أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشي - سرور النفس بمدارك الحواس الخمس

قال مثنى بن زهير، وهو إمام في البصر بالحمام (1) : لم أرَ شيئاً في الرجل والمرأة إلا وقد رأيت مثله في الذكر والانثى من الحمام: رأيت حمامة لا تريد إلا ذكرها كالمرأة التي لا تريد إلا زوجها وسيدها، ورأيت حمامة لا تمنع شيئاً من الذكور ورأيت امرأة لا تدفع يد لامس، ورأيت حمامة لا تزيف إلا بعد طرد كثير وشدة طلب ورأيتها تزيف لأول ذكر يريدها ساعة يصل (2) إليها، ورأيت الحمامة لها زوج وهى تمكن ذكراً آخر لا تعدوه، ورأيت مثل ذلك في النساء، ورأيتها تزيف لغير ذكرها وذكرها يراها، ورأيتها لا تفعل ذلك إلا وذكرها يطير أو يحضن، ورأيت الحمامة تقمط الحمامة، ورأيت الحمام الذكر يقمط الحمام الذكر، ورأيت أنثى لا تقمط إلا الإناث ويقمطها الإناث، ورأيت أنثى لا تقمط إلا الإناث ولا تدع أنثى تقمطها، ورأيت ذكراً يقمط الذكر ويقمطه الذكر، ورأيت ذكراً يقمط الذكور ولا يدع ذكراً يقمطه، ورأيت أنثى تزيف للذكورة ولا تدع شيئاً منها يقمطها، ورأيت هذه الأصناف كلّها في السحاقات من المذكرات والمؤنثات وفي الرجال الحلقيين واللوطيين، ورأيت من النساء من تزني أبداً ولا تتزوج، ومن الرجال من يلوط ويزني أبداً ولا يتزوج، ورأيت حماماً يقمط ما لقي ولا يتزاوج ورأيت حمامة تمكن كل حمامٍ أرادها ذكراً أو أنثى وتسفد الذكور والإناث ولا تزوج. ورأيتها تزاوج ولا تبيض، وتبيض فيفسد بيضها كالمرأة تتزوج وهي عاقر، وكالمرأة تلد وتكون خرقاء، ويعرض لها العقوق والغلظة على أولادها كما يعتري ذلك العقاب.
قال الجاحظ (3) : ورأيت الجفاء بالأولاد شائعاً في اللواتي يحملن من الحرام، ولربما ولدت من زوجها فيكون عطفها وتحننها كتحنن العفيفات المتسترات، فما هو إلا أن تزني أو تقحب فكأنها لم يكن بينها وبين ذلك الولد رحم وكأنها لم تلده.
والحمام (4) والفواخت والأطرغلّة (5) والحمام البريّ يبيض مرتين في السنة، والحمام الأهليّ يبيض عشر مرات، وإذا باض الطير لم تخرج البيضة من جهة التحديد (1) والتلطيف بل يكون الذي يبدأ بالخروج الجانب الأعظم، وكان الظنّ يسرع إلى أن الرأس المحددة (2) هي التي تخرج أولا، والبيضة عند خروجها لينة القشر غير يابسة ولا جامدة والبيضة في بطن الطائر مستوية الطرفين، فإذا خرجت وهي لينة فبرز نصفها، انضمَّ الرحم عليها بطبعه فيحدّد النصف الباقي لمكان لينها، وكلما انسلتت من الرحم زاد التحديد. ويقولون إن البيض يكون من أربعة أشياء: يكون من الثراب، ومن السفاد، ومن نسيم يصل إلى أجوافها في بعض الزمان، ومنه شيء يعتري الحجل وما شاكله في الطبيعة، فإن الأنثى ربما كانت على سفالة الريح التي تهب من شقِّ الذكر في بعض الزمان فتحتشي من ذلك بيضاً.
قال الجاحظ (3) : ولا شك في أن النخلة المطعمة تكون بقرب الفحّال وتحت ريحه فتلقّح بتلك الريح وتكتفي بذلك؛ قال: ويكون بيض الريح من القبج والحمام والطاووس والأوز، قال: وبيض الصيف المحضون أسرع خروجاً منه في الشتاء، ولذلك تحضن الدجاجة في الصيف ثمان عشرة ليلة، وربما عرض غيم في الهواء ورعد في وقت حضن طائر، فيفسد البيض، وفساده في الصيف أكثر وفي هبوب الجنائب.
وكان ابن الجهم لا يطلب من نسائه الولد إلا والريح شمال.
والرعد (4) إذا اشتد لم يبق طائر على وجه الأرض واقعاً إلا غدا فزعاً وإن كان يطير إلا رمى بنفسه إلى الأرض، وكذلك الرعد تلقي له الحمامة بيضها.
وليس (5) التقبيل إلا للحمام والإنسان، ولا يدع ذكر الحمام ذلك إلا بعد الهرم.
والفرخ (6) يخلق من البياض، ويغتذي بالصفرة، ويتم خَلقه لعشرة أيام، والرأس وحده أكبر من سائر الجسد.




* سرور النفس بمدارك الحواس الخمس
أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشي
هذبهُ: محمد بن جلال الدين المكرم (ابن منظور)
المحقق : إحسان عباس



.


60f845d6bfd05b899032c3ad07add211.jpg
 
أعلى