روناك خان أحمد - المرأة في ألف ليلة وليلة

لا تهمني هوية حكاية ألف ليلة وليلة ، أهي هندية أم إيرانية أم عراقية ... بقدر ما تهمني بأنها قصة نمت بذورها في أرض عراقية ثم ترعرعت براعمها وأثمرت في رأس جدتنا العراقية لتتحول إلى حكاية أبهرت البشرية على مدى السنين والقرون ولحد الآن ...
إن الكثيرين منا قد سمع او قرأ هذه القصة ، ولكن القليل منا قد أدرك المغزى الحقيقي لهذه الرائعة الإنسانية ولهذه القصة العالمية ... إن جدتنا العراقية العريقة شهرزاد قد سبقت " فرويد " في ذكائه وتعمقه في سبر أغوار نفسية الإنسان سواء كان رجلاً ام إمرأة ... نعم إن جدتنا شهرزاد قد سبقت كل العلماء والأطباء النفسانيين في عقد جلسات ليلية متتالية لمعالجة الملك المريض نفسياً شهريار الذي أغواه الحقد وغطرسة الفحولة عن جادة الحق والصواب ... فأصبح يشك في صدق الانوثة وبراءتها في زوجته حيث عمي بصيرته قبل بصره ، فبدأ بتنفيذ مسلسل مأساوي وذلك بقتل زوجاته الواحدة تلو الاخرى وبعد الإنتهاء من زوجاته تحول إلى الزواج من الفتيات وفي كل ليلة فتاة ليتزوجها في بداية الليل وعند بزوغ الفجر ينهي المشهد بأن يأمر سيافه بقتل الضحية ... هكذا كانت نهاية الانوثة في المرأة والليلة ... وهكذا كانت المأساة الحقيقية للمك شهريار وشعبه وبلاده ، لتصبح أي فتاة مشروع زواج الملك منها مساءً وقطع رأسها صباحاً وكان من الممكن أن تستمر هذه المسرحية التراجيدية ، لولا القرار الذي إتخذته شهرزاد إبنة الوزير بأن تبدأ المسيرة الشاقة ومهما كانت التضحية ، وهي تؤمن بأنه ليس هناك اي تضحية بدون الحب ... الحب الذي يثبت يومياً وعلى مدى مسيرة البشرية المعذبة بأنه الدواء الشافي لكل أمراضنا الاجتماعية والجسدية ومعاناتنا النفسية ، عند ذاك تُقرر هذه المضحية إبنة الوزير الدخول الى القصر السلطاني بالرغم من الموت المحقق الذي يحوم حولها لتأخذ من هذا المريض زوجاً لا حباً في الزواج بل أملاً لخلاصه وشعبه من مرضه ... ولكنها بذكائها ودهائها تبدأ المشوار والتضحية من أجل مليكها وشعبها ... التضحية من أجل خلاص الملك من مرضه ، ولتغسل بحبها كل حقده ، ولتطرد بحكمتها كل هواجس الشك والحقد من نفسه ، ولتؤكد وتعلن بأن المرأة بحبها تستطيع أن تفعل الكثير وتوأد كل غرور وغطرسة الرجولة الفارغة ... فيكون المسير مع هذا الملك المتجبر لتروي له في الليلة الاولى حكاية لا تنتهي عند الصباح بل يشتاق الملك الى سماع تكملتها في ليلة تالية وتالية والإبقاء على حياتها من غدر السياف فتستمر الحكاية ليلة بعد الاخرى في مسلسل طويل يمتد لألف ليلة وليلة وفي حكاية داخل حكاية وباسلوب مشوق وقد اختارت شهرزاد الأحداث بعناية وتلتقط الكلمات من خزين قاموسها ليعجز الملك السلطان من إتخاذ السيف حكماً فصلاً فيكون الحكم لسان المرأة وذكائها وعبقريتها " وإن كيدهن عظيم " بهذا الكيد الإيجابي العظيم تمحي شهرزاد كل آثار الحقد والكراهية من قلب الملك بعد أن يعرف أن هذه الحكاية قصته ... وهكذا وبعد أن يرزق الملك بولد من شهرزاد ، الولد الذي يكون الباب المفتوح لهما نحو عالم السعادة ، حيث الحياة ترعاها قوة الرجل وشفافية المرأة وهما شريكا الحياة القادمة لينعم الديار كل الديار بالأمان والسلام ...
وهناعلي كذلك أن أسكت عن الكلام المباح كما كانت تفعل شهرزاد عند كل صباح لنكمل ما نريد قوله في الحلقة القادمة من خارطة منضوية معها كل القلوب العامرة بالحب ؟ !

.
 
أعلى