منتصر القفاش - ألف ليلة وليلة

في حكاية الصياد والعفريت لا تسير الأحداث وفق ما يتوقعه أو تظنه الشخصيات.. الصياد يظن أن القمقم الذي أخرجته شباكه في المرة الرابعة سيباع بعشرة دنانير تكفيه لسد حاجته فيجده يخالف توقعاته ويخرج منه العفريت.. وهذا العفريت يتوقع أن من أخرجه النبي سليمان فيتوسل إليه ألا يقتله.. وما إن يفهم الحقيقة حتي يبشر ساخرا الصياد بالقتل.
وتمضي الأحداث لنصل إلي البحيرة الكنز الذي ظن الصياد أن العفريت أرشده إليه، ونتابع كيف تصير البحيرة بسمكاتها مصدرا لتهديد حياة الصياد.. وهكذا حتي النهاية التي ظن فيها الملك أنه يستطيع العودة إلي بلده في يومين ونصف فيكشف الشاب وهم ما ظنه الملك.. عند ذلك قال له الشاب: «أيها الملكُ إن كنتَ نائمًا فاستيقظْ، إن بينك وبين مدينتك سنةً للمُجِدِّ، وما أتيتَ في يومين ونصف إلا لأن المدينةَ كانتْ مَسْحُورَةً» ويوقظنا هذا الكشف مما ظنناه نهاية كفت فيها المفاجآت عن الظهور ونستمر في تخيل عودة هذا الملك من الطريق الذي أتي منه والمكان مسحور، وكيف سيري ويعايش أمكنة وأزمنة ظهرت بعدما فك السحر.. في ألف ليلة ولية دائمًا هناك السحر الذي يلفنا بينما نخوض أحداثا تأتي بعكس ما تشتهيه شخصياتها وأن هناك عالما آخر يتكشف بعدما ظننا أن كل شيء كما اعتدناه.
وأن الشخصيات كلما كانت ذات خبرة وقادرة علي إلقاء الحكم والأبيات الشعرية الدالة علي تلك الخبرة العميقة واليقينية فإن هذا مؤشر علي أنها ستواجه ما يعاكس تلك الخبرات والتوقعات، وأن هناك في الحياة الكثير مما لا تعرفه.
وصرنا نتوقع كل فترة أن تتعرض ألف ليلة وليلة إلي هجوم وإلي حملات منظمة للقضاء عليها لكننا نعرف أنها ستتجاوز كل هذا الظلام وستفاجئنا بمواصلتها الحياة كأنها تمارس طبيعتها في مفاجأة قرائها علي اختلافهم وتظهر لهم عكس ما تصوروا.. ورغم أهمية كشف وفضح غباء من يطالبون بمصادرة ألف ليلة وليلة أو تهذيبها وتشذيبها فإنه بنفس الأهمية رصد مدي قوة علاقة محبيها بعالمها.. وهل يستطيعون تجديد علاقاتهم بها أم أنهم توقفوا عند مدحها، والتأكيد علي أنها كتاب عظيم. أتخيل أن تعد ملفات صحفنا ومجلاتنا، يطرح علي كتابنا ونقادنا هذا السؤال: ما الحكاية التي تعشقها في هذا الكتاب وأسباب انشغالك بها.. وقد يكون السؤال كيف تقرأ هذا الكتاب الآن. أو أسئلة أخري لكن المهم أن تكون بهدف القرب من لحظة القراءة والمحبة ورؤية ملامح تلك القراءة ومدي خصوصيتها.. وخطوة ثانية التعرف علي أحوال ألف ليلة وليلة في جامعاتنا انطلاقا من سؤال بسيط وساذج أتمني أن تكون الإجابة عليه مبشرة.
هل طبعات ألف ليلة وليلة المختلفة متوفرة في مكتبات تلك الجامعات وهل متاح قراءتها واستعارتها؟ ثم السؤال الأهم هل يتم تدريسها وتشجيع الطلاب علي قراءتها؟ وإذا كان هذا يحدث فمهم أن نعرف خبرة الأساتذة في تدريسها وكيف يحاولون تجديد علاقتهم بها وكيف يتلقي الطلاب هذا العمل؟ وكيف حال ألف ليلة في الدراسات التي تعد للماجستير والدكتوراه.. هل تكرر ما قيل للانتهاء من الواجب الأكاديمي أم أن هناك وهذا ما أتمناه مرة أخري دراسات تفاجئنا بقراءة مغايرة ولم تخرج إلي النور.
وعلي فرض أن كل ما تساءلت عنه لا يحدث علي أرض الواقع وهذا احتمال كبير.. فإن هذا ما يجب أن يشغل محبي وعاشقي ألف ليلة وليلة لاستعادتها من المنفي سواء منفي عدم قراءتها أو منفي الحديث عنها بكلام مكرور لا يجذب ولا يدهش أحدًا وتسخر منه لياليها الساحرة.


* masresscom
 
أعلى