يحيى السماوي - فضح الهوى سري

لا تسألي من كان قد وهبا = في الحب تبر طفولة وصبا
مازال رغم حريقه مطراً = يستنبت الرّيحان والعنبا
وُشِمت جوارحه بمن سكنت = قلباً أناب لنبضه الأدبا
أسرى به والعشق هودجه = ماضٍ يطلّ على غد حدبا
أولست ناعوراً لجدوله = ولسمطه الياقوت والذهبا؟
في أقحوانك من مدامعه = دفء ونفح غالب الحجبا
أفتسألين سواه؟ أين هوى = ينسي العيون الجفن والهدبا؟
تنأى به الأحلام فهو على = وجد يؤمّل منك مقتربا
يقفو دجاك بشمس مقلته = لو أن قنديل المساء خبا
ويرش رملك من ندى دمه = ثمل وغير هواك ما شربا
صدقتْ ثمالته وقد كذبت = كاساته، ورحيقه كذبا
أيقظت في الطفل الألوف منى = هرمت ونبعاً كان قد نضبا
ياويحه ـ الطفل الألوف ـ أما = خبر الهوى وهماً ومنقلباً؟
نكثت به الأحلام فانتبذت = جفنيه لمّا أدمن الوصبا
ويحي عليك.. عليّ.. أيّ هوى = هذا الذي صرنا له حطبا؟
فضح الهوى سرّي ووطّنني = كهفاً مع البلوى ومغتربا
وأذلّ قيثاري فما عرفت = أوتاره في غربة طربا
ويحي عليّ.. نزفت أزمنتي = مستسهلاً في الحب ما صعبا
عجباً عليّ! أكلّما وهنت = روحي أزيد صبابة؟ عجباً!
جحد الحبيب فقلت: ذا زعلٌ = وقسا فقلت: مسامح عتبا
ندمى فنسترضي يداً غرستْ = نصل الجفاء وأوهنت عصبا
ولقد نرى لنزيفنا سبباً = وجحود من خذل المنى سبباً
مولاي ياقلبي.. أمن حجر = ترجو لعشب ظامئ سُحُبا؟
خمسون ـ أو كادت ـ وما برحتْ = سفني تصارع مزبداً لجبا
خمسون ـ أو كادت ـ ولا مطر = عذب يضاحك متعباً تربا
خمسون ـ أو كادت ـ لفرط ضنى = أمسيت أحسب يومها حقبا
خمسون! يوهن عزمها وجع = في الروح أنّ الحتم قد قربا
خمسون ـ أو كادت ـ ولا أمل = لي بالرجوع لمعشر وربى
لـ«سماوة» شغف الفؤاد بها = فاختارها لرفيفه نسبا
فأردّ عن أمي وقد عميت = ليلاً عصيّ الصبح مضطربا
ولنخلة «البرحيّ» تطعمنا = ظلاً بصحن «الحوش» والرّطبا
كنّا ـ لفرط الود ـ نحسبها = حرزاً وناطوراً ونبع صبا
حتى كأن عذوقها نفر = منا.. ونحسب خوصها طنبا
مازلت أذكر عش فاختة = فيها وفرخاً آمن اللعبا
ما حالها بعدي؟ وهل عبثت = أيدٍ بعش يحضن الزغبا؟
للطين ـ وهو دمى طفولتنا = ليت «السماوة» تتقن الهربا
بيني وبين ضحى شواطئها = شبر ـ زماناً ـ ليته احتجبا
فيحاء لولا أنّ طاغية = ألقى على بستانها الجربا
فتوسّدت صخراً وما التحفت = إلاّ صديد القيح والسّغبا
رغَّبت نفسي عن «سماوتها = لكنما القلب العنيد أبى
جفّ النداء على فمي ومشى = تعب بعكاز المنى فكبا
تلهو الرياح بجفن أشرعتي = وتغلّ دون الطالب الطّلبا
الذكريات؟ تزيدني وجعاً = ولقد تؤجج زفرة لهبا!
أشياء لا أغلى! تذكّرني = بغد قتيل أو رماد صبا
نبشت سويعات مجنّحة = عمري فألفت صرحه خربا
ماذا سيبقى من حدائقه = إن كان زهر شبابه احتطبا؟
سكب النوى عمري فلا عبقا = أبقى بكأس القلب أو حببا
كتب الهوى أن يستباح غدي = باسم المنى.. يانِعم ما كتبا!


- يحيى السماوي

المرأة
 
أعلى