أسامة بن منقذ - لباب الآداب

بليغ ما وصف به مشي النساء
قول امرئ القيس :
وإذ هي تمشي كمشي النزيف ... يصرعه بالكثيب البهرْ
برهرهةٌ رخصةٌ رودةٌ ... كخرعوبة البانة المنفطرْ
وقول الأعشى ميمون بن قيس :
غراء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوجلُ
كأن مشيتها من بيت جارتها ... مر السحابة: لا ريثٌ ولا عجلُ
وقول الآخر :
يمشين مشي قطا البطاح تأوداً ... قبَّ البطون رواجح الأكفالِ
وكأن إذا أردن زيارةً ... بزل الجمال دلجن بالأحمالِ
وقول الآخر :
ما لك لا تطرق أو تزورُ ... بيضاء بين حاجبيها نورُ
تمشي كما يطَّرد الغديرُ
بليغ ما وصفوا به الخفر
قول امرئ القيس :
قطيع الكلام فتور القيام ... تفتر عن ذي غروبٍ خصرْ
كأن المدام وصوب الغمام ... وريح الخزامى ونشر القطرْ
يعل به برد أنيابها ... إذا غرد الطائر المستحرْ
وقول الشنفرى :
ويعجبني أن لا سقوطٌ خمارها ... إذا ما مشت ولا بذات تلفتِ
كأن لها في الأرض نسياً تقصهُ ... إذا ما مشت وإن تكلمك تبلتِ
وقول عبد الله بن الدمينة :
بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ... ببعض الأذى لم يدرِ كيف يجيبُ
ولم يعتذر عذر البريء ولم يزلْ ... به سكتةٌ حتى يقال: مريبُ
وقول كثير بن عبد الرحمن في ذكر النار :
لعزة نارٌ ما تبوخ كأنها ... إذا ما رمقناها من البعد كوكبُ
تعجَّب أصحابي لها ولضوئها ... وللمصطليها آخر الليل أعجبُ
ثم عكس هذا التشبيه فقال :
وكيف سلوي عن هواها وكلما ... تألق نجم قلت: هاتيك نارها !


***


بليغ مليح الغزل
قول الأقرع بن معاذ القشيري :
سلامٌ على من لا يمل كلامه ... وإن عاشرته النفس عصراً إلى عصرِ
فما الشمس وافت يوم دجنٍ فأشرقت ... ولا البدر وافى أسعداً ليلة البدرِ
بأحسن منها، أو تزيد ملاحةً ... على ذاك، أو راءى المحب ؟ فما أدري !
وقول ابن الملوح :
كأن على أنيابها الخمر شابها ... بماء الندى من آخر الليل عابقُ
وما ذقته إلا بعيني تفرساً ... كما شيم من أعلى السحابة بارقُ
يضم علي الليل أوصال حبكم ... كما ضم أزرار القميص البنائقُ
وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا ... سوى أن يقولوا: إنني لك عاشقُ
أجل، صدق الواشون، أنت حبيبةٌ ... إلي وإن لم تصف منك الخلائقُ
وقال مضرس بن قرط بن حارثٍ المزني :
تكذبني بالودِّ سُعدى فليتها ... تحمل مني مثله فتذوقُ
ولو تعلمين العلم أيقنت أنني ... لكم والهدايا المشعرات صديقُ
أذود سواد العين عنك وماله ... إلى أحدٍ إلا إليك طريقُ
أهم بصرم الحبل ثم يردني ... إليك من النفس الشعاع فريقُ
وكادت بلاد الله ... يا أم مالكٍ بما رحبت يوماً علي تضيقُ
تتوق إليك النفس ثم أردها ... حياءً، ومثلي بالحياء حقيقُ
وقال أبو صخر الهذلي :
أما والذي أبكى وأضحك والذي ... امات وأحيا والذي أمرهُ الأمرُ
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما الذعرُ
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهرُ
فيا حبها زدني جوىً كل ليلةٍ ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشرُ
وإني لتعروني لذكراك روعةٌ ... كما انتفض العصفور بلله القطرُ
وإني لآتيها أريد عتابها ... وأوعدها بالهجر ما برق الفجرُ
فما هو إلا أن أراها فجاءةً ... فأبهت لا عرفٌ لدي ولا نكرُ
وأنسى الذي قد كنت فيه أتيتها ... كما قد تنسي لبَّ شاربها الخمرُ
ويمنعني من بعض إنكار ظلمها ... إذا ظلمت يوماً وإن كان لي عذرُ :
مخافة أني قد علمت لئن بدا ... لي الهجر منها ما على هجرها صبرُ
وأني لا أدري إذا النفس أشرفت ... على هجرها ما يصنعن بي الهجرُ
وقال آخر :
أمزمعةٌ للبين ليلى ولم يمت ؟ ... كأنك عما قد أظلك غافلُ !
ستعلم إن زالت بهم غربة النوى ... وزالوا بليلى أن لبك زائلُ
وأنك مسلوب التبصر والأسى ... إذا بعدت ممن تحب المنازلُ
وقال آخر :
يقر بعيني ان أرى من بلادها ... ذرى عقدات الأجرع المتقاودِ
وأن أرد الماء الذي وردت به ... سليمى، وقد مل السرى كل واحدِ
وألصق أحشائي ببرد حياضهِ ... ولو كان مخلوطاً بسم الأساودِ
وقال أبو نباتة الكلابي :
أريتك إن نجداً ألظَّ بأرضه ... وحرته العليا الغيوث الرواجسُ
وعاد نبات الأرض رطباً كأنه ... إذا اطردت فيه الرياح الطيالسُ ؟
أمطلع تلك البلاد فناظرٌ ... إلى أهلها ؟ أم أنت من ذاك آيسُ ؟
وقال أيضاً
بدالي وللتيمي قلة صامعٍ ... على بعده مثل الحصان المجللِ
فقلت: أرى تلك البلاد التي بها ... أميمة، يا شوق الأسير المكبلِ !
وقال آخر :
سقى بلداً أمست سليمى تحله ... من المزن ما تروي به وتسيمُ
وإن لم أكن من ساكنيه فإنه ... يحل به شخصٌ علي كريمُ
وقال قيس بن الملوح :
حججت ولم أحجج لذنبٍ جنيته ... ولكن لتعدي لي على قاطع الحبلِ
ذهبت بعقلي في هواها صغيرةً ... وقد كبرت سني فرد بها عقلي
وإلا فساوِ الحب بيني وبينها ... فإنك يا مولاي تحكم بالعدلِ
وقال أيضاً :
دعوت إلهي دعوةً ما جهرتها ... وربي بما تخفي الصدور بصيرُ
لئن كنت تهدي برد أنيابها العلى ... لأفقر مني، إنني لفقيرُ
فما أكثر الأخبار: أن قد تزوجت ... فهل يأتيني بالطلاق بشيرُ ؟!
وقال ذو الرمة :
أراني إذا هومت ياميَّ زرتني ... فيا نعمتا لو أن رؤياي تصدقُ !
لها جيد أم الخشف ريعت فأتلعت ... ووجه كقرن الشمس ريان مشرقُ
وعينٌ كعين الرئم فيها ملاحةٌ ... هي السحر أو أدهى التباساً وأعلقُ
وقال قيس بن الملوح :
ألا تلك ليلى قد ألم لمامها ... وكيف مع القوم الأعادي كلامها
تعلل بليلى، إنما أنت هامةٌ ... من الهام يدنو كل يومٍ حمامها
وبادر بليلى أوبة الركب إنهم ... متى يرجعوا يحرم عليك لمامها
وقال نصيب :
خليليَّ من كعب ألما ... هديتما بزينب لا تفقدكما أبداً كعبُ
من اليوم زوارها، فإن ركابنا ... غداة غدٍ عنها وعن أهلها نكبُ
وقال ذو الرمة :
خليليَّ عدا حاجتي من هواكما ، ... ومن ذا يواسي النفس إلا خليلها ؟
ألما بميٍّ قبل أن تطرح النوى ... بنا مطرحاً أو قبل بين يزيلها
وغن لم يكن إلا تعلل ساعةٍ ... قليلاً فإني نافعٌ لي قليلها
وقالت امرأة من العرب :
أتربي من عليا هلال بن عامرٍ ... أجدا البكا، إن التفرق باكرُ
فما مكثنا ... دام الجميل عليكما بثهلان إلا أن تزمَّ الأباعرُ
وقال آخر :
فلا تعجلا يا صاحبيَّ، تحيةً ... لليلى، وليلى للقلوب قتولُ
فألمم على ليلى فإن تحيةً ... لها قبل نصِّ الناعجات قليلُ
فإنك لا تدري إذا العيس شمرت ... بنا: أتلاقٍ أو عدىً وشغولُ؟
وقال آخر :
وما بي إلا أن تجودي بنائلٍ ... لغيري ويبقى لي عليك الذمائمُ
فما بين تفريق النوى بين من ترى ... بذي الميث إلا أن تهب السمائمُ
وقال جميل بن معمر:
وإن صباباتي بكم لكثيرةٌ ... بثينَ، وصبري عنكم لقليلُ
وإني وتردادي الزيارة نحوكم ... لبين يدي هجرٍ بثينَ، يطولُ
وقال آخر :
تعزَّ بصبر لا وجدك لا ترى ... بشام الحمى أخرى الليالي الغوابرِ
كأن فؤادي من تذكره الحمى ... وأهل الحمى يهفو به ريش طائرِ
وقال ابن ميادة :
يمنوني منك اللقاء، وإنني ... لأعلم ما ألقاك من دون قابلِ
وما أنس مل أشياء لا أنس قولها ... وأدمعها يذرين حشو المكاحلِ :
تمتع بذا اليوم القصير فإنه ... رهينٌ بأيام الفراق الأطاولِ
وقال آخر :
خليليَّ من عليا هوزان لم أجد ... لنفسي من شحط النوى من يجيرها
غداً تمطر العينان من لوعة الهوى ... ويبدو من النفس الكتوم ضميرها
أيصبر عند البين قلبك أم له ... غداً طيرةٌ لابد أن سيطيرها ؟
وقال عمارة :
أميمة ودعها فإن أميرها ... غداة غدٍ بالبين جذلان معجبُ
إذا افترق الحيان وانصاعت النوى ... بهم واستراح الكاشح المترقبُ
وقال آخر :
أقول لمقلتي لما التقينا ... وقد شرقت مآقيها بماءِ :
خذي لي اليوم من نظرٍ بحظٍ ... فسوف توكلين بالبكاءِ
قلت: لي بيتان في هذا المعنى، وهما :
يا عين في ساعة التوديع يشغلك ال ... بكاء عن لذة التوديع والنظرِ
خذي بحظك منهم قبل بينهم ... ففي غدٍ تفرغي للدمع والسهرِ
وقال آخر:
ألا يا لقومي للهوى المتزايدِ ... وطول اشتياق النازح المتباعدِ
ترحلت كي أحظى إذا أبت قادماً ... فأوردني الترحال شر المواردِ
كأني لديغٌ حار عن كنه دائه ... طبيبٌ فداواه بسم الأساودِ !
فلم يقلع الداء القديم وزاده ... فيالك من داء طريف وتالدِ !
وقال آخر :
ولم أر مثل العامرية قبلها ... ولا بعدها يوم التقينا مودعا
شكونا إليها قبضة الحب بالحشي ... وخشية شمل الحي أن يتصدعا
فمار اجعتنا غير صمتٍ وأنةٍ ... تكاد لها الأحشاء أن تتقطعا
لقد خفت أن لا تقنع النفس دونها ... بشيءٍ من الدنيا وإن كان مقنعا
وأعذل فيها النفس إذ حيل دونها ... وتأبى إليها النفس إلا تطلعا
وقال آخر:
فديتك يا زين البلاد إن العدى ... حموك فلم يوجد إليك سبيلُ
أراجعةٌ عقلي عليَّ فرائحٌ ... مع الركب، أم ثاوٍ لديك قتيلُ ؟!
فلا تحملي وزري وأنت ضعيفةٌ ... فحمل دمي يوم الحساب ثقيلُ
وقال آخر:
يود بأن يضحي سقيماً لعله ... إذا سمعت شكواه ليلى تراسلهْ
ويهتز للمعروف في طلب العلى ... لتحمد يوماً عند ليلى شمائلهْ
وقال آخر:
صحيحٌ يود السقم كيما تعوده ... وإن لم تعده عاد عنها رسولها
ليعلم: هل ترتاع عند شكاته ... كما قد يروع المشفقات خليلها
وقال ذو الرمة:
ألا لا ترى مثل الهوى ذاءٍ مسلمٍ ... كريمٍ، ولا مثل الهوى ليم صاحبهْ
متى يعصه تبرح معاصاته به ... وإن يتبع أسبابه فهو عائبهْ
إذا نازعتك القول مية أو بدا ... لك الوجه منها أو نضا الدرع سالبهْ
فيالك من خدّ أسيل ومنطقٍ ... رخيمٍ ومن خلقٍ تعلل جادبهْ
وقال جميل:
بثينة ما فيها إذا ما تبصرت ... معابٌ، ولا فيها إذا نسبت أشبُ
لها النظرة الأولى عليهم وبسطةٌ ... وإن كرت الأعقاب كان لها العقبُ




* لباب الآداب
المؤلف: أبو المظفر مؤيد الدولة مجد الدين أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري (المتوفى: 584هـ)



16938484_1701210729894924_4260424543031381746_n.jpg
 
أعلى