الشريفي عبد الواحد - أثر ألف ليلة وليلة في أدب فولتير القصصي حالة زاديج أو القدر

1 ـ التعريف بالمؤثر "ألف ليلة وليلة"

"ألف ليلة وليلة كتاب أدبي شعبي، يتضمن حكايات خرافية وشعبية، وقصص على لسان الحيوان، وحكايات عن أسفار البحار والمغامرات، وأساطير، ونوادر وأخبار.

"ألف ليلة وليلة" مجموعة قصص وحكايات مجهولة المؤلف ظلّت حقبة طويلة من الزمن ـ قبل أن تقيد بالكتابة ـ تنتقل من جيل لآخر عن طريق الرواية الشفوية (1). وهذا مصير الحكايات الشعبية، تبقى ـ عادة ـ مجهولة المؤلف أو المؤلفين، ينسجها الخيال الشعبي، وتتوارثها، الأجيال (2).

"ألف ليلة وليلة" دائرة معارف شعبية، ووثيقة تاريخية واجتماعية ضرورية لدراسة المجتمع العربي الإسلامي القديم، "تمثلت فيه طوائف الشعب وطبقاته، وتراءت من خلاله ميوله، وتكلمت فيه أساليبه ولهجاته" (3).

لم يحفل العرب القدامى بـ "ألف ليلة وليلة". وكان المستشرقون الأوروبيون. في القرن التاسع عشر، سباقين للانفراد بهذا الأثر الشعبي دراسة وتمحيصاً، فلقد بذلوا جهوداً كبيرة في إماطة اللثام عن نويّاته وأصوله ومصادره.

والجدير بالتنبيه أن الدارسين قد اختلفوا في البحث عن أصول هذا الكتاب اختلافاً واضحاً، وخضعت بحوثهم لمناهج عدة. واتجه الدرس والتنقيب والتمحيص اتجاهات متعددة، فبقيت جهودهم "ظنّاً وترجيحاً" (4).

ومهما قيل في أصل الكتاب ومراحل تطوره، فإن القاص الشعبي العربي قد افتنّ في إخراج حكاياته وخلق صوره، إذ لم يكن ملتزماً بقيود فنية، يلعب بالألفاظ والعبارات، ويشبع قصصه وحكاياته بروحه، ويطبعها بطابعه العربي، ويلونها بألوان حضارته الزاهية، فجاءتنا الليالي ملونة بالصور العربية، العراقية والشامية والمصرية، وحاملة الطابع الأصيل للحضارة العربية الإسلامية في عصور ازدهارها وانهيارها، وكلما "توغل الإنسان في حكاياتها، ازداد إحساساً إلى درجة أننا نستسلم راغبين لها وحدها عن طواعية، ونفضل ألا نشعر بغيرها" (5).

إن هذا الأثر العلمي الكبير، الذي أهمله العرب قروناً عدة، حظي باهتمام الغربيين وعنايتهم، بعد ترجمته إلى لغاتهم المختلفة في القرن الثامن عشر، ولعل من مظاهر تلك الحظوة ما اعترف به الأوروبيون من عظيم مكانته عندهم، وتأثيره في أذواقهم؛ فلقد وصفه هرمان هيس بأنه "كتاب لا يستغنى عنه في مجموعات الأدب العالمي، لأنه مصدر عظيم للمتعة.." (6) بينما أشاد بمكانته أورستروب الذي أكد أنه " فيما عدا الكتاب المقدس لا توجد سوى كتب قليلة حققت انتشاراً واسعاً، وطافت العالم بأرجائه مثل "ألف ليلة وليلة". فمن جهة أولى اكتسبت أهميته مباشرة، لأنه يكاد لا يوجد في معظم البلدان المتحضرة من لم يقرأ هذا الكتاب بسرور واهتمام مرة واحدة على الأقل في حياته، ويستوح منه عدد كبيراً من الصور البراقة الرائعة، والتي ظلت على الدوام عالقة في ذاكرته، ومن جهة ثانية اكتسبت أهمية غير مباشرة لأن أجيالاً متعاقبة من الأدباء كانت تنهل مادتها من هذا النبع الذي لا ينضب" (7).

هذا هو كتاب "ألف ليلة وليلة" الساحر، أثر شعبي قصصي ومصدر روائي، احتل مكانته الأولى في المكتبة العالمية، لما يمتاز به من مضامين اجتماعية إنسانية، وأجواء شرقية فاتنة. وصور براقة، وخيال مجنح. ألهم أدباء العالم وأمدهم بمادته الغزيرة، وهذه سمة من سماته الكثيرة التي ميّزته من باقي القصص الشعبية في العالم.

اعتنى به الدارسون في مختلف أنحاء المعمورة، وترجم إلى كل لغات العالم. انفتحت له أبواب علم الاجتماع والفولكلور، واحتضنه التاريخ وعلم الحضارة المقارن، ورحبت به الدراسات الأدبية والنقدية في جامعات العالم... ومازالت حقوله وميادينه خصبة، تغري الدارسين بشحذ الهمة وإعداد العدة للبحث والتنقيب. واستكشاف مازالت على كثرة الطراق لم تستكشف بعد.

1 ـ الترجمة الفرنسية:

إنّ القارئ الأوروبي، في القرن الثامن عشر، مدين في معرفته بـ "الليالي" إلى المستشرق الفرنسي أنطوان جالان (1646 / 1751)، الذي قام لأوّل مرة في تاريخ أوربا الأدبي بترجمة الكتاب إلى اللغة الفرنسية، ما بين 1704 و1717 من اثني عشر مجلداً (8).

والواقع، أنّ هذا المستشرق لم يكن يتوقع، قبل نشر ترجمته أن الجان الشرقية التي علمها كيفية التحدث بلغة باريس، ستخلد اسمه في تاريخ الأدب الفرنسي، إذ أن ترجمته قد نالت نجاحاً سريعاً وباهراً، راجت في كل أنحاء فرنسا، وطبعت عشرات المرات خلال عصر التنوير الفرنسي، بل ظلت مدى قرن كامل الترجمة الوحيدة التي عرف بها العالم الغربي ليالي شهرزاد (9).

كان نجاح الترجمة فورياً وباهراً، تلقاها القارئ الفرنسي بحفاوة، ولاشك أن نجاحاً كاسحاً من هذا الطراز، لا يمكن تفسيره، إلاّ بسببين:

أولهما أن جالان نفسه كان قصاصاً موهوباً، وأديباً فذاً بصيراً بفن القصة، استطاع أن يقدم لقرائه أجود ما تضمنته الليالي من حكايات، بأسلوب قصصي بارع، يتّسم بالوضوح والرشاقة، ولغة ناصعة يتداولها القارئ وكأنه أمام نص كتب بالفرنسية أصلاً، ولم يترجم إليها، ذلك أن الأعمال المترجمة تظل بعيدة عن الجمهور المتلقي، مالم يمتلك المترجم الكفاية العلمية، والفهم الواعي لنفسيات قرائه. وممّا يذكر أن بعض أصدقائه كانوا يطّلعون على الحكايات المترجمة قبل نشرها، ولقد اعترف الأب بينيون (Abbie Bignon) وهو عضو في أكاديمية الفنون الجميلة "أنه قرأ نسخة المجلد التاسع، قبل نشرها في عربته على ضوء شمعة، أثناء عودته من فرساي إلى باريس (10).

والسبب الثاني، هو ظهورها في الوقت المناسب، إذ سئم القراء في أوائل هذا القرن من الأدب الكلاسيكي، الذي جمدته قوالب فنية لا تقبل التطور، وراحوا يبحثون عن أدب جديد، يتيح لهم سبيل الهروب إلى عوالم جديدة وآفاق مجهولة، وقد وجدوا في الليالي ضالتهم المنشودة، لما تمتاز به من غنى لا حدود له بالمواد والأفكار والشخصيات، وجو أسطوري فاتن، ومناخ شرقي باهر.

ترجم جالان الليالي بتصرف "لكن باعتدال ومهارة" (11)، فلم يتردد ـ مثلاً ـ في اختصار ما رآه استطراداً مملاً، لإدراكه أن الحكايات يكثر فيها التكرار، وأن وصف الأشخاص والأماكن يكاد يكون متشابهاً إلى حد بعيد، ولاشك أن هدف المترجم كان ـ قبل كل شيء ـ تقريب النص العربي إلى الذهنية والذوق الفرنسيين.

إن ترجمة حرفية للحكايات في هذا العصر، لم تكن لتظفر بأي نجاح لهيمنة العقلانية والذوق الكلاسيكي الذي يمل التكرار ولا ينسجم مع سرد التفاصيل الجزئية. ويبدو أن جالان قد أدرك هذه الحقيقة فآثر الإيجاز والدقة، وتنقيح الترجمة من التكرار وبعض التفاصيل الطويلة التي تثقل النسق القصصي، وتخلخل البناء الفني للحكاية، وحذف بعض الصور الجنسية التي ترفضها دائرة التقاليد، وكذلك أهمل النصوص الشعرية الواردة في النص الأصلي.

لقد أوضح جالان في عدة مناسبات، أنه جهد أن يكون أميناً للنص العربي، وتؤكد يومياته ومراسلاته الأناة العلمية التي عالج بها عمله، والجدير بالملاحظة "إن المترجم قد شعر شعوراً قوياً، إن الحكاية في الليالي، منبعها الأدب المروي، وهي مكرسة لجمهور بسيط، يحتاج إلى التفاصيل التي لا نهاية لها.. "أما هو، فيترجم ليكون مقروءاً، ولا ليكون مسموعاً، وذوقه الرصين للغاية يدفعه إلى الإيجاز" (12).

لقد قدّم جالان لقرائه ترجمة "أنيقة الأسلوب، رائعة السبك" (13). تتسم بالوضوح والبساطة والرشاقة، "فالأحداث الصور رسمت بيد شاعر وبكل ثقة وثبات (14)، والأجواء الشرقية قربت إلى الجمهور الفرنسي في ديباجة مشرقة. كان همه الوحيد تقريب النصّ إلى الذهنية الفرنسية، وإن كانت الترجمة غير مكتملة وناقصة فيكفي أن "لها اليد الطولى على الكتاب، في التعريف والتنويه باسمه والدلالة على فضله" (15).

3 ـ عمر الترجمة:

تقول الأستاذة كاترينا مومسن: إن ثمة حقيقة ستبقى دائماً ملفتة للنظر وهي أن عصر التنوير والعقلانية والذوق الكلاسيكي أي القرن الثامن عشر، هو الذي احتضن دون سواه حكايات الليالي بكل ذلك التقبل والاعتراف بالجميل، ولم يجد أكثر الناس تحمساً للتثوير من أمثال فولتير ومونتسكيو وفيلاند أية صعوبة في الاستسلام لعالم السحر والأرواح في الحكايات الآتية من الشرق، بل انصتوا لشهرزاد مندهشين" (16).

ومن المعلوم أن القرن الثامن عشر في فرنسا هو العصر الذي عرف معارك فكرية حاسمة ونزعة فلسفية عقلية واضحة، امتدت لتجرف الأدب في تيارها ولتحرر الإنسان الفرنسي من أوهام العصور الوسطى. والجدير بالتنبيه، أن الأدب في هذا القرن، الذي اعتاد المؤرخون أن يسموه بـ "عصر التنوير" قد اتخذ وسيلة لتحقيق أغراض عملية، إذ لم يعد الأدب أدباً حالماً مقصوداً لذاته، أو يخدم الطبقة الحاكمة وملهاة لها، وإنما أصبح أداة لنقل الأفكار إلى جمهور جديد من القراء، شرع يتبوأ مكانته في المجتمع الجديد (17).

كان هذا العصر عصر قلقلة واضطراب في أمور السياسة والفكر، واستخفاف بالمبادئ والمفاهيم البالية. وكان من الطبيعي أن يؤدي هذا التطور الذي شهدته البلاد إلى ظهور أفكار وفلسفة جديدة، تصبح مفيدة الطبقة الوسطى والفئات الشعبية، التي كانت تعاني من وطأة الاستغلال والظلم والاستبداد (18).

إن أكثر مفكري القرن الثامن عشر ينتسبون إلى تلك المجموعة الكبيرة من المنّورين: فولتير، ديدرو، مونتسكيو، روسو وغيرهم، الذين عرضوا أفكارهم بكل شجاعة وجرأة، ومهدوا بجهودهم للثورة الكبرى. كانوا يريدون البناء، وكانوا قادرين على تبديد الظلام، فكروا في سياسة جديدة وانتقدوا الأنظمة المطلقة بعنف، وهاجموا الكنيسة ورجال الدين وأبرزوا بكل جرأة عيوب المجتمع القديم، كما دعوا إلى إنكار أوهام القرون الوسطى (19)

ويُعدُّ فولتير (1794 ـ 1778) رائداً من رواد التنوير، بل هو أستاذ القرن الثامن عشر في فرنسا بدون منازع، وقد "قيل إنّه لو كان القرن السابع عشر هو عصر لويس الرابع عشر، فإن القرن الثامن عشر هو عصر فولتير، فلا تجد رجلاً يصور ذلك العهد خيراً منه. ففي القرن الثامن عشر نشأت الطبقة الوسطى وزاد ثراؤها، وكان فولتير بورجوازياً ثرياً.. وفي القرن الثامن عشر استهدف بناء المجتمع بكل ما فيه من نظم دينية وملكية وأرستقراطية، للتغيير والتحوير وكان فولتير في هذا الإصلاح رائداً وإماماً، فكأنما كان لعصره بوقاً، يعبر عما فيه من مذاهب وآراء وبات على وجه الدهر وثيقة نطالع فيها نوازع ذلك الزمان" (20).

لم يدع فولتير حقلاً من الحقول النشاط الفكري والعلمي، إلا وتوغل فيه. ولاشك أن مؤلفاته تكوّن مكتبة كاملة، فيها الملاحم، والقصائد، والمآسي، والملاهي، والتاريخ، وفيها أبحاث علمية ورسائل دينية، ومقالات فلسفية وقصص وحكايات، ونقد أدبي...

ويبدو، أن شهرته الأدبية، ترجع إلى جنس أدبي، أصاب قدراً كبيراً من الذين في عمره لقربها إلى نفس الجمهور الذي كان يطمح في تقلد زمام الأمور. هذا الجنس الأدبي، هو القصة الفلسفية التي تدور وقائعها بصفة عامة، في بيئة شرقية، والتي كانت عند فولتير وسيلة مهمة للتعبير عن نقده، وفلسفته وآرائه في السياسة والدين والمجتمع.

4 ـ فن فولتير القصصي:

لم يعن فولتير، في بداية حياته الأدبية بالفن القصصي. وإنما اكتفى بتأليف المسرحيات والملاحم ونظم الشعر والأناشيد. ومن المعلوم أن هذا المفكر، قبل أن يخوض "تجربته الإنجليزية" كان يرفض بصفة مطلقة كل الأشكال الأدبية التي لا تخضع للذوق الكلاسيكي، وقد اعتبر الرواية نوعاً أدبياً تافهاً خطيراً على العقل والذوق، ولم يغير موقفه من الفن الروائي، إلا بعد عودته من إنجلترا، حينما اطلع على الأدب الإنجليزي ودخلت مرونة على مفاهيمه الصلبة للكلاسيكية.

في قصر "سو"، الذي قضى فيه فولتير أوقاتاً سعيدة، شرع في كتابة تلك القصص والحكايات الخيالية البهيجة "الصغيرة الحجم السيرة الحمل" (21)، التي تظهر "الروح الفولتيرية" بصورة أصفى وأنقى من أية صورة أخرى في مؤلفاته المتنوعة، تاركاً أثرها الفعال في نفس القارئ الفرنسي، الذي كان متعطشاً إلى "أدب خفيف" يمتزج فيه الخيال بالواقع. كانت قصصه وحكاياته أوسع انتشاراً، وقد تجلى فيها فيلسوفاً حراً، وفناناً موهوباً، وهو يمزج الواقع الفرنسي الأليم بمغامرات أبطاله، وتأملاته الفلسفية، بالمخاطر والأهوال، متسللاً ـ دائماً ـ عبر أبسط حدث، ليقول ما يريد أن يقوله، وليعبر بكل حرية عن المعاناة، وينتقد الاستبداد والظلم والطغيان.

ويبدو جلياً أن "القالب الأدبي الذي صادف حظوة لديه في قصصه، هو قالب الرحلة المقرونة بترجمة حياة شخص من الأشخاص، فهو يقص حياة شخص في نزهة عبر العالم: ضروب من الحظ والمتابعة والتعريف، والسحر، ومن جغرافية خيالية، وأرواح، وعباقرة، وحيوانات غريبة، وطلاسم، وأمور تهم عصره الحاضر، وأخرى مصدرها الإغراب، في أسلوب ماجن ساخر، محلى بالملح اللاذعة، مرح بالدعابات والعبارات الحرة من كل قيد، وبالفصول القصار، وبالعنوانات الموقظة" (22).

والقصة عند فولتير لم تكن غاية تطلب لذاتها، وإنما وسيلة يبتغيها المفكر، ليصل بها إلى غرض من الأغراض الفلسفية أو الاجتماعية أو الدينية، وما دام هكذا، فمن الطبيعي، أن تكون الشخصيات التي تجري على أيديها الأحداث وسائل لا غايات، فإذا عرض فولتير على القارئ بطلاً من أبطاله ما الذي يهمه، هو ما يصدر عن هذا البطل من قول أو عمل، وما يكون لهذه الأقوال والأعمال من أثر في حياة الناس.

وفولتير، شأنه شأن لوساج "يولع بالأخلاق أكثر من لوعه بالتحليل النفسي، وهو فنان أكثر منه عالم نفس، كل صورة من صور شخصياته متحركة على حسب ما يريد هو، تسلك المسلك المعبر عن تطلعها الدائم إلى السعادة، وهو المسلك الذي يوحي بالبواعث الدافقة وتحمل كل منها سمة الحالة الخاصة بها أو لهجة الأمة التي هي منها... وتتمثل هذه الشخصيات في الرسوم التي يصورها حافلة بجميع الأفكار. التي يكونها عن المجتمعات والأحزاب المنتمية إليها، وعن الحكومات المختلفة ودينها وتقاليدها وهذه الأفكار هي التي تحدد اختياره للأعمال والأحاديث.." (23).

وخلاصة القول، إن فولتير في قصصه، يسخر الفن لخدمة الفكر والفلسفة، وهو ناقد اجتماعي يرسم المجتمعات الخيالية لنقد عصره ومجتمعه، وإبداء الرصين من نصائحه، لإصلاح الأخلاق والآفات. تجده في "زادج" مشغولاً بمسألتي "القضاء والقدر" و"العناية الإلهية" ناعياً على الناس المخاتلة والتفاهة، وفي "الأبيض والأسود" و"كانديد" تشتد حملته على المؤسسات السياسية والدينية والقضائية، داعياً إلى التسامح الديني من أجل إسعاد البشر، وفي "الساذج" و"ميكرو ميجا" ينتقد الفلاسفة والعادات المتهورة.

لقد أسهم فولتير بقسط وافر في خدمة الفن القصصي وإثرائه في فترة أصبح فيها هذا الفن من أهم فنون الكلمة المقروءة، وأمسى أسلوبه ـ الذي يمتاز بتدفق والصقل والبساطة والوضوح ـ مثلاً أعلى يطمح إليه الكاتبون في فرنسا وخارجها... ولا شك أن هذا المفكر لم يجد لقصصه إطاراً أفضل وأجمل من الإطار الشرقي ليصب فيه أفكاره وتأملاته.

5 ـ الليالي في قصص فولتير:

1) فولتير والشرق:

يبدو أن ترجمة جالان، جاءت في الوقت المناسب لتسهم بشكل حاسم وثابت في تقوية التذوق لكل ما هو شرقي وتعميق موجة الهروب التخيلي ـ أو الاغتراب كما يسميه البعض ـ إلى العالم الشرقي (Exotisme Oriental)، ذلك الهروب الذي بدأ بشق طريقه في الأدب الفرنسي، منذ النصف الثاني من القرن السابع عشر، بفضل العلاقات السياسية والاقتصادية بين فرنسا والعالم الإسلامي، والذي أصبح قوياً وعميقاً في القرن الثامن عشر بفضل ترجمة جالان.

إن كل الدلائل تؤكد أن الليالي قد خدمت الخيال الفرنسي، في فترة، تعد من أهم فتراته التاريخية والأدبية، وذلك بما قدمته له من مادة روائية غزيرة، وأساليب فنية متنوعة، كما أنها فتحت حدود الشرق واسعة أمام الرواية الفرنسية، التي كانت لا تزال تلتمس طريقها، ولسنا نأتي بجديد، إذا أشرنا إلى أن الليالي أصبحت تعني الشرق عند كثير من القراء والكتاب على حد سواء، و"قد صدقوا قول جالان في مقدمة ترجمته من أن ألف ليلة وليلة هي الشرق بعاداته وأخلاقه وأديانه وشعوبه من الخاصة إلى السوقة. وأنها الصورة الصادقة له، فمن قرأها فكأنه رحل إلى الشرق، ورآه ولمسه لمس اليد" (24).

لقد كتبت أكثر من سبعمائة رواية "شرقية" في فرنسا في عصر التنوير (25)، ولم ينج من سحر الشرق الذي أذاعته ترجمة الليالي إلا عدد قليل من الكتاب المتشبثين بالكلاسيكية المنهارة. ويعدّ فولتير من طليعة الأدباء الذين علقوا على الشرق أهمية كبرى، إذ أن قصصه يكاد يكون بجملته قصصاً شرقياً، تجري أحداثه في بيئة شرقية. وأقل ما يقال عن أثر الشرق في أدب فولتير القصصي والمسرحي أنه كان قالباً يصب فيه آراءه التقدمية، ويدعو عن طريقه إلى الإصلاح المنشود. ولقد اعترف هو نفسه أنه مدين لهذا الشرق الذي علمه دروساً في الحكمة والفلسفة وزوده بالأساليب التي سمحت له أن يوازن بين عالمين مختلفين، الشرق والغرب.

ونذكر من أهم قصص فولتير الشرقية:

زاديج أو القدر ـ والعالم كما تسير (1748).
بابك والفقهاء 1750 ـ كانديد والتفاؤل 1759
الأبيض والأسود 1764 ـ الساذج 1766
الرجل صاحب الأربعين درهماً ـ أميرة بابل 1768
الحمال الأعور ـ والثور الأبيض 1774

فإن في كل قصة من قصصه موضوعاً فلسفياً معيناً، أو مجموعة قضايا فلسفية، يربط بينها ربطاً محكماً. أما أبطاله فهم من فئات اجتماعية مختلفة، فيهم الملوك والأمراء، والقواد والفلاحون، وهم يتأملون فينعمون بقدرها، تخيب آمالهم في الحياة فيتعسون، لأنهم عاجزون عن أن يفلسفوا موقفهم، يساعدون الناس فيجزون شراً بما قدموا من خير، ويرتكبون شراً فيكافؤون شرفاً ومالاً. وهم يرقصون في الوجود الإنساني، وكأنهم دمى مشدودة إلى أصابع فولتير يحركها كيفما يشاء.

ومما لا شك فيه، أن فولتير قد استعان في كتابة قصصه الشرقية بالصور الخيالية الهائلة التي عرضتها عليه الليالي، إذ أصبح الأدباء في هذه الفترة "يتجهون في كثير من الأحيان إلى هذا الأثر، وإلى تعبيرات خاصة به، وصور مأثورة عنه، كلما أرادوا أن يفعلوا في أدبهم كلاماً عن السحرة، أو الخارق، أو البذخ الشرقي بوجه عام. كما تأثروا بهذه الصور العديدة التي كشفت عنها الليالي من حياة الشرق: صور السراي والحريم، وخان التجار، وسوق الرقيق، وحمام النساء، والسحرة، وما أشبه ذلك" (26).

ب ـ فولتير وألف ليلة وليلة

"مر بفولتير طور من أطوار حياته الأدبية، قرأ فيه ترجمة ألف ليلة وليلة فشاقته وراقته ووجهته إلى دراسة أمور الشرق، فغرق في هذه الدراسة إلى أذنيه، وأخرج للناس قصصاً شرقية بارعة كثيرة" (27). ولقد اعترف هذا المفكر في عدة مناسبات، أنه لم يصبح قاصاً، إلا بعد أن قرأ الليالي العربية أربع عشر مرة، قراءات متأنية واعية (28) لكونه وجد فيها مادة للسرد القصصي، ومضامين إنسانية غزيرة، وأساليب فنية جديدة فعكف على دراستها والاقتداء بها في معظم أعماله القصصية (29).

من منا جال في خاطره أن الليالي تشكل مصدراً رئيسياً لرائعة فولتير "زاديج أو القدر"؟ (30)، ومن منا فكر أن قصة الحمال الأعور مقتبسة من ليالي شهرزاد (31) ومن منا كان يعتقد أن أميرة بابل "مستلهمة منها" (32).

إن أكثر قصص فولتير قد نسج على مثال القصص الشعبي المتبع في ألف ليلة وليلة أو غيرها من المجموعات القصصية التي كتبت على نمطها أو استمدت منها كثيراً. فلقد اطلع هذا المفكر على ترجمات المستشرقين، ودرس القرآن الكريم واهتم بكتب الرحلات (شاردان، برني، طافرني وغيرهم)، وحلّل مصادر التاريخ الشرقي، وتقارير المبشرين الذين أقاموا في مناطق شرقية، كما قرأ ملحقات الليالي، وأهم ما نشرته مجلة سبكتاتور (Spectator) من حكايات ذات طابع شرقي أثناء إقامته في إنجليزا.

إن الباحثين يؤكدون أن قصص فولتير كثيراً ما تعطينا الفكرة على أنّها فصول من كتاب الليالي، كساها المؤلف بردائه المعروف ورتبها بذوقه الخاص حتى تخدم أفكاره وميوله. وأمام الباحث شهادات وإثباتات ودلائل كثيرة، تؤكد مدى اهتمام هذا الرجل بليالي شهرزاد واقتدائه بها، واستلهامها في أعماله الأدبية القصصية والمسرحية (33).

7 ـ زاديج أو القدر" وألف ليلة وليلة:

في قصير سيري الجميل، أنهى فولتير، الذي كان غارقاً في مطالعة المصادر الشرقية قصته "زاديج أو القدر"، بعد أن أجرى عليها تنقيحات وإضافات، وذلك إرضاء للدوقة دومين والسيدة شاتلي وغيرهما من النبيلات اللائي كن شغوفات بقراءة قصص شبيهة بقصص الليالي مليئة بالمغامرات والأهوال" (34).

ويبدو أن فولتير قد شرع في كتابة هذه القصة سنة 1747، أو قبلها بقليل، بعنوان "ممنون"، لكنه أعاد النظر فيها فغيَّر عنوانها وأضاف إليها ستة فصول جديدة (واحد وعشرون فصلاً) ونشرها في باريس، بعد أن تكلف فنوناً من الجهد والحيلة. ويرى بعض النقاد أن هذه القصة تعد النواة الأولى للقصة الفلسفية الحديثة (35)، وذلك لما طرحته من قضايا فلسفية شغلت الناس في عصر التنوير، ولكن في هذه القصة أشياء أخرى غير هذا العرض الفلسفي... هو الذي أتاح لها الخلود، وهو نقد الحياة الإنسانية من نواحيها السياسية والاجتماعية والخلقية، والنفوذ بهذا النقد إلى صميم الطبيعة الإنسانية، وما ينشأ عن احتمالها للحياة.. وواضح جداً أن فولتير قد اتخذ قصته هذه كلّها وسيلة إلى نقد الحياة الفرنسية خاصة (36).

إن هناك جملة عناصر في قصة "زاديج أو القدر" يمكن أن ترشد الباحث عن كيفية استفادة فولتير من حكايات شهرزاد:

ـ إهداء قصة زاديج إلى السلطانة شهرا من سعدى، في الثامن عشر من شهر شوال سنة 748 هـ

يا فتنة العيون، وعذاب القلوب، ونور العقل، لا ألثم غبار قدميك لأنك لا تكادين تمشين، وإن مشيت فعلى بسط وزرابيها إيران أو على الورود. إليك أهدي هذه الترجمة لكتاب وضعه حكيم قديم، أسعده الحظ، بأن لم يكن له عمل يقوم به، فسلى نفسه بإنشاء قصة زاديج. وهي قصة تعبر أكثر مما يظهر أنها تعبر. فأتوسل إليك أن تقرئيها وأن تبدي رأيك فيها. فمع أنك في ربيع حياتك مع أنك قبلة جميع اللذات والمسرات ومع أنك حسناء هيفاء، وأن ذكاءك يضيف إلى جمالك جمالاً ومع أن الثناء عليك متصل منذ يقبل الليل إلى أن يسفر الصبح، وأن من شأن هذا كله أن يباعد بينك وبين القصد، فأنت على الرغم من هذا كله راجحة العقل... وقد سمعتك تجادلين بأصالة تفوق أصالة الدراويش الشيوخ وذوي اللحى الطوال.. ثم أن لك حظاً يسيراً من الفلسفة حملني على الاعتقاد بأنك تتذوقين أكثر من سواك هذا الكتاب الذي وضعه أحد الحكماء.

وقد كتب أول أمر في اللغة الكلدانية... ثم ترجم إلى العربية، ليتلهى به السلطان أولوغ بك. كان ذلك في الوقت الذي أخذ العرب فيه يكتبون ألف ليلة وليلة... وكان أولوغ يفضل قراءة زاديج على حين كانت السلطانة تؤثر قراءة ألف وواحد.. " (37)

هذا هو نص الإهداء، الذي يرى فيه الباحثون أنه موجه إلى شهرزاد(38): الشخصية الأدبية الحكيمة القادرة على العطاء والفنانة الفيلسوفة الموهوبة التي ألهمت المفكرين والأدباء في العالم لما تمتاز به من حكمة وتجربة وفطنة، إنها تختلف كل الاختلاف عن نساء الشرق والغرب، وعبثاً حاول بعض النقاد الفرنسيين أن يجدوا فيها صورة مدام دوشاتلي أو السيدة بنبادور.

إن كل ما في الإهداء يثبت أصول القصة الشرقية حتى خاتمة الإهداء انتهت نهاية شرقية الأسلوب والمعاني والإطراء على غرار ما تعارف عليه الشرقيون. وهذا الإهداء ما هو إلا صورة أدبية شرقية وبرهان على مدى تعلق فولتير بشهرزاد والخضوع لها خضوع الحب إلى حد الخضوع والتذلل.

ـ اختار فولتير لقصته إطاراً شرقياً يُشبه تماماً الإطار الجغرافي الذي دارت فيه أحداث الليالي (بلاد فارس والعراق ومصر) إذ تبدأ أحداث القصة في بابل وتنتهي فيها. مروراً بالمراحل بالتالية: مصر ثم صحراء العرب، وبعدها صحراء "أوريب" حيث موقع قبائل التاجر "سيتوك"، والواقع في البطحاء ثم تستمر الأحداث إلى مدينة البصرة التجارية، ويذكر فولتير دون تفاصيل بعض خصائص هذه المدينة، ثم تمتد الرحلة من البصرة إلى جزيرة "سرنديب" التي يتكرر ذكرها مراراً في الليالي، ويعود البطل في النهاية إلى سورية، عبر البتراء، ليصل في النهاية من حيث انطلق أي إلى بابل: إنها رحلة دائرية، وهذه خارطة لرحلة زاديج الشرقية.

البطل الشرقي

اشتق اسم البطل "زاديج" من الصدق، وأما مميزاته وخصائصه فهي شرقية، لا يمكن نكرانها، عاش في بابل، وتحلى بالأخلاق الكريمة والسجايا الحميدة وأصالة الرأي والحكمة. كان همه أن يعيش سعيداً في وطنه، غير أن الأقدار التي كتبت له منذ الأبد قد جرته إلى مغامرات ومخاطرات لم تكن في حسبانه. اختلفت عليه الأحداث، وتعرض لكثير من المحن في وطنه، وفي الأوطان التي تغرب فيها بعد ذلك. وكانت هذه الأحداث كلها مخالفة لمنطق الأشياء وطبيعة الحياة.

إن مصير صادق يتفق مع مصير الملك شهريار الذي تغير مجرى حياته على أثر الخيانة الزوجية، إذ يتخذ موقفاً جديداً من النساء ومن الحياة. كما يتفق مع مصير كثير من أبطال الليالي إذ يجر إلى مغامرات ومخاطرات لم تكن في حسبانه، أي بمشيئة الأقدار...

وخلافاً لأبطال الليالي يريد صادق أن تكون الحياة معقولة، والأقدار تترتب عن أسباب موضوعية حتى لا يكون مصير الإنسانية هشاً يتلاعب به من يشاء: الببغاء، الكلبة، الجواد وأحقر الكائنات والأسباب. وهو ثائر على هذا العالم السحري والخرافي الشديد التنافس الذي لا يستطيع فيه الكائن العاقل أن يتخذ موقفاً، وبالتالي يقعد مكتوف اليدين لا يحرك ساكناً، وذلك كله بسبب اعتقادات خاطئة، بثها رجال الدين وضعاف العقول.

لا يختلف صادق، إذن، كثيراً عن أبطال الليالي القدريين، فمصيره يكاد يشبه مصائرهم، انتقالاً من القوة إلى العبودية، ومن العبودية إلى القوة حسب هوى الأقدار. ويختلف عنهم فقط من حيث الموقف الفلسفي النقدي: لأن ذلك يعد تدخلاً في أمر الله وملكوته بل كفراً وخروجاً عن الدين، بينما نجده هو يناقش أمور الحياة والدنيا ثائراً على كثير من الاعتقادات الفاسدة.

البطل والمرأة:

وتوشك أن تكون بداية صادق مع النساء صورة طبق الأصل لما جاء في كثير من حكايات ألف ليلة وليلة، فتجربته في عالم النساء تنتهي بخيبة أمل ويأس من حب الأنثى. ويبدو أن القاص لم يجد باباً يدخل منه إلى عالم الشرق إلا باب المرأة والحريم. ولعله كان يريد أن يشعر القراء بأنهم في عالم شرقي، فلم يجد إلا هذه البداية المعروفة في الليالي، وذلك قد أعطى طبعاً غرائبياً لقصته.

المرأة في قصة صادق تشبه المرأة في حكايات الليالي: إنها المحرك الأساسي للأحداث القصصية، فعلى أثر حبها أو مكرها أو خيانتها تنجر الأحداث، وتتكون العقدة...

ولعل الدرس الذي تعلمه زاديج من الحياة هو "أن النساء لسن سواء" فهن مختلفات في سلوكهن ونظرتهن إلى الحياة، فيهن الخائنة، والماكرة، والغادرة، والشهوانية التي تنقاد لغريزتها الجنسية، وفيهن المخلصة، الشريفة المتفانية في إخلاصها وحبها للرجل.

همَّ صادق أن يتزوج، فخطب سميرة، وهي خير عروس في بابل لما تحلت به من الجمال وسعة الثراء. أولع بها على عفة وشغفت به شغفاً شديداً: وكان أورخان ابن أخي الوزير يحبها، وكانت هي تكرهه وقد أيأسه أن سميرة فضلت صادقاً عليه.

كان صادق "حب سميرة وقبلة عبادتها" فكل أفكارها منصرفة إليه: ولم ير الناس مطلقاً قلباً شغفه الحب مثل قلب سميرة... وقد شاءت الأقدار أن أصابه سهم قريباً من إحدى عينيه في معركة ضد أتباع أورخان، الذي أراد خطفها، غير أن صادقاً دافع عنها بكل قوة حتى استنقذها.

ولم تكن سميرة تطلب من الإله إلا شفاء خطيبها. وكانت عيناها غارقتين في الدموع ليلاً ونهاراً، ولكن دملاً ظهر في العين الجريحة، فأنذر بخطر عظيم وأعلن الطبيب أن صادقاً سيفقد عينه.. ولم يمض يومان حتى انفجر الدمل، وبرئ زادج برءاً تاماً.. وتهيأ لزيارة تلك التي كانت معقد أمله في السعادة، وقد عرف صادق في طريقه إليها أن هذه الحسناء، لم تكد تعلم أن حبيبها قد يفقد إحدى عينه حتى تزوجت أورخان من ليلتها. فلما سمع الخبر خر مغشياً عليه وانتهى به الألم إلى حافة القبر (39).

أما زوجته وحبيبته الثانية أزورا، التي فتنت به أشد الفتنة، فلم تتردد في قطع أنفه، إرضاء لطلب عشيقها الجديد كادور (40).

لم يجن زادج من المرأة إلا شراً. اختير وزيراً، فكانت النساء جميعاً تنظر إليه، وقدمن إليه من كل وجه يلححن عليه بالإغراء، ولم يترددن في عرض أنفسهن عليه (41).

وفي حياته التقى امرأتين. لم ير لهما مثيلاً، لقي الأولى عند الحدود المصرية، تصيح وتستغيث بالسماء والأرض، لأن رفيقها كان يشبعها ضرباً قاسياً، وهي تقبل ركبتيه وتستغفره، فدخل في روع صادق، لما رأى من عنف المصري ومن إلحاح الاستغفار: إنه رجل غيور، وأنها امرأة خائنة، فأسرع صادق لمعونتها، وكان الشر بينه وبين المصري، فقتله صادق دفاعاً عن نفسه، وإذا المرأة التي كانت تستعينه قد أصبحت له عدواً تلعنه، وتقول له: "أريدك أن تموت أيها الفاجر الأثيم، فإنك قتلت عشيقي، آه لو استطعت لمزقت قلبك.." (42).

أما المرأة الثانية فلقد أحبته، ولم يكن زاديج ليحبها. وقد شاءت الأقدار أن يحكم الكهان عليه بالموت لأنه خالف الأعراف والعادات غير أن هذه المرأة قد عزمت على إنقاذه فما زالت تمكر بالكهان واحداً واحداً وتغريهم وتطمعهم في نفسها، ولا تتقاضاهم على ذلك سوى براءة حبيبها، فلما ظفرت بهذه البراءة منهم منفردين، ضربت لهم جميعاً موعداً واحداً، فذهبوا إليها، وكلهم مستيقن أنها ستخلص له، وتقضي معه ليلة عزيزة، ولكنهم التقوا جميعاً عندها، فعادوا بالخزي (43).

إن المرأة الشرقية، في قصة "زاديج" "ماكرة، خائنة، وشهوانية قادرة على الكيد، إذا أرادت شيئاً فعلته دون خوف أو تردد، ومثل "استرتي" المرأة المخلصة الوفية قليلات.

وصورة المرأة في "زاديج" لا تختلف عنها في "الليالي".

لقد اكتشف (شاه زمان) أن زوجته تخونه، فور غيابه في فراشه، مع عبد أسود من عبيده، وذهب يزور أخاه (شهريار) ليرى أن زوجة أخيه، تقيم احتفالات جنسية جماعية، هي وجواريها مع عبيد القصر الملكي (44).

وتزوج الملك الشاب صاحب الجزائر السود بابنة عمه، التي كانت تحبه محبة عظيمة، بحيث إذا غاب عنها، لا تأكل ولا تشرب حتى تراه، وبعد مضي وقت كله سعادة وهناء، علم بالمصادفة، أن زوجته الحبيبة قد كرهته وكرهت صورته من أجل عبد أسود عشقته (45).

إن أكثر حكايات الليالي مشحونة بأمثال هذه الجرائم البشعة التي كانت ترتكبها المرأة الشرقية، من أجل تحقيق أهدافها، فهي لجوجة أنانية، حاقدة، لا تتردد في قطع أصابع حبيبها (46) وكائدة، منتقمة، قاسية تراود الرجال عن أنفسهم للوصول إلى مآربها. وسيلة لذة وغرض شهوة.

لاشك، إذن، أن فولتير قد تأثر بتلك الصورة التي عرضتها الليالي عن المرأة، والتي ركزت على مكرها وخبثها، وهو الذي قرأ الليالي أربع عشرة مرة، وحاول ـ باعترافه ـ أن يستغلها في كتابة قصصه المنسوجة على منوال القصص الشرقي.

القضاء والقدر:

لقد عني فولتير في قصة زاديج ببعض المشكلات الفلسفية العليا، التي شغلت الفرنسيين بنوع خاص أثناء القرن الثامن عشر، وهي مسألة القضاء والقدر، ومكان الإنسان وإرادته منهما، وقد حاول فولتير أن يجد حلاً لهذه المشكلة على نحو ما تصوره الفلاسفة منذ أقدم العصور، وهو هذا الحل الذي لا يحل شيئاً، والذي يلخص في أن الإنسان أقصر عقلاً، وأكل ذهناً من أن يفهم حكمة الخالق الذي أبدع العالم ووضع له ما يدبره من القوانين فما عليه إلا أن تسره الأيام أو تسوءه وأن تسخطه الأحداث أو ترضيه" (47).

إن زاديج بطل قدري، وكل من يحيط به يتحرك كالدمى، لوجود صانع إلهي، قد صور هذا الكون وجمعه ورتبه، "ولا ريب أن الساعة تثبت وجود الساعاتي. وأن العالم العجيب، الذي هو عالمنا، ينم عن مشرع. ومع ذلك فإن البعض قد زعم أن هذه القوانين الطبيعية المنظمة، يمكن أن تكون ناشئة عن المصادفة، وأن الطبيعة موجودة منذ الأزل: وهذا وهم متطرف.. إذ حين يكون المرء وحده تجاه اللا نهائي يكون مسكيناً، وحينما يشاهد آلة جيدة، يقول إنه يوجد لها صانع، وإن له عقلاً فخماً، والعالم ـ يقيناً ـ آلة جديرة بالإعجاب وإذن فإنه من العالم عقل جدير بالإعجاب أياً كان" (48).

لقد كتب القدر لزاديج أن يشقى في الحياة، ليسعد قليلاً، ما كان همه إلا أنه يعيش في هدوء وراحة، كافياً الناس خيره وشره، لكن هذا القدر جره إلى مغامرات ومخاطرات لم تكن في حسبانه أبداً.

أحب سميرة حباً عظيماً، لكنها تخلت عنه، وتزوجت بعدوه، واختار عزورة زوجاً له، وهي أحكم بنات المدينة، لكنها لم تتردد في قطع أنفه. كانت حكمة إلهية توجهه نحو مصيره المحتوم. وما كان عليه إلا الإذعان للقدر الرباني. سجن زاديج، وتهيأ لاستقبال الموت بابتسامة، وإذا ببغاء الملك تطير من إحدى شرفات القصر فتظفر على شهادة براءته. وما هي إلا أن يأمر الملك بإحضار زاديج ـ الذي فقد الأمل في الحياة ـ ليمثل بين يديه، فلما مثل بين يدي الملك والملكة، قبل الأرض بين أيديهما، وتوسل إليهما أن يغفرا له فرغب الملك والملكة في أن يرياه. وقد عاد فازداد إعجابهما به (49).

وبمشيئة الأقدار عين زاديج وزيراً في المملكة، فأحب الملكة حباً كان أصل بلائه، فاضطر إلى الهرب والقتل، وبيع رقيقاً فعانى العبودية، ثم ظهر فضله في حل بعض القضايا، فرفع إلى أعلى المراتب. ومازال يتقلب من حال إلى حال وهو يتساءل: "هل يتعلق مصير الإنسان بأوهى الأسباب؟!

واختلفت على زاديج الأحداث ـ بمشيئة القضاء والقدر ـ وتعرض لكثير من المحن، في مصر وبلاد العرب وسرنديب وسوريا. وكان يستقبل ذلك بحيرة وإذعان واحتمال، ويفكر في حياة الإنسان ومستقبله.

والغريب في الأمر أنه حتى لقائه بحبيبته قد تم بالمصادفة أو بمشيئة القضاء والقدر: "انتهى زاديج إلى مرج جميل، فرأى جماعة من النساء يبحثن عن شيء ويمعن في البحث، فلما سألهن عن أمرهن، علم أنهن إماء لصاحب هذا القصر العظيم وأن سيدهن مريض، وقد وصف له الطبيب حيواناً خرافياً، على أن تجده امرأة، ليطبخ له في ماء الورد.. وقد وعد أيتهن ظفرت به أن تكون له زوجاً.. فهن مغرقات في البحث، إلا واحدة، كان قدها يظهر فخماً، وقد ألقي على وجهها نقاب، وكانت منحنية نحو الجدول ترسل من فمها زفرات عميقة، وقد أخذت بيدها عوداً صغيراً جعلت تخط به حروفاً على الرمل الدقيق. وقد أحس زاديج الحاجة إلى أن يتعرف ما كانت هذه السيدة تخط من حروف، فدنا وتبين حرف الزاي، ثم ظهر حرف الدال. فأخذته رعدة، ولم يبلغ الدهش من أحد قط ما بلغه منه حين رأى الحرفين الأخيرين من اسمه.. فلبث ساكناً، ثم قطع الصمت بصوت متهدج قائلاً: "أيتها السيدة عفوك عن غريب، إذا اجترأ فسألك بأية مصادفة مدهشة يجد هنا اسم زاديج" فلما سمعت السيدة هذا الصوت، وهذه الألفاظ، صاحت صيحة فيها الحنان والدهش والفرح، ثم صرعتها العواطف المختلفة، فخرت مغشياً عليها بين ذراعيه. وكانت هذه السيدة هي استرتي حبيبته التي كان زاديج يعبدها.. هنالك صاح زاديج: "أيتها القوة الخالدة التي تدبر مصير الناس، أيمكن أن تردي إلي استرتي الحبيبة؟ في أي زمان، وفي أي مكان؟".. (50).

وهاهو الملك جسراد يهبط من أعلى عليين ليعلمه درساً في القضاء والقدر: "كل ما تراه على هذه الذرة الضئيلة التي ولدت عليها، قد قدر له مكانه تقديراً حسب النظام الثابت، الذي أبدعه القادر على كل شيء... إن الأشرار أشقياء دائماً، وإنهم محنة تمتحن بهم قلة من الأخيار مفرقة في الأرض، وليس من شر إلا وهو مصدر للخير.. إن كل شيء في الحياة إما امتحان، وإما عقاب، وإما مكافأة" (51). وقد شاءت الأقدار، أن يكافأ زاديج آخر الأمر، فأصبح ملكاً على دولة بابل العظمى. ولكن... لقد أراد فولتير أن يكتب قصة شرقية على نمط الليالي "التي كانت السلطانات في عهد أولوغ يؤثرن قراءتها" (52) وأراد كذلك أن "يعرض في هذه القصة الشرقية الرائعة، لمشكلة القضاء والقدر كما يتصورها الشرقيون، أو كما خيل له أن الشرقيين يتصورونها" (53) ولم يجد فولتير مرجعاً يصور هذه المشكلة الفلسفية أفضل من حكايات ألف ليلة وليلة "التي عاشت في جو ديني إسلامي، متأثراً بما سبقه من معتقدات تداولتها الألسن، أو حفظت في الكتب" (54).

ولعل الملاحظة التي تسترعي الانتباه، إن الدارس لحكايات الليالي يستوقفه أول ما يستوقفه ذلك المدى العظيم، المتمثل في القضاء والقدر و"أفعال الزمن" بل إن الليالي "لا تعترف سوى بفكرة واحدة هي الإيمان بالقضاء والقدر، الذي يمثل الخضوع المطلق لله" (55) وقد وصل الأمر إلى حد، أن أصبح القدر ميزة الليالي، يهيمن على وقائع حكاياتها، ويقرر مصير الأفراد والجماعات بقوته الغامضة المجهولة، ويتلاعب بهم، وكأنهم دمى متحركة، بدون أن يفرق بين الملك والصعلوك. يذهب نعيم السلطان ثم يعود، ويتشتت العشاق ثم يلتقون مصادفة.

"ويتلاعب القدر بحياة التجار، فيرفع من كان فقيراً ويذل من كان عزيزاً في غمضة عين. ولعل الحظ هو الذي جعلهم يتلقون الحياة في استسلام (كما تلقاها زاديج)، وتوكل على الله بقلب هادئ مطمئن وإيمان بأن الحذر لا ينجي من القدر، كما شاؤوا أن يعبروا: فتركوا أمرهم كله لله حتى كادوا يؤمنون أن محاربة القدر كفر..." (56).

ويسير هذا العزيز الذي أذله القدر في الليالي ـ كما سار زاديج ـ وعلى وجهه آثار النعمة، يعرفها كل من يقابله. وقد توصله الحوادث لأن يقف أمام الخليفة بعد مشقات كثيرة، فيسترد مكانته...

"إن المجازفات التي يقوم بها أبطال الليالي تخضع في الأغلب الأعم إلى القدر الحتمي، الذي يكفي لتحريك حوادث تافهة في ظاهر الأمر، فالأمير يسمع بفتاة جميلة، والحمال تناديه إحدى السيدات، والتاجر يخرج في عمل: وهذا يكفي لتحويل مجرى حياتهم. وفلاسفة القرن الثامن عشر قد أخذوا العبرة من هذا القدر الساخر، الذي لا حكم لإرادة الفرد عليه.

هل نحن إلا بعيدون عن إنسان الديكارتي، الحر المسؤول عن نفسه. إن ألف ليلة وليلة في فرنسا تفضح عبثية العالم كما شهد على ذلك حديث زاديج، فإن بدر الدين حسن يزفر في قصة "نور الدين علي" بقوله: الله أكبر، ألانني لم أضع الفلفل في هذه الشريحة المزبدة، يراد مني أن أعاني من موت قاس بقدر ما هو وبيل" (57).

"كيف نؤمن بعناية إلهية منظمة للأشياء في هذا العالم الخاضع لتعسف المصادفة؟ هذا هو السؤال الذي طالما حاولت الليالي أن تجد له جواباً. وهذا هو الدرس الذي لن ينساه فولتير وغيره من فلاسفة الأنوار" (58).

ويبدو أن فولتير قد تأثر تأثراً قوياً، بالسياق المشوق الذي اتسمت به ألف ليلة وليلة: إذ تختص حكايات شهرزاد بمواقف فريدة موحية لا مثيل لها في حكايات الشعوب. وكثيراً ما تلعب هذه المواقف دوراً مهماً وخطيراً في تغيير مجرى أحداث الحكاية ووقائعها، فالصياد عندما يطرح شبكته في البحر، لابد أن يتعرض لمفاجأة غير منتظرة قد تبدل حاله وحياته، بل حياة كثير من الناس الذين يحيطون به، فهو في حكاية شهرزاد الأولى يجد في شبكته قمقماً، يفتح فيتصاعد منه دخان ليظهر دخان كثيف ينجلي، ليظهر مارد مخيف، وقد يغني هذا المارد الصياد، وقد يهدد حياته، وقد يؤدي به إلى سلسلة من الأحداث الجديدة (59) و"قد يسحب هذا الصياد شبكته في حضرة الخليفة، فيجد فيها فتاة جميلة مقتولة.."(60).

ويحدث أن يلمح شاب امرأة في سوق بغداد أو البصرة ليقع في هواها ويشقى كثيراً، ويتعرض لكثير من المحن والمخاطر، لأن القدر كتب له أن يغامر ويشقى.. ويحدث أن يتدخل الملوك أو الجان والعفاريت في الأحداث فتسير على نحو لم يكن متوقعاً أن تسير عليه (61). هذا السندباد البحري، كانت الصدفة على تفاهتها، والقدر على عظمته يتحكمان في جهوده على نحو خارج عن طاقته (62) وذلك حمال في بغداد يلتقي بامرأة في السوق، فيعيش مغامرات ويكتشف عوالم جديدة. (63).

لقد وجد فولتير في دنيا الليالي وعوالمها الشرقية، التي تمتاز بالحكمة المتنورة، ما يخدم أفكاره وفلسفته، ويؤيدها، وكان يلتجئ إلى حكايات شهرزاد، كلما أراد أن يهجم على التعصب، أو يبث بعض الأفكار الفلسفية الإنسانية (64) وإذا كانت قصة زاديج تحمل المناخ الشرقي السائد في الليالي فإنها تظهر بصدق مدى قدرة فولتير على استغلال الأسطورة لخدمة الفلسفة بحيث تتفوق الحياة على الوهم (65).

ولا ريب، أن فولتير في تفسيره لمسألة القضاء، والقدر متأثر بما ورد في الليالي، في هذا الموضوع. هذه الليالي الغنية بالفكر الفلسفي، الذي يمس الأخلاق والسلوك مساً مباشراً (66).

وما "مسألة القضاء والقدر إلا واحدة من المسائل التي طرحتها التساؤلات الميتافيزيقية الكثيرة في الحكايات الشهرزادية" (67).

ينهي فولتير قصة "زاديج" أو القدر" بالنص التالي:

"وإلى هنا تنتهي المخطوطة التي تقص تاريخ زاديج ملك بابل ومغامراته. والناس يعلمون أنه تعرض لمغامرات كثيرة أخرى قد سجلت، فنرجو أن ينشرها المستشرقون إن وصلت إليهم " (68).

يريد فولتير أن تكون لقصته تكملة واستمرارية، أو بالأحرى يريد أن لا تنتهي مغامرات بطله "زاديج" الطويلة.

وفي الليالي حكايات طويلة، لا تريد أن تنتهي، وإن انتهت فإنها تترك في نفس القارئ تعطشاً شديداً، وكأن ما فيها من مغامرات وأهوال، لم يرو ظمأه.

لقد قسم فولتير قصة "زاديج" إلى (21) فصلاً، ويشكل كل فصل من فصوله قصة قصيرة، أو قل قصة فرعية يكون بطلها زاديج: (الأعور)، (الأنف) (الكلب والحصان)، (الحسود)، (الوزير)، وقد استطاع المفكر أن يربط بين قصصه القصيرة هذه ربطاً محكماً، وينظمها جميعاً بخيط فلسفته. فلا يكاد زاديج ينتهي من مغامرة، حتى يقحم في أخرى جديدة، يتجول في مصر، وبلاد العرب، وسرنديب، والشام، وفي كل مدينة ينزل فيما يعيش أهوالاً ويتعرض لكثير من المحن والخطوب، وكان يستقبل كل ذلك بالحيرة والإذعان وبالصبر والاحتمال، حتى كوفئ آخر الأمر بما يلائم ذكاءه ووفاءه وثقافته وصبره فأصبح ملكاً على بابل.

وكتاب ألف ليلة وليلة موزع على حكايات قد تكون طويلة، وقد تكون قصيرة وقد تحتوي الحكاية الواحدة على مجموعة من القصص الفرعية القصيرة، استطاعت (شهرزاد) أن تربط بينها ربطاً محكماً. ولاشك أن هذا الأسلوب (وهو الأسلوب نفسه الذي حاول فولتير أن يتبعه) يحمل عنصر التشويق، ويترك قارئ القصة يتتبع أحداثها بتعطش وشغف شديدين. فأبطال الليالي لا يكادون يتخلصون من مغامرة حتى يواجهوا الأخرى (حكايات السندباد البحري مثلاً)، وكأنهم خلقوا ليخضعوا للقضاء والقدر (وهكذا كان مصير البطل زاديج). وأبطال الليالي يكافؤون ـ عادة ـ في النهاية، وذلك بأن يتزوجوا عشيقاتهم أو يصبحوا ملوكاً، وأمراء، أو من كبار التجار.

لقد حاول فولتير أن ينسج "زاديج" على منوال القصص الشرقي المتبع في حكايات ألف ليلة وليلة، فقصته قد اصطبغت من جهة بالألوان الشرقية الزاهية، والمناخ الشرقي الذي أذاعته ترجمة جالان، واستلهمت من جهة أخرى أساليبها من حكايات شهرزاد، إذ أن طريقة السرد والرواية فيها تجري كلها ـ تقريباً ـ على نمط ألف ليلة وليلة. أما بطلها الشرقي زاديج أو "الصادق" فلا يختلف كثيراً عن أبطال الليالي: فهو شجاع، قدري، كريم، ثؤور، يواجه الصعاب والأهوال بكل ما أوتي به من صبر وإيمان. ولا تخلو حكايات زاديج الكثيرة من عنصر التشويق، فهو لا يكاد يخلص من محنة حتى يستعد لمواجهة الأخرى، وقد اتبع فولتير هذا الأسلوب حتى يوجه نقده إلى المؤسسات والعادات والأفكار، بكل دقة وأناة، وبحيث يترك القارئ يتتبع تيار المغامرات الممزوج بالفلسفة والأفكار، دون أن يمل أو يسأم... والواقع أن شخصيات قصة "زاديج" هي مجرد أعلام




* د. الشريفي عبد الواحد
أثر ألف ليلة وليلة في أدب فولتير القصصي حالة زاديج أو القدر
 
أعلى