يموت بن المزرع العبدي، من عبد القيس، البصري، أبو بكر - الأمالي

قرأت بخط رشأ بن نظيف، وأنبأنيه أبو القاسم، وأبو الوحش عنه، أنا الحسن ابن إسماعيل بن محمد بمصر، نا الحسن بن رشيق، نا يموت بن المزرَّع، نا أبو مسلم عبد الله بن مسلم، حدثني أبي، حدثني مشايخ من مشايخ الحي، قالوا: وجَّه مصعب بن الزبير إلى عزة المدينية مولاة بَهز، وكانت من أعقل النساء، فأتتهُ، فقال لها ... يا عَزَّة، قد اعتزمتُ على تزويج عائشة، يعني ابنة طلحة، وأنا أحبُّ أن تصيري إليها متأملة لخلقها، مؤدية لخبرها إليَّ، فقالت: يا جارية، عليَّ بمنقلي فلبسته، ثم صارت إلى منزل عائشة؛ فلما دخلت عليها، قالت عائشة: مرحباً بالحبيبة، كيف نشطتِ لنا؟ قالت: جئتُ في حاجة؛ قالت: إذن تُقضى، قال: ارمِ عنك جلبابك، قالت: إذاً أفعل، ففعلت: ثم قالت لها: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، الله جارك. ثم رجعت إلى مصعب، فقال: ما الخبر يا عزة؟ قالت: رأيتُ وجهاً أحسن من العافية، ولها عينان نجلاوان هما مسكن هاروت وماروت، من تحت ذلك أنف أقنى وخدَّان أسيلان، وفم كفم الرُّمَّانة، وعنق كإبريق فضة، تحت ذلك صدرٌ فيه حُقَّا عاج، تحت ذلك بطن أقبٌّ، ولها عجز كدعص الرمل، وفخذان لفَّاوان، وساقان ريَّاوان، غير أني رأيت في رجلها كبرا، وهي تغيب عنك في وقت الحاجة. فلما توَّجها مصعب ودخل بها، دعتْ عائشة عزَّة ونسواناً من قريش، فلما أصبن من طعامها، غنَّتهنَّ، ومصعب قائم في دهليز الدار " من المتقارب ":
وثغرٍ أغرّ شتيتِ البناتِ ... لذيذِ المقَبَّلِ والمُبْتَسَمْ
وما ذقتُهُ غَير ظني به ... وبالظَّنِّ يحكم فينا الحَكَمْ
فقال مصعب وهو في الدهليز: بارك الله عليك يا عزَّة، لكنّا والله قد ذقناه فوجدناه كما ذكرتِ.
أخبرني محمد بن يحيى، أخبرنا أبو ذكوان، حدثنا موسى بن سعيد بن سَلْم، قال: كان ابن الأعرابيّ يؤدِّبنا، فدخل الأصمعيّ ونحن نقرأ شعر ابن أحمر " من الوافر ":
أغَدْواً وَاعَدَ الحيّ الزَّيالا ... لِوَجهٍ لا نُريدُ بهِ بدالا
إلى أن بلغنا إلى قوله:
أرى ذا شَسْبَةٍ حَمَّالَ ثِقْلٍ ... وَأبْيَضَ مِثْلَ صَدْرِ السيفِ نالا
فقال الأصمعيّ: " بالا " فصاح ابن الأعرابي: " نالا نْالا " بالنون، من النول فقال الأصمعي لنا: إنّ الشاعر قد فرَّع من هذا، فقال: فيهم شيخ حمَّال ثِقْل، وهو الذي ينيل ويعطي، وفيهم شابٌّ مثل صدر السيف بالا: أي حالا، وهو كالسيف في حاله وبأسه؛ وفَسَّر هذا في البيت الثاني، فقال:
بهم يسعى المُفاخِرُ حين يَسعى ... إذا ما عَدَّ بأساً أو نَوالا
فأراد بالبأس: الحال التي وَصَفَ الأبيض الفتى به، وبالنون وصف به ذا الشَّيبة، أنَّه حمَّال ثِقْ. فقام ابن الأعرابيّ على نالا، وانصرف الأصمعيّ، وجاء أبي فعرّفناه الخبر، فقال: القول ما قاله الأصمعيّ، في حفظِهِ أو ذهنِهِ وروايته، فلا، قال: فأمَرَ للأصمعيّ بأربعمئة دينار، ولابن الأعرابيّ بمئتي دينار.
فحدثني يموت بن المزرَّع عن أبي أُمامة الباهليّ، وحضر المجلس: أنّ ابن الأعرابيّ افتُضح بهذا، ثم احتال، فأحضر نُسخة فيها شعر عمرو بن أحمر وقد غيَّر البيت الأوَّل منها، فجعله:
أغَدواً وَاعَدَ الحيّ الزيالا ... وَشَوْقاً لا يبالي العَيْرُ بالا
ثم قال: معنى الأصمعيّ صحيح، ولكن كيف يُردِّد ابن أحمر قافيتين في قصيدة فزادت فضيحتهم، لضعف المِصراع الذي غيَّروه، وإحالة معناه.
قال محمد: وعندي بخط الغنويّ، أنّ البغداديين عملوا هذا، ليعذروا ابن الأعرابيّ، فافتضحوا.
ذكر يموت بن المزرَّع عن الجاحظ،. قال: حدَّثني ابن فرج الثعلبي، أن قوماً من بني ثعلب، أرادوا قطع الطريق على مال السُّلطان، فأتتهم المعاينة فأعلمتهم أن السلطان قد نَذَرَ بهم، فساروا ثم عزموا على الاستخفاء في دير العذارى، فصاروا إلى الدير ففُتِح إليهم، فلما استقرَّ حتى سمعوا وقع حوافر الخيل في طلبهم، فلمّا أمنوا وجاوزتهم الخيل، خلا كلُّ واحد منهم بجارية، هي عنده عذراء، فإذا القسُّ قد فرغ منهنَّ، فقال بعضهم في ذلك " من المتقارب":
وألوَط من راهبٍ يَدَّعي ... بأنَّ النِّساء عليه حرامْ
يُحَرِّمُ بيضَاءَ ممكورةً ... ويغْنيهِ في البضعِ عنها غلامْ
إذا ما مشى غضّ من طَرْفِهِ ... وفي الدير بالليلِ منهُ عُرامْ
وديرُ العذارى فضوحٌ لهنّ ... وعندَ اللصوصِ حديثُ تمامْ

أخبَرَنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد الله الحميدي، قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل بن بشران قال: أخبرنا أبو الحسين بن دينار، قال: أنبأنا أبو طالب عُبيد الله بن أحمد الأنباري، قال: حدثنا يموت بن المزرَّع، عن المبرد، قال: حدثني أحمد بن المعدّل البصري قال: كنت جالساً عند عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون فجاءه بعض جلسائه فقال: أعجوبة. قال: ما هي؟ قال: خرجتُ إلى حائطي بالغابة فلمّا أن أصحرتُ وبعدتُ عن البيوت، بيوت المدينة، تعرَّض لي رجل فقال: اخلع ثيابك. فقلتُ: وما يدعوني إلى خلع ثيابي؟ قال: أنا أولى بها منك قلت: ومن أين؟ قال: لأني أخوك وأنا عُريان وأنت مكسُوٌّ، قلت: فالمواساة. قال: كلاَّ، قد لبستها بَرْهَة وأنا أريد أن ألبسها كما لبِسْتَها، قلت: فتُعرِّيني وتُبدي عورتي، قال: لا بأس بذلك. قد روينا عن مالك أنه قال: لا بأس للرجل أن يغتسل عُرياناً، قلتُ: فيلقاني الناس فيرون عورتي، قال: لو كان الناس يرونك في هذه الطريق ما عرضتُ لك فيها، فقلتُ: أراك ظريفاً فدَعني حتى أمضي إلى حائطي وأنزع هذه الثياب فأُوجِّه بها إليك، قال: كلاَّ، أردتَ أن توجَّهَ إليَّ أربعة من عبيدك فيحملوني إلى السلطان فيحبسني ويُمزِّق جلدي ويطرح في رجليَّ القيد، قلتُ: كلاَّ، أحلف لك أيماناً أنِّي أَفِي لك بما وعدتك ولا أسؤك، قال: كلاَّ، إنّا روينا عن مالك، أنَّه قال: لا تُلزَم الأيْمَان التي يُحلَف بها للصوص، قلتُ: فأحلفُ أنِّي لا أحتال في أيماني هذه، قال: هذه يمين مُركَّبة على أيْمان اللُّصوص. قلتُ: فَدَع المناظرة بيننا فوالله لأوَجِّهنَّ إليك هذه الثياب طيِّبة بها نفسي، فأطرق ثم رفع رأسه وقال: تدري فيم فكَّرت؟ قلتُ: لا قال: تصفَّحتُ أمرَ اللُّصوص من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إلى وقتنا هذا فلم أجد لِصّاً أخذ نَسِيئَة، وأكره أن أبتدع في الإسلام بِدعة يكون عليَّ وزرها ووزر من عَمِلَ بها بعدي إلى يوم القيامة، اخلَع ثيابك، قال: فخلعتُها ودفعتُها إليه. فأخذها وانصرف.
حدثني مهلهل بن يموت بن المزرَّع، قال: سمعتُ أبي يموت بن المزرَّع، يقول: سمعتُ خالي عمرو بن بحر الجاحظ، يقول: لمّا قَدِمَ أشعب الطمّاع من المدينة إلى بغداد في أيام المهدي، تلقّاه أصحاب الحديث، لأنه كان ذا إسناد، فقالوا له: حدِّثنا، فقال: خذوا، حدثني سالم بن عبد الله، وكان يبغضني في الله، قال: خصلتان لا تجتمعان في مؤمن، وسكت، فقالوا: اذكرهما، فقال: نسيَ سالم إحداهما، ونسيت الأخرى؛ فقالوا: حدثنا عافاك الله بحديث غيره، فقال: خذوا، سمعتُ ظُلمة تقول، وكانت من عجائزنا: إذا أنا متُّ فاحرقوني بالنار، ثم اجمعوا رمادي في صُرَّة، فأتربوا به كُتُب الأحباب فإنهم يجتمعون لا محالة، وآتوا منه الخاتنات ليذرُرْنه على أحراح الصَّبيّات فإنَّهنَّ يلهجنَ بالزُّبِّ ما عشنَ. وقال ابن يسار الكواعب يُضرَب بظُلمة المثل " من المتقارب ":
بُليتُ بورهاءَ زَنَمْرَدَةٍ ... تَكادُ تُقَطِّرُهَا الغُلمة
تَنِمُّ وتَعْضَهُ جاراتها ... وأقْوَدُ بالليلِ من ظُلمة
فمن كلِّ ساعٍ لها ركلةٌ ... ومن كلِّ جارٍ لَها لطمة
حدثني يموت بن المزرَّع قال: كان بالشام معلم رقيع طينة مشهور بشتم الصبيان " فذهبنا إليه نلومه " فقال: اقعدوا حتى تسمعوا فإن كنت معذوراً وإلاّ فلوموا، قال: فقعدنا، فقرأ عليه صبيٌّ منهم: هم الذين يقولون لا تنفقوا إلا من عند رسول الله. فقال: كذبت يا ماصّ سلحه، أتلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة لا تجب عليه وهو لا يملك مالاً؟ قال: فضحك " وضحكنا ". ثم قرأ آخر: عليها ملائكة غلاظ شداد يعصون الله ما أمرهم ولا يفعلون ما أمرهم ولا يفعلون ما يؤمرون. فقال: يا ابن الفاعلة هؤلاء أكراد شُهَّاد زور ليسوا ملائكة. قال: فضحك وضحكنا؛ وقلنا: ما نلومك بعد هذا.
أخبرنا أبو المعالي محمد بن يحيى بن علي القرشي، بجامع دمشق، أنا أبو الفرج سهل بن بشر بن أحمد الإسفراييني، أنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن الطفَّال بمصر، أنا أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري، أنا أبو بكر يموت بن المزرَّع البصري، ثنا رُفيعة بن سلمة دماذ، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال:



.



* الأمالي
المؤلف: يموت بن المزرع العبدي، من عبد القيس، البصري، أبو بكر (المتوفى: 304هـ)




صورة مفقودة
 
أعلى