محاكمة "جريمة في رام الله" جريمة ضد الابداع..

"جريمة في رام الله": مصادرة واعتقال
رام الله - العربي الجديد
6 فبراير 2017

في سابقة وصفت بالخطيرة، أصدر النائب العام الفلسطيني اليوم الإثنين، قرارا بـ"ضبط كافة نسخ" رواية "جريمة في رام الله" للروائي الفلسطيني عبّاد يحيى، والمعروضة للبيع لدى المكتبات والمحلات ونقاط بيع الكتب في كافة المناطق التابعة للسلطة الفلسطينية.

بالإضافة إلى قيام "النيابة العامة الفلسطينية" بـ"تسطير مذكرات إحضار لكل من المؤلف والناشر الموزع ليتم استكمال إجراءات التحقيق حسب الأصول والقانون" بحسب بيان صحافي صادر عنها. وقد علمت "العربي الجديد" أن أفراداً من المباحث الفلسطينية قاموا، قبل ساعات، باعتقال موزّع الرواية فؤاد العكليك (الرواية صادرة عن "منشورات المتوسط" في ميلانو).

ووفق بيان صادر عن "النيابة العامة"، فإنه "استنادا للتحقيقات التي أجرتها النيابة العامة" بخصوص رواية "جريمة في رام الله"، فإنه "ورد فيها نصوص ومصطلحات مخلة بالحياء والأخلاق والآداب العامة، والتي من شأنها المساس بالمواطن ولا سيما القصر والأطفال حماية لهم ووقاية من الانحراف، بما يتنافى مع الاتفاقيات الدولية ومنظومة القوانين الفلسطينية ذات العلاقة سيما قانون المطبوعات والنشر، قانون العقوبات، قانون حماية الأحداث وقانون الطفل الذي حظر نشر أو عرض أو تداول أي مصنفات مطبوعة أو مرئية أو مسموعة تخاطب غرائز الطفل وتزين له السلوكيات المخالفة للنظام العام والآداب العامة".

وهي توصيفات اعتبرها مراقبون تفسيرات متجنية وكيدية وبمثابة تحريض تشارك به "النيابة" ضد الكاتب وضد حرية التعبير، إذ إن الرواية ليست موجهة للأطفال، وبهذا المنطق الذي تستعمله النيابة فإن المنع والمصادرة ستطال آلاف الكتب الموجودة في المكتبات الفلسطينية.

من جانبه، كتب الروائي يحيى تعقيباً في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بشأن قرار النيابة العامة الفلسطينية مصادرة روايته "جريمة في رام الله" واستدعائه للتحقيق، وقال: " قبل قليل وصلني خبر عبر وكالة وفا الرسمية عن قرار النائب العام بمصادرة كل نسخ روايتي جريمة في رام الله من المكتبات، وإصدار مذكرات إحضار لكل من المؤلف والناشر الموزع، ليتم استكمال إجراءات التحقيق حسب الأصول والقانون".

وتابع: تأكدت من الموزّع أن الشرطة تصادر الرواية من المكتبات، وأمس اتصلت بي سيدة من "نيابة الجرائم الاقتصادية" أعلمتني باستدعائي للنيابة، وحين السؤال عن السبب قالت إنه متعلق بالرواية وحصولها على التراخيص والأذونات، فأخبرتها أنني المؤلف ولا يوجد ترخيص أو إذن يلزمني الحصول عليه، وأن الأمر مرتبط بالناشر، مع علمي أن الكتب في فلسطين لا تحتاج إلى فسح أو ما شابه، فطلبت مني معلومات الناشر".

وقال: "تبين لي أن هنالك عدم وضوح في المعلومات التي لدى المتصلة بي، وحين أخبرتها أنني مسافر خارج فلسطين لمدة أسبوعين، طلبت رقم هويتي وأخبرتني بضرورة الاتصال بهم حين أعود لرام الله".

واستدرك "قبلها بعدة أيام استدعى وكيل وزارة الإعلام في رام الله موزع الرواية في فلسطين صاحب الدار الرقمية وبلّغه أن المستشار القانوني للوزارة يتابع التحرّك إزاء الرواية، وأمس تواصلت مع محام لأوكله بمتابعة الأمر، فلا مشكلة لديّ مع الإجراء القانوني الاعتيادي، وأحرص على التحرّك ضمن القانون بشكل كامل، وبما يحفظ كل حقي".

ولفت الروائي يحيى إلى أنه تواصل مع "الهيئة المستقلة لحقوق المواطن" وأخبره محاموها أنهم مهتمون بالقضية وسيتابعونها ووصفها أحد المحامين بالسابقة في تاريخ المحاكم الفلسطينية، فلم يحصل يوما أن تم استدعاء كاتب بسبب كتابه.

وقال يحيى: "المهم هنا يا أعزاء، أنني أبدي كل القلق والاندهاش والاستغراب من هذا القرار ومن كل توابعه من تحقيق ومصادرة. أنا مندهش وقلق على واقع حرية الإبداع والتعبير والنشر والكتابة، ومصدوم فعلا من حدوث ما يجري وبهذه الطريقة!".

وأكد الروائي يحيى "طوال فترة الجدل بشأن الرواية على فيسبوك وغيره لم أعلّق، لأنني لست بصدد جدل أدبي عن طبيعة الأدب اليوم وأمس وماذا يقول وأي مساحات يطرق، خاصة حين يقارب واقعيا وخياليا حيوات متعددة. لا فائدة من الرد على الاجتزاء المتعمد، والجهالة المقصودة، وإطلاق الأحكام دون حتى قراءة الرواية أصلا، ونزع كل الفقرات المتداولة من سياقها الكامل. أما التهجم على شخصي والتهديد الذي يطالني فحقي القانوني واضح وسأتابعه مع كل شخص تهجم أو شهّر أو هدد".

وشدّد على أنه "مهم هنا التأكيد على خصوصية النص الأدبي والروائي، وسياقاته ولغته ومقتضياته الفنية، وهذا ما لا أتنازل عنه ككاتب، هذه حريتنا ببساطة".

وقال: "أعتقد، وهذه لكل الأصدقاء العاملين في المجال الثقافي، أننا نواجه تحديا، وغير مسبوق، والموقف الواضح من الجميع مطلوب، وأنا متأكد أننا في فلسطين تجاوزنا هذه الحالة، ولن يقبل أحد بنقض كل منجز الأدب والثقافة في فلسطين، عبر باب التضييق والمصادرة، أتمنى ألا يتطور الأمر إلى أسوأ، مع قلقي الشديد وبكل صراحة".

وتابع صاحب "رام الله الشقراء" (2012): "أشكر كل من يتصل ويتواصل وأرجو منكم إيصال هذه التفاصيل إلى كل مهتم. جهدكم أساسي وضروري يا أصدقاء". هذا ويذكر أن دعوات إلى التضامن مع الكاتب والموزّع وضد إجراءات المنع بدأت تأخذ بوادرها على مواقع التواصل الاجتماعي فلسطينياً وعربياً.



صورة مفقودة
 
"جريمتان" في رام الله
أمير داود
8 فبراير 2017
لعلّ المتابع للأحداث المتسارعة التي أحاطت بقرار النائب العام الفلسطيني الذي يقضي بسحب رواية "جريمة في رام الله" للروائي الفلسطيني عباد يحيى من الأسواق واستدعاء كاتبها وناشرها سيقع في حيرة السؤال النهائي: ما الذي يريده النائب العام بالضبط؟ أو ما هو الشكل النهائي من الثقافة الذي يريد؟

الأكثر إرباكاً من قرار السحب ذاته، أن السلطة التي أمرت بسحب الرواية، الإثنين الماضي، هي الجهة التي استهجنت موقف "حكومة حماس" قبل أكثر من عشر سنوات حين أصدرت قرارها الشهير بسحب كتاب "قول يا طير" للباحثين إبراهيم مهدي وشريف كناعنة من المدارس والمكتبات تحت ذريعة احتواء الكتاب على ألفاظ خادشة للحياء العام.

ومن يعود إلى تلك الحادثة سيتذكّر إلى جانبها، بكائيات الجهة - التي منعت عبّاد يحيى اليوم- على حرية التعبير والحداثة، وترديدها وقتئذ أن: "البلد "فلسطين" تتعرض لما قيل عنه أيامها لموجة الأفغنة المتعمّدة"، أي أن حكومة حماس في قرارها منع "قول يا طير" تذهب في البلاد إلى النموذج الأفغاني. إذن ما الذي تغيّر الآن بالضبط؟
"
وصل الأمر إلى المساس بشخص كاتبها بالتشهير والتهديد
"

لا إجابات واضحة تقدّمها الجهات التي اتخذت قرار السحب حول ما حدث، إذ إن الدخول في دوامات التحرّي قانونياً "حول نصوص ومصطلحات مخلّة بالحياء والأخلاق والآداب العامة"، داخل الرواية، ثم الإصرار "أن هذا القرار لا يتنافى مع حرية الرأي والتعبير المكفولة بموجب القانون" بحسب ما ورد في بيان النائب العام، لا يكتفي فقط بعدم تقديم إجابة واضحة وشافية للمتابعين المصدومين حيال السقطة الخطيرة في هذا السياق، بل يزيد الأمر غموضاً حول مستقبل الكتابة والثقافة والحريات العامة في هذا الجزء من فلسطين المحتلة، الواقع ضمن حكم السلطة الفلسطينية.

لا تتوقّف حدود غرابة القرار عند سحب الكتاب من الأسواق واستدعاء كاتبها وناشرها وموزعها، أمام غرابة من يعتقد، والآن تحديداً، في عصر السرعة والموجات الرقمية المتلاحقة، أنه يستطيع أن يمنع كتاباً من القراءة، وأن يمارس على القرّاء والمكتبات والكتّاب على حد سواء سطوة الملاحقة والمحاكمة والمنع!

وإلا كيف نفسّر لهذه الجهة دون غيرها، إعلانها الصريح دوماً وفي كل المناسبات أنها تقف إلى جانب حرية التعبير؟ بل وذهبت فيما هو أبعد من ذلك، حين أدانت الهجوم المسلّح على مقر صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية المعروفة بعدائها الشديد للمسلمين وسخريتها الدائمة من رموزهم الدينية.

لكن رواية "جريمة في رام الله"، وهي التي تذهب في معالجتها لبعض التشابكات الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني من دون مواربة، وتستعرض جملة من التجارب الإنسانية من غير قشور ومجاملات، في حبكة روائية، لا يدّعي صاحبها أنه الأسبق إليها؛ تجربةً وكتابةً وشكلاً، قد أُخرجت عن سياقها، باقتباس هنا، وبتجريد لمضمون هناك، حتى وصل الأمر إلى المساس بشخص كاتبها بالتشهير حيناً والتهديد حيناً آخر، مما يدفعنا إلى التساؤل مرة أخرى: هل هذه هي الحريات العامة التي نسعى إليها وإلى صونها ومن الذي يمارس الأفغنة اليوم في المجتمع الفلسطيني وفي حياته الثقافية الجريحة؟

* كاتب فلسطيني/ رام الله
 
وزارة الثقافة الفلسطينية: بيان لإرضاء الجميع
رام الله - العربي الجديد
17 فبراير 2017


الأمر الواضح أن "وزارة الثقافة الفلسطينية" في رام الله تحاول دفع الحرج عن نفسها بعد حملات عدة على النطاق العربي وحتى العالمي تدين قرار النائب العام الفلسطيني بمنع رواية "جريمة في رام الله" واستدعاء كاتبها وموزعها وناشرها، وقيام قوات أمن بمصادرة نسخ الرواية من المكتبات الفلسطينية.
حتى أن أصواتاً عربية وجهت نقداً مباشراً لـ"وزارة الثقافة" مثلما فعل الروائي إلياس خوري في مقال نشره قبل يومين: "قبل الشروع في تقديم قراءة نقدية للرواية يجب أن يرفع قرار المنع، كما يجب أن نسمع اعتذاراً من وزارة الثقافة الفلسطينية التي عليها أن تجد وسيلة لمنع هذا المنع، وإلا فقدت مبرر وجودها. شرط القراءة هو رفع سيف الاتهامات والتضليل عن الرواية وكاتبها، عندها يصير النقاش ممكناً".
اليوم أعلنت "وزارة الثقافة الفلسطينية" في بيان لها، أنها تلقت رسالة من النائب العام "سعادة المستشار أحمد براك" بتعبيرها، بخصوص رواية عبّاد يحيى، "أكد فيها بوضوح أن النيابة لم تصادر الرواية لكون القرار يتم بموجب حكم قضائي، ولكن اتخذت قراراً تحفظياً مؤقتاً بالتحفظ على الرواية لحين انتهاء إجراءات التحقيقات".
 
النائب العام يؤكد التحفظ مؤقتا على رواية "جريمة في رام الله"
رام الله – الحياة الجديدة



قالت وزارة الثقافة، إنها تلقت رسالة من النائب العام المستشار أحمد براك بخصوص رواية (جريمة في رام الله) للكاتب عبّاد يحيى، أكد فيها بوضوح (أن النيابة لم تصادر الرواية لكون القرار يتم بموجب حكم قضائي، ولكن اتخذت قرارا تحفظيا مؤقتا بالتحفظ على الرواية لحين انتهاء إجراءات التحقيقات)، واقتراح تشكيل لجنة من الخبراء في النقد الأدبي وأصحاب الاختصاص لتقديم قراءة فنية في الرواية المذكورة في ظل الجدل القائم بشأنها في المجتمع الفلسطيني.

وعبرت وزارة الثقافة في بيان لها، اليوم الخميس، عن تأكيدها ان الاستعانة بآراء النقاد وذوي الاختصاص يشكّل من وجهة نظر الوزارة مدخلا حكيما لمعالجة هذه المسألة بشكل موضوعي ومهني لا يتعارض مع مبدأ حرية الرأي والتعبير من جهة، ولا يتعارض مع اللوائح والأنظمة والقوانين ذات العلاقة من جهة أخرى.

وقالت: إن الاستعانة بالنقاد وذوي الاختصاص يؤكد حق المثقف الفلسطيني بالتفاعل الثقافي النقدي الذي يمثل جوهر الانتماء لفلسطين التاريخ والحضارة، ويُعدّ رافعة أساسية للرواية الفلسطينية، فالرأي النقدي الجاد يساهم في تعزيز الخطوات الحكيمة لمعالجة القضايا الأدبية المختلفة.

ورأت وزارة الثقافة أن معالجة القضايا ذات البعد الثقافي والفكري يتمثل في تعزيز الوعي بضرورة تفعيل دور النقد، عبر مناخ ديمقراطي ثقافي يساهم في مواجهة أية تحديات قد تنال من صورة فلسطين الحضارية، التي أسس لها وساهم في رسم ملامحها رواد ومعاصرون في كافة المجالات الثقافية.

واعتبرت أن تطوير منظومة القوانين والتشريعات ذات العلاقة بالعمل الثقافي من شأنه أن يساهم في تكريس هذا المناخ الديمقراطي، مشددة على أنها ستعمل على تقديم المقترحات اللازمة بهذا الخصوص إلى مجلس الوزراء بالتعاون مع المؤسسات ذات العلاقة ضمن جهد وطني مشترك، من أجل تطوير منظومة القوانين والتشريعات الفلسطينية بشكل يتلاءم والتطور التكنولوجي وتدفق المعلومات، ويسهم في تحقيق الإرادة الوطنية نحو إقامة دولة مستقلة ذات قوانين عصرية، تكرّس مبدأ حرية الرأي والتعبير والنشر في إطار احترام تعددية المعتقدات الدينية والاجتماعية والفكرية، كجزء أصيل من مكونات المجتمع الفلسطيني بما لا يتناقض مع القانون الأساسي الفلسطيني الذي يضمن ويصون الحريات العامة.

وأكدت وزارة الثقافة حرصها على ضرورة تكريس وصون مبدأ حرية الرأي والإبداع وحق التأليف والنشر كما كفلها القانون الأساسي الفلسطيني؛ وأنه من حق الجميع الاختلاف في رؤية الفن والأدب بشكل عام، وإبداء الرأي حول الأعمال الأدبية والفكرية والفنية في سياق تعددية ثقافية تسمح بنقاش حضاري وفكري؛ تتفق أو تعارض، توافق أو ترفض، في إطار نهج ثقافي نقدي موضوعي ضمن مساحة تتسع لمختلف الرؤى المستندة إلى الحق في مناقشة القضايا ذات البعد الفكري والثقافي.

وجددت تأكيدها على احترام استقلالية القضاء الفلسطيني كمظلة لصون الحريات العامة وفق القانون الأساسي الفلسطيني، وانطلاقا من ضرورة تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كجزء أصيل من الفعل الديمقراطي الفلسطيني.

وثمنت وزارة الثقافة دور ومواقف مختلف المؤسسات والفعاليات الثقافية الفلسطينية التي عكست تفاعلا ديمقراطيا؛ يؤكد ضرورة حماية وصون النهج الديمقراطي في فلسطين، ويعزز المناخ الإيجابي لجهة الحفاظ على صورة فلسطين الثقافية والوطنية محليا وعربيا ودوليا.

وأعربت عن أملها في أن تشكل هذه الخطوة تجسيدا للجهد الوطني والثقافي المُشترك، بما يخدم فلسطين وصورتها ويكفل احترام سيادة القانون والقضاء وحرية التعبير والنشر.
 
أعلى