراً على الحب، فيما الحب المتين والقوي المشدود كالوتر هو الذي يحمي العاشقين من مماحكة المجتمع وتردد الحياة بين السلب والايجاب، ويحصنهما من التلاعب والمخادعة والنفاق.‏

ما يحفظ الحب في البداية والنهاية:« أن يكون سراً جميلاً بين العاشقين» ولا تنهش جثة الحب إلا ألسنة الوشاية والغيرة العمياء، وإذا ما شاع تهافت الناس عليه كذباً وفضحاً وافتراء.‏

وعلى المنعطف الآخر، من القديم إلى اليوم يظل الحب بهجة الحياة، ونورها المتألق، وقد اعتبر العرب الحب من الفضائل الروحية ومزاياه العالية اهتمام الرجال العظام منهم بالمحبين المتيمين وشفقتهم على العشاق ، وحث بعض أدبائهم التكلم والحديث في العشق. سأل ذو الرئاستين حدثا من أحداث أهل « اي ولدا» هل فيكم عاشق ؟ فقالوا لا ، فقال اعشقوا فإن العشق يطلق اللسان العي ، ويفتح حيلة البليد والمخبل ، ويبعث على النظافة وتحسن اللباس وتطييب المطعم ، ويدعو الى الحركة والذكاء وتشرف الهمة .‏

وروايات التراث العربي كثيرة في هذا المجال ، فقد نمي يوما الى الخليفة المهدي أن فتى شابا له ذؤابتان كأنه قضيب فضة ، موجود في خلوة مع جارية من جواريه في احدى غرف القصر . فأمر بإحضار الشاب ولما مثل بين يديه ، وسأله ، فاعترف انه كان يحب هذه الجارية قبل بيعها الى أمير المؤمنين فجاءها معرضا حياته الى الخطر لعله يحظى برؤيتها وما كاد أمير المؤمنين المهدي يسمع كلامه حتى أمر بضرب عنقه . وطلب احضار السياف فلما أوتي بذلك واجلس الغلام على النطع تذكر حبيبته وهاجت قريحته ، فراح يتغنى بها :‏

ولقد ذكرتك والذي أنا عبده‏

والسيف بين ذوائبي سلول‏

فأطرق المهدي واغرورقت عيناه بالدموع ثم قال : يا غلام ائتني بازار ، فأوتي به ، فقال : الفضهما به جميعاً ، واخرجهما من قصري ، ففعل ذلك معظماً فيه وفاءه لحبيبته.‏

وروي أن أبا محمد بن حزم فقال : قال رجل للخليفة الثاني عمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين إني رأيت امرأة فعشقتها ، فقال عمر : ذاك مما لا يملك .‏

وروى الاعصمي عن عمر بن الخطاب قوله : «لو ادركت عفراء وعروة لجمعت بينهما » وقصة عفراء وعروة في الوفاء للحب مشهورة.‏

وذكر التميمي في كتابه المسمى «امتزاج النفوس بالنفوس » أن الخليفة معاوية بن ابي سفيان اشترى جارية من البحرين فأعجب بها اعجاباً شديداً فسمعها يوما تنشز أبياتاً منها :‏

وفارقته كالغصن يهتز في الثرى‏

طريراً وسيماً بعد ما طر شاربه‏

فسألها ، فقالت : هو ابن عمي ، فردها اليه وفي قلبه منها‏

ورووا أن أبا بكر الصدي بعث الى مولى احدى الجواري المغرمات فاشتراها منه وبعث بها إلى حبيبها وقال : هؤلاء فتن الرجل ، وكم قد مات بهن من كريم ، وعطب عليهن من سليم‏

حتى عمر بن عبد العزيز الخليفة الاموي الصالح ، كان يصل بين القلوب المتحابة عندما يصل به خبر أحد العشاق الذين لا تساعدهم ظروفهم على الاجتماع بحبيباتهم..‏

ترى هل يفعل ذلك ملك أو أمير او رئيس مثل ذاك في هذا العصر ؟!‏



.

http://risalathob.com/attachments/203/
 
أعلى