أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى الجريرى النهرواني - الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي

ابْن صَفْوَان ينصح السفاح بالاستمتاع بِالنسَاء
حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْقَاسِم بْن جَعْفَر الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: قَالَ: إِسْحَاق يَعْنِي ابْن إِبْرَاهِيم الْمَوْصِلِيّ، قَالَ شبيبُ بْن شَيْبَة:
دخل خَالِد بْن صَفْوَان التَّميْميّ عَلَى أَبِي الْعَبَّاس وَلَيْسَ عِنْده أحد، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين! إِنِّي واللَّه مَا زلتُ منذُ قلَّدك اللَّه تَعَالَى خلَافَة الْمُسْلِمِين إِلا وَأَنا أحبّ أَن أصير إِلَى مثل هَذَا الْموقف فِي الْخلْوَة، فَإِن رَأَى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يَأْمر بإمساك الْبَاب حَتَّى أفرغ فعل، قَالَ: فَأمر الحاجبَ بِذَلِك، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! إِنِّي فَكرت فِي أَمرك، وأَجَلْتُ الْفِكر فِيك فَلم أر أحدا لَهُ مثل قَدْرِك، وَلا أقل استمتاعًا فِي الِاسْتِمْتَاع بِالنسَاء مِنْك، وَلا أضيق فِيهِنَّ عَيْشًا، إِنَّك ملكتَ نَفسك امْرَأَة من نسَاء الْعَالمين واقتصرت عَلَيْهَا، فَإِن مَرضَتْ مَرِضْتَ، وَإِن غابتْ غبت، وَإِن عَرَكَتْ عَرَكْتَ، وحَرَمْتَ نَفسك يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين التلذُّذ باستطراف الجَوَارِي وبمعرفة اخْتِلاف أحوالهن، والتلذُّذ بِمَا يُشتهى مِنْهُنَّ؟ إِن مِنْهُنَّ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الطَّوِيلَة الَّتِي تشْتَهى لجسمها، والبيضاء الَّتِي تحب لروعتها، والسَّمْراء اللَّعْسَاء، والصَّفراءُ العجزاءُ، ومولدات الْمَدِينَة والطائف واليمامة ذَوَات الألسن العذبة وَالْجَوَاب الْحَاضِر، وَبَنَات سَائِر الْمُلُوك، وَمَا يشتهى من نظافتهن وَحسن هندامهن، وتخلل بِلِسَانِهِ فأطنب فِي صِفَات ضُروب الجَوَارِي وشَوَّقَهُ إلَيْهِنَّ، فَلَمَّا فرغ خَالِد، قَالَ: وَيحك! مَا سلك مسامعي واللَّه كلامٌ قطّ أحسنَ من هَذَا، فأعدْ عليَّ كلامك فقد وَقع مني موقعًا، فَأَعَادَ عَلَيْه خَالِد كَلَامه بِأَحْسَن مِمَّا ابتدأه، ثُمّ قَالَ: انْصَرف، وَبَقِي أَبُو الْعَبَّاس مُفكِّرًا فِيمَا سَمِع من خَالِد يُقَسّم أمره، فَبينا هُوَ يفكِّر إِذْ دخلت عَلَيْه أم سَلَمَة، وَقَدْ كَانَ أَبُو الْعَبَّاس حَلَفَ أَن لَا يتَّخذ عَلَيْهَا ووَفَّى لَهَا، فَلَمَّا رَأَتْهُ مفكرًا مُتغيِّرًا، قَالَتْ لَهُ: إِنِّي لأنكرك يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين، فَهَل حدَّث أَمر تكرههُ أَوْ أَتَاك خبرٌ ارْتَعْتَ لَهُ؟ فَقَالَ: لَا، وَالْحَمْد للَّه، ثُمّ لَمْ تزل تستخبره حَتَّى أخْبرهَا بمقالة خَالِد، قَالَتْ: فَمَا قُلْتُ لابْن الفاعلة؟ فَقَالَ: ينصحني وتشتمينه! فَخرجت إليّ مواليها من البخارية فَأَمَرتهمْ بِضَرْب خَالِد، قَالَ خَالِد: فخرجتُ إِلَى الدَّار مَسْرُورا بِمَا ألقيتُ إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِين، وَلَم أَشك فِي الصِّلَة، فَبينا أَنا مَعَ الصَّحَابَة وَاقِفًا إِذْ أَقبلت البخارية تسْأَل عني، فحققتُ الْجَائِزَة والصلة، فَقلت لَهُم: هأنذا، فاسْتَبَقَ إِلَى أحدُهم بخشبةٍ فَلَمَّا أَهْوى إليّ غمزتُ بِرْذَوني ولحقني فَضرب كفله، وتنادى إليّ الْبَاقُونَ وغمزتُ البرذون فأسرع، ثُمّ راكضتهم فَفُتُّهم، واختفيتُ فِي منزلي أَيَّامًا - قَالَ القَاضِي: الصَّوَاب: اسْتخفيتُ - وَوَقع فِي قلبِي أَنِّي أُتِيت من قِبَل أم سَلَمَة، فطلبني أَبُو الْعَبَّاس فَلم يجدني، فَلم أشعر إِلا بِقوم قَدْ هجموا عَليّ، فَقَالُوا: اجب أَمِير الْمُؤْمِنِين، فَسبق إِلَى قلبِي أَنَّهُ الْمَوْت، فَقلت: إنّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، لَمْ أَرَ دَمَ شيخٍ أضْيع، فركبتُ إِلَى دَار أَمِير الْمُؤْمِنِين، ثُمّ لَمْ ألبث أَن أَذن لي فَأَصَبْته خَالِيا فَرجع إليّ عَقْلِي، ونظرتُ فِي الْمجْلس ببيتٍ عَلَيْه ستورٌ رِقاق، فَقَالَ: يَا خَالِد لم أرك! قُلْتُ: كنتُ عليلا، قَالَ: وَيحك! إِنَّك وَصَفْتِ لأمير الْمُؤْمِنِين فِي آخر دخلةٍ دَخَلتهَا عليَّ من أُمُور النّساء والجواري صفة لَمْ يخرق مسامعي قطّ كَلَام أحسن مِنْهُ، فأعِدْهُ عَليّ، قَالَ: وسَمِعْتُ حِسًّا خلف السِّتْر - فَقَالَ: نعم يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين، أعلمتك أَن الْعَرَب إِنَّمَا اشْتَقَّت اسْم الضُّرَّتين من الضُّر، وَأَن أحدا لَمْ يَكُنْ عِنْده من النّساء أَكثر من وَاحِدَة إِلا كَانَ فِي ضُرٍّ وتنغيص، قَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس: لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الْحَدِيث، قَالَ: بلَى واللَّه يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين، قَالَ: فأُنْسيت إِذا، فأَتمم الْحَدِيث، قَالَ: وأخبرتُك أَن الثَّلَاث من النِّسَاء كأثا فِي الْقِدْرِ يُغْلى عَلَيْهِنَّ، قَالَ: برئتُ من قَرَابَتي من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ كُنْت سَمِعْتُ هَذَا مِنْك وَلا مرَّ فِي حَدِيثك، قَالَ: وأخبرتك أَن الْأَرْبَع من النّساء شَرٌّ مَجْمُوع لصاحبهن يُشَيِّبْنَهُ ويهْرِمْنه ويحقرنه ويقسمنه، قَالَ: لَا وَالله مَا سَمِعْتُ هَذَا مِنْك وَلا من غَيْرك، قُلْتُ: بلَى وَالله، قَالَ: أفتكذِّبُني؟ قُلْتُ: أفَتَقْتُلُني! نعم واللَّه يَا أَمِير الْمُؤْمِنِين وأخبرتك أَن أبكار الْإِمَاء رجال إِلا أَنَّهُنَّ لَيست لَهُنَّ خُصًى، قَالَ خَالِد: فَسمِعت ضحِكًا من خلف السِّتر، ثمَّ قلت: نعم، وأخبرتك أَن عنْدك رَيْحَانَة قُرَيْش، وَأَنَّك تطمح بِعَيْنَيْك إِلَى النّساء والجواري، قَالَ: فَقِيل لي من وَرَاء السّتْر: صَدَقْتَ واللَّه يَا عمّاه، بِهَذَا حدثته وَلكنه غَيْر حَدِيثك ونطق عَنْ لسَانك، فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: مَالك قَاتلك اللَّه، وَفعل بك وَفعل؟ قَالَ: وانسللت، قَالَ: فَبعثت إِلَى أم سَلَمَة بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وبرذون وتَختْ.
قَالَ القَاضِي أَبُو الْفرج: قَوْله فِي هَذَا الْخَبَر: السَّمراء اللَّعْساء الَّتِي فِي شفتها سُمرة وَسَوَاد، وَمن ذَلِكَ قَول ذِي الرُّمَّة:
لمياءُ فِي شَفَتَيْها حوةٌ لَعَسٌ ... وَفِي اللَّثَاتِ وَفِي أنْيابِها شَنَبُ
اللَّما مَقْصُور: سَمُرَة الشّفة، والحوة: الْحمرَة إِلَى السوَاد شَبيه بِهِ، واللعس مثل ذَلِكَ، والشنب برد وعذوبة فِي الأسفان، ويُقَالُ: امْرَأَة لمياء وَرجل ألمى، وذُكِر عَنِ الأَصْمَعِيّ أَنَّهُ قَالَ: اللَّعس السَّواد الْخَالِص، ويُقَالُ: ليل ألعس، وَلا أَدْرِي يُقَالُ: لعسٌ أم لَا؟ ويُقَالُ: حَوِي يَحْوَى وَقِيَاسه فِي اللَّمالَمِيَ يَلْمي، وَقَوله: ينصحني وتشتمينه الْكَلَام الفصيح السائر: وَينْصَح لي، قَالَ اللَّه تَعَالَى: " إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أنصح لكم " ويُقَالُ: فنصحت لَكُمْ، ونصحتُ فلَانا: لُغة قَدْ حُكِيَت، وَهِي دون هَذِهِ فِي الفصاحة من ذَلِكَ قَول الشَّاعِر:
نصحتُ بني عَوْف فَلم يتقبلوا ... لديهم رسَائِلي
وأصل النصح: الْإِخْلَاص والمناصحة المخالصة ويُقَالُ: هَذَا شيءٌ نَاصح أَيّ خَالص، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
تركْتَ بِنَا لَوْحًا وَلَو شئتَ جادنا ... بعيدُ الْكرَى ثلجٌ بكِرْمان نَاصِحُ


* كتاب: الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي
المؤلف: أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى الجريرى النهرواني (المتوفى: 390هـ)
المحقق: عبد الكريم سامي الجندي






.


6ca6130e84bb08c1ba502d871963a1c5.jpg
 
أعلى