نبيل محمود - سيدوري، زيديني خمراً !


(تنويعات على الحوار بين سيدوري وجلجامش)​

لثْمُ الجمالِ​

حرفة مَنْ أدار عشقُه طواحينَ المحالِ​

عتَّقتْ (سيدوري) خمرتَه​

ومع وصاياها سَـقتْه ُعسلاً​

يقطر من حلمة الليل ومن ثغـر الخيالِ​

البعد الفيزيقي يعوّض أرواحنا أحياناً​

بالقرب الشعري الحميم..!​

(ننسون) الجليلة​

أمّاه ! هلاّ فسّرْتِ أحلامي​

صديقي (أنكيدو)​

حميمي الذي رافقني إلى غابة الأرز​

صديقي الذي حماني من وحوش الغابة​

الغابة التي جئناكِ منها بالخشب​

لسريرك الملكي​

وأترعنا كؤوسكِ من نبيذها الأحمر​

من كرومها جئناكِ بالنبيذ الأحمر​

وأطربنا (أوروك) بحكاياها​

رأيت في نومي صديقي​

رأيته مقذوفاً بفخذ الثور​

(إنانا) لم تمهله​

رأيت صديقي​

مسّه البرق​

وشقّه الرعد​

صديقي الذي جلبته من البريّة​

صديقي الذي حماني في غابة الأرز​

أوّاه ! يا أمّاه !​

هلاّ فسّرْتِ لي أحلامي..​

***​

((سيدوري صاحبة الحانة الساكنة عند ساحل البحر​

شاهدت جلجامش مقبلاً..​

...​

إنْ كنت حقاً جلجامش الذي قتل حارس الغابة​

وغلبت خمبابا الذي يعيش في غابة الرز​

...​

علامَ ملك الحزن قلبك وتبدّلت هيئتك​

...​

وعلامَ تهيم على وجهك في الصحارى ؟​

فأجاب جلجامش صاحبة الحانة وقال لها:​

...​

قد أدرك (مصير البشر) صاحبي وأخي الأصغر​

...​

آه ! لقد غدا صاحبي الذي أحببت تراباً​

وأنا، سأضطجع مثله فلا أقوم أبد الآبدين​

فيا صاحبة الحانة، وأنا أنظر إلى وجهك،​

أيكون في وسعي ألاّ أرى الموت الذي أخشاه وأرهبه ؟)) *​

الليل قد طال يا (سيدوري)​

ولائحة الاكتئاب طويلة​

صبّي خمركِ، واملأي كلّ الكؤوس​

من فرح الكروم​

أو من زلال التمور​

لا فرق، فقد جفّت النفوس​

في البراري تحت الشموس​

رحيمة ! أنت يا ساقية الخمور​

وخوابيكِ أنهارٌ تُطفئُ عطش الصحارى​

يا منيرة الليالي​

يا دليلة الأرواح​

عطرّي المائدة بالليمون​

ولا تمنحي فرصة النضوب للكؤوس !​

((فأجابت صاحبة الحانة جلجامش قائلة له:​

إلى أين تسعى يا جلجامش​

إنّ الحياة التي تبغي لن تجد​

حينما خلقت الآلهة العظام البشر​

قدرت الموت على البشرية​

واستأثرت هي بالحياة​

أما أنت يا جلجامش فليكن كرشك مليئاً على الدوام​

كن فرحاً مبتهجاً نهار مساء​

وأقم الأفراح في كل يوم من أيامك​

وارْقصْ والْعبْ مساء نهار​

واجعل ثيابك نظيفة زاهية​

واغسل رأسك واستحم في الماء​

ودلّل الصغيرالذي يمسك بيدك​

وأفرح الزوجة التي بين أحضانك​

وهذا هو نصيب البشرية...)) *​

***​

للخمر كأسٌ​

وللعشق قلبٌ​

وللموت وقتٌ​

فلتثْمل الروح​

حتى نهاية الرقصة​

آه.. ما أصغر كأسي​

وما أوسع البحر​

في عينيكِ..!​

السماء أبعد ما تكون​

أشرعتي تمزّقتْ​

وأجنحتي تكسّرتْ​

لكنّه الشوق لا يعرف السكون​

يخفضني ويرفعني​

يجذبني ويدفعني​

أحار بين الرحيل أو الجنون​

أراني في عينيكِ​

محلّقاً وغارقاً​

بين انفتاح وانطباق الجفون​

***​

السؤال الأبدي​

ما زال ينزف غزيراً في أعماق الروحْ​

إلامَ تؤول أيّها الروحْ ؟!




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الاقتباسات من ملحمة جلجامش، ترجمة طه باقر.
من قصائد ديوان المفارقات / 2014

اللوحة : صورة لختم اسطواني قديم يمثل إنانا​

Image00003.jpg
 
أعلى