يحيى القيسي - موجة الكتابات الجنسية العربية

قبل أكثر من ألف عام ، وصل بعض أجدادنا الأدباء والفقهاء إلى تدبيج كتب كثيرة انشغلت في الجنس وكلّ ما قبله وبعده ، من أوصاف وحكايات ونصائح ، وربما لم يتركوا شيئاً لأحفادهم في هذه المسألة. وبالمناسبة ، فإنّ معظم هؤلاء من الشيوخ والقضاة ورجال الدين ، فهذا الإمام السيوطي له أكثر من عشرين كتاباً في هذا الموضوع لا استطيع هنا أن أورد بعض عناوينها لجرأتها التي لا يحتملها القراء ، وهو يقول إنه يؤلف هذه الكتب في وقت كثر فيه الغلمان ، ومن أجل أن يحثّ الناس على الزواج الطبيعي ، وهذا الشيخ التيفاشي ـ قاضي مصر وتونس ـ ألف "نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب" ، وهناك النفزاوي ، ولا ننسى كتباً من مثل: صبح الأعشى للقلقشندي ، وألف ليلة وليلة ، والعقد الفريد وغيرها.

لست هنا بصدد تناول هذه الأعمال ونقدها ، إنما لأؤشر على تلك الحالة من الحرية المفرطة ، وربما التهتك أحياناً ، التي وصل إليها بعض العرب ذات حقبة. ولست هنا ، أيضاً ، في مجال إدانة هذه الأعمال: فهي تأتي في سياقاتها ، ولكلّ كاتب الحرية في ما يرى أنه يعبر عنه وعن مجتمعه. ثم لا ينبغي لنا ، أصلاً ، أن نعمل على "تعقيم التاريخ" ، على رأي الأديب خيري منصور ، ولا تنقية التراث ، فهو منجز إنساني للجميع ، من شاء فليأخذ منه ، ومن شاء فليتركه. لكني أود أن أرجع بكم إلى زماننا هذا في وقت كثرت فيه الكتابات الروائية تحديداً ، والنسائية بشكل أدق ، في هذا الموضوع الإشكالي ، أو التابو ، ظناً من بعضهن أن اختراقه شيء عظيم ، وجديد ، ويعطي صاحبته ميزة على زميلاتها من الكاتبات. ولا أتحدث ، هنا ، عن التوظيف الصحيح للجنس في السياق الطبيعي للسرد الروائي ، أو الضرورة الفنية ، لكن عن تلك الكتابات التي تحاول أن تغرق في التفاصيل ، وتتلذذ بالوصف ، وبث الرغبات الحارقة ، بمناسبة أو من دون مناسبة ، وبشكل مجاني فج ، وكأننا نشاهد فيلم "بورنو". وفي هذا السياق أعتقد أن هؤلاء الكاتبات ، ولا أريد أن أسميهن: فهن كثر ، يتورطن في بيع بضاعة فاسدة لنا ، أو غير قانونية ، تماماً مثل أولئك الذين يصورون هذه الأفلام ، ويبثونها على الناس ، فهي عادة ما توضع في جناح منفرد ولا تباع لمن هم دون الثامنة عشرة من العمر ، ويجري تنبيه الناس أنها للكبار فقط ، لا سيما في المطارات الغربية ، ويأخذها المشترون عادة على استحياء ، وكأنهم ضبطوا في شراء شيء مخجل. وفي هذا الصدد هناك كاتبات وكتاب غربيون تخصصوا في مثل هذه الكتابات "الإيروتيكية" ، وهناك جوائز خاصة تمنح في هذا المجال ، وأذكر أنني حضرت مرة معرض الكتب الشهير في أدنبره باسكتلندة ، وكانت هناك قراءات خاصة ولقاءات مع كاتبات قد تخصصن في هذا النوع من الكتابة. لهذا ، أتمنى على الكاتبات العربيات ، أيضاً ، ممن يرغبن في ركوب هذه الموجة أن يكن واضحات في اختياراتهن ، وأن لا يخلطن الحابل بالنابل: فنحن ، بوصفنا قراء ، من الممكن أن نقبلهن تحت هذا التصنيف ، أي: كاتبات عربيات متخصصات في "الكتابة الإيروتيكية" لا باعتبارهن أديبات جريئات يخترقن التابو ، فهناك الكثير من الكاتبات العربيات المتميزات في كتابتهن ، وعلى قدر عال من التميز السردي والتشويق والعمق الفكري لم يحتجن لهذا الاختراق المفتعل للتابو حتى يتم الاعتراف بكتابتهن. ومن غير المعقول ، أيضاً ، أن كل من كتبت حكاية جسدها أو جسد غيرها ، وتفاصيل ما يجري في غرف النوم بكل هذا الوضوح ، أن نصنفها كاتبة ، ونهلل لها كما يفعل الغرب ، إذ هناك من تعرف الوصفة الجاهزة ، والصورة النمطية التي يريد الغرب أن يرسخها عن الشرق ، فما عليها إلأ أن تشتغل قليلاً على هذه المسألة ، وتصبح من الشهيرات ، وتتهافت دور النشر على ترجمة كتبها ، والأمثلة كثيرة أيضاً.

وفي النهاية ، أعتقد أن أجدادنا ، كما أشرت بداية ، سبقونا إلى طرق هذه الموضوعات حد الملل ، كما أن الكتابات الغربية ، منذ قرنين على الأقل ، لم تترك شيئاً في هذا الاتجاه. ولهذا ، فإن من يرغب من الكاتبات العربيات ، تحديداً ، في الدخول إلى هذا الموضوع ، فإنها يجب أن تقدم إلينا شيئاً مقنعاً ، وفي سياقه الطبيعي ، بعيداً عن الافتعال والتكرار وبيع بضاعة مستهلكة أكل الدهر عليها ونام.
 
أعلى