عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي - ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

الْبَاب الحادى وَالْعشْرُونَ فِيمَا يُضَاف وينسب إِلَى النِّسَاء

كيد النِّسَاء
رأى النِّسَاء
نَخْلَة مَرْيَم
عرش بلقيس
ذَنْب صحر
شُؤْم البسوس
عطر منشم
حمق دغة
رغيف الحولاء
عزة أم قرفة
قُوَّة الزباء
يَوْم حليمة
نِكَاح أم خَارِجَة
برد الْعَجُوز
غلمة سجَاح
بَيت عَاتِكَة
حمام منْجَاب
سوق الْعَرُوس
مرْآة الغريبة
سَوْدَاء الْعَرُوس
بكاء الثكلى
لَيْلَة الْعَرُوس
أَصَابِع زَيْنَب
فحش مومسة
دَاء الضرائر
الاستشهاد

460 - (كيد النِّسَاء) يضْرب بِهِ الْمثل فى كل زمَان وَمَكَان قَالَ بعض السّلف إِن كيد النِّسَاء أعظم من كيد الشَّيْطَان لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {إِن كيد الشَّيْطَان كَانَ ضَعِيفا} وَقَالَ {إِن كيدكن عَظِيم} فَإِن قيل إِن هَذَا الْكَلَام لم يحكه الله عَن نَفسه وَإِنَّمَا حَكَاهُ عَن غَيره حَيْثُ قَالَ {إِنَّه من كيدكن إِن كيدكن عَظِيم} قيل قد صَدقْتُمْ وَالصّفة على مَا ذكرْتُمْ إِلَّا أَن الْكَلَام لَو كَانَ مُنْكرا لأنكره الله تَعَالَى وَلَو كَانَ معيبا لعابه تَعَالَى وَقد حَكَاهُ الله تَعَالَى وَلم يعبه وَجعله قُرْآنًا وعظمه بذلك وَالْمعْنَى مِمَّا لَا يُنكر فى الْعقل وَلَا فى اللُّغَة وَلَا فى الْكَلَام إِذا كَانَ على هَذِه الصّفة فَهُوَ مثله إِذا كَانَ هُوَ المنشئ لَهُ

وَمِمَّا قيل فى كيد النِّسَاء
(كادنى المازنى عِنْد أَبى الْعَبَّاس ... وَالْفضل مَا علمت كريم)
(شبها بِالنسَاء فى كل أَمر ... إِن كيد النِّسَاء كيد عَظِيم)
وَقَالَ يحيى بن على المنجم
(رب يَوْم عاشرته فتقضى ... بعد حمد عَن آخر مَذْمُوم)
(يَا لقومى لضَعْفه ولكيد ... مثل كيد النِّسَاء مِنْهُ عَظِيم)

46 - (رأى النِّسَاء) يضْرب بِهِ الْمثل فى الوهن وَالْخَطَأ وَلذَلِك قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (شاوروهن وخالفوهن) وَقَالَ (ذل من أسْند أمره إِلَى رأى امْرَأَة)
وَقَالَ الشَّاعِر
(شَيْئَانِ يعجز ذُو الرصانة عَنْهُمَا ... رأى النِّسَاء وإمرة الصّبيان)
(أما النِّسَاء فميلهن إِلَى الْهوى ... وأخو الصِّبَا يجرى بِغَيْر عنان)

46 - (نَخْلَة مَرْيَم) قَالَ ابْن سَمَكَة من أمثالهم أعظم بركَة من نَخْلَة مَرْيَم قَالَ وَكَانَت نَخْلَة مَرْيَم الْعَجْوَة وَقَالَ الله تَعَالَى فى قصَّتهَا {وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة تساقط عَلَيْك رطبا جنيا}
وَقَالَ صَاحب كتاب المسالك والممالك هى فى بَيت لحم وَيُقَال إِنَّهَا غرست مُنْذُ أَكثر من ألفى سنة وهى منحنية
وَمن بارع التمثل بهَا قَول الشَّاعِر
(ألم تَرَ أَن الله أوحى لِمَرْيَم ... وهزى إِلَيْك الجدع يساقط الرطب)
(وَلَو شَاءَ أَن تجنيه من غير هزه ... جنته وَلَكِن كل شئ لَهُ سَبَب)

463 - (عرش بلقيس) يضْرب بِهِ الْمثل كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(مطبخ دَاوُد فى نظافته ... اشبه شئ بعرش بلقيس)
(ثِيَاب طباخه إِذا اتسخت ... انقى بَيَاضًا من الْقَرَاطِيس)
وكما قَالَ السرى الموصلى فى وصف قواد حاذق
(من ذمّ إِدْرِيس فى قيادته ... فإننى حَامِد لإدريس)
(كلم لى عَاصِيا فَكَانَ لَهُ ... أطوع من آدم لإبليس)
(وَكَانَ فى سرعَة المجئ بِهِ ... آصف فى حمل عرش بلقيس)

464 - (ذَنْب صحر) صحر امْرَأَة وهى بنت لُقْمَان بن عَاد وَكَانَ أَبوهَا لُقْمَان وأخوها لقيم خرجا مغيرين فأصابا إبِلا كَثِيرَة فَسبق لقيم إِلَى منزله وعمدت صحر إِلَى جذور مِمَّا قدم بِهِ لقيم وصنعت مِنْهُ طَعَاما يكون معدا لأَبِيهَا لُقْمَان إِذا قدم وَقد كَانَ لُقْمَان حسد لقيما فى تبريزه عَلَيْهِ فَلَمَّا قدمت صحر إِلَيْهِ الطَّعَام وَعلم انه من غنيمَة لقيم لطمها لطمة قَضَت عَلَيْهَا فَصَارَت عقوبتها مثلا لكل من لَا ذَنْب لَهُ ويعاقب وفيهَا يَقُول خفاف بن ندبة
(وعباس يدب لى المنايا ... وَمَا أذنبت إِلَّا ذَنْب صحر)

465 - (شُؤْم البسوس) هى بنت منقذ التميمية زارت أُخْتهَا ام جساس بن مرّة وَمَعَ البسوس جَار لَهَا من جرم يُقَال لَهُ سعد بن شمس وَمَعَهُ نَاقَة لَهُ فَرَمَاهَا كُلَيْب وَائِل لما رَآهَا فى مرعى قد حماه فَأَقْبَلت النَّاقة إِلَى صَاحبهَا وهى ترغو وضرعها يشخب لَبَنًا ودما فَلَمَّا رأى مَا بهَا انْطلق إِلَى البسوس فَأَخْبرهَا بالقصة فَقَالَت واذلاه واغربتاه وأنشأت تَقول أبياتا تسميها الْعَرَب أَبْيَات الفناء وهى
(لعمرى لَو أَصبَحت فى دَار منقذ ... لما ضيم سعد وَهُوَ جَار لأبياتى)
(ولكننى اصبحت فى دَار غربَة ... مَتى يعد فِيهَا الذِّئْب يعدو على شاتى)
(فيا سعد لَا تغرر بِنَفْسِك وارتحل ... فَإنَّك فى قوم عَن الْجَار أموات)
(ودونك أذوادى فَخذهَا وآتنى ... براحلة لَا تغدرن ببنياتى)
فَسَمعَهَا ابْن أُخْتهَا جساس فَقَالَ لَهَا أينها الْحرَّة اهدئى فوَاللَّه لأفتلن بلقحة جَارك كليبا ثمَّ ركب فَخرج إِلَى كُلَيْب فطعنه طعنة اثقلته فَمَاتَ مِنْهَا وَوَقعت الْحَرْب بَين بكر وتغلب فدامت أَرْبَعِينَ سنة وَجَرت خطوب يطول بذكرها الْخطاب وَسَار شُؤْم البسوس مثلا ونسبت الْحَرْب إِلَيْهَا لكَونهَا سَببهَا فَقيل حَرْب البسوس وهى من أشهر حروب الْعَرَب والمثل بهَا سَائِر جدا
وَمن أَمْلَح مَا قيل فِيهَا قَول المغسلى من قصيدة
(وَكَأن بَين يَمِينه ... وتراثه حَرْب البسوس)
(وَكَأَنَّهُ فى زهده ... وعفافه بشر المريسى)

466 - (عطر منشم) الْأَقَاوِيل فِيهِ كَثِيرَة قَالَ ابْن قُتَيْبَة أحسن مَا سَمِعت فِيهِ أَن منشم امْرَأَة كَانَت تبيع الْعطر والحنوط فَقيل للْقَوْم إِذا تَحَارَبُوا وتفانوا دقوا بَينهم عطر منشم
وَقَالَ حَمْزَة بن الْحسن كَانَت منشم عطارة تبيع الطّيب فَكَانُوا إِذا قصدُوا حَربًا غمسوا أَيْديهم فى طيبها وتحالفوا عَلَيْهِ بِأَن يستميتوا فى الْحَرْب وَلَا يولوا أَو يقتلُوا فَكَانُوا إِذا دخلُوا الْحَرْب بِطيب تِلْكَ الْمَرْأَة يَقُول النَّاس قد دقوا بَينهم عطر منشم فَلَمَّا كثر مِنْهُم هَذَا القَوْل صَار مثلا فَمِمَّنْ تمثل بِهِ زهبر حَيْثُ قَالَ
(تداركتما عبسا وذبيان بَعْدَمَا ... تفانوا ودقوا بَينهم عطر منشم)

467 - (حمق دغة) هى بنت منعج زوجت وهى صَغِيرَة فى بنى العنبر فَحملت فَلَمَّا ضربهَا الْمَخَاض ظنت أَنَّهَا تحْتَاج إِلَى الْخَلَاء فبرزت إِلَى بعض الْغِيطَان وَوضعت ذَا بَطنهَا فَاسْتهلَّ الْوَلِيد فَجَاءَت منصرفة وهى لَا تظن إِلَّا أَنَّهَا احدثت فَقَالَت لأمها يَا أُمَّاهُ هَل يفتح الجعرفاه قَالَت نعم ويدعوا أَبَاهُ فسب بهَا بَنو العنبر فسموا بنى الجعراء
وَلها حماقات كَثِيرَة والمثل بحمقها مَشْهُور سَائِر أنشدنى الخوارزمى لبَعض أهل عصره فى أَبى مَنْصُور الأزهرى الهروى
(الأزهرى وزغه ... وحمقه حمق دغة)
(ويدعى من جَهله ... كتاب تَهْذِيب اللُّغَة)
(وَهُوَ كتاب الْعين إِلَّا ... انه قد صبغه)
قَالَ وَإِنَّمَا نسج على منوال من قَالَ فى ابْن دُرَيْد
(ابْن دُرَيْد بقره ... وَفِيه غى وشره)
(ويدعى من قحة ... وضع كتاب الجمهره)
(وَهُوَ كتاب الْعين إِلَّا ... أَنه قد غَيره)

468 - (رغيف الحولاء) من أَمْثَال الْعَرَب أشأم من رغيف الحلاء وَكَانَت خبازة فى بنى سعد بن زيد مَنَاة فمرت وعَلى رَأسهَا كارة خبز فَتَنَاول رجل من رَأسهَا رغيفا فَقَالَت وَالله مَالك على حق وَلَا استطعمتنى فَلم أخذت رغيفى أما إِنَّك مَا أردْت بِهَذَا إِلَّا فلَانا تعنى رجلا كَانَت فى جواره فمرت إِلَيْهِ شاكية وثار مَعَه قومه إِلَى الرجل الذى أَخذ الرَّغِيف وَقَومه فَقتل بَينهم ألف نفس وَسَار رغيف الحولاء فى الشئ الْيَسِير بجلب الْخطب الْكَبِير
وفى رِسَالَة ابْن العميد إِلَى أبي الْعَلَاء السروى الَّتِى يُنكر فِيهَا تعصبه للعجم على الْعَرَب اقبل وَصِيَّة خَلِيلك وامتثل مشورة نصيحك وَلَا تتماد فى ميدان الْجَهْل ينضك وَلَا تتهافت فى لجاج يغريك واخش يَا سيدى أَن يُقَال التحمت حَرْب البسوس من ضرع دمى واشتبكت حَرْب غطفان من أجل بعير قرع وَقتل ألف فَارس برغيف الحولاء وصب الله على الْعَجم سَوط عَذَاب بمزاح ابى الْعَلَاء

469 - (عزة أم قرفة) قَالَ الأصمعى من أمثالهم إِذا أَرَادوا الْعِزّ والمنعة قَالُوا إِنَّه لأمنع من أم قرفة وهى بنت مَالك بن حُذَيْفَة بن بدر وَكَانَ يحرس بَيتهَا خَمْسُونَ سَيْفا بِخَمْسِينَ فَارِسًا كلهم لَهَا محرم
وَقَالَ غير الأصمعى هى بنت ربيعَة بن بدر

470 - (قُوَّة الزباء) هى امْرَأَة من العماليق وَأمّهَا من الرّوم ملكت الجزيرة وَعظم شَأْنهَا فَكَانَت تغزو بالجيوش وهى الَّتِى غزت ماردا والأبلق وهما حصنان فى نِهَايَة الوثاقة فاستصعبا عَلَيْهَا فَقَالَت تمرد مارد وَعز الأبلق فَذَهَبت مثلا وهى الَّتِى فتكت بجذيمة الأبرش حَتَّى أَخذ ثَأْره مِنْهَا قصير وقتلها والقصة مَعْرُوفَة سائرة

47 - (يَوْم حليمة) هُوَ من أشهر أَيَّام الْعَرَب وَلذَلِك قيل مَا يَوْم حليمة بسر وَفِيه يَقُول النَّابِغَة
(تخيرن من أزمان يَوْم حليمة ... إِلَى الْيَوْم قد جربن كل التجارب)
وحليمة بنت الْحَارِث بن ابى شمر وَإِنَّمَا نسب الْيَوْم إِلَيْهَا لِأَن أَبَاهَا وَجه جَيْشًا إِلَى الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء فَحَضَرت حليمة المعركة محرضة لعسكر أَبِيهَا على الْقِتَال واخرجت لَهُم طيبا فى مركن تطيبهم بِهِ وَيَزْعُم الْعَرَب ان الْغُبَار ارْتَفع فى ذَلِك الْيَوْم حَتَّى غطى عين الشَّمْس فظهرت الْكَوَاكِب فَسَار الْمثل بذلك وَقيل لأرينك الْكَوَاكِب ظهرا كَمَا قَالَ طرفَة
(إِن تنوله فقد تَمنعهُ ... وتريه النَّجْم يجرى بِالظّهْرِ)

47 - (نِكَاح أم خَارِجَة) يضْرب بِهِ الْمثل فى السرعة فَيُقَال اسرع من نِكَاح أم خَارِجَة وهى عمْرَة بنت سعد بن عبد الله بن بجيلة كَانَ يَأْتِيهَا الْخَاطِب فَيَقُول خطب فَتَقول نكح
ويروى انها كَانَت تسير يَوْمًا وَمَعَهَا ابْن لَهَا يَقُود جملها فَرفع لَهَا شخص فَقَالَت لابنها من ترى ذَلِك الشَّخْص قَالَ أرَاهُ خاطبا فَقَالَت يَا بنى ترَاهُ يعجلنا عَن أَن نحل مَاله أل وغل
قَالَ الْمبرد ولدت أم خَارِجَة للْعَرَب فى نَيف وَعشْرين حَيا من آبَاء مُتَفَرّقين وَكَانَت هى إِحْدَى النِّسَاء اللاتى إِذا تزوج مِنْهُنَّ الرجل فَأَصْبَحت عِنْده كَانَ أمرهَا إِلَيْهَا إِن شَاءَت أَقَامَت وَإِن شَاءَت ذهبت وَكَانَت عَلامَة ارتضائها للزَّوْج أَن تضع لَهُ طَعَاما كلما تصبح
وروى الصولى عَن مشايخه عَن إِسْمَاعِيل السَّاحر قَالَ خرجت مَعَ السَّيِّد الحميرى وَقت الْمغرب وَقد شربنا عِنْد نصر بن مَسْعُود فلقينا فرحة بنت الْفُجَاءَة بن عَمْرو بن قطرى بن الْفُجَاءَة الخارجى راكبة فرسا وَكَانَت ظريفة جميلَة فصيحة جزلة فهمة فرافقها السَّيِّد واحسن خطابها وهى لَا تعرفه فتحاورا أحسن حوار إِلَى ان خطب إِلَيْهَا نَفسهَا فَقَالَت أَعلَى ظهر الطَّرِيق فَقَالَ ألم يكن نِكَاح ام خَارِجَة اسرع من هَذَا فاستضحكت وَقَالَت نصبح وَنَنْظُر من الرجل وَمِمَّنْ فَأَنْشد
(إِن تسألينى بقومى تسألى رجلا ... فى ذرْوَة الْعِزّ من أَحيَاء ذى يمن)
(إنى امْرُؤ حميرى حِين تنسبنى ... جدى رعين وأخوالى ذُو ويزن)
فعرفته فَقَالَت يمانى وتميمية ورافضى وحرورية كَيفَ يَجْتَمِعَانِ قَالَ على أَلا نذْكر سلفا وَلَا مذهبا فتزوجته سرا فأقاما مَعًا فى عيشة راضية وَلم يُنكر أَحدهمَا من صَاحبه شَيْئا حَتَّى فرق بَينهمَا الْمَوْت
قَالَ مؤلف الْكتاب وَمِمَّنْ جمعتهم الصداقة على اخْتِلَاف الْمذَاهب الْكُمَيْت والطرماح فَإِن الْكُمَيْت كَانَ رَافِضِيًّا غاليا والطرماح كَانَ خارجيا حروريا وَكَانَ بَينهمَا أحسن وألطف مَا يكون بَين صديقين شقيقين فَإِذا قيل لَهما فى ذَلِك قَالَا اجْتَمَعنَا على بغض الْعَامَّة
وَمِمَّا ينخرط فى سلك هَذِه الْحِكَايَة والْحَدِيث شجون مَا حدث بِهِ ابْن عَائِشَة قَالَ كَانَ لِلْحسنِ بن قيس بن حُصَيْن ابْن شيعى وَابْنه حرورية وَامْرَأَة معتزلية وَأُخْت مرجئية وَهُوَ سنى جماعى فَقَالَ لَهُم ذَات يَوْم أرانى وَإِيَّاكُم طرائق قددا
مضى الحَدِيث كَمَا يَقُول إِسْحَاق الموصلى فى كتاب الأغانى

473 - (برد الْعَجُوز) فِيهِ أقاويل مُخْتَلفَة فَمِنْهَا أَن عجوزا دهرية كاهنة من الْعَرَب كَانَت تخبر قَومهَا بِبرد يَقع فى أَوَاخِر الشتَاء وأوائل الرّبيع فيسوء أَثَره على المواشى فَلم يكترثوا بقولِهَا وجزوا أغنامهم واثقين بإقبال الرّبيع فَلم يَلْبَثُوا إِلَّا مديدة حَتَّى وَقع برد شَدِيد اهلك الزَّرْع والضرع فَقَالُوا هَذَا برد الْعَجُوز يعنون الْعَجُوز الَّتِى كَانَت تنذر بِهِ
وَمِنْهَا أَن عجوزا كَانَت بالجاهلية وَلها ثَمَانِيَة بَنِينَ فَسَأَلَهُمْ أَن يزوجوها وألحت عَلَيْهِم فتآمروا بَينهم وَقَالُوا إِن قتلناها لم نَأْمَن عشيرتها وَلَكِن نكلفها البروز للهواء ثَمَان لَيَال لكل وَاحِد منا لَيْلَة فَقَالُوا لَهَا إِن كنت تزعمين أَنَّك شَابة فابرزى للهواء ثَمَان لَيَال فإننا نُزَوِّجك بعْدهَا فوعدت بذلك وتعرت تِلْكَ اللَّيْلَة وَالزَّمَان شتاء كلب وبرزت للهواء فَلَمَّا أَصبَحت قَالَت
(إيها بنى إننى لنا كحة ... وَإِن أَبَيْتُم إننى لجامحه)
(هان عَلَيْكُم مَا لقِيت البارحة ... )
فَقَالُوا لَهَا لَا بُد أَن تنجزى وَعدك فى الليالى السَّبع فَفعلت وَمَاتَتْ فى اللَّيْلَة السَّابِعَة
وَنسب الْعَرَب إِلَيْهَا برد الْأَيَّام الثَّمَانِية وأسماؤها الصن والصنبر والوبر وآمر ومؤتمر ومعلل ومطفئ الْجَمْر ومكفئ الظعن وفيهَا شعر مَصْنُوع
(كسع الشتَاء بسبعة غبر ... أَيَّام شهلتنا من الشَّهْر)
(فَإِذا انْقَضتْ أَيَّام شهلتنا ... بالصن والصنبر والوبر)
(وبآمر وبأخيه مؤتمر ... ومعلل وبمطفئ الْجَمْر)
(ذهب الشتَاء موليا عجلا ... وأتتك وافدة من الْحر)
وَزعم بعض الْمُفَسّرين أَنَّهَا الْأَيَّام الَّتِى أهلك الله تَعَالَى فِيهَا عادا فَقَالَ {وَأما عَاد فأهلكوا برِيح صَرْصَر عَاتِيَة سخرها عَلَيْهِم سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوما فترى الْقَوْم فِيهَا صرعى كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل خاوية فَهَل ترى} لَهُم من بَاقِيَة)
وَقد ظرف ابْن المعتز فى هجاء عَجُوز نسب إِلَيْهَا الْبرد وأوهم أَنه يُرِيد برد الْعَجُوز الْمَذْكُورَة وَهُوَ يعْنى برد عَجُوز أُخْرَى هجاها فَقَالَ
(جمد برد الْعَجُوز فى كوزها المَاء ... وأطفئ نيران مجمرها)
(فليت برد الْعَجُوز فى فمها ... وحرها يكون فى حرهَا)
وَقَالَ ابْن الرومى وَهُوَ يضْرب الْمثل بِبرد الْعَجُوز
(كنت عِنْد الْأَمِير أيده الله ... لأمر وَذَاكَ فى تموز)
(فتغنى فهزنى الْبرد حَتَّى ... خلت انى فى وسط برد الْعَجُوز)

474 - (غلمة سجَاح) بنت عقفان التميمية أوقح امْرَأَة وأكذبها وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَت كاهنة زمانها تزْعم ان رئيها ورئى سطيح وَاحِد ثمَّ جعلت ذَلِك الرئى ملكا حَتَّى ادَّعَت النُّبُوَّة بعد موت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تجهزت فى قَومهَا إِلَى مُسَيْلمَة الْكذَّاب فَقَالَ قيس بن عَاصِم
(أضحت بنيتنا أُنْثَى نطيف بهَا ... وأصبحت انبياء الله ذكرانا)
(يَا لعنة الله والأقوام كلهم ... على سجَاح وَمن بالإفك أغرانا)
(اعنى مُسَيْلمَة الْكذَّاب لَا سقيت ... أصداؤه مَاء مزن حَيْثُمَا كَانَا)
وَلما آمَنت بِهِ بعد جَحدهَا لنبوته وَبعد مناقضتها إِيَّاه وهبت نَفسهَا لَهُ فَقَالَ لَهَا
(أَلا قومى إِلَى المخدع ... فقد هيى لَك المضجع)
(فَإِن شِئْت سلقناك ... وَإِن شِئْت على أَربع)
(وَإِن شِئْت بثلثيه ... وَإِن شِئْت بِهِ أجمع)
فَقَالَت بل بِهِ أجمع فَهُوَ أجمع للشمل فَجرى الْمثل بغلمتها حَتَّى قيل أغلم من سجَاح
قَالَ الجاحظ لم نعلم أحدا قطّ ادّعى ان الله أرْسلهُ إِلَى قوم وآمنوا بِهِ ثمَّ زعم أَنه كَاذِب سوى طليحة وسجاح فَإِنَّهُمَا تنبئآ ثمم اظهرا التَّوْبَة وجلسا يحدثان من كَانَ مُؤمنا بهما وصدقهما ويخبرانهم بِأَنَّهُمَا كَانَا فِيمَا يدعيان مبطلين كاذبين وَإِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت

475 - (بَيت عَاتِكَة) يضْرب مثلا فى الْموضع الذى تعرض عَنهُ بِوَجْهِك وتميل إِلَيْهِ بقلبك وَهُوَ من قَول الْأَحْوَص
(يَا بنت عَاتِكَة الذى أتعزل ... حذر العدا وَبِه الْفُؤَاد مُوكل)
(إنى لأمنحك الصدود وإننى ... قسما إِلَيْك مَعَ الصدود لأميل)
ويحكى أَن كلا من يحيى بن خَالِد وَابْن المقفع مر بِبَيْت النَّار فَأَنْشد الْبَيْتَيْنِ وهما من قصيدة طَوِيلَة أنشدنيها الْأَمِير السَّيِّد أدام الله تأييده يَوْمًا من أَولهَا إِلَى آخرهَا وَأَنا أسايره وَهُوَ يَكْسُوهَا أحسن معرض من عِبَارَته وجودة إنشاده فَسقط سوطى من يدى وَأَنا لَا اشعر بِهِ لاشتغال خاطرى بهَا وانصراف فكرى كُله إِلَى جزالتها وبراعتها وَشرف منشدها فَلَمَّا انْتهى إِلَى هَذَا الْبَيْت
(واراك تفعل مَا تَقول وَبَعْضهمْ ... مذق الحَدِيث يَقُول مَالا يفعل)
قَالَ لى إِن لهَذَا الْبَيْت قصَّة مَعَ الْمَنْصُور وَاسْتمرّ فى إنْشَاء تَمام القصيدة فانتهت مَسَافَة الطَّرِيق قبل أَن اسأله عَن تِلْكَ الْقِصَّة وَعرضت مَوَانِع عَن مذاكرته فِيهَا عِنْد النُّزُول والتمكن ثمَّ وَجدتهَا فى أَخْبَار الْمَنْصُور وهى أَنه لما توفيت امْرَأَة أَبى بكر الهذلى وَكَانَت أم وَلَده وَالْقيمَة بِأُمُور منزله جزع عَلَيْهَا جزعا شَدِيدا وَبلغ ذَلِك الْمَنْصُور فَأمر الرّبيع بَان يَأْتِيهِ ويعزيه ثمَّ يَقُول لَهُ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ موجه إِلَيْك بِجَارِيَة نفيسة لَهَا أدب وظرف تسليك عَن زَوجك وَتقوم بِأُمُور دَارك وَأمر لَك مَعهَا بفراش وَكِسْوَة وصلَة فَلم يزل الهذلى يتوقعها ونسيها الْمَنْصُور ثمَّ أَن الْمَنْصُور حج وَمَعَهُ الهذلى فَقَالَ لَهُ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ إنى احب أَن اطوف اللَّيْلَة فى الْمَدِينَة فاطلب لى رجلا يعرف منازلها ومساكنها وربوعها وطرقها وأخبارها وَأَحْوَالهَا ليَكُون معى فيعرفنى جَمِيعهَا فَقَالَ أَنا لَهَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا أرْخى اللَّيْل سدوله خرج الْمَنْصُور على حمَار يطوف مَعَ الهذلى فى سِكَك الْمَدِينَة وَهُوَ يسْأَل عَن ربع ربع وسكة سكَّة وَمَوْضِع مَوضِع فيخبره لمن هُوَ وَلمن كَانَ ويقص عَلَيْهِ قصَّته وَالْحَال فِيهِ ثمَّ قَالَ وَهَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بَيت عَاتِكَة الذى يَقُول فِيهِ الْأَحْوَص
(يَا بَيت عَاتِكَة الذى أتعزل = حذر العدا وَبِه الْفُؤَاد مُوكل)
فَأنْكر الْمَنْصُور ابتداءه بِذكر بَيت عَاتِكَة من غير أَن يسْأَله عَنهُ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى منزله أَمر القصيدة كلهَا على قلبه فَإِذا فِيهَا
(وأراك تفعل مَا نقُول وَبَعْضهمْ ... مذق الحَدِيث يَقُول مَالا يفعل)
فَعلم الْمَنْصُور أَنه لم يصل إِلَى الهذلى مَا وعده اياه من الْجَارِيَة وَالْكِسْوَة والفراش فَحمل إِلَيْهِ وَاعْتذر لَهُ

476 - (حمام منْجَاب) منْجَاب امْرَأَة كَانَ لَهَا حمام بِالْبَصْرَةِ لم ير مثله وَكَانَ يغل غلَّة كَثِيرَة وَكَانَت تأتى إِلَيْهِ وُجُوه النَّاس وَفِيه يَقُول
(يَا رب قَائِله يَوْمًا وَقد تعبت ... كَيفَ الطَّرِيق إِلَى حمام منْجَاب)
وَكَانَ بِالْبَصْرَةِ حمام آخر لامْرَأَة تدعى طيبه فكسد عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا شَاعِر
(مَا الذى تجعلينه لى ... إِن حولت وُجُوه النَّاس إِلَى حمامك) وَنَفَقَته لَك وَتركت حمام منْجَاب مَهْجُورًا لَا يغشى قَالَت ألف دِرْهَم قَالَ فعدليه وَأَنا أوفى لَك بِمَا ضمنته فعدلت الْألف فَقَالَ الشَّاعِر
(حمام طيبه لَا حمام منْجَاب ... حمام طيبه سخن وَاسع الْبَاب)
فَترك النَّاس حمام منْجَاب وَأَقْبلُوا على حمام طيبه فوفت للشاعر بِالْألف وحمام بوران بِبَغْدَاد كحمام منْجَاب بِالْبَصْرَةِ

477 - (سوق الْعَرُوس) يضْرب بِهِ الْمثل فى الْحسن فَيُقَال أحسن من سوق الْعَرُوس وَهُوَ مجمع الطرائف بِبَغْدَاد وَمَا ظَنك بِأَحْسَن الْأَسْوَاق فى أحسن الْبِلَاد وَكَانَ الخوارزمى إِذا وصف جَارِيَة بالْحسنِ قَالَ كَأَنَّهَا سوق الْعَرُوس وَكَأَنَّهَا الْعَافِيَة فى الْبدن وَكَأَنَّهَا مائَة ألف دِينَار
وَسمعت السَّيِّد أَبَا جَعْفَر الموسرى يَقُول إِنَّمَا يُضَاف إِلَى الْعَرُوس كل شئ يجمع المحاسن كَمَا يُقَال سفينة الْعَرُوس للسفينة الْكَبِيرَة الَّتِى تشْتَمل على نفائس الْأَمْتِعَة للتِّجَارَة وخزانة الْعَرُوس للخزانة الْخَاصَّة من خَزَائِن الْمُلُوك وسوق الْعَرُوس لأحسن الْأَسْوَاق وأجمعها لأحاسن الطرائف لِأَن الْعَادة جَارِيَة باحتفال النَّاس لتجهيز العرائس بالطرائف والنفائس

478 - (مرْآة الغريبة) يضْرب بهَا الْمثل فَيُقَال أنقى من مرْآة الغريبة لِأَن الْمَرْأَة الغريبة تتعهد مرآتها من الْجلاء بِمَا لَا يتعهد غَيرهَا وتتفقد من محَاسِن وَجههَا مَالا يتفقده سواهَا فمرآتها أبدا مجلوة نقية قَالَ ذُو الرمة
(وخد كمرآءة الغريبة أسجح)

479 - (سَوْدَاء الْعَرُوس) هى جَارِيَة سوادء تبرز أَمَام الْعَرُوس الْحَسْنَاء وَتوقف بإزائها لتَكون أظهر لمحاسنها
(فَأحْسن مرأى للكواكب أَن ترى ... طوالع فى داج من اللَّيْل غيهب)
والشئ يظْهر حسنه الضِّدّ ولتكون كالعوذة لجمالها وكمالها وَإِيَّاهَا عَنى أَبُو إِسْحَاق الصابى بقوله فى غُلَام حسن الْوَجْه بِيَدِهِ نَبِيذ أسود
(بنفسى مقبل يهدى فُتُونًا ... إِلَى الشّرْب الْكِرَام بِحسن قده)
(وفى يَده من التمرى كأس ... كسوداء الْعَرُوس أَمَام خَدّه)

480 - (بكاء الثكلى) يشبه بِهِ الْبكاء الشَّديد كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(ولأبكين على الْحُسَيْن ... بدمع جم الدمع ساهر)
(ولأبكين بكاء ثَكْلَى ... تِسْعَة فجعت بعاشر)

48 - (لَيْلَة الْعَرُوس) يشبه بهَا مَا يُوصف بالْحسنِ كَمَا قَالَ الصاحب
(وشادن فى الْحسن كالطاوس ... أخلاقه كليلة الْعَرُوس)
(قد نَالَ بالحظ من النُّفُوس ... مالم تنله الرّوم من طرسوس)

48 - (اصابع زَيْنَب) ضرب من الْحَلْوَاء بِبَغْدَاد يدعى أَصَابِع زَيْنَب وَفِيه يَقُول أَبُو طَالب المأمونى
(وَضرب من الْحَلْوَى أكنى عَن اسْمه ... لوجدى بِمن يعزى إِلَيْهِ وينسب)
(يصدق مَعْنَاهُ اسْمه فَكَأَنَّهُ ... بنان وأطراف البنان مخضب)
وفيهَا أَيْضا يَقُول
(أحب من الْحَلْوَاء مَا كَانَ مشبها ... بنان عروس فى حبير معصب)
(فَمَا حملت كف الْفَتى متطعما ... ألذ وأشهى من أَصَابِع زَيْنَب)
وَكَانَ ابْن الْمُطَرز شَاعِر الْعَصْر بِبَغْدَاد عِنْد صديق فأحضر لَهُ أَصَابِع زَيْنَب فَأَهوى إِلَى وَاحِدَة مِنْهَا ليأخذها فَقبض الصّديق على يَده وغمزها غمزة آلمته فَقَالَ
(يَا مسكرى بمدامة ... وَمن الْحَلَاوَة مَا نعى)
(حاولت إِصْبَع زَيْنَب ... فَكسرت خمس أَصَابِع)

483 - (فحش مومسة) أنْشد الجاحظ
(أَقْسَمت أَنَّك انت ألأم من مَشى ... فى فحش مومسة وزهو غراب)

484 - (دَاء الضرائر) من أَمْثَال الْعَرَب قَوْلهم بَينهم دَاء الضرائر إِذا كَانَ بَينهم شَرّ دَائِم وحسد وبغض لِأَن الضرائر يبغض بَعضهنَّ بَعْضًا وَلَا يكدن يخلون من مشاجرة

تاب: ثمار القلوب في المضاف والمنسوب
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)


صورة مفقودة
 
أعلى