رشيد فيلالي - قصص «ألف ليلة وليلة» كُتبت بالعاميّة!

من الكتب التراثية التي حظيت باهتمام، وانتشار منقطع النّظير، عربيًا وعالميًا، رائعة «ألف ليلة وليلة»، هذا الكتاب السّاحر المدبج بأحلى الحكايات وأمتعها، والتي تشبعنا بتفاصيلها المشوّقة إبان طفولتنا حتى حفظناها عن ظهر قلب.

شخصيًا، لا أذكر كم مرّة قرأت هذا الكتاب في مجلداته المتعدّدة، وما زلت أحنّ لإعادة قراءته مرّات ومرّات، دون أن أرتوي من معينه الخيالي الذي لا ينضب، وفي الحقيقة هناك سرّ يجب البوح به خدمة للحقيقة دون غيرها، حيث أن هذا الكتاب في واقع الحال كُتب بلغة أقرب إلى العامية منها إلى الفصحى، وعلى غرار الكتب الفرنسية القديمة (وربما يعدّ الحالة العربية شبه الوحيدة المتفرّدة في هذا المجال)، قد أُعيد صياغته وتصحيح لغته لكي يتوافق أسلوبه مع قواعد اللغة العربية الحديثة والإملاء المعاصرة، وقد أوضح ذلك الباحث العراقي الكبير محسن مهدي، المُدرّس بجامعة هارفارد الأمريكية، الذي تعتبر نسخته لألف ليلة وليلة الأفضل والأكثر توثيقًا وتنقيحًا وأمانة علمية، بعد النّظر والاعتماد على مختلف المخطوطات بشكل أساسي ومباشر، وقد أصدرها عام 1974.

من الأمثلة على عامية «ألف ليلة وليلة»، قبل تهذيبها وإعادة صياغتها، نقدّم هذا المقطع المختصر: «.. فقال الرشيد ذلك المليح من هو أخبرني به، فقال يا مولانا ما ينفهم كلام مسرور، فقال امضي ازعق به، فقال مسرور، ما أمضي إليه، فقال الرشيد يا جعفر أدخل بالله وأبصر من هو الذي قد ضرب مسرور، وهذه خاتمي، أمضي بها إليه وأجي به، فقال جعفر يا مولانا مسرور يجي أصلح».. وكما نلاحظ بوضوح، فإن أسلوب كتابة «ألف ليلة وليلة» يبدو ركيكًا جدًا وبعيدًا كلّ البعد عن الذي ألفناه في صيغته العربية المنقّحة والمهذّبة، و من جهة أخرى، يرى البروفيسور محسن مهدي أن عدد الليالي الحقيقي هو 282 ليلة، على عكس الأسطورة السّائدة التي روّج لها المستشرقون في القرنين الثّامن عشر والتّاسع عشر، حيث غيّروا ومدّدوا العدد ليصبح على ما هو عليه الآن.. فتأمل.

مفاجآت في كلمات!

في تصوّري أن الكلمات كائنات حيّة، فهي تولد وتكبر وتشيخ، كما أنها تهاجر فتنتقل من بيئة إلى أخرى، ومنها الكلمات العربية التي هاجرت إلى بلاد الغرب وتفرنجت ولبست لبوس الخواجة، وعادت إلينا في هيئة مغايرة لأصلها الأول.

وهذه الفكرة قال بها اللغوي العراقي الكبير إبراهيم السمرائي، ومن هنا لا نعجب حين نكتشف بأن كلمة الصّراط مأخوذة من اللاتينية (strate)، وقد تكون انتقلت إلى العربية عبر الآرامية ونجدها الآن في الإنجليزية (street)، وكذلك كلمة الجوسق الفارسية، دخلت العربية بمعنى البيت، ثم هاجرت إلى الغرب وعادت إلينا بالفرنسية في ثوب كلمة (kiosque)، التي ترجمانها إلى الكشك، وهو يشبه البيت الصّغير.

والطّريف في الموضوع أن بعض الكلمات لها أصول لم تعد معلومة لدى الكثير من المهتمين، مثلا ما ذكره الدكتور السمرائي، وهو المختصّ والعارف الكبير باللغات السّامية، أن كلمة «تلميذ» أصلها من التلمود، والذي يعني التعاليم لدى اليهود ويطلق على مرجعهم الدّيني المعروف بالاسم ذاته، لكن واضعي المعاجم العربية لم ينتبهوا لهذه الحقيقة مع الأسف، ويكتفون بالتفسيرات والتوضيحات والتّعاليق البسيطة .

وفي الحقيقة، ثمّة أيضا كلمات تولد بطريقة اعتباطية، مثلا التسميات الأجنبية مثل كوداك (ماركة التّصوير الشّهيرة) ونايلون، وكيفلار (وهو نوع من البلاستيك قويّ جدًا تصنع منه الصدريات الواقية من الرصاص)، وهناك عبارات هي في الأصل جمل طويلة على غرار الحوقلة (لا حول ولا قوة إلا بالله) والبسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) والحمدلة (الحمد لله)، وهذه الظّاهرة نجدها تتكرّر بكثرة في اللغات الغربية أيضا، مثلا في الإنجليزية نجد كلمة وداعا: (good-bye)، أصلها: (God be with you)، أو الله معك. و كلمة لورد (lord) التي تعني الرّب والسّيد، أصلها كلمة إنجليزية قديمة (loaf)، وتعني الخبز، وكلمة (hussy)، التي تعني المرأة العاهرة، هي في الأصل مركبة من كلمتين بريئتين معناهما: ربة البيت: house wife.. فتأمل.



* nafhamagcom
/
 
أعلى