بسام حميدة - ملامسة المحظور في الأدب… ضرورة أم ترف..؟ هل الكتابة في المحظور

دائما تبدو ملامسة المحظور والاقتراب منه بمثابة الدخول في حقل الغام، لاتعرف متى ينفجر، والثلاثي المحظور هنا في اللغة الأدبية هو الجنس، والدين، والسياسة، فمن يجرؤ على الخوض فيها لابد أنه يعي مايقدم عليه بشكل جيد، ومنذ القدم وصلتنا كتب كثيرة تتناول هذه الجوانب، ولاقت رواجا بين القراء سواء سراً أو علانية، بعضها لامس الواقع ودون فيه كثير من الوقائع، وبعضها نال صاحبها كثيرا من المتاعب، ولا شك إنها الكتب الأكثر شهرة وتداولا في اوساط القراء، وهناك شريحة واسعة تتناولها، وهي الطريق المحفوفة بالمخاطر وذات الوقت الطريق الأوسع للشهرة..

طرحت بعض الاسئلة على عدد من الكتاب ممن تناولوا قضايا الدين والجنس (الشذوذ والمثليين وغيرها) في كتاباتهم، هل هي من باب ملامسة المحظور وطرحه للمعالجة والبحث فيه..؟

أم إنها الطريق الأفضل للشهرة وزيادة المبيعات، وهل تشجع على مثل هذه الكتابات لفضح وتعرية مثل هذه الظواهر أم يجب التغاضي عنها كي لاتكبر وتستفحل..؟

وماهي مسؤولية المثقف تجاه ذلك…ضيوفنا أجابوا عن هذه التساؤلات بكل شفافية..؟

ليست مقدسة

الروائي المصري أشرف الخمايسي صاحب العديد من الروايات منها (منافي الرب- انحراف حاد – أهواك..وغيرها) يقول:

“لوقت قريب كانت الكتابة الكاشفة المخترقة لهذه المواضيع الثلاثة، أقصد بها “الدين” و”الجنس” و”السياسة”، كتابة ملفتة للنظر مرَّة، وملفتة للاهتمام أخرى، يستخدمها الكاتب السطحي غير المتمكن من تحقيق إنجاز حقيقي كي يلفت بها الأنظار إليه، أما المبدع فمختلف، يلعب بهذه المواضيع الثلاثة لتحقيق أهداف لصالح الإنسانية.

ولأن الأزمنة تختلف فقد تغير الواقع تماما، ولم تعد لهذه المواضيع الثلاثة قداستها التي لو اخترقت بشكل سطحي حققت لصاحب الاختراق رغبته في لفت الانتباه إليه. فالفقه الديني يواجه أزمة حقيقية مع التطور، والحناجر المعترضة على هذا الفقه، وربما الدين نفسه، صار لا يمكن سماعها على أنها مجرد أصوات شاردة أو قليلة أو غير مهمة، أيضا “الجنس”، الذي خرج من قمقم الغموض السحري إلى قوالب مرئية متاحة في أي لحظة، على الكمبيوتر، على النت، وبصورة أوقع من قدرة كاتب هش يكتب عنه بسطحية، كذلك “السياسة” التي فتحت ثورة الاتصالات أبواب الكلام فيها والاهتمام بها على مصاريعها، وصار بإمكان الجميع أن يكون معارضا سياسيا دون خوف، وأن يوجه أقذع الشتائم لأعتى نظام ببساطة شديدة.

هكذا فقد التابو وظيفته كملمع فوري لأديب حالك الكتابة وبائس المستقبل.

لكن يبقى هذا “التابو الثلاثي الأبعاد” من أهم الأهداف التي يصوب إليها المبدع، لا الكاتب “اللي على قده”، لأنه مكون من أخطر ثلاثة مؤثرات على الإنسانية، العقيدة والوطنية والذاتية، مؤثرات تتحكم بشكل أو بآخر في إنسانية المرء، وأدوات تقاد بها البشرية إما إلى الأمام وإما إلى الخلف.

والقارئ اللبيب، المعتق في قارورة الكلمة، السابح بتمكن في بحار السرد، يمكنه التفرقة ببساطة بين كتابة في هذا التابو يستهدف كاتبها مجرد التلميع والشهرة، وبين مبدع يستهدف رقي الإنسان.

وعلينا كمبدعين ألا نتوقف عن كشف المستور، فكل مستور مظلم، وكل مظلم بيئة صالحة لمعيشة بكتريا وحشرات الفساد والإفساد، بيئة صالحة لتكاثر الخفافيش، لظهور الجن والعفاريت المرعبة، لارتفاع عقيرة المتدينين اليمينيين المعتقدين بأنهم أصوات الله، ولسيطرة أنظمة الحكم الديكتاتورية القامعة لحريات مواطنيها والماصَّة لمقدراتها. كشف المستور يحرر الإنسان، وتحرير الإنسان إنشاء لجنان الله هنا، على الأرض.”

لامجال للتشجيع أو التغاضي

الكاتب المصري أشرف توفيق صاحب روايات ” نجمة يناير والطريق إلى الى الجنة والأفوكاتو” يقول:

“الكتابة مغامرة خطيرة بطبيعتها، اننا إذا كتبنا عن الطبيخ فلن نأمن من اتهامنا بإهانة الملوخية وازدراء المحشى، فالموضوع أو الفكرة التي تدفعنا قصرًا وحبأً للكتابة نجدها وقت فعل الكتابة قد تماست أو اصطدمت أو توغلت فى طابو المحرم العرفي: الدين والسياسة والجنس، وبوعى احيانا وبتدخل من العقل الباطن معظم الوقت فيما يعرف بـ “الحارس الداخلي” ننهى الأمر. ولكن هذا لا يرضي القبيلة بعض الوقت أو كل الوقت، مع أن الواقع المعاش مع جريدة الصباح ..كل صباح. اكثر فحشاً وغرابة في السياسة والجنس والدين؟!”

ويتابع الكاتب أشرف توفيق قائلا:

“لامجال للتشجيع أو التغاضي، الموضوع يفرض ابجدياته، فصنع الله ابراهيم في روايتيه “تلك الرائحة” و”شرف” مثلا موضوعة السجن، وجاء النقد يفتش بدون إذن نيابة، ويخرج من النص مضبوطات ممنوعة: العادة السرية والعلاقات المثلية ونجد بعدها سيل من الكتابات التحريضية عن: دلالات الحسية الجسدية فى روايات صنع الله ابراهيم، ولكن ألا تجد معي أن العادة السرية والعلاقات المثلية من لزوم مايلزم الكتابة عن السجون؟

وآخر أعمال علوية صبح اسمه “الغرام” تعرض للمنع في أكثر من بلد عربي بحجة، جنس فاحش، نسخوا ثلاث أوراق متفرقة من نص من 400 صفحة وشهروا بالكاتب والرواية؟! وعندما قرأتها وجدتها من انضج اعمال علوية وإن كانت كل اعمالها جميلة.”

وحول مسؤولية المثقف تجاه ذلك، يقول أشرف توفيق:

“لا أعرف المقصود بالمثقف هنا، اهو الكاتب، أم المثقف المتلقي، وعلى كل حال سأتحدث عن نفسي…لي تجربة محترمة مع دار نشر في عام 2013 نشرت لي رواية “مخدع دافنشى” وبعد شهر أخبرتني بأنها سترفعها من الموقع لما ورد لها بأنها رواية جنسية وتمس الدين، وقلت له احرقها، فقط اخبرني كيف اكتشفتم ذلك؟!

وقال لي مسؤول الموقع: الرواية فيها كلام عن زواج المتعة، والجنس فيها كثير وضرب لي أمثلة من الرواية، وماتت الرواية بحكم ميتافيزيقى هم: قالوا لي ؟!.. وفي ذات الوقت كانت هناك تمثيلية تعرض بالتلفزيون أمامي وفيها حوار بين قواد ومومس يقول لها: لماذا تأخرت وأنت عارفة أننا ورانا شغل كتير فتقول له: الزبون كان واخد حباية زرقة يابوس!.”

كشف المستور

الكاتب الجزائري د. أمين الزاوي أكثر من لامس المحظور في كتاباته وله عدة مؤلفات منها: نزهة الخاطر ورائحة الانثى والخنوع وشارع أبليس وغيرها يقول عن الموضوع:

“الكاتب الذي لا يفضح الفضيحة هو مشارك فيها والذي لا يدين الفضائح الموجودة هو مشارك فيها بشكل من الأشكال، فالأدب الذي يريد أن يكون أدبا مستحمّا هو أدب خارج التاريخ والواقع، باعتبار الأمراض الكثيرة التي تحيط بنا على مستوى الأخلاق والسيكولوجيا والدين، السياسة، المال والاقتصاد، لذا الكاتب الحقيقي هو الذي يحاول استقراء هذه الأمراض والعلل، ومهما كان نوع العلة يجب أن يشخصها الكاتب ولكن بأسلوب أدبي محض أي يشترط وجود شغل على مستوى اللغة، بناء الرواية، الشخصيات وكذا المعرفة. فأنت لا تكتب بدون معرفة واطلاع، حيث يجب على الذي يكتب عن الفضائح السياسية، الجنسية، الدينية والتراثية أيضا، أن يكون مثقفا ومطّلعا على الوضع.”

ويعترف الزاوي بقوله:

“هناك من يتهمني إنني كاتب للجنس، كل مافي الأمر إنني أكشف المستور لأساهم في علاجه، كما أنني أكتب عن الدين، ولكن لا يجب أن نكتب عن الدين دون معرفته، فأنا ابن إمام، حاج وحافظ للقرآن كذلك، وبالتالي أنا لست غريبا ولا مستشرقا في الكتابة عن الدين الإسلامي، لأنّه جزء من ثقافتي اليومية وجزء من المحيط الذي أعيش فيه ومن ذاكرتي كذلك، وما أريد الوصول إليه هو وجود تجارة في الدين وعلى الكاتب حينما يفتح الجرح من خلال ما يقدم عن الإسلام في أوروبا من تشويهات من قبل الذين يقدمون صورا رديئة عن الإسلام، ألا يعقل أن يغفل هذه الظواهر وما نسمعه من أفعال شنيعة وقبيحة عن الإسلام، فالدين بتطرفه وتسامحه أصبح سؤال الحاضر الآن. كيف يمكن أن نعيد الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية إلى المعاصرة والعهد القديم لأنّها كانت منذ عدة قرون، فلمّا أكتب عن الدين أتصور نفسي حفيد ابن رشد، وحفيد الغزالي والفقهاء الكبار الذين كتبوا عن الإسلام فأنا أطرح القضية لأرّج هذه المنظومة ولكن من أجل نقدها.”

التابو لاينتهك

الكاتية السورية لينا هويان الحسن قالت “لوجود الأدب اسباب منها الجمال ومنها الحب وأهمها المحظورات. فالادب قوامه الهتك، الفضح، التعرية، لاشيء يقف بوجه النص، والخطوط الحمراء تستفز الادب بشكل كبير، لكن المشكلة تكون كيف يكون التعاطي مع هذا المحظور . هنالك من يعتبر المحظور مطية للشهرة، وهذا تكنيك يعتمده الطفيليين. بينما النص الحقيقي هو الذي يهاجم ويقتل دون قطرة دم واحدة. هنالك فرق بين ان تكتب نصا لتحظى ببعض الشهرة او الضوء، وان تكتب لتغير. هنالك فرق بين من يلاحق وهم الشهرة، وبين من تأتيه الشهرة لأنه استحقها. عالم الادب كبير ويتسع للصالح والطالح بشكل مؤقت، فالرهان على من يصمد حتى النهاية، ومن يعتمد على فكرة انتهاك التابو وحدها فإن مصيره الفشل الاكيد. التابو لاينتهك، إنما كشفه وتعريته واقناع القارئ بحقيقة التابو، وهنا يُحدث الادب التغيير المنشود في القناعات”.

قِلَّة الأدب في الأدب

الروائي السوداني هشام آدم يقول في هذا الخصوص:

“فارقٌ كبيرٌ بين تصوير “قِلَّة الأدب” في الأدب، وتصوير الأدب بـ”قلًّة أدب”! هذا الفارق الطَّفيف/العميق الذي يجعلنا نفهم أنَّ تناول وكسر “التَّابوهات” في الأدب لا يعني أبدًا الإسفاف والنُّزول بمستوى اللغة الأدبيَّة إلى اللُّغة السريَّة أو “الشَّوارعيَّة”. الكاتب المجيد هو من يتمكَّن من التَّعبير عن ذلك بلغةٍ “أدبيَّةٍ”، هو مَن يستطيع أن يتناول قضايا مثل: “الدَّعارة” أو “المثليَّة الجنسيَّة” أو “الاغتصاب” أو “التَّفسُّخ الأخلاقي” دون أن تتم مُصادرة كتابه بحجَّة “خدش الحياء العام”، مع تحفٌّظنا الكامل على هذا المُصطلح الفضفاض طبعًا. بالإمكان وصف عمليةٍ جنسيَّةٍ كاملةٍ -في النَّص السَّردي- بلغةٍ أدبيَّةٍ لا تُشعِر القارئ بالحياء أو الإثارة، لماذا؟ لأنَّ الأدب ليس وظيفته الإثارة أو نقل المشاهد الحسيَّة كما هي؛ وإنمَّا تصوير “الفكرة” من وراء أي مشهد، ولهذا قُلتُ من قبل أنَّ الفرق بين السَّردية والثَّرثرة هي أنَّ السَّردية تبحث في التَّفاصيل عن فكرة، بينما تبحث الثَّرثرة عن التَّفاصيل. يجب أن نتذَّكر أنَّ السَّرديَّة هي “واقعٌ مُوازٍ” وليست “واقعًا آخرًا”. هذا الأمر بمعزلٍ تمامًا عن ميول الجماهير في اختيارهم لما يُحبُّون قراءته، فعندما يكون الجُمهور هو تيرمومتر الأدب، نعلم تمامًا أنَّنا نعيش عصر انحطاط الأدب”.

ويتابه آدم موضحاً:

“الأدب هو انعكاسٌ ومرآةٌ للواقع، ولكن هذا الانعكاس ليس وظيفةً للأدب؛ فليس للأدب وظيفةٌ وَعظيةٌ حتَّى نتخيَّل أنَّه يجب أن يُسلَّط الضَّوء على الظَّواهر الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة ليُرشدنا إلى ما هو الخير، وما هو الشَّر، فالوظيفة الأساسيَّة للأدب هي ذاتها الوظيفة الأساسيَّة للفن؛ وهي: الإمتاع والإدهاش، كما قال جون بول سارتر في إحدى مُحاضراته. ولكن ما الذي نقصده تمامًا بقولنا إنَّ الأدب انعكاسٌ للواقع؟ هذا يعني أنَّنا يجب أن نُسلَّط الضَّوء على الظَّواهر الاجتماعية والسِّياسيَّة والأخلاقيَّة والاقتصاديَّة والإنسانيَّة في المُجتمع، ولكن هذا ما تفعله أجناسٌ أدبيَّةٌ أُخرى؛ كفن المقالة مثلًا، فما هو الفارق النَّوعي بين المقال والسَّرديَّة في هذه الحالة؟ إنَّ الفارق هنا هو فارقٌ وظيفيٌ كما أسلفنا، ويُمكن استعراض هذه الوظيفة في مُحاولتنا للإجابة على سؤال: “كيف؟ ولماذا؟” أي: كيف نُسلَّط الضَّوء على هذه الظَّواهر، ولماذا؟ الإجابة على هذين السُّؤالين يضع لنا حدودًا فارقةً وفاصلةً بين الفن السَّردي وأيَّة فنونٍ أُخرى.

هل واجب الأدب كسر التَّابوهات المعروفة: الجنس، الدين، السِّياسة؟ الحقيقة أنَّه يتوجَّب علينا أن نكون حريصين ودقيقين في استخدامنا للألفاظ لنُجيب على هذا التَّساؤل بالأمانة التي تستحق، وفي هذه الحالة فإنَّ واجب الأدب هو “تناول” التَّابوهات، وليس “كسرها”، فهذه التَّابوهات هي جزءٌ من الواقع الذي يعكسه الأدب ويستمد مادته منه، ومن العبث أن نتجاهل هذه الموضوعات بكُلِّ تأكيدٍ، كما أنَّه ليس من الأدب في شيءٍ مُحاولات تجميل الواقع، وإلا لما كان الأدب “انعكاسًا” أو “مرآةً” للواقع كما أسلفنا من قبل، فنحن لا نُحاول كسر شيءٍ أو تجميله، وإنَّما نُحاول نقل الواقع بمُعطيات الواقع نفسه دون تزييفٍ ودون خَرق، ولكن كيف يُمكننا نقل الواقع الرَّديء؟ أعني هل من المُمكن استخدام لُغةٍ ردئيةٍ لنقل الواقع الرَّديء؟ هذه الأمانة في نقل الواقع تجعل من السَّردية عملًا تاريخيًا أو تقريرًا إخباريًا، والأدب ليس كذلك على الإطلاق، فليس من المطلوب أبدًا التَّعبير على الواقع القبيح بلغةٍ قبيحةٍ، وإلا لما كانت لغةً “أدبيَّةً” على الإطلاق، على أنَّ مُصطلح “لغةٌ أدبيَّةٌ” في هذا المقام يعني تمامًا: التَّرفع والتَّسامي حتَّى في نقل الغث والقبيح”.

ظواهر خطيرة تستحق الإشارة

تتهم الكاتبة الكويتية ليلى عثمان بعض الروائيات العربيات بالإغراق في الكتابة الجنسية بهدف الشهرة السريعة وتقول: «كتبت مشهداً جنسياً واحداً في رواية «العصعص». هذا النوع من الكتابة ليس هدفي في الحياة». وتتابع: “دخلت في خلاف حاد مع الإسلاميين في الكويت وقاموا بمنع كتبي ومحاكمتي لكن كل هذه المواجهة معهم لم تثنيني عن تحقيق حلمي ولا أقبل أن يكسر أحدهم حلمي”.

ليلى العثمان كسرت التابو عندما كتبت عن الظلم الذي تتعرض له المرأة واتهموها بالدعوة إلى الفجور والفسق فى رواياتها فقالت:

“أستطيع الجزم أن كل القهر الذي تتعرض له المرأة الآن من الأب، الأخ، الزوج، ابن العم أو من أي رجل آخر يفوق ما تعرضت له في الماضي! وهذا يعود إلى استعمال الرجل للدين بطريقة خاطئة لظلم المرأة وقهرها. على الرغم من أن ديننا الإسلامي عنوانه التسامح والحرية والمحبة. لكن للأسف تعاني المرأة الآن من قهر المتعصبين والأصوليين والمتشدين الذين لن تستطيع مواجهتهم بقوة!”

وطرحت ليلى العثمان ظاهرة خطيرة في المجتمع الكويتي وهي استغلال الزوج لزوجته التي اكتشفَ عدمَ عُذريّتها ليدفعَها نحو الدّعارة ليكسبَ المالَ والثّروةَ والغِنى والمَركز، وكما يتّصفُ الرجلُ بكثير من السّلبيّات وكتبت عن المساوئ الكثيرة التي تتّصفُ بها الزوجةُ رغم كونها المقهورة والمظلومة وعالجت كذلك قضايا الخيانة المتبادلة بين الرجل والمرأة وقضايا العواطف والحب وكيف أنّ المجتمعَ ينحازُ للرجل في المُحاسَبة، فكلّ خَطيئة، المرأةُ هي الضحيّة المُجرمة. أمّا الرجلُ فهو الحرّ البعيد عن الشُّبهة والعقاب.

وتناولت ليلى العثمان قضايا الجنس في قصصها بجرأة مما أثار عليها حفيظةَ رجال الدين والمتزمّتين. وكشَفت عمّا يتستّر عليه الجميعُ ومُنتَشر في المجتمع الكويتي مثل الدّعارة وغشيان المحارم وممارسات الأقارب وقضيّة العَجز والعُقم الجنسيين وموضوع الاغتصاب والجنس المثلى من لِواط وسحاق.

وتقول ليلى : “لست من الباحثات عن الشهرة فأعمالي معروفة، وقد كتبت بواقعية وأرى من مسؤولية المثقف هو التعاطي مع الواقع والإشارة لما فيه، كي يقوم بواجبه تجاه مجتمعه من اجل تصويب الأخطاء والسلوكيات، وهذا واجب أي فرد، فما بالك بالمثقف.

ولهم آرائهم

الروائية السورية سلوى النعيمي، مؤلفة رواية “برهان العسل” فقد صرحت على إثر منع رواياتها في العالم العربي (ولم تتعرض للمنع في بلدان المغرب الكبير): “عندما سلطت الضوء على النصوص الإيروتيكية العربية القديمة أردت أن أبرهن فعليا على أن اللغة العربية قادرة على كتابة الجنس والتعبير عن الحميمي. من قبلُ ومن بعدُ، وعلى أن لذة الجنس تحتل مكانة أساسية في هذه الثقافة بعيدا عن مفهوم الخطيئة والدنس، عبر تداخل نصي الحديث مع الاستشهاد بكتاب قدماء مثل الجاحظ، والسيوطي، والنفزاوي، والتيفاشي”.

أما الروائي يوسف القعيد، «مع معدل الأمية المرتفع، وإقلاع الناس عن القراءة قلت قبضة التابو السياسي، كما تعدى الروائيون الجدد بمراحل ما كنا نعتبره خطوطا حمراء في الجنس، وانتقل تمردهم من حالة إحسان عبد القدوس، الذي كان يكتفي بوصف المشهد الجنسي بوضع نقاط فارغة في الصفحة إلى العلاقات المثلية. وقد انتهك التابو الجنسي بفعل رياح غربية وعواصف العولمة إضافة إلى تراجع نمط الدولة التقليدية القديمة».

وتحدث القاص سعيد الكفراوي “نحن ضحايا المقدس بكل صوره، والمقدس ينسحب معناه على كل القيم الجامدة، ومنها قيم عائلية، وأخرى مجتمعية ومذهبية وطائفية، تحرمك الخوض في مناطق جديدة، كما تقف حائلا دون التجريب. يقدس الناس القائم ولا يغيرونه، وبالتالي فقدنا فعل الحرية، وفقدنا النقد الذي يقودنا إلى قيم إيجابية خلاقة». أضاف الكفراوي: «كنا جميعا ضحية التابو السياسي لفترات طويلة، وتجربتي الشخصية أبسط من تجارب صنع الله إبراهيم، ويوسف إدريس بل نجيب محفوظ”

ويرفض الروائي يوسف زيدان صاحب «عزازيل» اعتراف الثقافة العربية بوجود تابو أو مقدس ينتهك إبداعاتها، ويقول: “التابو مصطلح أطلق في المجتمعات البدائية ويرتبط بما يسمى الطوطم المقدس للجماعة، والطوطم هو الرمز المقدس للجماعة. فقد كانت تلك الجماعات تعبد ما تخشاه من حيوانات، فمثلا في أعالي النيل كان الناس يقدسون التماسيح لأنها تهدد حياتهم، وارتبط بتقديس تلك الحيوانات أو الآلهة المزعومة كل ما يرتبط بها، سواء كانوا أشخاصا أو أماكن ممنوع دخولها أو جمادا، وهذه الممنوعات هي ما أطلق عليه «التابو»”.

وقال زيدان: “إن الثقافة العربية لم تعرف هذه الممنوعات، حتى بعد أن خرجت الكلمة من معناها الأصلي إلى استخدامها الدلالي كعائق أمام الفكر مشيرا إلى أن التابوهات الثلاثة، الجنس والدين والسياسة غير موجودة في الفكر العربي الممتد إلى 1500 سنة مضت على أقل تقدير”.

وتابع زيدان بقوله: «بالنسبة للجنس كتب امرؤ القيس ما قيل إنه أفحش أبيات الشعر على الإطلاق. ومنذ 400 عام كتب السيوطي وغيره مؤلفات نعجز الآن عن ذكر اسمها كاملا، ومنها مثلا مؤلفه الشهير «الأيك في…»، كما ساهم العرب في مؤلفات تخص علم الباه، وهو علم الأداء الجنسي، وخرجت مؤلفات جريئة مثل «ألف ليلة وليلة». وفي السياسة كانت هناك «كليلة ودمنة». وفيما يخص الدين، لا بد أن نحدد أولا أي دين، وهل هو اليهودية أم المسيحية أم الإسلام، وفي الإسلام يجدد الفقهاء أحكام الشريعة وتظهر اجتهادات تثور على القديم».

وبدورها فرقت الروائية سلوى بكر بين ما تسميه الحسابات والتابوهات. فالثانية من وجهة نظرها تشترط الاتفاق الجمعي والقيمي عليها بشكل يحدد ما هو مقدس في أذهان المجتمع، وهي هنا المحرمات الثلاثة المتفق عليها، بينما العصر الحالي حافل بالحسابات، التي ترى خطورتها أكبر من خطر المحرمات المعروفة.

وتابعت: «هناك من يكتب وعينه على السينما، وآخر عينه على الشهرة والإعلام والبحث عن الإثارة، أو المجاملة والمصالح، وكلها أشياء تمنع انسياب الإبداع بشكل صحي». وقالت بكر عن ترتيب التابوهات حاليا: «الجنس لم يعد تابو في العصر الحالي، والحضارة العربية لم تتعامل معه يوما باعتباره محرما، لكن الكتابات التي تتخطى خطوطه الحمراء لا تزال تفتقد العمق الكافي، وفي مجتمعاتنا يظل المحرم الديني في المقدمة».

وعن تجربتها الشخصية مع المحرمات اعتبرت بكر “أن الاصطدام بها غير ذي فائدة، فلا بد أن يكون الاختراق عبر طرائق إبداعية جديدة، مع رسائل ناعمة لا تجرح. وعلى ذلك لا تحبذ بكر طريقة توجيه اللكمات مباشرة للمحرمات، فالأهم هو الفائدة النهائية للقارئ والمجتمع، وأسلوب اللكمات لا يعود إلا بالإثارة”.

وأضافت بكر “أنها تعرف كتابا تعمدوا خرق التابوهات دون رؤية أو قضية، ووصل الأمر ببعضهم أن يرسل للصحف ما يطلق عليه إبداعا ويخط بالقلم الأحمر تحت الجمل الصادمة، كي يثير ضجة حول نفسه”.

كتبوا واغرقوا فيها

في الجزائر ظهر اسم الروائي رشيد بوجدرة بروايته الشهيرة “التطليق”(1969) الذي يعتبر اول من تناول في الثلاثي المقدس والجنس بشكل خاص، وقال بوجدرة عن مكانة الجنس في أعماله الروائية: “كنت في الرابعة حين أصبت بحالة رعب إثر مشاهدة جماع والدي مع أمي. سمعت همهمتها العالية، فحسبت أنّها تحتضر. كان منظراً بشعاً. كان والدي عنيفاً. خفت على أمي، شاهدتها تنزف. ومنذ ذلك الحين تشكّلت في ذهني صورة بشعة عن أبي” وتابع الكتابه بهذه الطريقة في روايته الثانية “الرعن” ثم في روايته “المرث” و “ربيع“. وبعده جاءت رواية “الاختبار الأخير” للروائي محمد ورواية “عرس يغل” للطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة في روايته “بان الصبح” وجيلالي خلاص في روايته “رائحة الكلب”و“الحب في المناطق المحرمة”، وهي تعد من بين كتابات العشرية السوداء في الجزائر. فيما تناول الطاهر جاووت ورشيد ميموني موضوع الجنس بشكل محتشم، في رواية “المجرد من الذات” للاول و“طومبيزا”، للثاني كما تناول أمين الزاوي في روايته “حارة النساء” و“وليمة الأكاذيب” هذه الظاهرة، كما تناولتها أحلام مستغانمي في كثير من اعمالها، وفضيلة الفاروق في “تاء الخجل” بطريقة أخرى وعمد لذلك الروائي واسيني الأعرج في روايته الشهيرة “فاجعة الليلة السابعة بعد الألف” التي استعادت أجواء “ألف ليلة وليلة” بأجوائها الجنسية.

ويعتبر الروائي المصري إحسان عبد القدوس من اوائل الروائيين العرب الذين ولجوا هذا الباب وكتب مئات القصص والروايات التي فضحت الواقع المصري الذي وصفه للرئيس جمال عبد الناصر حينها برسالة بعد أن منع احدى رواياته قائلا: ” أن الواقع أقبح من هذا وأكتبه من اجل الاصلاح”.

وهناك كتاب مصريون تناولوا الثالوث الادبي كل بطريقته منهم احسان عبد القدوس وحامد ابوزيد ونوال السعداوي وغيرهم الكثير.

وفي روايته ” موسم الهجرة الى الشمال” تناول الطيب صالح هذا التابو، وحذا حذوه كثير من كتاب السودان، وتعرض تركي حمد في ثلاثيته الموسومة أطياف الأزقة المهجورة، إلى موضوعات حساسة في المجتمع السعودي كالدين والجنس والسياسة.

واستثمر الكاتب علاء الأسواني الثالوث المقدس من خلال روايتين له ” عمارة يعقوبيان” و”شيكاجو” ونال من الشهرة والمكاسب مالم ينله غيره رغم حجم الانتقاد الذي وجه للروايتين حينها.

وتناولت السورية سمر يزبك عدد من التابوهات الممنوعة في كتاباتها بشكل جريء جدا تسبب في هجرتها من بلدها.

ويمكن اعتبار رواية ” الخبز الحافي” لمحمد شكري من أكثر الروايات العربية التي أصبحت علامة على طبيعة الصراع الثقافي بين بنية اجتماعية تقليدية قائمة على آلية تحريم جاهزة وبين بنية اجتماعية أخرى نقيض لها على التمام

وتشكل فاطمة المرنيسي إلى جانب الباحثة المصرية نوال السعداوي نموذج الباحثة العربية التي تتحلى بنفس أكاديمي، مغامرة بالبحث في مجالات شديدة الحساسية في الثقافة العربية الإسلامية. ونال كتاب المفكر السوري بوعلي ياسين «الثالوث المحرم، دراسة في الدين والجنس والصراع الطبقي» شهرة واسعة بعد أن كان ممنوعا في دول كثيرة.

في النهاية

الكتابة في المحظور لم يكن تقليدا جديدا في الساحة الادبية بل وجد منذ بداية الكتابة واستمر ليومنا هذا، ولم يقتصر على أناس بعينهم، بل كان ملعبا للجميع، اعلن البعض فيه التحدي لمقارعة الاسفاف وفضح المستور والنيل من الرموز السياسية والدينية التي يعتبرها البعض مقدسة، وهناك من امتهن هذه الصنعة الأدبية لفرض الحضور واستغلال نزوات المتعطشين لها، والصعود على سلم الشهرة وبيع مايمكن بيعه من كتب، طمعا في الربح ينا ولهدم الضائقة الفنية لدى المتلقي وحتى البنية التحتية للمجتمعات.

لذلك من يراجع الكتب القديمة سيقرأ كثيرا عن كتاب، في الرواية والقصة والشعر اخترقوا الثلاثي المحظور في الادب بكل جرأة، وهناك من سخرها بعقلانية لخدمة الرواية والمجتمع، وهناك من استعملها باسفاف للاثارة فقط كما اسلفت. ويبقى الحكم في النهاية للقارء الذي بات يدرك الغث من السمين في ظل التكنلوجيا الرقمية التي باتت تتيح له مايريد معرفته بسهولة، وبات على الكاتب ان يحترم ذوق المتلقي في كل مايكتب.


- بسام حميدة - ملامسة المحظور في الأدب…ضرورة أم ترف..؟ هل الكتابة في المحظور ملامسة للواقع، أم بحث عن الشهرة..؟

.

.
hqdefault.jpg
 
أعلى