قصة ايروتيكية خوليو كورتازار - ركوب الدراجات في غرينون.. ت: ميشرافي عبد الودود

أصر على التشكيك في السببية، تلك المؤسسة الأنطولوجية التي تصر على غلق أبواب المغامرات الإنسانية الرائعة، ذلك أنني بعد قراءة كتاب لجورج باطاي، شربت كأساً في أحد مقاهي غرينون، الفتاة الممتطية دراجتها لم تكن حاضرة بهذه الهالة التي تكلل اللحظات المميزة؛ بإقامة صلة بين الكتاب والمشهد، فإن الذاكرة كانت قد حاكت خيوط السببية، ذلك التفسير المبسط للسلسلة المتصلة بظروف مؤاتية لصفاء الذهن والنسيان السريع. لا لم يكن شيء من ذلك، لكن أولا يجب أن أتذكر أن جرينون تكرم ذكرى مدام دي سيفيني، وأن هذا المقهى الصغير يقع في حماية النصب التذكاري، حيث تمسك السيدة بريشة من رخام، مواصلة الكتابة لابنتها عن وقائع زمن ولى ولن يعود.

ركنت السيارة في الظل، وذهبت لأستريح من جميع منعرجات التلال؛ أنا أحب هذه القرى في جنوب فرنسا، حيث يقدم النبيذ في كؤوس ثقيلة تقبض عليها اليد كما لو تتعرف على شيء مألوف بطريقة مبهمة، ما يشبه مادة خيميائية لم تعد موجودة في المدن. الساحة شبه نائمة، بالكاد كانت تعبر سيارة أو عربة تنبهها، والصديقات الثلاث كن يثرثرن ضاحكات قرب الموائد، اثنتان تتمشيان، و الثالثة على دراجتها، مانحة جانبيتها قليلاً، قدم مستريحة على الأرض، وأخرى تعبث في شرود بالدواسة.

كن في سن المراهقة، حسناوات غرينون، الرقصات الأولى و الألعاب الأخيرة، صاحبة الدراجة أجملهن، شعرها الطويل المضموم على شكل ذيل الحصان كان يتموج يميناً ويساراً عند كل ضحكة، أو كل نظرة تلقيها على موائد المقهى، لم تكن لصديقتيها فتنتها العذراء، كانتا كما لو أنهما مفرغتان في أدوار مقررة و موزعة سلفاً، سليلتا البرجوازية بكامل مستقبلهما المنقوش في مواقفهما، غير أنهما كانتا في حداثة الصبا وضحكاتهما المنحدرة من نفس المصدر، تتقافز في أثير الجنوب، مختلطة بالكلمات والنكات، مجرد حوار مراهقات يتوخى المرح أكثر من المعنى. استغرقت الكثير من الوقت حتى أفهم لماذا أهتم بصاحبة الدراجة بشكل خاص، كانت ماثلة بجانبيتها، أو من الخلف تقريباً في بعض الأحيان، وعندما كانت تنطلق، كانت تصعد وتهبط برشاقة على سرجها٬ فجأة رأيت. كان هناك زبائن آخرين في المقهى، بإمكان أي أحد منهم رؤية ذلك، الصديقات أنفسهما، كان بإمكانهما رؤية ما حدث. لكن وقع الاختيار علي (وعليها ولو بشكل مغاير)، لم أشاهد شيئاً آخر. سرج الدراجة الذي يشبه شكل قلب، بجلده الأسود المنتهي بطرف خشن ومدور، التنورة الناعمة المبرزة للردف الصغير، الفخذان المنتظمان حول السرج من كلا الجانبين، واللذان كانا ينفصلان عنه باستمرار عندما كان ينحني الجسد إلى الأمام أو يغوص قليلا في فراغ الإطار المعدني، عند كل حركة كان طرف السرج يضغط قليلاً، ثم يرتخي، ليعود للضغط ثانية. كانت الأرداف تتحرك على إيقاع الثرثرات والضحكات، كما لو أنها ترغب في الاتصال بالسرج مجدداً، تستثيره ليبادر بدوره، كان ثمة حركة مكوكية مستمرة، وكان يحدث هذا تحت الشمس، في قلب الساحة، بوجود أناس كانوا يتطلعون من دون إبصار أو فهم لما يجري، هذا ما كان. بين مقدمة السرج والحميمية الدافئة لأردافها اليافعة لم يكن يوجد سوى السروال القصير والقماش الأصفر الرقيق للتنورة القصيرة، كان يكفي وجود هذا الستار التافه حتى لا تشاهد القرية هذه الواقعة التي من شأنها أن تتسبب في ردود فعل عنيفة. واصلت الصبية الارتكاز على السرج، والابتعاد عنه بإيقاع منتظم في حين أن مقدمته كانت تغوص بين نصفي الدراقة الغضة، فتشقها إلى المدى الذي تسمح به مرونة القماش، مرة تلو أخرى، تواصلت الثرثرات والضحكات، مثل الرسالة التي واصلت مدام دي سيفيني كتابتها على قاعدة التمثال، الجماع البطيء كان يتم إنجازه بدقة، بانتظام، وبلا توقف، وعند كل تقدم وتراجع، كانت تنهمر ضفيرة ذيل الحصان الطويلة يميناً ويساراً، جالدة إحدى الكتفين والظهر. كان ثمة استمتاع من غير وجود شريك، وعلى الرغم من أن الفتاة لم تكن على وعي بهذه المتعة التي تحولت إلى قهقهات، ثرثرات متناثرة، محاورات بين مراهقات ـ غير أن شيئاً ما بداخلها كان يعرف ذلك، كانت ضحكتها الأكثر جلجلة، حركاتها الأكثر مبالغة، كانت كما لو أنها مسحوبة خارج نفسها، في قبضة قوة تقوم بإستثارتها واستقبالها، ببراءة خنثى يسعى إلى إيجاد اتحاد توافقي، محولا النسغ الأولي إلى ورق يرتعش. غادرت بطبيعة الحال، وبعد عودتي إلى باريس، بعد أربعة أيام، قدم لي شخص ما تاريخ اللعين لجورج باطاي، عندما قرأت مشهد سيمون عارية فوق دراجتها، أمسكت في ملء جمالها الوحشي ما حاولت إثارته في الفقرات الأولى لهذا النص، ربما بإسهاب قليلاً.

*****

* عن أوكسجين
العدد 213 | 30 أيار 2017
 
أعلى