شاكر بن مغامس بن محفوظ بن صالح شقير البتلوني - نفح الأزهار في منتخبات الأشعار

الباب الأول
في الغزل
للوزير أحمد بن زيدون كتب بها إلى ولادة بنت المستكفي بالله في قرطبة بعد مفارقته لها ويأسه من لقائها يتشوقها ويستديم عهدها
أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا ... وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا
يكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حالت لبينكم أيامنا فغدت ... سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا
إذ جانب العيش طلق من تألفنا ... ومورد اللهو صاف من تصافينا
وإذ هصرنا غصون الأنس دانية ... قطوفها فجنينا منه ما شينا
ليسق عهدكم عهد السرور فما ... كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم ... حزناً مع الدهر لا يبلى ويبلينا
إن الزمان الذي ما زال يضحكنا ... أنساً بقربهم قد عاد يبكينا
غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا ... بأن نغص فقال الدهر آمينا
فانحل ما كان معقوداً بأنفسنا ... وانبت ما كان موصولاً بأيدينا
وقد نكون وما يخشى تفرقنا ... فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا
لم تعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم ... رأياً ولم نتقلد غيره دينا
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا ... إن طال ما غير النأي المحبينا
والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً ... منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
ولا استفدنا خليلاً عنك يشغلنا ... ولا اتخذنا بديلاً منك يسلينا
يا ساري البرق غاد القصر فاسق به ... من كان صرف الهوى والود يسقينا
ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا ... من لو على البعد حياً كان يحيينا
يا روضة طال ما أجنت لواحظنا ... ورداً جلاه الصبا غضاً ونسرينا
ويا حياة تملينا بزهرتها ... منى ضروباً ولذات أفانينا
ويا نعيماً رفلنا من غضارته ... في وشي نعمى سحبنا ذيله حينا
لسنا نسميك إجلالاً وتكرمة ... وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا
إذا انفردت وما شوركت في صفة ... فحسبنا الوصف إيضاحاً وتبيينا
يا جنة الخلد أبدلنا بسلسلها ... والكوثر العذب زقوماً وغسلينا
كأننا لم نبت والوصل ثالثنا ... والسعد قد غض من أجفان واشينا
سران في خاطر الظلماء يكتمنا ... حتى يكاد لسان الصبح يفشينا
لا غرو أنا ذكرنا الحزن حين نهت ... عنه النهى وتركنا الصبر ناسينا
إنا قرأنا الأسى يوم النوى سوراً ... مكتوبة وأخذنا الصبر تلقينا
أما هواك فلم نعدل بمنهله ... شرباً وإن كان يروينا فيظمينا
لم نجف جمال أنت كوكبه ... سالين عنه ولم نهجره قالينا
ولا اختياراً تجنبناك عن كثب ... لكن عدتنا على كره عوادينا
نأسى عليك إذا حثت مشعشعة ... فينا الشمول وغنانا مغنينا
لا أكؤس الراح وتبدي من شمائلنا ... سيما ارتياح ولا الأوتار تلهينا
دومي على العهد ما دمنا محافظة ... فالحر من دان إنصافاً كما دينا
فما ابتغينا خليلاً منك يحسبنا ... ولا استفدنا حبيباً عنك يغنينا
ولو صبا نحونا من علو مطلعه ... بدر الدجى لم يكن حاشاك يصبينا
أولى وفاء وإن لم تبذلي صلة ... فالذكر يقنعنا والطيف يكفينا
وفي الجواب قناع لو شفعت به ... بيض الأيادي التي ما زلت تولينا
عليك مني سلام الله ما بقيت ... صبابة منك نخفيها فتخفينا
لأبي الحسن علي بن زريق البغدادي وكانت له ابنة عم قد كلف بها أشد الكلف ثم ارتحل عنها من بغداد لفاقة علته فقصد أبا الخيبر عبد الرحمن الأندلسي في الأندلس ومدحه بقصيدة بليغة فأعطاه عطاء قليلاً. فقال ابن زريق أنا لله وأنا إليه راجعون سلكت القفار والبحار إلى هذا الرجل فأعطاني هذا العطاء. ثم تذكر فراق ابنة عمه وما بينهما من بعد المسافة وتحمل المشقة مع ضيق ذات يده فاعتل غماً ومات. قالوا وأراد عبد الرحمن بذلك أن يختبره فلما كان بعد أيام سأل عنه فتفقدوه في الخان الذي كان فيه فوجدوه ميتاً وعند رأسه رقعة مكتوب فيها هذه القصيدة
لا تعذليه فإن العذل يولعه ... قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
جاوزت في نصحه حداً أضر به ... من حيث قدرت أن النصح ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلاً ... من عنفه فهو مضني القلب موجعه
قد كان مضطلعاً بالخطب يحمله ... فضلعت بخطوب البين أضلعه
يكفيه من روعة التنفيذ أن له ... من النوى كل يوم ما يروعه
ما آب من سفر إلا وأزعجه ... عزم إلى سفر بالرغم يزمعه
يأبى المطالب إلا أن تكلفه ... للرزق سعياً ولكن ليس يجمعه
كأنما هو في حل ومرتحل ... مؤكل بفضاء الله يذرعه
إذا الزمان أراه في الرحيل غنى ... ولو إلى السند أضحى وهو يقطعه
وما مجاهدة الإنسان واصلة ... رزقاً ولا دعة الإنسان تقطعه
قد قسم الله بين الناس رزقهم ... لا يخلق الله من خلق يضيعه
لكنهم كلفوا حرصاً فلست ترى ... مسترزقاً وسوى الغايات يقنعه
والحرص في الرزق والأرزاق قد قسمت ... بغي ألا إن بغي المرء يصرعه
والدهر يعطي الفتى من حيث يمنعه ... عفواً ويمنعه من حيث يطمعه
أستودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني ... صفو الحياة وأني لا أودعه
وكم تشفع بي أن لا أفارقه ... وللضرورات حال لا تشفعه
وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى ... وأدمعي مستهلات وأدمعه
لا أكذب الله ثوب العذر منخرق ... مني بفرقته لكن أرقعه
إني أوسع عذري في جنايته ... بالبين عنه وقلبي لا يوسعه
أعطيت ملكاً فلم أحسن سياسته ... وكل من لا يسوس الملك يخلعه
ومن غدا لابساً ثوب النعيم بلا ... شكر عليه فعنه الله ينزعه
إعتضت من وجه خلي بعد فرقته ... كأساً يجرع منها ما أجرعه
كم قائل لي دقت البين قلت له ... ألذنب والله ذنبي لست أدفعه
هلا أقمت فكان الرشد أجمعه ... لو أنني حين بان الرشد أتبعه
لو أنني لم تقع عيني على بلد ... في سفرتي هذه إلا وأقطعه
يا من أقطع أيامي وأنفدها ... حزناً عليه وليلي لست أهجعه
لا يطمئن بجنبي مضجع وكذا ... لا يطمئن به مذ بنت مضجعه
ما كنت أحسب أن الدهر يفجعني ... به ولا أن بي الأيام تفجعه
حتى جرى الدهر فيما بيننا ... عسراء تمنعني حقي وتمنعه
وكنت من ريب دهري جازعاً فرقاً ... فلم أوق الذي قد كنت أجزعه
بالله يا منزل القصر الذي درست ... آثاره وعفت مذ بنت أربعه
هل الزمان معيد فيك لذتنا ... أم الليالي التي أمضته ترجعه
في ذمة الله من أصبحت منزله ... وجاد غيث على مغناك يمرعه
من عنده لي عهد لا يضيع كما ... عندي له عهد صدق لا أضيعه
ومن يصدع قلبي ذكره وإذا ... جرى على قلبه ذكري يصدعه
لأصبرن لدهر لا يمتعني ... بد ولا بي في حال يمتعه
علماً بأن اصطباري معقب فرجاً ... فأضيق الأمر إن فكرت أوسعه
عل الليالي التي أضنت بفرقتنا ... جسمي ستجمعني يوماً وتجمعه
وإن تغل أحداً منا منيته ... لابد في غده الثاني سيتبعه
وإن يدم أبداً هذا الفراق لنا ... فما الذي بقضاء الله نصنعه

لشهاب الدين السهروردي

أبداً تحن إليكم الأرواح ... ووصالكم ريحانها والراح
وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم ... وإلى لذيذ لقائكم ترتاح
وارحمنا للعاشقين تكلفوا ... ستر المحبة والهوى فضاح
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم ... وكذا دماء البائحين تباح
وإذا هم كتموا تحدث عنهم ... عند الوشاة المدمع السفاح
وبدت شواهد للسقام عليهم ... فيها لمشكل أمرهم إيضاح
خفض الجناح ولكم وليس عليكم ... للصب في خفض الجناح جناح
فإلى لقاكم نفسه مرتاحة ... وإلى رضاكم طرفه طماح
عودوا بنور الوصل من غسق الجفا ... فالهجر ليل والوصال صباح
صافاهم فصفوا له فقلوبهم ... في نورها المشكاة والمصباح
وتمتعوا فالوقت طاب لقربكم ... راق الشراب ورفت الأقداح
يا صاح ليس على المحب ملامة ... إن لاح في أفق الوصال صباح
لا ذنب للعشاق إن غلب الهوى ... كتمانهم فنمى الغرام فباحوا
سمحوا بأنفسهم وما بخلوا بها ... لما دروا أن السماح رباح
ودعاهم داعي الحقائق دعوة ... فغدوا بها مستأنسين وراحوا
ركبوا على سنن الوفاء ودموعهم ... بحر وشدة شوقهم ملاح
والله ما طلبوا الوقوف ببابه ... حتى دعوا وأناهم المفتاح
لا يطربون لغير ذكر حبيبهم ... أبداً فكل زمانهم أفراح
حضروا وقد غابت شواهد ذاتهم ... فتهتكوا لما رأوه وصاحوا
أفناهم عنهم وقد كشفت لهم ... حجب البقا فتلاشت الأرواح
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالكرام فلاح

للقاضي عياض

رأت قمر السماء فذكرتني ... ليالي وصلها بالرقمتين
كلانا ناظر قمراً ولكن ... رأيت بعينها ورأت بعيني
لشهاب الدين الإعزازي
وهي طويلة اقتصرنا على أجودها

صاح في العاشقين بالكنانه ... رشأ في الجفون منه كنانه
بدوي بدت طلائع لحظي ... هـ فكانت فتاكة فتانه
رد منا القلوب منكسرات ... عندما راح كاسراً أجفانه
وغزانا بقامة وبعين ... تلك سيافة وذي طعانه
وأرانا وقد تبسم برقاً ... فأريناه ديمة هتانه
فهو يقضي على النفوس ولم تق ... ض من الوصل في هواه لبانه
سافر الوجه عن محاسن بدر ... مائس القد عن معاطف بانه
لست أدري أراكة هز من أع ... طافه الهيف أم لوى خيزرانه
خطرات النسيم تجرح خدي ... هـ ولمس الحرير يدمي بنانه
قال لي والدلال يعطف منه ... قامة كالقصيب ذات ليانه
هل عرفت الهوى فقلت وهل أن ... كر دعواه قال فاحمل هوانه

وله

فقن الظباء سوالفاً ونحورا ... والخيزران معاطفاً وخصورا
ثم اتخذنا من المدام مراشفاً ... ونظمن من حبب المدام ثغورا
ونظرن غزلاناً وفحن خمائلاً ... وخطرن أغصاناً ولحن بدورا
وسكن حبات القلوب كأنما ... غادرن حبات القلوب خدورا
لو لم يزدن بنا فتوراً في الهوى ... ما مسن عجباً واكتحلن فتورا
ولما كشفن عن الوجوه براقعاً ... ولما عطفن على الخصور شعورا
غازلننا يوم الحمى فهتكن من ... حجب القلوب سريرة وضميرا
وبرزن في وشي البرود كأنما ... أسبلن من فوق الحرير حريرا
إني أغار من العيون ولا هوى ... إلا إذا كان المحب غيورا
ولو استطعت حجبتهن بناظري ... وجعلت أهداب الجفون سفورا
للحاحري

حكاه من الغصن الرطيب وريقه ... وما الخمر إلا مقلتاه وريقه
هلال ولكن أفق قلبي محله ... غزال ولكن سفح عيني عقيقه
أقر له من كل حسن جليله ... ووافقه من كل معنى دقيقه
بديع التثني راح قلبي أسيره ... على أن دمعي في الغرام طليقه
على سالفيه للعذار جديده ... وفي شفتيه للسلاف عتيقه
من الترك لا يصيبه شوق إلى الحمى ... ولا ذكر بانات العذيب يشوقه
على خده جمر من الحسن مضرم ... يشب ولكن في فؤادي حريقه
إذا خفق البرق اليماني موهناً ... تذكرته فاعتاد قلبي خفوقه
حكى وجهه بدر السماء فلو بدا ... مع البدر قال الناس هذا شقيقه
على مثله يستحسن الصب هتكه ... وفي مثله يجفو الصديق صديقه
ولله قلبي ما أشد عفافه ... وإن كان طرفي مستمراً فسوقه
فما فاز إلا من يبيت صبوحه ... شراب ثناياه ومنها غبوقه
لسعد الدين بن العربي

لام العذول على هواه وفندا ... فأعاد باللوم الغرام كما بدا
رشأ قد اتخذ الضلوع كناسه ... والقلب مرعى والمدامع موردا
سلب الفؤاد إذا بدا وإذا رنا ... فضح الغزالة والغزال الأغيدا
كالورد خدا والهلال تباعدا ... والظبي جيداً والقضيب تأودا
مترنح الأعطاف من خمر الصبا ... أو ما تراه باللحاظ معربدا
أيقنت أن من المدامة ريقه ... لما بدا در الحباب منضدا
وعلمت أن من الحديد فؤاده ... لما انتضى من مقلتيه مهندا
سيف ترقرق في شباه فرنده ... يأبى بغير جوانحي أن يغمدا
من منصفي من جوره فلقد غدا ... بدمي وسيف لحاظه متقلدا
زرق الأسنة في الرماح فلم أرى ... في رمح قامته سناناً أسودا
آنست من وجدي بجانب خده ... ناراً ولكن ما وجدت بها هدى
متورد الوجنات ما حييته ... إلا ارتدى ثوب الحياء موردا
ألقيت إكسير اللحاظ بخده ... فقلبت فضته النقية عسجدا

لمجير الدين بن تميم

يا محرقاً بالنار وجه محبه ... مهلاً فإن مدامعي تطفيه
أحرق بها جسدي وكل جوارحي ... واحرص على قلبي فإنك فيه
لابن الخياط

خذا من صبا نجد أماناً لقلبه ... فقد كاد رياها تطير بلبه
وإياكما ذاك النسيم فإنه ... متى هب كان الوجد أيسر خطبه
خليلي لو أحببتما لعلمتما ... محل الهوى من مغرم القلب صبه
تذكروا والذكرى شوق وذو الهوى ... يتوق ومن يعلق به الحب بصبه
غرام على يأس الهوى ورجائه ... وشوق على بعد المزار وقربه
وفي الركب مطوي الضلوع على جوى ... متى يدعه داعي الغرام يلبه
إذا خطرت من جانب الرمل نفحة ... تناول منها داءه دون صحبه
ومحتجب بين الأسنة معرض ... وفي القلب من إعراضه مثل حجبه
أغار إذا آنست في الحي أنه ... حذاراً عليه أن تكون لحبه
لعون الدين الحلبي

لهيب الخد حين بدا لعيني ... هوى قلبي عليه كالفراش
فأحرقه فصار عليه خالاً ... وذا أثر الدخان على الحواشي
لابن سهل

سل في الظلام أخاك البدر عن سهري ... تدري النجوم كما تدري الورى خيري
أبيت أهتف بالشكوى وأشرب من ... دمعي وأنشق ريا ذكرك العطر
حتى يخيل أني شارب ثمل ... بين الرياض وبين الكأس والوتر
من لي به اختلفت فيه الملاحة إذ ... أومت إلى غيره إيماء مختصر
معطل فالحلى منه محلاة ... تغني الدراري عن التقليد بالدرر
بخده لفؤادي نسبة عجباً ... كلاهما أبداً يدمى من النظر
وخاله نقطة من غنج مقلته ... أتى بها الحسن من آياته الكبر
جاءت من العين نحو الخد زائرة ... وراقها الورد فاستغنت عن الصدر
بعض المحاسن يهوى بعضها شغفاً ... تأملوا كيف هام الغنج بالحور
لبعضهم

لم أضع للسلام كفي بصدري ... حين حيا بالحاجب المقرون
إنما قد وضعت كفي لأدري ... أين حلت سهام تلك العيون




* الكتاب: نفح الأزهار في منتخبات الأشعار
المؤلف: شاكر بن مغامس بن محفوظ بن صالح شقير البتلوني (المتوفى: 1314هـ)
المحقق: إبراهيم اليازجي
 
لبعضهم

لم أضع للسلام كفي بصدري ... حين حيا بالحاجب المقرون
إنما قد وضعت كفي لأدري ... أين حلت سهام تلك العيون
للمتنبي

حاشى الرقيب فخانته ضمائره ... وغيض الدمع فانهلت بوادره
وكاتم الحب يوم البين منهتك ... وصاحب الدمع لا تخفى سرائره
لولا ظباء عدي ما شغفت بهم ... ولا بربربهم لولا جاذره
من كل أحور في أنيابه شنب ... خمر يخامرها مسك تخامره
نعج محاجره دعج نواظره ... حمر غفائره سود غدائره
أعارني سقم جفنيه وحملني ... من الهوى ثقل ما تحوي مآزره
وله

نشرت ثلاث ذوائب من شعرها ... وفي ليلة مأرت ليالي أربعا
واستقبلت قمر السماء بوجهها ... فأرتني القمرين في وقت معا
لآخر

قبلته فبكى وأعرض نافراً ... يذري المدامع من كحيل أدعج
فكأن سقط الدمع من أجفانه ... لما بدا في خده المتضرج
برد تساقط فوق ورد أحمر ... من نرجس فسقى رياض بنفسج
للأمير محمد بن منجك

قمر إذا فكرت فيه تعتبا ... وإذا رآني في المنام تحجبا
صادفته فتناولت لحظاته ... عقلي وأعرض نافراً متجنبا
متورد الوجنات خشية ناظر ... أضحى بريحان العذار منقبا
أنا منه راض بالصدود لأنني ... أجد الهوان لدى الهوى مستعذبا
وله

فدى لك روحي من رشا متبرم ... ومن منجد بالمستهام ومنهم
ومن عاتب إلا على غير مذنب ... ومن ظالم إلا على غير مجرم
سقتني العيون النجل منك سلافة ... جرت قبل خلقي في عروقي وأعظمي
وأسلمني فيك الغرام إلى الردى ... فإن كنت من يرضى بذلك فاسلم
بعدت ولي في كل عضو حشاشة ... تذوب وطرف هامع الجفن بالدم
ولست ملوماً إن من أيقظ النوى ... حظوظي التي لم تجن غير تندمي
جلبت إلى نفسي المنية عندما ... رميت فلم تخطئ فؤادي أسهمي
أبى الله أن أبكي لغير صبابة ... وأرتاع إلا من حبيب بمؤلم

وله

لما صفت مرآة وجهك أيقنت ... عيناي أني عدت فيه خيالا
فظننت أهدابي بوجهك عارضاً ... وحسبت إنساني بخدك خالا
وله

ومقرطق يغني النديم بوجهه ... عن كأسه الملأى وعن إبريقه
فعل المدام ولونها ومذاقها ... من مقلتيه ووجنتيه وريقه
لبعضهم

يا ظبية البان ترعى في خمائله ... ليهنك اليوم أن القلب مرعاك
الماء عندك مبذول لشاربه ... وليس يرويك إلا مدمع الباكي
هبت لنا من رياح الغور رائحة ... عند الرقاد عرفناها برياك
ثم انثنينا إذا ما هزنا طرب ... على الرحيل تعللنا بذكراك
حكت لحاظك ما في الرئم من ملح ... يوم اللقاء وكان الفضل للحاكي
سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق لقد أبعدت مرماك
وعد لعينيك عندي ما وفيت به ... يا طالما كذبت عيني عيناك
كأن طرفك يوم الجزع يخبرنا ... بما انطوى عنك من أسماء قتلاك
أنت الجحيم لقلبي والنعيم له ... فما أمرك في قلبي وأحلاك
ولآخر

ألقى يديه على صدري فقلت له ... أبرأت مني فؤاداً أنت موجعه
فقال لا تطمعن عيناي قد رمتا ... سهماً فأحببت أدري أين موقعه
لأبي فراس

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر ... أما للهوى نهي عليك ولا أمر
بلى أنا مشتاق وعندي لوعة ... ولكن مثلي لا يذاع له سر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى ... وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر
تكاد تضيء النار بين جوانحي ... إذا هي أذكتها الصبابة والفكر
معللتي بالوعد والموت دونه ... إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر
تسائلني من أنت وهي عليمة ... وهل بفتى مثلي على حاله نكر
فقلت كما شاءت وشاء الهوى لها ... قتيلك قالت أيهم فهم كثر
وقالت لقد أزرى بك الدهر بعدنا ... فقلت معاذ الله بل أنت لا الدهر
لابن حامد الغزالي

حلت عقارب صدغه في خده ... قمراً فجل بها عن التشبيه
ولقد عهدناه يحل ببرجها ... فمن العجائب كيف حلت فيه
لإبراهيم النقيب

يا تاركاً جسدي بغير فؤادي ... أسرفت في الهجران والإبعاد
إن كان يمنعك الزيارة أعين ... فادخل إلي بعلة العواد
إن العيون على القلوب إذا جنت ... كانت بليتها على الأجساد
لأبي تمام

أنت في حل فزدني سقما ... أفن جسمي واجعل الدمعا دما
وارض لي الموت بهجريك فإن ... ألمت نفسي فزدها ألما
محنة العاشق في ذل الهوى ... فإذا استودع سراً كتما
ليس منا من شكا علته ... من شكا ظلم حبيب ظلما
وله

يا لابساً ثوب الملاحة أبه ... فلأنت أولى لابسيه بلبسه
لم يعطك الله الذي أعطاكه ... حتى أضر ببدره وبشمسه
مولاك يا مولاي صاحب لوعة ... في يومه وصبابة في أمسه
دنف يجود بنفسه حتى لقد ... أمسى ضعيفاً أن يجود بنفسه
للبحتري

بات نديماً لي حتى الصباح ... أغيد مجدول مكان الوشاح
كأنما يضحك عن لؤلؤ ... منضد أو برد أو أقاح
بت أفديه ولا أرعوي ... لنهي ناه عنه أو لحي لاح
أمزج كأسي بجنى ريقه ... وإنما أمزج راحاً براح
وله

روحي وروحك مضمومان في جسد ... يا من رأى جسداً قد ضم روحين
يا باعث السحر من طرف يقلبه ... هاروت لا تسقني خمراً بكأسين
ويا محرك عينيه ليقتلني ... إني أخاف عليك العين من عيني
ليزيد بن معاوية

نالت على يدها ما لم تنله يدي ... نقشاً على معصم أوهت به جلدي
كأنه طرق نمل في أناملها ... أو روضة رصعتها السحب بالبرد
خافت على يدها من نبل مقلتها ... فألبست زندها درعاً من الزرد
إنسية لو رأتها الشمس ما طلعت ... من بعد رؤيتها يوماً على أحد
سألتها الوصل قالت لا تغر بنا ... من رام منا وصالاً مات بالكمد
فكم قتيل لنا في الحب مات جوى ... من الغرام فلم يبدئ ولم يعد
فقلت أستغفر الرحمن من زلل ... إن المحب قليل الصبر والجلد
قد خلفتني طريحاً وهي قائلة ... تأملوا كيف فعل الظبي بالأسد
قالت لطيف خيال زارني ومضى ... بالله صفه ولا تنقص ولا تزد
فقال خلفته لو مات من ظمإ ... وقلت قف عن ورود الماء لم يرد
قالت صدقت الوفا في الحب شيمته ... يا برد ذاك الذي قالت على كبدي
واسترجعت سألت عني فقيل لها ... ما فيه من رمق دقت يداً بيد
واستمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ... ورداً وعضت على العناب بالبرد
هم يحسدوني على موتي فوا أسفي ... حتى على الموت لا أخلو من الحسد

لمحيي الدين بن قرناص

أراق دمي بسيف اللحظ ظلماً ... وها أثر الدماء بوجنتيه
فلما خاف من طلبي لثأري ... أدار عذاره زرداً عليه
لبعضهم

ورأيته في الطرس يكتب مرة ... غلطاً ويمحو خطه برضابه
فوددت لو أني أكون صحيفة ... ووددت أن لا يهتدي لصوابه
لابن الشاه

قالت أسود عارضاك بشعر ... وبه تقبح الوجوه الحسان
قلت أشعلت في فؤادي ناراً ... فعلى وجنتي منه دخان
لمروان بن أبي حفصة

ولما التقينا للوداع ودمعها ... ودمعي يفيضان الصبابة والوجدا
بكت لؤلؤاً رطباً ففاضت مدامعي ... عقيقاً فصار الكل في نحرها عقدا
لآخر

أرمى بأسهم مقلتيه أم رنا ... وثنى القلوب إلى هواه أم انثنى
واستل من أجفانه بيض الظبي ... أم هز من أعطافه سمر القنا
أمعذبي بصدوده لو قيل من ... قتل الغرام أسى لقلت لهم أنا
كل تسلى واستراح فؤاده ... وهواك قد سكن الحشا واستوطنا
أما عذابك فهو أعذب مورد ... وكذا الهوان أراه عندي هينا
أهدى الحبيب مع الرسول تحية ... يا مهدي الحسنى فديتك محسنا
أمبشري ممن أحب بزورة ... أهلاً وسهلاً بالبشارة والهنا
ما كان أسمحني عليك بخلعةٍ ... لو أن عندي حلة غير الضنى
لغيره

لك منزل في القلب ليس يحله ... إلا هواك وعن سواك أجله
يا من إذا جليت محاسن وجهه ... علم العذول بأن ظلماً عذله
الوجه بدر دجى عذارك ليله ... والقد غصن نقا وشعرك ظله
هذه جفونك أعربت عن سحرها ... وعذار خدك كاد ينطق نمله
عار لمثلي أن يرى متسلياً ... وجمال وجهك ليس يوجد مثله
هل في الورى حسن أهيم بحبه ... هيهات أضحى الحسن عندك كله
لغيره

شهدت لواحظه علي بريبة ... وأتت بخط عذاره تذكارا
يا قاضي الحب اتئد في قتلتي ... فالخط زور والشهود سكارى
للمعز لدين الله

أطلع الحسن من جبينك شمساً ... فوق ورد في وجنتيك أطلا
وكأن الجمال خاف على الور ... د جفافاً فمد بالشعر وظلا
لآخر

له خال على صفحات خد ... كنقطة عنبر في صحن مرمر
وألحاظ بأسياف تنادي ... على عاصي الهوى ألله أكبر
لعاصم بن محمد البغدادي

أسر الفؤاد ولم يرق لموثق ... ما ضره لو من بالإطلاق
إن كان قد لسعت عقارب صدغه ... قلبي فإن رضابه ترياقي
للمعلم بطرس كرامة

أمن خدها الوردي أفتنك الخال ... فسح من الأجفان مدمعك الخال
وأومض برق من محيا جمالها ... لعينيك أم من ثغرها أومض الخال
رعى الله ذياك القوام وإن يكن ... تلاعب في أعطافه التيه والخال
ولله هاتيك الجفون فإنها ... على الفتك بهواها أخو العشق والخال
مهاة بأمي أفتديها ووالدي ... وإن لام عمي الطيب الأصل والخال
أرتنا كثيباً فوقه خيزرانة ... بروحي تلك الخيزرانة والخال
غلائلها والدر أضحى بجيدها ... نسيجان ديباج الملاحة والخال
ولما تولى طرفها كل مهجة ... على قدها من فرعها عقد الخال
إذا فتكت أهل الجمال فإنما ... لهن على الهوى الملك والخال
وليس الهوى إلا المروءة والوفا ... وليس له إلا امرؤ ماجد خال
وكم يدعي بالحب من ليس أهله ... وهيهات أين الحب والأحمق الخال
معذبتي لا تجحدي الحب بيننا ... لما أتهم الواشي فإني الفتى الخال
ولي شيمة طابت ثناء وعفة ... تصاحبني حتى يصاحبني الخال
سلي عن غرامي كل من يعرف الهوى ... تري أنني رب الصبابة والخال
ولا تسمعي قول العذول فإنه ... لقد ساء فينا ظنه السوء والخال
سعى بيننا سعي الحسود فليته ... أشل وفي رجليه أوثقه خال
وظبية حسن مذ رأيت ابتسامها ... عشقت ولم تخط الفراسة والخال
توسم طرفي في محاسن وجهها ... فلاح له في بدر سمائها خال
إلى مثلها يرنو الحليم صبابة ... ويعشقها سامي النباهة والخال
أيا راكباً يطوي الفلاة ببكرة ... يباع بها النهد المطهم والخال
بعيشك إن جئت الشآم فعج إلى ... مهب الصبا الغربي يعن لك الخال
وسلم بأشواقي على مربع عفا ... كان رباه بعدنا الأقفر الخال
وإن ناشدتك الغيد عني فقل على ... عهود الهوى فهو المحافظ والخال
وإن قلن هل سام التصبر بعدنا ... فقل صبره ولى وفرط الجوى خال
لكل جماح إن تمادى شكيمة ... ولكن جماح الدهر ليس له خال

وله

وردية الخد بالوردي قد خطرت ... تميس تيهاً وتثني القد إعجابا
لم يكف قامتها الهيفاء ما فعلت ... حتى اكتست من دم العشاق أثوابا
وله

أقبلت تنجلي وفي معطفيها ... نظر العاشقين مثل النطاق
ما ترى بردها وقد صبغته ... من سواد القلوب والأحداق
وله

فتن القلوب وقد تمنطق خصره ... من أعين العشاق أي نطاق
أمسى يداعبني بورد خدوده ... لما رآه يفيض من آماقي
يفتر عن در فأبكي مثله ... لله در الطرف من سراق
 
لآخر

أشكو الغرام وأنت عني غافل ... ويجد بي وجدي وطرفك هازل
يا بدر كم سهرت عليك نواظر ... يا غصن كم ناحت عليك بلابل
البدر يكمل كل شهر مرة ... وهلال وجهك كل يوم كامل
وحلوله في قلب برج واحد ... ولك القلوب جميعهن منازل
قتل النفوس محرم لكنه ... حل إذا كان الحبيب الفاعل
أرضى فيغضب قاتلي فتعجبوا ... يرضى القتيل وليس يرضى القاتل
لبعضهم

يا من حوى ورد الرياض بخده ... وحكى قضيب الخيزران بقده
دع عنك ذا السيف الذي جردته ... عيناك أمضى من مضارب حده
كل السيوف قواطع إن جردت ... وحسام لحظك قاطع في غمده
إن شئت تقتلني فأنت مخير ... من ذا يعارض سيدا في عبده
للوأواء الدمشقي

بالله ربكما عوجا على سكني ... وعاتباه لعل العتب يعطفه
وعرضا بي وقولا في حديثكما ... ما بال عبدك بالهجران تتلفه
فإن تسم قولا في ملاطفة ... ما ضر لو بوصال منك تسعفه
وإن بدا لكما في وجهه غضب ... فغالطاه وقولا ليس تعرفه
لفتح الله بن النحاس

رأى اللوم من كل الجهات فراعه ... فلا تنكروا إعراضه وامتناعه
ولا تسألوه عن فؤادي فإنني ... علمت يقيناً أنه قد أضاعه
هو الظبي أدنى ما يكون نفاره ... وأبعد شيء ما يزيل ارتياعه
فيا ليتي قد كنت من أول الهوى ... أطعت عذولي واكتفيت نزاعه
لابن عبد ربه

إذا الذي خط العذار بخده ... خطين هاجا لوعة وبلابلا
ما كنت أقطع أن لحظك صارم ... حتى رأيت من العذار حمائلا
لتقي الدين السروجي

في الجانب الأيمن من خدها ... نقطة مسك أشتهي شمها
حسبته لما بدا خالها ... وجدته من حسنه عمها
وله

يا من شغلت بحبه عن غيره ... وسلوت كل الناس حين عشقته
أنفقت عمري في هواك وليتني ... أعطى وصولاً بالذي أنفقته
بالله إن سألوك عني قل لهم ... عبدي وملك يدي وما أعتقته
أو قيل مشتاق إليك فقل لهم ... أدري بذا وأنا الذي شوقته
يا حسن طيف من خيالك زارني ... من فرط وجدي فيه ما حققته
فمضى وفي قلبي عليه حسرة ... لو كان يمكنني الرقاد لحقته

لابن معتوق

خفرت بسيف الغنج ذمة مغفري ... وفرت برمح القد درع تصبري
وجلت لنا من تحت مسكة خالها ... كافور فجر شق ليل العنبر
وغدت تذب عن الرضاب لحاظها ... فحمت علينا الحور ورد الكوثر
ودنت إلى فمها أراقم فرعها ... فتكفلت بحفاظ كنز الجوهر
يا حامل السيف الصحيح إذا رنت ... إياك ضربة جفنها المتكسر
وتوق يا رب القناة الطعن إن ... حملت عليك من القوام بأسمر
برزت فشمنا البرق لاح ملثماً ... والبدر بين تقرطق وتخمر
وسعت فمر بنا الغزال مطوقاً ... والغصن بين موشح ومؤزر
بأبي مراشفها التي قد لثمت ... فوق الأقاحي بالشقيق الأحمر
وبمهجتي الروض المقيم بمقلة ... ذهب النعاس بها ذهاب تحير
تالله ما ذكر القيق وأهله ... إلا وأجراه الغرام بمحجري
يا للعشيرة من لمقلة ضيغم ... كمنت منيته بمقلة جؤذر
أمت وقد هز السماك قناته ... وسط الضياء على الظلام بخنجر
والقوس معترض أراشت سهمه ... بقوادم النسرين أيدي المشتري
فغدت تشنف مسمعي بلؤلؤة ... لولاه ناظم عبرتي لم ينثر
حتى بدا كسر الصباح وأدبرت ... قوم النجاشي عن عساكر قيصر
لما رأت روض البنفسج قد ذوى ... من ليلنا وزهت رياض العصفر
والنجم غار على جواد أدهم ... والفجر أقبل فوق صهوة أشقر
فزعت فضرست العقيق بلؤلؤ ... سكنت فرائده غدير السكر
وتنهدت جزعاً فأثر كفها ... في صدرها فنظرت ما لم أنظر
أقلام مرجان كتبن بعنبر ... بصحيفة البلور خمسة أسطر
لبعضهم

لولا شفاعة شعرها في صبها ... ما واصلت وأزالت الأسقاما
لكن تنازل في الشفاعة عندها ... فغدا على أقدامها يترامى
للسراج الوراق

ومهفهف عني يميل ولم يمل ... يوماً إلي فقلت من ألم الجوى
لم لا تميل إلي يا غصن النقا ... فأجاب كيف أستبين جهة الهوى

للحسن بن هاني

يا قمراً أبصرت في مأتم ... يندب شجواً بين أتراب
يبكي فيلقي الدر من نرجس ... ويلطم الورد بعناب
لآخر

حجبوك عن مقل العباد مخافة ... من أن تخدش خدك الأبصار
فتوهموك ولم يروك فأصبحت ... من وهمهم في خدك الآثار
لابن اللبانة

بدا على خده خال فزينه ... وزادني شغفاً فيه على شغفي
كأن حبة قلبي عند رؤيته ... طارت فقلت لها في الخد منه قفي
للفارض

غيري على السلوان قادر ... وسواي في العشاق غادر
لي في الغرام سريرة ... والله أعلم بالسرائر
ومشبه بالغصن قلبي ... لا يزال عليه طائر
حلو الحديث وإنها ... لحلاوة شقت مرائر
أشكو وأشكر فعله ... فاعجب لشاك منه شاكر
لا تنكروا خفقان قلبي ... والحبيب لدي حاضر
ما القلب إلا داره ... ضربت له فيها البشائر
يا ليل ما لك آخر ... أبداً ولا للشوق آخر
يا ليل طل يا شوق دم ... إني على الحالين صابر
لي فيك أجر مجاهد ... إن صح أن الليل كافر
طرفي وطرف النجم فيك ... كلاهما ساه وساهر
يهنيك بدرك حاضر ... يا ليت بدري كان حاضر
حتى يبين لناظري ... من منهما زاه وزاهر
بدري أرق محاسناً ... والفرق مثل الصبح ظاهر
لأبي العتاهية

لم يبق مني حبها ما خلا ... حشاشة في بدن ناحل
يا من رأى قبلي قتيلاً بكى ... من شدة الوجد على القاتل
لآخر

إني أغار من النسيم إذا سرى ... بأريج عرفك خشية من ناشق
وأود لو سهرت جفوني دائماً ... حذراً عليك من الخيال الطارق
لشمس الدين التلمساني

لا تخف ما فعلت بك الأشواق ... واشرح هواك فكلنا عشاق
فعسى يعينك من شكوت له الهوى ... في حمله فالعاشقون رفاق
قد كان يخفى الحب لولا دمعك ال ... جاري ولولا قلبك الخفاق
لا تجزعن فلست أول مغرم ... فتكت به الوجنات والأحداق
واصبر على هجر الحبيب فربما ... عاد الوصال وللهوى أخلاق

لمحمد بن هاني الأندلسي

فتكات طرفك أم سيوف أبيك ... وكؤوس خمر أم مراشف فيك
منعوك من سنة الكرى وسروا فلو ... عثروا بطيف طارق ظنوك
ودعوك نشوى ما سقوك مدامة ... لما تمايل عطفك اتهموك
حسبوا التكحل في جفونك حلية ... تالله ما بأكفهم كحلوك
ولوى مقبلك اللثام وما دروا ... أن قد لثمت به وقبل فوك
وله

قمن في مأتم على العشاق ... ولبسن الحداد في الأحداق
وبكين الدماء بالعنم الرطب ... المقنا وبالخدود الرقاق
ومنحن الفراق رقة شكوا ... هن حتى عشقت يوم الفراق
ودنوا للوداع حتى ترى الأج ... ياد فوق الأجياد كالأطواق
لغيره

غدا خاله رب الجمال لأنه ... على عرش كرسي الخدود قد استوى
وأرسل من لحظيه رسلاً أعزة ... على فترة تدعو القلوب إلى الهوى
لابن النبيه

خذ من حديث شجونه وشؤونه ... خبراً تسلسله رواة جفونه
لولا فضيحة خده بدموعه ... ما زال ثهك رقيبه بيقينه
وأغن توئسني قساوة قلبه ... منه ويطمعني تعطف لينه
ما زال يسقي خده ماء الحيا ... حتى جنيت الورد من نسرينه
وإذا وصلت بشعره قصر الدجى ... هجم الصباح بثغره وجبينه
خفر الدلال أضمه وأهابه ... لوقاره وحيائه وسكونه
قالت روادفه ولين قوامه ... إياك عن كثب الحمى وغصونه
أجفانه شرك القلوب كأنما ... هاروت أودعها فنون فتونه
ياقوته متبسم عن لؤلؤ ... خجلت عقود الدر من مكنونه
ساق صحيفة خده ما سودت ... عبثاً بلام عذاره وبنونه
جمد الذي بيمينه في خده ... وجرى الذي في خده بيمينه
وله

من آل إسرائيل علقته ... عذبني بالصد والتيه
أنزلت السلوى على قلبه ... وأنزل المن على فيه
لبعضهم

وقلت لها بعيشك ذقت راحاً ... فقالت لا وعيشك لم أذق را
فقلت ولم حذفت الحاء قالت ... أخاف تشم أنفاسي فتبرا
لعلي بن جريح

لو كنت يوم الوداع شاهدنا ... وهن يطفئن غلة الوجد
لم تر إلا دموع باكية ... تسفح من مقلة على خد
كأن تلك الدموع قطر ندى ... يقطرن من نرجس على ورد
لأبي العباس الناشي

بكت للفراق وقد راعني ... بكاء الحبيب لفقد الديار
كأن الدموع على خدها ... بقية طل على جلنار
لغيره

بروحي وجسمي ذلك العارض الذي ... غدا مسكه فوق السوالف سائلا
درى خدها أني أجن من الهوى ... فأظهر لي قبل الجنون سلاسلا
 
لبعضهم

ذكرت سليمى وحر الوغى ... كقلبي ساعة فارقتها
فشبهت سمر القنا قدها ... وقد ملن نحوي فعانقتها
لغيره

ومن عجب أني أحن إليهم ... وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
للشهاب محمود

رأتني وقد نال مني النحول ... وفاضت دموعي على الخد فيضا
فقالت بعيني هذا السقام ... فقلت صدقت وبالخصر أيضاً

لبعضهم

لم أنسه إذ قال أين تحلني ... حذراً علي من الخيال الطارق
فأجبته في القلب قال تعجباً ... أرأيت ويحك ساكناً في خافق
للأرجاني

لم يبكني إلا حديث فراقهم ... لما أسر به إلي مودعي
هو ذلك الدر الذي أودعته ... في مسمعي أجريته من مدمعي
لغيره

ومهفهف ألحاظه وعذاره ... يتعاضدان على قتال الناس
سفك الدماء بصارم من نرجس ... كانت حمائل غمده من آس
للأرجاني

شكوت إلى الحبيبة سوء حظي ... وما قاسيت من ألم البعاد
فقالت إن حظك مثل عيني ... فقلت نعم ولكن في السواد
وله

غالطتني إذ كست جسمي ضنى ... كسوة أعرت من اللحم العظاما
ثم قالت أنت عندي في الهوى ... مثل عيني صدقت لكن سقاما
للشيخ ناصيف اليازجي
خطرت وفي قلبي لذاك خفوق ... ورنت فكل الصاحبين رشيق
هيفاء مال بصبها سكر الهوى ... لما تمايل عطفها الممشوق
قامت تدير لنا الرحيق وليتها ... طلبت مجانسة فدار الريق
وشدت فأطربت الجماد وهيجت ... حتى علمنا كيف يحيي البوق
ناظرتها فسكرت من لحظاتها ... وشربت خمرتها فكيف أفيق
ورأيت رقة خصرها فوهبتها ... قلبي فإن كيهما لرقيق
غيداء آنسة نفور عندها ... يحيا الرجاء ويقتل التوفيق
كالآل يطمع لامعاً متقرباً ... ولمن أتاه زفرة وشهيق
قالت وقد غازلتها متصبباً ... ليس الصبابة بالمشيب تليق
والله ما كبراً مشيبي إنما ... هذا الدلال إلى المشيب يسوق
إني امرؤ طرب على غزل المهى ... وعلى مناظرة الحسان مشوق
حجت إلى قلبي العيون فإنه ... بيت ولكن لا أقول عتيق
يا ربة الحسن العزيز لك الحشا ... مصر غلا فسطا عليه حريق
أنت العزيزة في الجمال وإنما ... والله ما أنا يوسف الصديق
نعمان خدك في الرياض ومدمعي ... هذا لها خال وذاك شقيق
دمعي حديث لا يزال مسلسلاً ... أبداً وقلبي بالغرام خليق
قلب كخالك في المحبة طيب ... لكن ذا مسك وذاك فتيق

وله من قصيدة وهو مما نظمه في صباه

ألوى علي فضمني وضممته ... وصدورنا بصدورنا لم تعلم
أهوي عليه وفي عفة يوسف ... حتى يميل وفيه عفة مريم
فيروح بين صبابتي وحنينه ... وأروح بين حديثه وتبسمي
خضنا ملياً في الحديث كما جرى ... وكأننا للشوق لم نتكلم
عاتبتها فاستضحكت وعتابها ... ظلم وكيف عتاب من لم يأثم
ما كنت أختار العتاب وإنما ... قد كان ذلك حيلة المتكلم
حتى رنت وكأن هدب جفونها ... وسواد قلبي قطعة لم تقسم
حوراء تدمي بالسيوف جفونها ... ولحاظها ترمي القلوب بأسهم
قطرت دماً من فوق وجنتها فما ... كذبت علينا إنه لون الدم
عين الغزالة عينها وجبينها ... لا ذاتها من رقة وتبسم
ولطالما نفر الغزال وما درت ... كيف النفار وعرضها لم يكلم
يا ليلة سمح الزمان ببعضها ... بعض السماح وليته لم يندم
قد كنت أرجو مثلها فبلغته ... والحادثات تقول طرفك فاسلم
حتى دخلت الدار ساعة غفلة ... وعرفت ربع الدار بعد توهم
فكأن كل الدهر مدة لحظة ... وكأن كل الأرض دارة درهم
ولقد جلست إلى الفتاة مسامراً ... ووشاتنا من غافلين ونوم
ولطالما جلست إلينا قبلها ... طيفاً وكان الطيف غير مسلم
حتى رجعت كما رجعت وأخمصي ... متأخر في نية المتقدم
يا هل ترى علمت بنات عشيرتي ... أني لقيت الشمس بعد الأنجم
إن كان بعدي ساءهن فسرني ... يا غربتي طولي ولا تتصرمي
بالله يا ريح الصبا قبل الضحى ... إن جزت هاتيك الديار فسلمي
قسماً بها إلا وقعت بصدرها ... بين النهود ولا أقول لك الثمي
وضممت معطفها وقلت له ترى ... كم فيك غمزة حمرة من مغرم
هيهات أسلوها وقد ختمت على ... قلبي بخاتم ثغرها المتبسم
لو لم يكن للشوق من سبب كفى ... ذاك الوداع ومد ذاك المعصم
إن كان قتل النفس غير محلل ... قولوا لها فالوصل غير محرم
ولولده الشيخ إبراهيم

ما مر ذاك خاطراً في خاطري ... إلا استباح الشوق هتك سرائري
وتصببت وجداً عليك نواظر ... باتت بليل من جفائك ساهر
بلغ الهوى مني فإن أحببت صل ... أو لا فدتك حشاشتي ونواظري
قسماً بحسنك لم أصادف زاجراً ... إلا وحسنك كان عنه زاجري
أو ما كفاك من الذي لاقيته ... وله كساني الذل بين معاشري
وضنى يكاد يشف عن طي الحشى ... حتى خشيت به افتضاح ضمائري
أخذت عيونك من فؤادي موثقاً ... وعلي عهد هواك لست بغادر
كن كيف شئت تجد محبك مثلما ... تهوى على الحالين غير مغاير
صبري عليك بما أردت مطاوع ... أبداً ولكن عنك لست بصابر
عذبت قلبي بالصدود وإن يكن ... لك فيه بعض رضى فدونك سائري
وأضعت عمري بالدلال وحبذا ... إن صح عندك مطمع في الآخر
كثر التقول بيننا وتحدثوا ... يا هاجري حاشاك أنك هاجري
وأطال فيك معنفي فعذرته ... وعساك في كلفي فديتك عاذري
حسبي رضاك إذا مننت بزورة=يدرى المزور بها رقيق الزائر

ولولده الشيخ خليل

بيض الصوارم تفدي الأعين السودا ... فتلك لا تبتغي للضرب تجريدا
وأسمر الرمح يفدي العطف منثنياً ... فذاك لا يبتغي للطعن تسديدا
هي المحاسن أحلاهن أفتكها ... بنا وأكثرها بطشاً وتبديدا
نهوى العيون كما نهوى المنون على ... جهل ونحسب أنا نعشق الغيدا
قتالة بالعيون النجل محيية ... بالوصل لو أن من أخلاقها الجودا
غنية بجمال قد بخلن به ... وطالما كان هذا الأمر معهودا
وكلما ازددن حسناً زدن في بخل ... كأنما كان ذا مع ذاك مولودا

لابن سناء الملك

دنوت وقد أبدى الكرى منه ما أبدى ... فقبلته في الخد تسعين أو إحدى
وأبصرت في خديه ماء وخضرة ... فما أملح المرعى وما أعذب الوردا
تلهب ماء الخد أو سال جمره ... فيا ماء ما أذكى ويا جمر ما أندى
لابن الدمينة

ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبداً ليست بذات قروح
أباها علي الناس لا يشترونها ... ومن يشتري ذا علة بصحيح
أئن من الوجد الذي في جوانحي ... أنين غصيص بالشراب جريح
لعبد الله الشبراوي

ومهفهف الأعطاف سيف لحاظه ... جرح القلوب وما بدا من غمده
بدر تكامل في سماء جماله ... وتهللت منه كواكب سعده
ذو غرة تحكي نهار وصاله ... وذؤابة تحكي ليالي صده
قمر حجازي العيون مقرطق ... أردافه لعبت بطرة بنده
رقمت محاسنه شروط جماله ... بجبينه وبصدغه وبخده
لبرهان الدين القيراملي

قسماً بروضة خده ونباتها ... وبآسها المخضر في جنباتها
وبسورة الحسن التي في وجهه ... كتب العذار بخطه آياتها
وبقامة كالغصن إلا أنني ... لم أجن غير الصد من ثمراتها
أمحرك الأوتار إن نفوسنا ... سكناتها وقف على حركاتها
دار العذار بحسن وجهك منشداً ... لا تخرج الأقمار عن هالاتها
لأبي نواس

صليت من حبها نارين واحدة ... في وجنتيها وأحرى بين أحشائي
يا ويح أهلي يروني بين أعينهم ... على الفراش وما يدرون ما دائي
لو كان زهدك في الدنيا كزهدك في ... وصلي مشيت بلا شك على الماء
للحربري

سألتها حين زارت نضو برقعها ال ... قاني وإيداع سمعي أطيب الخبر
فزحزحت شفقاً غشى سني قمر ... وساقطت لؤلؤاً من خاتم عطر
وأقبلت يوم جد البين في حلل ... سود بنان النادم الحصر
فلاح ليل على صبح أقلهما ... غصن وضرست البلور بالدرر
لبعضهم

ولما برزنا لتوديعهم ... بكوا لؤلؤاً وبكينا عقيقا
أداروا علينا كؤوس الفراق ... وهيهات من سكرها أن نفيقا
تولوا فأتبعتهم أدمعي ... فصاحوا الغريق وصحت الحريقا
لابن نباتة

بروحي عاطر الأنفاس ألمى ... ملي الحسن خالي الوجنتين
له خالان في دينار خد ... تباع له القلوب بحبتين
لآخر

سألتها عن فؤادي أين موضعه ... فإنه ضل عني عند مسراها
قالت لدينا قلوب جمة جمعت ... فأيها أنت تعني قلت أشقاها

لغيره

يا من سقامي من سقام جفونه ... وسواد حظي من سواد عيونه
قد كنت لا أرضى الوصال وفوقه ... واليوم أقنع بالخيال ودونه
لأبي حسن بن الحاج

ومعذر رقت محاسن وجهه ... فقلوبنا وجداً عليه رقاق
لم يكس عارضه السواد وإنما ... نفضت عليه صباغها الأحداق
لابن خفاجة

ومهفهف طاوي الحشى ... خنث المعاطف والنظر
ملأ العيون بصورة ... تليت محاسنها سور
فإذا رنا وإذا مشى ... وإذا شدا وإذا سفر
فضح الغزالة والغما ... مة والحمامة والقمر
ونختم هذا الباب بقول بعضهم وقد أحط بالحب كله

ولم يترك شيئاً من دقة وجله

رأى فحب فرام الوصل فامتنعوا ... فسام صبراً فأعيا نيله فقضى
 
أعلى