أبو الحسن على بن موسى بن سعيد المغربي الأندلسي - المقتطف من أزاهر الطرف

الطبقة الرابعة: من الحكايات الممتعة
ابن حجاج «1» دخل على عضد الدولة فى زى قاض أو خطيب وعنده مشايخ الدولة فقال له:
ما زاد من طرائفك. فقال: أيها الملك، لا أحكى لك إلا ما جرى لى البارحة. قال:
وما هو؟ قال: قعدت فى بيتى فضرطت بما أقدر عليه وقلت:
فأحمد ربى حين أمسيت مفردأ ... أقلّب طرفى حيث شئت وأضرط
فرفعت الديلم رءوسها متعجبة من تناقض حالتيه. ثم قال: فبينا أنا أصفع الضرطة بأخرى إذا أقبلت العجوز السوء من زاوية لها وجعلت تقول: يا شيخ السوء لقد حمدت ربك على ما لا يدوم لك، وجاءتنى أيها الملك بماعون النّيك ثم جلست إلى جنبى وأدخلت يدها إلى أيرى فشمرخته ودلكته وعركته فلم يرفع رأسا وقالت ما تضمّنته فى قولى:
قالت وقد خاب منها الظّنّ فى ذكرى ... لا تلحينّى إذا أصبحت قرنانا
كأن أيرك شمع من رخاوته ... فكلّما عرّكتة راحتى لانا
- فضحك وأمر له ولها بصلة ا، ب حكاية عن بعض العجم ذكر ابن الربيب أن أحد الرؤساء قال لجلسائه وقد أضحكوه، أنا أحدثكم ما جرى من بعض أصحابنا الذين عاشروا الأدباء، وفهموا فهما معكوسا. حضر ليلة عند رئيس، فغنت جارية بقول الشاعر:
حمامة بطن الواديين ترنّمى ... سقاك من الغرّ الغوادى مطيرها
فما أتمّت البيت حتى علا شهيقه، فقلنا له: ما شأنك، فجعل يبكى ويزيد.
فأسكننا القينة، وأخذنا فى سؤاله. فقالت: تذكرت حمارة كانت عندنا ببلادنا ببطن الوادى كنت أنيكها أنا وأخ لى، فها أنا ها هنا، وما أدرى ما فعل الله بأخى ولا بالحمارة. فانقلب المجلس ضحكا. فدخل فى السلاح وجذب القوس إذ فهم أنّا نهزأ به. فاجتمعنا عليه، وأوثقناه كتافا، وجعلناه فى بيت مفرد حتى أصبحنا وخلّينا سبيله، ولم نشرب معه بعد ذلك خوفا من عربدته وتذكّره القصة.

ا، ب حكاية مضحكة
ذكر ابن الربيب أيضا أن شخصا من أصحاب المرقّعات المرائين بكثرة الصلاة والتسبيح صحب فى طريق تاجرا كثير المال والمماليك الملاح فأنسوا بذلك الفقير وصبّروه إماما فى الصلاة، فلما أجهدهم التعب ذات يوم وقعوا فى الليل كالأموات/ فدبّ على واحد منهم، فقام معه وقد فرغ. وأفلت الفقير، وعاد لمكانه، وانقلب على وجهه، وجرّد عن مؤخّره، وملأه بصاقا، وصاح المملوك، وأسرجت الشمعة، وطلب الفاعل، وجعل التاجر يتصفح مكان الريبة، فنظر إلى الصوفى على تلك الحال، فلها عن المملوك. وقال: انظر هذا الفاعل الصانع الذى دبّ حتى على الرجل الصالح، استروا جحره، وامسحوا ثقبه لئلا ينتبه ونقع معه فى خجله. فامتثلوا ما أمر به سيّدهم وجعلوا يضحكون من الفقير، وتغافلوا عن البحث فرأوا ستر القضيّة أولى.

أخرى كان بدمشق شخص يعرف بسليمان المفسّر له حكايات فى هذا الباب غريبة، ومن أطرفها أن جماعة من الجيدريّة «1» وصلوا من العجم إلى دمشق، وكان معهم لأحدهم ولد فتّان الصورة. فخدمهم المفسّر من أجله، وتقرب إليهم إلى أن حضر معهم يوما خوش قدم ومعناه قدم صدق، فى الصبر والمجاهدة، فأزالوا الأقفال التى عادتهم أن يجعلوها على ذكورهم، ونصبوا الصّبى، وكشفوا عن مقعدته، وحصل الواحد منهم يصل بذكره إليها ويرجع دون مباشرة ويقول بالعجمية «خوش قدم» عبارة عن أنه تركه لله، إلى أن جاءت نوبة المفسّر فأقام ذكره وجعل فيه الصابون المشرقى، ودفع- دفعة حصّلت متاعه فى متاع الصى وهو يقول: أنا لا أتركك لا لله ولا لغيره، فصفعوه بالمداسات حتى كاد بهلك، وأخرجوه، فصار يعرف بعد ذلك بصريع المداسات ا، ب أخرى كنت بدمشق كثيرا ما أخرج إلى شرف «1» نهر بانياس «2» فاتفرج فى جريان الماء، وحفيف الأشجار، وتغريد الأطيار وما تحت ذلك الشّرف من خلق أنواع العالم فرأيت فى بعض الأيام امرأة قد جاءت إلى شيخ ذى لحية طويلة، عنده بساط عليه عقاقير وحروز وهو ينادى تارة على العقاقير وتارة على الحروز، يجمع المنافع المتضادة فى الشىء الواحد فقالت له تلك المرأة: يا سيدى أريد حرزا أعقد به لسان زوجى، وأطلّق عليه ضرتى، وأزرع المحبة فى قلب كل أحد لى، وجعلت تعدّ أشياء كثيرة.
فقال لها هذا الحرز فيه هذا كله. هات ما عندك. فرمت فيه بقيراط. فقال لها:
ضعى رأسك، ثم ضرط لها ضرطة فى الحرز من أوله إلى آخره. وقال خذى ما فضل من هذه الضرطة واجعليها فى لحية زوجك. فقالت ما عند زوجى إلا لحية صغيرة وبالحر، أتقوم بها هذه اللحية السوء؟

ا، ب
خبز طرى المسخرة «3» .
كان مختصا بالملك العادل صاحب مصر والشّام، وكان لا يكاد يستغنى عنه. واكتسب/ معه وبجاهه أموالا عظيمة. وكان كثيرا ما يقول له: يا صفعان، ما تصنع بهذه الأموال؟ فيقول: يا خوند، لك ترجع كلها. وتصرّف فيها مدة حياته على جميع لذّاته وأغراضه. ولم يترك وارثا. فلما حضرته الوفاة أخرج صندوقا وأوصى أن كلّ ما فيه إنما هو مما كسبه من إحسان العادل أو جاهه، فهو له يتصرف فيه بما يشاء، ورغب ألا يفتح إلا بمحضر شهود. ولما مات فتح بين يدى العادل بمحضر من يختص به، فوجد فيه صورة أير كبير ومعه ورقة فيها: هذا فى رحم عيال من طمع فى ميراثى. فضحك العادل حتى غشى عليه وقال: لعنه الله ما أطيبه حيا ومّيتا.



* كتاب: المقتطف من أزاهر الطرف
المؤلف: أبو الحسن على بن موسى بن سعيد المغربي الأندلسي (المتوفى: 685هـ)

صورة مفقودة
 
الخميلة التاسعة «1» المشتملة على الحكايات الممتعة «2» ،
وهى مخصوصة بالزهاد والعلماء والأدباء وسائر أصناف الناس ما بين جد وهزل
الطبقة الأولى: من الحكايات الممتعة
ا، ب الحسن يسار البصرى «3» عاد عبد الله بن الأهتم فى/ مرضه الذى مات فيه، فأقبل عبد الله يضرب ببصره إلى صندوق فى جانب البيت، ثم قال للحسن: يا أبا سعيد، ما تقول فى مائة ألف فى هذا الصندوق لم تؤد منها زكاة، ولم توصل بها رحم. فقال: ثكلتك أمّك، فلم أعددتها، قال: أعددتها لروعة الزمان، ومكاثرة «4» الاخوان، وجفوة السلطان ثم مات فحضر الحسن جنازته. فقال: جمعه فأوعاه، وشده فأوكاه، من باطل جمعه، ومن حق منعه، إن يوم القيامة ليوم ذو مسرات، وإن أعظم الحسرات أن ترى مالك فى ميزان غيرك. أيها الوارث، كل هنيئا، فقد أتاك هذا المال حلالا، فلا يكن عليك وبالا.
ا، ب أبو حازم من عبّاد المدينة «5» نظر إلى امرأة تطوف بالبيت سافرة من أحسن الناس وجها، فقال: أيتها المرأة اتقى الله فقد شغلت الناس عن الطّواف فقالت: أو ما تعرفنى؟ فال: من أنت، قالت: من اللائى عناهنّ العرجى بقوله
أماطت كساء الخزّ عن حرّ وجهها ... وأرخت على الكفّين بردا مهلهلا
من اللائى لم يحججن برّا ولا تقّى ... ولكن ليقتلن البرىء المغفّلا
فقال: فإنى أسأل الله ألا يعذّب هذا الوجه الحسن بالنار، فبلغ ذلك سعيد بن المسيّب «1» فقال- رحمه الله- هذا من ظرف عباد الحجاز. أما والله لو كان بعض بغضاء عباد العراق لقال: أغربى يا عدوة الله.
ا، ب أبو عبد الرحمن العمرى «2» : من ولد عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
كان من أعبد أهل الحجاز، فرحل إلى بغداد فرأى فتيانا فى زورق وهم يشربون ويقصفون غير مستترين بشىء من ذلك. فقال له أصحابه، أما تنظر إلى هؤلاء، كيف يجاهرون بالمعاصى ولا يستترون بالشراب. أدع الله عليهم أن يهلكهم ويعجّل لهم بالعقوبة. فقال: ارفعوا أيديكم، فرفعوا أيديهم. فقال: اللهم كما فرّحتهم فى الدنيا ففرّحهم فى الآخرة، فبلغ ذلك القوم، فأقلعوا عما كانوا فيه ونفعهم الله ببركة دعائه.
سيد الدارمى «3» : من عباد المدينة كان من ظرفائها وأصحاب الغزل فيها، فتاب والتزم العبادة والمسجد فاتفق أن وصل لها تاجر، فكسدت عليه خمر سود فشكى ذلك إلى الدارمى. فنظم هذه الأبيات
قل للمليحة بالخمار الأسود ... ماذا فعلت بعاشق متعبّد
قد كان شمّر للصلاة رداءه ... حتى برزت له بباب المسجد
ردّى عليه صيامه وصلاته ... لا تفتنيه بحق دين محمد
فحفظت الأبيات، وعنى بها وشاع أن الدارمى رجع إلى ما كان عليه من العزل والظرف، فلم تبق ظريفة بالمدينة حتى ابتاعت خمارا أسود، فلم/ يبق للتاجر منها خمار.
ا، ب الفضيل بن عياض «1» سأله الرشيد أن يعظه فقال: إن عمر بن عبد العزيز رحمه الله لما استخلف دعا سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظى ورجاء ابن حيوة «2» فقال لهم: إنى ابتليت بهذا البلاء فأسيروا علىّ فقال له سالم: إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا وأوسطهم أخا وأصغرهم ولدا. فوقّر أباك وأكرم أخاك وتحنّن على ولدك. وقال رجاء: إن أردت النجاة من عذاب الله فأحبّ للمسلمين ما تحبّ لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت فهل معك رحمك الله مثل هؤلاء ومن يشير بمثل هذا. فعملت الموعظة فيه حتى بكى، فقال الفضل بن الربيع: إرفق بأمير المؤمنين فقد قتلته. فقال بل أنت تقتله وأمثالك.
اذو النون المصرى «3» صحبه إنسان ولزم خدمته ثم طلب منه أن يطلعه على اسم الله الأعظم فماطله. ثم أمره أن يحمل عنه طبقا مغطّى إلى شخص بالفسطاط فلما بلغ الجسر قال فى نفسه:
 
أعلى