أشرف الهنداوى - المرأة العربية من النقاب الى الاباحية فى الادب

عندما كنت أتناول رواية او قصة وأقرأ فيها بعض المقاطع التى تحمل ايحاءات جنسية، كانت تستوقفنى وانا أسأل نفسي، لماذا الاسهاب فى مثل تلك المواقف وكنت استنكر هذا
اليوم وبعض مضى عشر اعوام على مطالعة أخر الاصدارات الادبية العربية على المستوى المحلى... اختلف الوضع كليا...
تناولت بشغف كل ما تطال له يدى من اى اصدار جديد
وكانت الصاعقة ...
احتل الادب الجنسي مراكز أكثر مما كان عليه من قبل، وتقدم بشكل سريع جدا، حتى باتت هذه الاعمال هى الاكثر شيوعا بين مثقفى المرحلة الراهنة..
هل باتت هى نافذة للكبت الموجود داخل المجتمع العربى فى ظل ما تمر به المنطقة من تغيرات فى الاصول والفروع معا، حتى فى الايدلوجيه الفكرية...
قديما.. كانت الكاتبة احلام مستغانمى وليلى العثمان ونوال السعداوى هن اكثر الكاتبات جرأة
من غيرهن
...
ولكن
افرزت المرحلة الراهنة الكثير من المصطلحات الغير مدرجة على القاموس النبطى او اللغوى حتى على مستوى الشارع العربى، ولم تتوانى الافلام فى استخدامها وعرضها على الشاشة سواء الكبيرة او الصغيرة فدخلت بيوتنا مصطلحات ما انزل الله بها من سلطان وكلها لا تخلو من الاباحية المطلقة، وتسارع المخرجين فى تناول القصص التى تحمل مشاهد جنسية وألفاظ منبوذة
والسرد فى الاحداث والتناول يطول فى ذلك..
والان دعونا نتوجه الى بعض الظواهر التى أفرزتها المرحلة الراهنة وما آلت إليه الامور
من شتات وعى وتفكيك مجتمعى وانهيار أخلاقى
وكبت مزمن وتطور ملفت للنظر فى الادب النسوى الاباحى ان جاز التعبير

*****

#أشرف الهنداوى
*********

كنت أصل إليه مبللة وأول ما يفعله هو أن يمد إصبعه بين ساقي يتفقد "العسل" كما كان يسميه، يذوقه ويقبلني ويوغل عميقاً في فمي وأقول له: من الواضح أنك تطبق تعاليم الدين وتوصيات كتب شيوخي القدماء: (أعلم أن القبلة أول دواعي الشهوة والنشاط وسبب الإنعاش والانتشار، ومنه تقوم الذكور وتهيج النساء، ولا سيما إذا خلط الرجل بين قبلتين بعضة خفيفة وقرصة ضعيفة).

********

هذا المقطع لم يكتبه رجل عربي، فهو مقطع من رواية الشاعرة السورية المقيمة بباريس سلوى النعيمي، برهان العسل، الصادرة لدى دار رياض الريس للكتب.

ما كتبته سلوى النعيمي في روايتها، برهان العسل، لم يعد حالة شاذة او طارئة في الثقافة العربية، وتحديدا فيما بات يعرف بالأدب النسوي، او بالدقة الادب المكتوب بأيدي نسائية.

خلال الاعوام الأخيرة "تجرأت" المرأة العربية على تابوهات المقدس والمحرم في العقل العربي، واستاطعت هتك استار الثالوث المحرم في الدين والجنس والصراع الطبقي، وان كان الجنس هو اكثر التباهوات التي تجرأت عليها المرأة العربية، ليس فقط في الادب وانما في السينما والاغاني.

ولكن ما هو ملفت للنظر في انفجار الادب الايروتيكي النسوي، هو صدوره عن مناطق عرفت ولا تزال بانها الأكثر محافظة في المجتمعات العربية، فقد اتت "البشارة" اساسا من السعودية تحديدا
التي تشهد طفرة في الادب النسوي المتمرد على ثقافة هذا المجمتع "المغلق"، فمن رواية
*السعودية رجاء الصانع "بنات الرياض" *الى رواية صبا الحرز "الآخرون، ووردة عبدالملك
"الأوبة"، الى "ملامح" زينب حفني. خط ادب المرأة في السعودية نهجا في الكتابة المقتربة الى حد كبير من الاباحية في تناول الموضوع الجنسي، بما في ذلك او فوق كل ذلك التناول الصريح للعلاقة "المثلية" او "السحاقية"، ليس فقط بوصفها ظاهرة منتشرة انما ايضا في الاسهاب في وصف الممارسة الجنسية المثلية دون أي خوف من اتهام او ملاحقة المجتمع المحافظ.
ومن السعودية الى الاردن، التي وان كانت عرفت عددا من الكاتبات والروائيات الا ان الملفت للنظر ان الروائيات الاردنيات وقد اخذتهن موجة سيل الكتابات الايروتيكية انضم بعضهن للركب سريعا. فرواية "خارج الجسد" لعفاف البطاينة التي اثارت حفيظة المجتمع الذكوري الأردني الى رواية "مرافيء الوهم" لليلى الأطرش وأخيرا رواية القاصة حزامة حبايب "أصل الهوى"، التي استفزت الرقيب الاردني لشدة جرأتها في تناول الجنس قضية ووصفا، مما دفعه الى منعها من التداول في السوق المحلي.

اما في الكويت فان الكاتبة ليلى العثمان لا تزال تثير حولها موجة إثر اخرى من الجدل والنقاش وفي روايتها "صمت الفراشات"، وهي رواية عن الحب وممارسته، لا تتورع العثمان عن وصف الممارسة الجنسية والقضيب الذكري بإسهاب.

وفي العراق فان عالية ممدوح في روايتها "الغلامة" و"المحبوبات"، لم تكن اقل جرأة زميلاتها العربيات.

واذا كان المجتمع اللبناني المنفتح سمح بظهور كاتبات تجران على تابو الجنس منذ سنين الا ان الرواية النسوية الحديثة باتت اكثر جرأة في التعاطي مع هذا المحرم ولكن هذه المرة في الاسهاب في وصف العملية الجنسية او الاعضاء الجنسية، ولكن ما هو اكثر من ذلك هو ايضا تناول العلاقات المثلية "السحاقية" كما هو الحال في رواية "انا هي انت" لالهام منصور. غير ان روايات علوية صبح "مريم الحكايا ودينا" استفزت اكثر من رقيب عربي، وتحديدا الرقيب المصري الذي منع دخول هذه الاعمال الى معرض القاهرة للكتاب.

وفي الجزائر فقد ظهرت الروائية فضيلة الفاروق التي لم تشأ ان يغادرها قطار الادب الايروتيكي النسوي العربي فقدمت للقارئ روايتي "تاء الخجل" و"اكتشاف الشهوة"، وكادت الفاورق ان تضع مواطنتها احلام مستغانمي صاحبة "ذاكرة الجسد" طي النسيان.

لا تنوي هذة المادة مراجعة كل الادب النسوي العربي والجنس ولكن هذه الظاهرة باتت موجودة في كل دول المنطقة ربما مع استثناءات قليلة. ففي سوريا هناك عدد لا باس به من الروائيات الجديدات واللواتي لم يكن اقل جرأة من زميلاتهن العربيات.

لقد وضعت الكتابات النسوية العربية الجديدة أدب نساء عربيات معروفات امثال غادة السمان ونوال السعدواي واحلام مستغانمي وفاطمة المرنيسي على الرف وأصبحت أعمال هؤلاء النسوة "محافظات" قياسا الى الادب الجديد.

غير ان الملفت للنظر اكثر ان المرأة العربية تجرأت على هذا "المحرم" الجنسي اكثر بكثير ما تجرؤ الرجل العربي، وربما باستثناء حالات قليلة تجرأ فيها الروائي العربي على تناول الجنس بكل هذا الاسهاب والتفاصيل وتناول العلاقات المثلية الجنسية، كما هو الحال عند اللبناني رشيد الضعيف او المغربي محمد شكري او المصري ابراهيم صنع الله ومواطنه علاء الاسواني، فان الادب الذكوري العربي اصبح "محافظا" جدا قياسا الى ادب المراة، خاصة في موضوع العلاقة المثلية، وقد كان مجرد ذكر علاء الاسواني لقضية المثلية الجنسية في روايته "عمارة يعقوبيان" او اعتراف سهيل ادريس في سيرته الشخصية "ذكريات الحب والادب" بمثلية والده او اعتراف المصري شريف حتاته في سيرته "نوافذ مفتوحه" باغتصابه اثناء الطفولة وبعض المفترقات الاخرى كان كل ذلك مدعاة لاثارة الجدل والاتهامات غير ان الامر نفسه لا يحصل مع ادب المرأة العربية الذي بات يلاقى رواجا وترحيبا وتشجيعا.

الجنس سقط من "الثالوث المحرّم"

تقول بطلة راوية "برهان العسل" للنعيمي في تبرير لما فيها من جرأة بأنها كتبت اصلا لتكون دراسة اكاديمية عن الجنس في العالم العربي وأعدت لمؤتمر في الولايات المتحدة، "كل من التقيت به في مجتمع "التقية" يحذرني من موضوع الدراسة. لماذا.. الافكار ليست هي السبب، يمكنني ان اكتب ما اشاء، المشكلة هي الكلمات الكبيرة التي يجب ان تبقى سرية، وأول ما يخطر لهم طبعا هو الرقابة وكأنها متفرغة لقص كل كلمة جنسية تكتب".

وتتابع "يبدو انهم لا يتابعون ما ينشر الآن في العالم العربي. كأنهم لم يكتشفوا بعد انه لم يبق من الثلاثي المحرم الا اثنان.. الدين والسياسة المباشرة بالاسماء الصريحة. سقط الجنس من منخل الرقابة او لنقل.. انه اتسعت فتحاته".

فهل حقا ما تقول النعيمي؟؟.

ويبدو ان هناك رأي آخر مخالف لما تقول به الأديبات العربيات عن التعاطي الجريء هذا، فتكتب عناية جابر في صحيفة "القدس العربي": "لست مطمئنة تماما إلى سيل الروايات التي تكتبها بعض الكاتبات حاليا. تقلقني الاعترافات السهلة، والنبش في الرغبات الجنسية، وعرض المفاتن علي الورق، لغايات تستدعيها الترجمة كشرط اول، والانتشار واثارة اللغط الابداعي! ايضا، لغايات لا افقه فيها، فلست طبيبة نفسية. تجد هذه الروايات على غاياتها، من يهلل لها ويبارك جرأتها. بحسبي، ان الجرأة هي في الكشف الثقافي، في التجريب وفي العمل على كل جديد، وفي قوة النص ومعرفته، وتوظيف بوحِه ـ أنى كان هذا البوح ـ في خدمة الابداع اولا واخيرا".

المرأة السينما

وحال المرأة العربية في السينما قريب ايضا من الادب، وقد شهد دور العرض العربية خلال السنوات الأخيرة أعمالا سينمائية جريئة ايضا على ايدي مخرجات امثال كاملة ابو ذكرى التي ناقشت "الخيانة الزوجية" في فيلمها "ملك وكتابة"، والشهيرة المصرية ايناس الدغيدي وزميلتها التي لا تقل عنها شهرة ساندرا نشأت، ومؤخرا فيلم "دنيا" للبنانية مي المصري، ومن السعودية ظهرت المخرجة هيفاء المنصور التي قدمت للسينما اول افلامها الروائية بعنوان "نساء بلا ظلال".

من الصعب حصر انتاجات المرأة العربية في مجال السينما ولكن حسبنا ان السينما العربية باتت تشهد تقدما للنساء وجرأة في طرق مواضيع لم تكن مطروقة او ان هي طرقت كانت من وجهة نظر ذكورية مساومة وراضية.

******

مهما قيل عن ظاهرة الفيديو كليب في الوطن العربي، وهو بالمناسبة فن، وان لم يكن يرضي الغيورين على "الثقافة العربية"، فان النساء العربيات، وكما هو حالهن في الأدب والسينما كن الأكثر جرأة في استخدام الجنس والإيحاءات الجنسية في هذا الفن الجديد وحسبنا التذكير بهيفاء وهبي ونانسي عجرم وروبي وبوسي سمير ونيلي مقدسي ومروى ونجلا ودانا وغيرهن الكثيرات. ولكن تجدر الإشارة الى المخرجة اللبنانية نادين لبكي التي باتت الأشهر في هذا الفن ولا تخلو أشرطتها ايضا من استخدام الجنس بشكل مكثف.

******

لا نملك تفسيرا لكل هذه الظاهرة، فكيف يمكن لمرأة عربية تعاني القهر والاضطهاد والتمييز ان تنتج "ثقافة" بكل هذا الأفق المنفتح، ظاهرة بحاجة للتفكير والتدبير؟.


- أشرف الهنداوى


صورة مفقودة
 
أعلى