دراسة محمد عبدالحليم غنيم - فاعلية الوصف فى رواية ( الطريق ) للروائى المصرى إبراهيم عبدالحليم دراسة

  • بادئ الموضوع د.محمد عبدالحليم غنيم
  • تاريخ البدء
د

د.محمد عبدالحليم غنيم

بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص البحث :

يسعى هذا البحث إلى الكشف عن فاعلية الوصف الروائى باعتباره مكوناً من مكونات السرد الروائى فى الراوية الحديثة ، حيث يقوم بدور فعال فى تشكيل البناء والدلالة ، والأنموذج الذى تم رصده فى هذه الدراسة هو رواية " الطريق " للروائى المصرى إبراهيم عبد الحليم ، الذى تعد روايته هذه علامة فارقة فى استخدام الوصف كتقنية روائية فى الرواية المصرية والعربية ( صدرت الرواية عام 1971 ) حيث يقوم الوصف بالدور الأعظم فى تشكيل أدبية النص . ولعل هذا يذكرنا بأول رواية فنية فى الأدب العربى وهى رواية ( زينب ) للدكتور محمد حسين هيكل حيث شكل الوصف ملمحاً أساسياً وطاغياً فيها . إلا أن الوصف هنا – فى رواية الطريق – يتجاوز الوصف فى رواية زينب حتى ليكاد يكون هو الوسيلة المهيمنة على بناء الرواية . وقد حاولت فى هذه الدراسة بيان أثر هذه الهيمنة فى تشكيل العمل ودلالته وكيف تم ذلك .

المدخل :

أ.مفهوم الوصف :

يعتبر الوصف سمة بارزة من سمات الكتابة ، وأداة حتمية تساعد على تطور حبكة الرواية ، فلا تكاد تخلو فقرة من فقرات الرواية من جملة وصفية ، وذهب البعض إلى أنه من لا يتقن لغة الوصف لا يتقن الكتابة ، لأن نقل الأشياء إلى القارئ برسمها ولونها ورائحتها وكل ما يكون وجودها ، تحتاج إلى رؤية ثاقبة وبصيرة حادة بموضوعات الأدب . يعرف قدمة بن جعفر الوصف بقوله " الوصف إنما هو ذكر الشيء بما فيه من الأحوال والهيئات ، ولما كان أكثر وصف الشعراء إنما يقع على الأشياء المركبة من ضروب المعانى ، كان أحسنهم وصفاً مَن أتى فى شعره بأكثر المعانى التى الموصوف مركب منها ، ثم بإظهارها فيه ، وأولاها حتى يحكيه بشعره ويمثله للحس بنعته " (1) . ويقول أبو هلال العسكرى : ’’ أجود الوصف ما يستوعب أكثر معانى الموصوف ، حتى كأنه يصور الموصوف لك فتراه نصب عينيك ‘‘ (2) . ويؤكد ابن رشيق من جهته أن : ’’ أحسن الوصف مانعت به الشيء حتى يكاد يمثله السامع ‘‘ (3) . فالوصف إذن وكما فهمه النقاد العرب القدامى’’ تشخيص للشيء الموصوف ونقل لصورته ، حتى يداخل السامع شعور بأنه ماثل أمامه يشاهده عينيا ‘‘ (4) . وجماع هذه النظرة النقدية موصول بمبدأ ’’ المحاكاة ‘‘ كما قرره ’’ أرسطو ‘‘ ,, [ف] الكلمات فى المنظور العربى القديم على نقل الأشياء ، وتأديتها متى استقام الاختيار وأصاب الواصف رصد الخصائص الأكثر تميزاً لها ‘‘ (5) و يلخص محمد نجيب العمامى الفرق بين النظرة العربية للوصف و نظرة الغرب فيقول : ( إن الاطلاع على مكانة الوصف فى الأدب و غيره يبين أن الوصف كان عند العرب أداه مهمة من أدوات الإنشاء الفنى ، جلبت لمستخدميها آيات الاستحسان بل و الإعجال أحياناً . فى حين أنه أثار فى الغرب ردود فعل متناقضة ، طغى عليها الرفض بل الإدانة أحياناً ، و مع ذلك فى نهاية القرن الثامن عشر و بداية القرن الموالى ، بدأ الوصف يكتسب لدى الغربيين وضعاً أدبياً عالياً بعد أن حاز أهمية كبيرة فى مجالات معرفية أخرى ( 6 ) والوصف عنصر أساسى فى بناء الرواية مع اختلاف بنيته من رواية لأخرى ، وهو جزء لا يتجزأ من بنية الرواية ، حيث يعد فى مستوى التنظيم التعبيرى الكلامى مقابلا للحوار والسرد ، فالنص الروائى على مستوى اللغة : وصف وسرد وحوار .

بل أن جارن ريكاردو يقول أن " الأداتين الرئيسيتين لتقديم النص هما الوصف والسرد ، يختص الأول بتقديم الأشياء وتختص الثاني بتقديم الأحداث " (7)

وحتى نقدم تعريفا واضحا للوصف كمصطلح يمكننا أن ندرج بعض المفاهيم التى ترتبط بالوصف ، يعرفه الصادق قسومة أنه " أداة تمثيل لمتقبل القصة ملامح وسمات وخصائص وأحوالا يكون مدارها عادة على الأشياء والأماكن والشخصيات وتكون طرائق ذلك التمثيل وغاياته مختلفة اختلاف المذاهب والأجناس " (8)

ويعرفه إدريس الناقورى بقوله " نعنى بالوصف نظاما أو نسقا من الرموز والقواعد يستعمل لتمثيل العباارات وتصوير الشخصيات ، أى مجموع العمليات التى يقوم بها المؤلف لتاسيس رؤيته الفنية " (9) . وهو أيضا كما تعرفه سيزا قاسم " أسلوب إنشائى يتناول ذكر الأشياء فى مظهرها الحسى ويقدمها للعين " (10) أو لنقل عنه كذلك أنه " شكل من أشكال القول ينبئ عن كيف يبدو شيء ما، وكيف يكون مذاقه ورائحته وصوته وسلوكه وشعوره " (11) " ويشمل استعمال الكلمة الأشياء والناس والحيوانات والأماكن والمناظر والأمزجة النفسية والانطباعات " (12) يفيد الوصف فى إبلاغ معلومة ما من الراوى إلى المتلقى بواسطة ما داخل النص ، حيث تبلغ هذه المعلوم من قبل شخصية تكون على علم بها ، إلى شخصية أخرى تجهلها . وهناك من الأمثلة التى وصفت وجودها كتلك التى نجدهاا عند بلزاك وفلوبير وزولا حيث تؤدى هذه الوظيفة . فالوصف يقتضى رؤية الشخصية أين يتعين تدخل هذه الشخصية أمام الشيء الموصوف " (13) فالوصف إذن أداة فنية تصويرية إخبارية ، تمثلها الدلالة الناتجة عن إلحاق صفة أو مجموعة من الصفات إلى موصوف معين ، ويشترط فى هذه الصفات أن تخاطب الحواس كحاسة اللمس والشم والذوق والسمع والنظر . وقد تكون عادة أسماء كما قد تكون جملة / جملة اسمية أو جملة فعلية / كما قد تنتج عن الأقوال غير المباشرة وبذلك يُدخل الوصف تغييرا لأن " السرد مداره وحاصلة مادة حدثية قوامها الأعمال ! أما الوصف فمداره وحاصلة مادة وصفية مكانية ( لأن الموصوفات متصلة بالمكان أساسا ) قوامها الموصوفات وهى مادة تعطى الخطاب وجهة نظر أخرى وتمده عادة فى اتجاه أفقى لا عمودى " (14) فالخطاب فى مجمله يتشكل من ثنائية متكاملة ، تتمثل فى السرد والوصف ، إلا أن طبيعة الوصف الاستقلالية تجعله فى بعض الأحيان يحقق هدفه دون أن يمتزج بالسرد فلا يمكن أن يستقل عنه اسقلالا تاما . وترى سيزا قاسم أن اختلاف الصورة الوصفية عن الصورة السردية مرده إلى " أن الأولى تصف ساكنا ، أما الثانية فتدخل الحركة على الوصف أى تصف الفعل " (15)

و يؤكد جيرار جينت أن الوصف أداة لا يمكن الاستغناء عنها لأنها تسهم فى خلق جو مناسب للسرد فيقول "... فكل سرد يتضمن سواء بطريقة متداخلة أو بنسب شديدة التغير . أصنافاً من التشخيص لأعمال أو أحداث تكون ما يوصف بالتحديد سرداً Narration. هذا من جهة ، ويتضمن من جهة أخرى تشخيصاً لأشياء أو لأشخاص ، وهو ما ندعوه فى يومنا هذا وصفاً Description ، فالتقابل بين السرد و الوصف المشدد عليه من قبل التقليد المدرسى لهو من المميزات الكبرى لوعينا الأدبى‘‘ (16)

ويُفهم من هذا القول أنه لا يمكن تصور وصف خالٍ من أى سرد دون حدوث العكس لأن الأول ’’ مبدئياً يمكن دونما غموض يذكر ـ تصور وجود نصوص وصفية خالصة موقوفة على تمثيل الأشياء قى حدود كينونتها الفضايئة خارج أى حدث بل و أى بُعد زمنى و إنه لمن السهولة فى مكان تصور وصف خال من أى عنصر أكثر مما يمكن تصور العكس " ( 17)

وهكذا على حد قول جيرار جينت [ نستطيع القول بأن الوصف أكثر لزوماً ( للنص ) من " السرد " ذلك لأنه أسهل علينا أن نصف دون أن نحكى من أن نحكى دون أن نصف " لأن الأمر يرجع دون شك إلى أن الأشياء يمكنها أن توجد دون حركة ، ولكن الحركة لا توجد دون أشياء " (18) " فالوصف يجوز تصوره مستقلاً عن السرد بيد أننا لا نكاد نلقاه أبداً فى حالة مستقلة . إن السرد لا يقدر على تأسيس كيانه بدون وصف غير أن هذه التابعية لا تمنعه من أن يقوم باستمرار بالدور الأول ، فليس الوصف فى واقع الحال سوى خديم لازم للسرد ، و هو فوق ذلك خاضع باستمرار و مستعبداً أبداً" (19)

ويضيف جينيت مؤكداً العلاقة بين السرد و الوصف تعود فى جوهرها إلى مراعاة الوظائف الحكائية للوصف قائلاً " إن دراسة العلاقة بين السرد و الوصف لابد أن تعود فى جوهرها إلى مراعاة الوظائف الحكائية للوصف ، أى للمهة التى تنهض بها الفقرات أو المظاهر الوظيفية فى الاقتصاد العام للسرد " (20 ) و يؤكد جينت أن ثمة وظيفتين للوصف متمايزتين فى الأدب الكلاسيكى من هوميروس حتى نهاية القرن التاسع عشر ، ’’ أولاهما ذات الطابع التزيينى حيث أن غائيته – الوصف – جمالية بشكل أساسى . أما الوظيفة الثانية للوصف وهى الأكثر بروزاً اليوم لأنها فرضت نفسها على تقاليد الجنس الروائى مع بلزاك فهى ذات طبيعة تفسيرية ورمزية فى نفس الوقت ‘‘(21) ثم يضيف " يجب أن نلاحظ فى النهاية ، أن كل الاختلافات التى تباعد بين الوصف والسرد إنما هى اختلافات ذات مساس بالمضمون وليس لها أى وجود سيمولجى بالمعنى الدقيق للكلمة " (22)

’’ فالسرد يرتبط بأفعال وأحداث ينظر إليها باعتبارها مجرد إجراءات وفى نفس الإطار يشدد على المظهر الزمنى والدرامى للسرد ، أما الوصف فهو على العكس من ذلك نظرأً إلى أنه يركز على أشياء وكائنات منظوراً إليها فى دائرة تواقتها ، ويضع نصب عينيه الإجراءات ذاتها كما لو أنها مشاهد ، ثم أن هذا الحكى يبدو ملغياً لمجرى الزمن ومسهماً فى بسط السرد فى المكان وإذن ففى إمكان هذين النمطين من الخطاب التمظهر كتعبير عن موقفين متناقضين من العالم والوجود أحدهما أكثر حركة والثانى أكثر تأملاً ، ويتم هذا وفق معادلة شعرية . غير أنه من وجهة نظر صيغ العرض فإن رواية حدث أو وصف شيء هما عمليتان متشابهتان تستخدمان نفس الوسائل اللغوية ‘‘ (23)

’’ إن الفرق الأكثر دلالة ، لرما كان هو أن السرد يعمل داخل التتابع الزمنى لخطابه ، على إعادة السيرورة الزمنية للأحداث كذلك ، بينما يبدو الوصف ، ملزماً فى نطاق العنصر المتتابع ، بتعديل عرض الأشياء المتزامنة والمتجاورة فى المكان ‘‘(24)

وهكذا فإننا نحصل على خطابين متماميزين و متكاملين . يشكل الوصف أهم الأشكال التصويرية . بإعتباره تأملاً يسهم فى البناء السردى العملى للحكى ، ولأن يأتى غالباً ممتزجاً بالسرد ، بل أنه عند الكثيرين يعد جزءا من السرد . قد استطاع فيليب هامون فى مقالته المعنونة ب تعرفينا للوصف أن يحدد ويميز الوصف داخل النص الروائى وذلك انطلاقا من طرح المشكلات الثلاثة التالية :

" 1 - مشكلة إدخال الوصف داخل النص ( بمعنى ما هى الإشارات الدالة التى تحدد من خلالها بداية الوصف ونهايته )

2 – مشكلة عمله الداخلى بما هو وحدة قابلة للفصل

3 – مشكلة دوره فى العمل الاجمالى للسرد القصصى "( 25)

ب- وظائف الوصف :

للوصف وظائف ومهام عديدة على مستوى الخطاب إلا إنه تتمثل قيمة الوصف الكبرى فى استحضار الأشياء مفعمة بالحياة" (26) إن انعدام الوصف فى الرواية – مع أن ذلك مستحيل يخلق لدى القارئ تساؤلات كثيرة حول الأشياء والأمكنة والشخصيات ، كتلك المتعلقة بشكل الشخصية ومستواها مثلاً أو نوع المكان وصفاته، فالوصف يمنع من وجود أسئلة كثيرة قد تتبادر إلى ذهن القارئ وإن وجدت بالفعل سيقلص من حجمها حتماً . فالوصف يساعد على توضيح الأحداث وتفسيؤها ليجعل القارئ على علم بعالم الرواية وهو يختصر المسافات التى قد تنشأ عن انعدامه أو إيجازه وهذه من إحدى مهام الوصف التى يؤديها داخل النص والتى يطلق عليها الوظيفة التفسيرية ، ولم يكن لهذه الوظيفة تأثيرها فى الأعمال القصصية البدائية وإنما نضجت مع تطور الرواية ، وأصبح لها الحضور البناء فيها ، ولعل السبب جمودها فيما قبل يعود إلى هيمنة الوظيفة التزيينية حيث يقوم الوصف من خلالها بعمل تزيينى زخرفى ، كما هو الحال فى القصص التاريخية القديمة ، حيث يكون الوصف هنا مجرد وسيلة للنقل والتزيين دون أن يتداخل مع عناصر الرواية الأخرى و يمارس وظيفتة الأساسية لتحريك النص وخدمته .

وقد استطاع الوصف أن يعدل من الوظيفة التزيينية الزخرفية فأصبحت تظهر من خلال التصوير الفنى الجمالى دون مبالغة أوتكلف فى إطار متطلبات الموصوف ذاته حتى تخبر وتثقف وتوضح وتبدع فتضفى على الموصوفات قيمة جمالية وطابعاً فنياً يختلف عن أى وصف أخر .

و مما لا شك فيه أن تأثير الوصف الإيهامى جعل الوظيفة الإيهامية من أهم الوظائف وأظهرها حيث تقاس درجة الابداع والخلق من خلال مدى نجاح الرواى فى إقناع المتلقى بواقعية ما يصفه ’’ فيشعر القارئ أنه يعيش فى عالم الواقع لا عالم الخيال ويخلق انطباعاً بالحقيقة أو تأثيراً مباشراً بالواقع ‘‘ (27)

وإذا ما تمكن الوصف من القيام بوظائفه وتحديد دوره فى النص من خلال إبراز أهم القيم التى يضفيها على الأشياء والشخصيات والأماكن التى يصفها فسيتحول من محض وسيلة إلى غاية بات من الضرورى أن تتحقق ، يقول الطاهر رواينية : ’’ لم تعد للوصف تلك الوظيفة الثانوية التى تجعل منه وسيلة للنقل والإبهام وإنما أصبحت ضرورة من الضرورات الأساسية وغاية فى حد ذاتها للمساهمة فى تشكيل بنية الخطاب الروائى فتتحول وظيفة الوصف من وظيفة تزيينية إلى وظيفة إبداعية انتاجية ‘‘(28)

وذلك لأن الوصف بالدرجة الأولى ( ممارسة نصية )على حد قوله فيليب هامون حيث يمكننا الوصف من تصور الموصوفات فى أذهاننا كما أننا أمامها ، كما أرادها هو ، فهى مرتبطة بمنظور الراوى ووجهة نظره ومتعلق أيضاً الإيحائية التى تختلف عن غيره من الروائيين . و ’’ الوصف الجيد قد يساعد على الرشيح لظهور الشخصية أو الأرتباط بمزاجها وطبعها ولكنه لا يقتضى بالضرورة خلق فضاء روائى ، إن صورة المكان الجيدة عد منطلقاً لبناء الفضاء الروائى إذا كان المكان أساسياً وتتضامن مع الصورة الجيدة الأخرى لتشييد هذا الفضاء إذا كان فرعياً ، وحين تخسر هذه العلافة لا يفضلها عن الأمكنة الأخرى فى الرواية فأنها تكتفى بوظيفتها التفسيرية ‘‘(29)

وقد فصل الصادق قسومة فى كتابه طرائق تحليل القص ( من 205-211) وظائف الوصف نجملها على النحو التالى :

" - وظيفة تصوير البيئة : مثل تقديم الأماكن والشخصيات والأشياء التى تدور حولها الأعمال والعلاقات .

- وظيفة التحديد : يضطلع هذا الضرب من الوصف بوصم القصة وتمييزها من سواها وتظهر هذه الوظيفة بدقة ووضوح كبيرين فى فن القصة القصيرة على وجه الخصوص .

- وظيفة التمطيط : تتأتى هذه الوظيفة من خلال المقاطع الوصفية التى تخفف من سرعة النص وترجئ معها المقاطع السردية وتؤجل متابعة الأعمال وهذا ما يعطى القص ضرباً من الإهمال والتمطيط .

- وظيفة إخبارية : تتمثل فى الإخبار اللازم لمتابعة السرد فيضطلع الوصف بوظيفة إخبارية إزاء السرد بقدر ما يضطلع السرد بوظيفة إخبارية إزاءه .

- وظيفة تطوير : إن اتسام الوصف بالسكونية مقارنة مع السرد لا يعنى أنتفاء الحركة منه فهو متصل بحركة الأعمال باعتباره مهيئاً لها ، كما قد بكون فاعلاً فى تطويرها

- وظيفة التمثيل : يضطلع بها الوصف الذى يمثل بعض سمات الموصوفات .

- وظيفة التعبير : يضطلع الوصف المعبر عن أحوال الشخصيات ونفوسها وقيمها ، ويكون خاصة من خلال وصف الطبيعة والبيئة وصفاً يشحن بالتعبير عن الأفكار والأحاسيس وقد نادى بهذا الضرب من الوصف جل أعلام القصص الغربى فى القرنين الماضيين للتخلص من الوصف التزيينى .

- وظيفة استبطان : يؤديها الوصف المتصل باستنكاه بواطن الشخصيات والموحى بخلجات النفس وحوافز الذهن .

- وظيفة إنتاج المعنى : والوصف الذى يمثل لبنة من بنات إنتاج المعنى وقد يكون تبين هذه الوظيفة يسيراً ، وقد يكون عسيراً لأن المعنى كثيراً ما يدق أو يتضح فى مواضع لاحقة .

- وظيفة الرمز : يضطلع بها الوصف و الإيحاء الرمزى وهو وصف قد يكون مداره الظاهر موصوفات مادية ، لكن مرجعياتها فيه إنما تكون محيلة على الخواطر والأفكار وما هو من جنسها ." (30)

وهذه الوظائف يمكن إجمالها فى خمس وظائف يوردها لطيف زيتونى فى كتابه ( معجم مصطلحات الرواية )، وهى شاملة لخصائص الوصف وهذا ما نميل إليه ونستحسنه

" للوصف وظائف مختلفة تتحدد فى كل رواية ، ولكن هناك وظائف عامة يمكن إيجازها فى الآتى :

1- وظيفة واقعية : تقديم الشخصيات والأشياء والمدار المكانى والزمانى كمعطيات حقيقية للإيهام بواقعيتها . ويمكن الإيهام بالعكس ، أى بعالم خرافى لا يشبه الواقع فى شيء (كما فى القصص الخرافية )

2- وظيفة معرفية : تقديم معلومات جغرافية أو تاريخية أو علمية أو غيرها ، مما يهدد بتحويل النص إلى نص وثائقى تعليمى .

3- وظيفة سردية : تزويد ذاكرة القارئ بالمعرفة اللازمة حول الأماكن والشخصيات وتقديم الإشارات التى ترسم الجو أو تساعد فى تكوين الحبكة . وقد اقترح رولان بارت R.Barthes التفريق فى الوصف بين نوعين من العناصر : العناصر المعرفية (inforations) التى تقدم معلومات مفهومة بقصد ربط النص بخارج النص والإيهام بانتمائه إلى الواقع ، والعناصر الإشارية (indices) التى تقدم معلومات لا يمكن فهمها إلا لاَحقا وغايتها ربط جزء من النص بجزء آخر .

4- وظيفة جمالية : تعبر عن موقع الكاتب داخل نظام الجمالية الأدبية . فمحاولة إلغاء الوصف وإحلال الرسوم والصور مكانه تحيلنا إلى السريالية ، وتوسيع مساحة الوصف إلى حد منافسة السرد يحيلنا إلى الرواية الجديدة التى فككت الشخصية والحبكة ، واستخدام صور بعينها ( استعارات وكنايات ومجاز مرسل ) يحيلنا إلى الرومانسية أو الواقعية .. بل إن اختيار الموصوف ، كالسيف مثلا ، يحيلنا إلى عصر من العصور أو إلى نوع من أنواع السرد .

5- وظيفة إيقاعية : تستخدم لخلق الإيقاع فى القصة ، قطع تسلسل الحدث لوصف المحيط الجغرافى الذى يكتنفه يولد تراخيا بعد توتر ، وقطع تسلسل الحدث فى موضع حساس يولد القلق والتشويق ، وبالتالى التوتر . " (31)

ويظل تقييم النص من قبل القارئ أو الناقد تقييماً للواصف فى حد ذاته فعلاقة الوصف بالواصف علاقة التابع بالمتبوع ، وحتى يقوم الوصف بوظائفه يشترط فى الواصف أن يكون خبيراً بالمادة التى يصفها من خلال معرفة موصوفاته حتى يوهم غيره بأنها من صنع الواقع لا من صنعه هو ، وعلى الواصف أيضاً أن يرقى إلى درجة المحقق الذى يتمييز بثقافة واسعة وليست مجرد ثقافة سطحية عامة ، تفتقر إلى الدقة والخبرة.

آليات تحقق الوصف فى " الطريق "

تبدو رواية " الطريق " للروائى إبراهيم عبد الحليم ( 1920 – 1986 ) رواية فريدة فى مسيرة الرواية العربية و ربما فى مسيرته الفنية أيضاً ، حيث تمثل هذه الرواية قمة نضجه الفنى بعد أن أنجز عددا من الروايات و القصص القصيرة هى أقرب إلى السيرة الذاتية ، على أية حال نُشرت رواية الطريق عام 1971 ، و منذ ذلك التاريخ لم يلتفت إليها أحد من النقاد ، لعل الإشارة الوحيدة التى تناولت الرواية مقالة بعنوان " أثر المكان فى تحديد ملامح شخصية البطل فى رواية الطريق لنجيب محفوظ و الطريق لإبراهيم عبدالحليم ( دراسة موازنة ) للدكتورة سُلافة صائب خضير (*)

ولن ندعى ما ادعاه الأستاذ محمد نجيب العمامى ، وهو من النقاد الرائدين فى تناول الوصف فى الرواية ، حينما قال وهو يدرس الوصف فى رواية (ترابها زعفران) " لا يعود اختيارنا دراسة الوصف في " ترابها زعفران " إلى قلّة المسائل الفنّية الجديرة بالدّرس في هذا النّصّ ولا إلى ندرة القضايا المهمّة التي يطرحها ، إنّما يرجع أساسا إلى أمرين : أحدهما يتعلّق بالرّواية العربيّة عموما إذ قلّما وجدنا روائيّا عربيّا من بين مَن أطّلعنا على نصوصهم السّرديّة قد احتفى بالوصف احتفاء صاحب " ترابها زعفران" به. أمّا ثانيهما فمرتبط بمسألة الوصف في النّصّ الرّوائيّ عموما. وهي مسألة بدأت تستقطب اهتمام المُنظّرين في الغرب أساسا منذ وقت غير بعيد ، رغم أنّ ممارسة الوصف بشكل لافت للنّظر تعود إلى القرن التّاسع عشر" (32) .

ولكن سنقول باختصار شديد وبثقة أننا نسعى لإلقاء الضوء على رواية مصرية سابقة لرواية ادوار الخراط ، احتفت بالوصف احتفاء عظيما. وقد لفت نظرنا عند قراءة هذا العمل أهمية الوصف فى بناء الرواية ، و كأنى بالمؤلف يستعرض ــــــ مثل شاعرنا العربى القديم ـــــــ قدراته الفنية و الإبداعية ليظهر مدى تفوقه فى الوصف .

و يتلخص المتن الحكائى لرواية " الطريق " فى رحلة من عدة ساعات تتخلها وقفة لمدة ساعة ونصف من مبنى مستشفى السجن فى أسيوط إلى مبنى السجن فى الواحات الخارجة ، حيث البطل و هو عائد من المشفى إلى السجن . عبر هذه الرحلة القصيرة يتشكل بناء القصة أو خطابها القصصى من السرد ووصف و حوار و شخوص و مكان و فضاء ولغة ، إلا أن التقنية الأساسية و الرئيسية و أقول الطاغية هى تقنية الوصف ، و نحن إذا فصلنا القول فى المبحث السابق عن طبيعة الوصف ووظائفه بشكل عام كمدخل للدراسة ، سوف ترتكز مهمتنا هنا على فاعلية الوصف فى بناء النص و تحقيق الفكرة المركزية أو الدلالة التى يؤول إليها النص . يقول حسن بحراوى : " يتم الوصف فى الرواية حسب هامون ، تبعا لثلاث حالات تترتب عنها ثلاث طرائق أساسية ومتباينة لاشتغال المقطع الوصفى ، فقد يُبنى الوصف سواء بالنظر إلى الشيء الموصوف أو بالحديث عنه أو العمل عليه وبدون شك فالوصف عن طريق النظر هو أكثر الطرق تداولا فى بناء المقطع الوصفى لدى الكتاب " (33) . وهذا ما سنراه لدى إبراهيم عبد الحليم فى استخدام الوصف .

تتكون الرواية على مستوى الطباعة من أربعة عشر فصلاً تأخذ الأعداد من واحد إلى أربعة عشر و ذلك عبر مائة وثمان و أربعين صفحة . و تبدأ الرواية من الجملة الأولى بالوصف وتنتهى أيضا فى جملتها الأخيرة بالوصف .

فتبدأ الرواية بالفقرة التالية :

" لم نكد نخرج من المبنى و نخطو خطوات قليلة حتى وصلنا إلى العربة التى كانت فى انتظارنا . كانت عربة كبيرة من عربات اللورى . كانت غريبة الشكل و من النوع الذى يجتمع حوله الأطفال إذا وقفت فى شارع أو أمام بيت من البيوت . و كان العرق و المطر و الغبار وبصمات الأيدى ولهيب الشمس قد حول لونها الرمادى إلى شيء آخر ليس له علاقة بالألوان التى نعرفها أو بالطلاء الذى طُليت به . و كان قفص العربه الخلفى و الذى وقفنا نتطلع إلى هيكله الضخم يشبه إلى حد كبير الأقفاص التى توجد فى حدائق الحيوانات و التى يوضع فيها النمور و القردة وسائر الوحوش و الحيوانات . كان هذا القفص الهائل يبدو فى لون الطين أو فى لون هياكل السيارات القديمة التى كنا نراها أيام طفولتنا فى الخرابات و على جانبى الطريق الزراعى فى مدخل بلدتنا " (34)

الجملة الأولى فى النص و التى تنتهى بكلمة " فى انتظارنا " عبارة سردية وصفية ، حيث يمتزج الوصف بالسرد ، فلفظ المبنى نفسه كمكان يتضمن إشارة وصفية ، أما الخطوات فتوصف بأنها قليلة و العربة منتظرة . ثم تأتى بعد ذلك بقية الفقرة لتصف بدقة العربة التى تُقل الروائى و رفاقه ، إن الوصف هنا استقصائى مفصل ، و هو وصف فى المكان يؤسس حركة السرد ، و هو ما نطلق عليه بالوقفة الوصفية ، حيث يعرفها جيرالد برنس بأنها " توقف يفرضه الوصف ، ليس كل الوقفات وقفات وصفية ، وبعضها يكون نتيجة للتعليق ، وفضلاً ن ذلك فليس كل وصف يفرض وقفة فى السرد " (35)

و إذا عدنا إلى الفقرة الكاملة التى أوردناها من نص الرواية آنفاً ، فإنه طبقاً لجيرالد برنس تجمع بين السرد الوصفى و الوقفة الوصفية ، حيث تتوقف فى الأخيرة مسيرة الحدث و هنا يستقصى الراوى وصف العربة بشكل تفصيلى دقيق ، يبدأ بشكل العربة العام فهى غريبة الشكل ثم يصف لونها و كيف تحول لونها الرمادى إلى شيء آخر . ثم ينتقل إلى قفص العربة الذى يبدو فى لون الطين ، و يوسع الراوى بعد ذلك من دلالة الوصف ليس فقط باستخدام ضمير الجمع المتكلم ، و لكن أيضاً باستخدام ما يسمى بالصورة الروائية عبر تقنية التشبيه البلاغى ، و الصورة الروائية فى أبسط تعريف لها " تنفيذ غير مشهدى لوعى الشخصية بالموقف و هى نقيض الدراما عند هنرى جيمس ( التى تحول كلام وسلوك الشخصيات إلى مشاهد " (36)

فقفص العربة يستدعى الأقفاص و - ليس قفصاً واحداً – التى توجد فى حدائق الحيوانات . و لون القفص فى لون الطين يستدعى هياكل السيارات فى الخرابات القديمة التى كان يراها الراوى و رفاقه فى أيام الطفولة . إن هذا القفص المغلق يستدعى أماكن مفتوحة مثل حدائق الحيوانات و الخرابات ، بل يستدعى توسعاً فى الزمان حيث يستدعى أيام الطفولة لدى الراوى . إن الوصف هنا مفعم بالحركة و الحيوية على حد قول سيزا قاسم .

و هكذا تجمع هذه الفقرة التى توقفنا عندها طويلاً ، و هى البداية الروائية الحقيقية للنص ثلاث آليات من آليات الوصف : السرد الوصفى و الوقفة الوصفية و الصورة الروائية .

و عندما ننتقل إلى الفقرة الثانية مباشرة ، نجدها تبدأ على النحو التالى " و لم يكد يرانا السائق حتى قفز إلى مقدمة العربة و بدأ يدير عجلة القيادة " (37)

فالجملة هنا سردية ، و لا أستطيع أن أقول سردية خالصة ، لكن لا يكاد يُلحظ الوصف فيها ، إلا أننا سنلحظ بوضوح الوصف فى بقية الفقرة " وسمعنا أصواتاً مثل الحشرجة أخذت تتصاعد خافتة متقطعة فى البداية ثم تعلو و تعلو و تظل تعلو و تتصل و تهز الجسد الكبير الهامد و تبعث فيه الحياة و الحركة . فى نفس الوقت الذى ارتفع فيه صوت المحرك كنا نتشعبط بأيدينا فى الحاجز الخلفى للعربة و كان كل منا يسند الآخر بذراعيه ليحميه من السقوط و يدفعه إلى أعلى حتى يتمكن من أن يقفز إلى الداخل . و كنت أول مَن صعد ، و كانت أيدى و عيون هؤلاء الذين كانوا يرافقوننى تحيط بى أثناء صعودى و ظلت تلاحقنى حتى تمكنت من أن أصعد إلى حافة الحاجز و أضغط عليه بكلتا يدىً و أقفز داخل العربة . ولم يكد هؤلاء الذين جاءوا لمرافقتى يطمئنون إلى سلامتى حتى أمسكوا الواحد بعد الآخر بجدار العربة و قفزوا إلى داخلها تباعاً و بحركات سريعة و كأنهم بهلوانات دُربت على القيام بهذه العملية الصعبة و قامت بأدائها مئات المرات " (38)

وبالقراءة المتأنية للفقرة نجد المؤلف يتراوح هنا بين السرد الوصفى و الوصف الحركى ، و فوق ذلك يتحول ضمير الجمع المتكلم إلى ضمير الأنا المفرد " و كنت أو من صعد.. )

إن شعرية الوصف ، أو قل وظيفة الوصف هنا لم تعد زخرفية أو حتى تشيئية كما هو الحال فى الرواية الفرنسية الجديدة ، و لكنها تتجاوز هاتين الوظيفتين لتؤسس وظيفة جديدة هى الوظيفة السردية ، أى تزود ذاكرتنا بالمعرفة اللازمة والمعلومات والخبرات بقصد ربط النص بالخارج وإيهامنا بانتمائه للواقع .

و فى الفقرة الثانية مباشرة " و لم أكد أجد نفسى فى القفص حتى تطلعت حولى . أرضية من ألواح الخشب و ما عدا ذلك ليس هناك أى شيء . مجرد لوح من الخشب فى كل جانب من الجانبين و قد ثُبت فى الجدار بالمسامير و أستند فى نهايته و فى وسطه على قوائم الحديد . كان هذا هو كل ما يحتويه القفص الكبير . و كان على أن أجلس فى نهاية المقعد من الداخل أى فى الجزء المجاور للمقدمة و الذى يجلس فيه السائق . و جلست و جلس بجوارى و جلس فى المقعد المواجه لى باقى رفاقى فى الرحلة " (39)

بعد إنتهاء هذه االفقرة . تبدأ فقرة جديدة مكونة فقط من حرف عطف و جملة فعلية من فعل و فاعل يليها ثلاث نقاط " و تحركت العربة ... " (40 )

علينا هنا أن نتوقف أو ننظر إلى الفقرات فى تجاورها و تتابعها ، فنجد أن داخل الفقرة الواحدة يتداخل السرد مع الوصف حينا و يتجاوران حينا آخر . أما على مستوى الفقرات فيتوالى السرد مع الوقفات السردية ، إن هذا التتابع و التجاور يخلق توترا على مستوى البناء الروائى نتيجة توالى السردى و الوصفى ، لكن بالعودة إلى الفقرات الثلاثة أو قل الأربعة باعتبار أن جملة " وتحركت العربة " فقرة أيضاً ، نجدنا أمام خطاب قصصى تهمين عليه سطوة الوصف ولعل هذا ما يغرينا بالسير مع النص الروائى حتى نهايته . لكن سيكون من الصعوبة تناول الرواية فقرة فقرة . إلا أننا نستطيع أن نقول أن رواية الطريق تعد أنموذجاً لتطبيق مختلف آليات ووظائف الوصف الروائى كما رآها منظروا الرواية الذين تناولوا بنية الوصف فى الرواية فى الغرب و الشرق .

يقول محمد عزام " إذا كان السرد يطلق القصة فى الزمان فإن الوصف يوقفها فى المكان و يجعلها مجموعة من المشاهد " (41) و هذا ما نلحظه بشكل واضح فى رواية الطريق .

عندما ننتقل إلى الفصل الثانى ( 11 -19 ) االذى يصل إلى ضعف حجم الفصل السابق له ، فى عدد الصفحات ، نجد أن الوصف ما زال مهيمنا وطاغيا ، حيث لا تتجاوز الجمل السردية عدد أصابع اليد الواحدة ، بينما يبقى الملفوظ ينتمى إلى الوصف بكل أنواعه ، لكننا عندما نتوقف عند هذا الوصف و نحلله ، فنجد الفصل يبدأ بسرد وصفى " و لم تكد العربة تتحرك وتهتز وتخطو خطوات قليلة فى الطريق الزراعى المترب حتى تحركت عيناى إلى الأسلاك الحديدية التى تكون هيكل القفص ونفذت من بينها إلى السماء الزرقاء اللامعة التى كنت أراها من بين فروع الأشجار التى كانت تبدو على جانبى الطريق " ( 42 )

ففى هذه الفقرة يمتزج الوصف بالسرد ، فتتحرك العربة و تهتز فى خطوات قليلة و الطريق زراعى و مترب و الأسلاك حديدية و السماء زرقاء . وهكذا تتسع الدلالة عبر الصورة الروائية و يتسع الفضاء الروائى ليتجاوز العربة و القفص إلى السماء الزرقاء و الطريق . أو قل يتسع الفضاء الروائى ليستغرق المساحة بين الأرض والسماء . ألا يشير الوصف هنا إلى توق الراوى - و لنلحظ جملة " تحركت عيناى " - إلى الانعتاق من فضاء السجن المغلق إلى فضاء الحياة الواسعة إلى فضاء الحرية .

بعد ذلك مباشرة تتوقف حركة السرد البطيئة على مستوى اللفظ و الواسعة على مستوى الدلالة ، ليقوم الرواى بوصف استثنائى لمبنى المستشفى مستخدما أيضا تقنية تجمع بين الوقفة الوصفية و الصورة الروائية .

" كان هذا المبنى الذى رحلنا عنه يقع خارج مدينة أسيوط بعيداً عن البيوت و الحوانيت و الشوارع . كان مثل القلاع التى قرأنا عنها فى كتب التاريخ وفى القصص التى تتحدث عن السادة الإقطاعيين وعن أمراء ونبلاء القرون الوسطى الذين كانوا يخوضون المعارك بالرماح والدروع وعلى صهوات الجياد الأصيلة ويتركون القتلى غارقين فى دمائهم أما الأحياء فياخذونهم كغنائم ويربطونهم بالسلاسل ويلقون بهم فى المغارات والزنازين والكهوف الحجرية التى تقوم فوقها تلك القلاع . وكان المبنى الذى كنت أقيم فيه يقف وحيدا منعزلا مثل شبح أو شيطان أرهب بمنظره المبانى الأخرى فظلت بعيدة عنه لا يجسر أحدها على أن يقترب منه " (43)

سوف تتكر هذه التقنية الجامعة بين الوصف التفصيلى والصورة الروائية فى الكثير من صفحات الخطاب القصصى . أما الاستثناء هنا فإن الكاتب لا يفصل المكان وصفيا كعادته ولكن يجعل منه صورة روائية أكثر منها صورة وصفية ، فالسجن مثل القلعة مما يستدعى صورة الإقطاع والنبلاء والمعارك والدماء وقهر البشر وأسرهم ، والمستشفى مثل شبح أو شيطان يخيف المبانى الأخرى ، وهى صورة ذهنية شعبية تبرز الموقف الشعبى من المستشفى ، فهو مصدر الموت عند كثير من فقراء الناس فى مصر . فوظيفة الوصف هنا جمالية كما أشرنا تتجاوز وظيفة الوصف فى الرواية البلزاكية و الوصف الجامد فى الرواية الفرنسية الجديدة .

خطاب المروى عليه داخل الوصف :

سيلجأ المؤلف إلى توظيف خطاب المروى عليه لكسر الوقفات الوصفية الطويلة ، حيث يقوم الواصف بتوجيه الخطاب إلى المروى عليه داخل الوقفة الوصفية ، و فى هذه الحالة يقوم الوصف بعدة وظائف فى آن واحد ، كما سنبين فى تحليل الوقفة التالية . فى وقفة وصفية طويلة تبدأ من ص12 إلى ص14 من الرواية يصف لنا الراوى الأرض و هى مغطاة بالألوان المختلفة و سنابل القمح نائمة فى الحقول ، و يشبه عيدان القمح بالشخص الطويل و هنا يوجه الخطاب إلى المروى عليه " مثل الشخص الطويل النحيل الذى لا تكاد ترى شحوب وجهه حتى تدرك عن يقين إنه مريض " ( الطريق ، ص12 )

و يعود فى نفس الفقرة التى تمتد إلى الصفحة المقابلة فيقول " فيوجد شحوب يكون معناه الشحوب ، و يوجد شحوب آخر يدفع فيك الأسى و يذكرك بضياع الإنسان و حشرجة الموتى و يجعلك تقول لنفسك ’’ أى مصير وصل إليه الإنسان وأية قدرة تجعله يسير وهو يحمل كل هذه المعاناة ؟‘‘ أحيانا ترى وجه فتاة ولا تكاد تراه حتى يبدو أمامك وجه فتاة أخرى كنت تعرفها أو تحبها " ( الطريق ، ص13 ، 14 )

إن إشراك المروى عليه فى تأمل الموصوفات فى الراوىة يكسر رتابة الوصف ، و من ثم يتجاوز الوصف الوظيفة التفسيرية هنا حيث " تكون للوصف وظيفة رمزية دالة على معنى معين فى إطار سياق الحكى أى أن يكون الوصف إرهاصا لهذا المعنى " ( 44) . إلى وظيفة أخرى هى الوظيفة السردية التنظيمية حيث يقوم الوصف بالإسهام فى تنظيم المبنى الحكائى ، و مع ذلك لن يكرر المؤلف تلك التقنية فى إلا فى ثلاثة مواضع أخرى عبر ما تبقى من صفحات الرواية ولعله من المفيد الإشارة إلى تلك المواضع ، فهى على الترتيب الصفحات ( 16 ، 20 ، 32 ) ويستحق الموضع الثالث لاستخدام خطاب المروى عليه مع الوصف وقفة هنا ، ويحسن أن نورد الفقرة كاملة :

" ولأول مرة ومنذ التقينا وجدت نفسى مضطرا إلى أن أوجه الحديث إلى الرفيق الجالس بجوارى هناك أشياء لا تسترعى انتباهك حين تراها فى مكان معين وتأخذك من عينيك ومن لبك حين تراها فى مكان آخر وفى ظرف مختلف ... ومن خلال ثقوب القفص وفجأة ووسط الحقول التى كانت تمتد على مدى البصر رأيت مجموعة كبيرة من المبانى الحديثة المتراصة التى تشرئب إلى السماء. لقد رأيت مجموعات أكبر وأكثر ضخامة وفخامة فى مصر الجديدة وعلى شاطئ النيل فى القاهرة وفى أماكن أخرى عديدة ومع ذلك لم أحس حين رأيتها نفس إحساس الدهشة والانبهار الذى أحسسته حين رأيت تلك المبانى المتراصة الشامخة وهى تشرئب وسط الحقول فى ضواحى مدينة أسيوط وأخذت أعدها وأتأمل منظر النوافذ والشرفات وأسائل نفسى ’’ لمَ كل هذه الفتحات والشرفات التى لا تغطيها إلا ألواح الزجاج ؟ ،، . وأخذت أجمع وأضرب وأنا أتخيل عدد الغرف التى يمكن أن توجد بها إذا بنيت مثل البيوت التى يسكنها الناس . وقلت لنفسى أن تلك المبانى الضخمة لو قسمت إلى بيوت صغيرة لكانت كافية لسكان مدينة بأكملها . وسألت نفسى فى النهاية ’’ ترى لماذا بناها أصحابها بهذه الصورة ؟ ،، وحين فشلت فى أن أجد إجابة أو تفسيرا قلت للرفيق الجالس بجوارى " ( الطريق ص20 ، 21 .)

إن الخطاب الموجه إلى المروى عليه والذى وضعنا تحته خطا لتمييزه ، يأتى بين سرد وصفى ووصف تفصيلى ، أى أننا هنا أمام خطابات ثلاثة : السرد الوصفى ويُطلق عليه البعض الوصف البسيط ، وخطاب المروى عليه ، والوقفة الوصفية ، وكل ذلك يأتى مباشرة قبل الحوار الذى يدور بين الراوى وهو من يقوم بالوصف والرفيق الجالس وهو أحد الشخوص فى الرواية . هنا سيقوم الحوار بالوظيفة الرئيسية فى رسم الشخصية ، ولا يعنى ذلك أن الوصف سيتخلى عن دوره ، ولكن فقط يتراجع دوره قليلا ، لأن ما من سرد إلا ويتخلله وصف . وإذا عدنا إلى وظيفة الوصف هنا فإننا بتأمل الفقرة الوصفية ، نجد أن الوصف يقوم بالوظيفة التفسيرية المعروفة فى الرواية التقليدية .

وصف الشخصيات :

يقول رولان بارت فيما يتعلق بدور الوصف فى بناء السرد " فالوصف يسعى إلى الكشف عن الأماكن الطبيعية ووصف الشخصية فى مظهرها الخارجى أو وصفها فى طباعها وأخلاقها أو مشاهد قائمة على الحركة أو وصف مشاهد وكائنات خيالية " (45)

وسوف نلحظ من خلال وصف الشخوص فى رواية الطريق لدى إبراهيم عبد الحليم أن الوصف يكاد أن يقوم بالدور الرئيسى فى رسم الشخوص . " وطرق التشخيص قد تصنف فى عمومها على أنها تفسيرية أو درامية ، فالطريقة التفسيرية للتشخيص تخبرنا عن الشخص : فهو يوصف أو يجرى الحديث عنه إما من قبل المؤلف أو شخصية أخرى " (46)

وهذه الطريقة التفسيرية التى يعول عليها المؤلف إبراهيم عبد الحليم فى رسم الشخصية ووصفها بالتفسيرية يرجع فى الأصل إلى وظيفتها بوصفها أسلوبا فى الوصف . أما الطريقة الثانية والتى قلما لجأ إليها المؤلف فهى الطريقة الدرامية أو التشخيص الدرامى حيث " يرينا الشخص فى اثناء تحركه ، فمن سلوكه وكلامه وأفكاره المسجلة ، نصل إلى استنتاجات فيما يتصل بشخصيته " (47)

وهكذا عبر أربعة عشر فصلا هى فصول الرواية لم يلجأ إبراهيم عبد الحليم إلى التشخيص الدرامى إلا فى أربعة مواضع فقط ، حيث رسم لنا فيها شخصية الحارس وأفراد الأسرة ( الزوج والزوجة وبنتهما ) والممرضة وهم يركبون سيارة الأتوبيس . على أنه فى جميع هذه المواضع لا يستغنى عن الوصف فى رسم الشخصية فيقوم بوظيفته التفسيرية الأساسية ووظائفه الأخرى جنبا إلى جنب مع الحوار أو ما يطلق عليه السرد المشهدى . فقد مهد لرسم شخصية الحارس الجالس بجواره بفقرة وصفية طويلة يتخللها خطاب المروى عليه ، كما أشرنا من قبل ، بل إن الوصف الساكن يتخلل المشهد أيضا ، فنجد الراوى يقطع الحوار الدائر بينه وبين الحارس ليصف الأخير لنا بشكل تفصيلى :

" كان يتحدث وهو ينظر بعينيه خارج العربة . وكانت الكلمات التى تخرج من بين شفتيه النحيلتين الشاحبتين ، وأسنانه المتآكلة يغطيها السواد تبدو على وجهه . وفى الخطوط والمنحنيات العميقة التى تظهر وتختفى وتتكاثر وتزداد عمقا فى جبهته . كان منظر وجهه وهو يتطلع بعينيه خارج القفص ويخرج الكلمات هادئة متئدة من فمه أكثر إنسانية وجمالا من الوجه الجامد الذى رأيته حين التقينا " [ الطريق ، ص 23 ]

فالوصف هنا يوقف حركة السرد فى الزمن ليصور لنا بشكل دقيق ملامح الشخصية من الخارج والداخل ويكشف أيضا عن تطور العلاقة بين الراوى وهو شخصية رئيسية فاعلة فى النص والشخصية الأخرى . فلم يعد الحارس ذلك الشخص ذا الوجه الجامد بل شخصا آخر أكثر إنسانية وجمالا .

فى كتابه عن الرواية الفرنسية الجديدة يقول نهاد التكرلى " سيقول ريكاردو أن ( الوصف يخترع المادة الروائية بصورة روائية ) والحقيقة توجد هناك روايات جديدة نشأت بواسطة عملية الوصف وحدها ، خارج كل ( موضوع ) وكل ( تصميم ) فرواية الغيرة مثلا كانت فى بادئ الأمر مشروعا لوصف امرأة فى حياتها اليومية وفى حركاتها المعتادة " (48)

ونستطيع القول أن ذلك تقريبا ما يقوم به الوصف فى رواية الطريق . سواء على مستوى المكان أو الشخوص . والمتأمل فى الرواية يجد أن عملية الوصف تنتقل بين وصف المكان والشخصيات ، بل أن التوتر الدرامى فى الراوية قائم على هذا التقابل بين وصف الأشياء والشخوص ، ويتخلل ذلك فى مواضع محددة توجيه الخطاب إلى المروى عليه ، وإبراز صوت المؤلف فى مواضع محددة أيضا انظر على سبيل المثال عندما يصل الأتوبيس مدخل مدينة أسيوط يصف الراوى اللافتة المكتوب عليها " مرحبا بكم فى مدينة أسيوط ، مجلس المدينة يرحب بكم " ( الطريق ، ص 18 .)

ثم يواصل وصف اللافتة ويتخيلها وهى مُضاءة ليلا والحقول الخضراء حولها ، يتخيل نفسه وهو يزورها ليلا إلى أن يقول " وتذكرت ما قرأته من شعر وما سمعته من قصص وحواديت عن خيام وسط الصحراء ، وعن النار التى كانت توقد أمامها طوال الليل ولا تُطفأ أبدا ليهفو إليها كل من يريد طعاما أو مأوى وقلت لنفسى وقلبى يخفق بالخيلاء والزهو ’’ كم كان أجدادى يكرمُون الغريب ؟‘‘ " [ الطريق ، ص 19 ] إن هذه العبارة الواردة هنا ليست للراوى بقدر ما هى للمؤلف الحقيقى إبراهيم عبد الحليم تعكس ثقافته ككاتب من ناحية وإيمانه بالقومية والعروبة من ناحية أخرى ، خاصة عندما يقول كم كان أجدادى يكرمُون الغريب ؟

عقب الحوار الذى تم بين الراوى والحارس يتأمل الراوى وجه الحارس ويغرق فى تأملات ذاتية يعيد فيها تحليل المشهد الحوارى ليكمل رسم الشخصية . " ... كان الابن وأخته قد أضافا إلى كيانه شيئا جديدا . كنت أحس وهو يتحدث عنهما بأن أشياء كانت قد ماتت فى أعماقه قد عادت إلى الحياة وأن أشياء أخرى لم توجد أبدا أصبحت موجودة " [ الطريق ، ص 18 ]

وتلى فقرة التأمل هذه العبارة التالية : " الإنسان وإنسان آخر يلتصق به والحديث بينهما عن الأولاد وعن الطفولة وعن المستقبل والأمنيات الحلوة " [ الطريق ، ص 18 ] فالجملة السابقة لا تنتمى إلى الراوى بقدر ما تنتمى إلى المؤلف الحقيقى ، إنها صوت المؤلف بقدر ما هى صوت الراوى وبروز هذا الصوت لا يتأتى اعتباطا ، إن له وظيفة فنية هنا ، ألا وهى كسر أفق التوقع لدى القارئ ، وإثراء الوظيفة الإيهامية للوصف ، فالشخصيات والأحداث أقرب إلى الواقع الحقيقى منها إلى الخيال .

مثلما اهتم المؤلف فى وصفه للمكان ، اهتم أيضا بالقدر نفسه عندما وصف الشخصيات ، ولعله كان أكثر اهتماما وتفصيلا عند وصفه لشخصيات النساء ، نلحظ ذلك عندما وصف الزوجة والفتاة السمراء/ الممرضة ، بل إنه يلجأ إلى تقنية الفلاش باك . ويصف لنا بشكل تفصيلى فتاة سمراء أخرى وهنا يقوم الوصف بوظيفته الرمزية التى أشرنا لها من قبل .

أتاح المكان المغلق ( عربة السجن ) للراوى أن يتامل الأشياء من خارجها ويصفها ، وأتاح له أيضا أن يعود إلى الماضى ويتأمل ذاته ، فتعرفنا على شخصية الراوى السجين فهو زوج وأب ومثقف ، نشأ فى الريف وانتقل إلى المدينة وعاش فيها ، وإنه عائد من جديد إلى السجن ، بعد أن مكث فترة قصيرة فى مستشفى السجن بأسيوط ، وهو الآن بعد أن اكتشف خلوه من المرض الخطير " السل " تغيرت نظرته للحياة ، وسنلحظ ذلك بشكل واضح فى الصفحات الأخيرة من الرواية ، يقول الراوى : " وأنا أتذكر اليوم الذى رحلت فيه من سجن الواحات منذ أسبوعين .. أى فارق بين رحلة الذهاب ورحلة العودة ؟ كان هذا الطريق ولسنين طويلة حلما عندى وعند رفاقى وعند سكان الواحات جميعا .. مثل الفارق بين أن تكون فى المنفى وأن تعود إلى أرض الوطن " [ الطريق ، ص 145 ]

يقول جيرار جينت فى معرض حديثه عن الفرق بين السرد والوصف من حيث أن الأول يشدد على المظهر الزمنى والدرامى للسرد والثانى أن الوصف يُسهم فى بسط السرد فى المكان " وإذن ففى إمكان هذين النمطين من الخطاب التمظهر كتعبير عن موقفين متناقضين من العالم والوجود ، أحدهما أكثر حركة والثانى أكثر تأملا ، ويتم هذا وفق معادلة شعرية ، غير أنه من وجهة نظر صيغ العرض فإن رواية حدث أو وصف شيء هما عمليتان متشابهان تستخدمان نفس الوسائل اللغوية " (49)

إذن فاعتماد إبراهيم عبد الحليم على الوصف فى المقام الأول أكثر من اعتماده على السرد فى بناء نصه الروائى ، لهو تجسيد لموقف من العالم والوجود يعتمد رؤية تأملية ذاتية ، وهذا ما يبرر للمؤلف استخدام السارد المتكلم الفرد ووجهة نظر ذاتية ، ومن هنا يكون الوصف لكل الموجودات من حول الراوى ، الأماكن والشخوص والفضاء واألشياء هو الهم الأعظم للمؤلف الذى يتماهى مع الراوى داخل النص ، فهو مسجون قادم من رحلة علاج وعائد إلى السجن . ولعل المرأة ستكون مثار الاهتمام الأكبر للراوى وهذا ما سنلحظه لدى المؤلف عندما يوقف جريان السرد ويقوم بنسخ وقفات وصفية طويلة تصل أحيانا إلى عدة صفحات . ولا يكتفى الراوى بوصف الحاضر القائم من النساء أمامه ، بل يعود بذاكرته إلى الوراء فيصف لنا زوجته وفتاة التقاها من قبل تشبه إلى حد كبير الفتاة السمراء / الممرضة التى شاهدها فى الأتوبيس . إذا وصف المرأة فى الرواية يأتى عبر نمطين الأول الذاكرة والثانى المشاهدة المباشرة .

فمن النمط الأول : وصفه لفتاة يسير وراءها شاب ، ووصفه لزوجته على سبيل المثال ويحسن أن نقف عند أنموذج لهذا النمط وليكن هنا وصف الفتاة : " وفتاة فارعة الطول بيضاء البشرة تلبس منظارا ويبرز أنفها وشفتيها ووجنتيها المتوردتين وتسير فى مشية عسكرية . وتتطلع إلى الأمام وتهز ردفيها فيهتز صدرها وتهتز خصلات شعرها ، وشاب وهو يسير وراء هذه الفتاة وهو ينظر إلى يمينه ثم ينظر إلى يساره ثم يتطلع خلفه وكأنه يثبت لمن حوله أنه لا ينظر إلى الفتاة التى تسير أمامه " (الطريق ، ص 38 )

عند تأمل المقطع الوصفى السابق ، نجده لا يمثل وقفة وصفية ساكنة ، لكن يمكن أن نطلق عليه وصفا حركيا حيث من الممكن " ألا ينجر عن الوصف أى توقف للحكاية ، إذ أن الوصف قد يطابق وقف التأمل لدى شخصية تبين لنا مشاعرها وانطباعاتها أمام مشهد ما " (50) فهو يصف الفتاة وهى تتحرك ويصف الشاب وهو يسير خلفها ينظر فى كل اتجاه .

أما النمط الثانى من وصف المرأة الذى يعتمد على المشاهدة المباشرة وكأن الراوى كاميرا تلتقط الصور وتثبتها ، وسنلحظ أن الكاتب فى هذا النوع من الوصف يوقف حركة السرد تماما ، ويصف بالتفصيل المرأة وكأنه يستعرض موهبته وقدراته فى فن الوصف ، مما يذكرنا بابن الرومى فى الشعر العربى القديم ، وكُتاب الرواية الفرنسية الجديدة " ويقتضى الوصف عن طريق النظر ( المشاهدة ) أن يكون الشيء الموصوف موضوعا فى مكان مناسب للرؤية بحيث تُتاح إمكانية التعرف عليه وتمييزه عن أشياء أخرى متجاورة ، وهنا يشترط فى الشخصية أو الراوى الذى يوكل إليه القيام بعملية الوصف أن يكون قادرا على الرؤية ، أى لا يكون ضعيف البصر أو أعمى وذلك لأن على الوصف أن يجعل القارئ يشعر بأنه صادر عن عين الشخصية التى تقوم به وليس نتيجة معرفة يقدمها الروائى " (51) وهذا ما يفعله الراوى تماما فى " الطريق " حيث يجلس فى عربة السجن أو سيارة الأتوبيس يتأمل الموجودات من حوله وأمامه ويفحصها .

ولعل أبرز مثالين لهذا النوع وصفه للزوجة الشابة التى تصحب زوجها وأبناءها وتجلس داخل عربة الأتوبيس ووصف الفتاة السمراء/ الممرضة التى ستدخل بعد ذلك الأتوبيس ، على أية حال لا يترك الراوى وجهاً الإ وصفه سواء أكان لرجل أم لامرأة ، يقول فى وصف الزوجة :

" كانت الزوجة الشابة تختلف عن زوجها فى أشياء كثيرة ، كانت سمراء أقرب إلى النحافة منها إلى السمنة وأقرب إلى القصر منها إلى الطول . كان شعرها الأسود اللامع ينساب من رأسها ويغطى أجزاء من رقبتها ويتهدل فى خصلات على كتفيها كان الانطباع الأول الذى تحسه حين تتطلع إلى وجهها أنها إنسانة طيبة وبسيطة ومطمئنة إلى ماضيها وحاضرها ومستقبلها ولا شيء يشغلها غير أولادها وزوجها . وكانت شفتاها الرقيقتان مطليتين بلون أحمر فاتح لا يتناسب مع لون بشرتها . وكانت آثار مساحيق الزينة تبدو على جبهتها ووجنتيها . وكان يتدلى من أذنها قرط على هيئة هلال تحيطه وتتدلى منه هالة من الأسلاك الرفيعة ويكفى وحده ليعلن لكل من يراه أن صاحبته ولدت فى الريف ونشأت وكبرت فى بيوت الفلاحين وأنها رغم الزى الحديث الذى ترتديه مازالت متأثرة بذوق الريفيات وطباعهن وكانت هناك أشياء أخرى كثيرة تعلن عن تلك الحقيقة . سلسلة رفيعة تلتف حول عنقها وتتدلى على صدرها وتنتهى بمصحف فى هيئة صندوق صغير حفرت عليه كلمة " الله " وأحيطت جوانب الحروف بإطار قرمزى رقيق ، ثلاث أزواج من الغوايش السميكة المضلعة تحيط بمعصم يدها اليمنى وتتحرك صعودا وهبوطاً وتصطك ببعضها مع حركة يدها ، وخاتم ذو فص كبير أزرق فى أحد الأصابع ، ودبلة الزواج فى أصبع آخر . وكانت تلك الأشياء كلها من الذهب الخالص عيار 21 الذى تُنشر أسعاره فى الصحف ويتتبع الناس صعودها وهبوطها " ( الطريق ، ص69 ، 70 )

إن هذا الوصف الدقيق لوجه المرأة وشعرها يتخلله استنتاجات مباشرة للكاتب ومعلومات ترسم فى النهاية الشخصية من وجهة نظر الراوى ، ولا تترك إلا القليل للمتلقى لكى يكمل أبعاد الصورة أو يسهم فى اكتمالها . وفى الصفحات التالية يواصل الراوى وصف ملابس الزوجة ولعبها مع طفلها وحوارها معه ( انظر الصفحات من 73 إلى 75 )

إن هذا الاهتمام والحرص على وصف الزوجة وكل ما يتعلق بها يعكس حنين الراوى/ السجين إلى الزوجة والأولاد وحاجته إلى الدفء الأُسرى . وهذا ما عبر عنه الراوى بعد ذلك وهو يناجى نفسه " كنت أود أن أقول لها أن زوجتى طيبة مثلها وبسيطة مثلها ومازالت تحافظ على التقاليد الحلوة لأهل بلدتنا ، كنت أود أن أقول لها فوق ذلك أننى أب وأب لأطفال ثلاثة .... ‘‘ ( الطريق ، ص78 )

وعلى العكس من وصف الزوجة المتحفظ يُطلق الراوى لنفسه العنان فى وصف الفتاة التى تصعد إلى الأتوبيس ويكاد يكون الوصف أقرب إلى الوصف الشبقى ، كما أنه يوجه أثناء هذه الوقفة الوصفية الخطاب إلى المروى عليه ، كما يبرز فى هذه الوقفة الوصفية الطويلة التى تمتد إلى ثلاثة صفحات كاملة . وسيكون من الإطالة إيراد الوصف كاملاً هنا .

’’ كانت سمراء وفارعة الطول . ومنذ اللحظة الأولى التى تقع فيها عيناك عليها تجد نفسك موزعاً فى النظر إلى كل جزء من جسدها . كان كل جزء يعلن عن نفسه ويجذيك إليه ويطلب منك أن تراه قبل الجزء الآخر . كانت ترتدى ثوباً رمادياً من الحريرر اللامع ..." ثم يواصل الراوى وصف الثوب إلى أن يقدم على وصف أظافر الفتاة ، فيقطع الوصف من خلال صوت المؤلف الحقيقى ، فيقول ’’ لم أكن أعرف من قبل سبباً واحداً من الأسباب التى دفعت بعض الكُتاب والشعراء إلى تشبيه المرأة بالنمرة وتأكدت أنهم كانوا على حق بعد أن رأيت تلك الفتاة وتفحصت أجزاء جسدها ‘‘ ويواصل الرواى الوصف للفتاة بشكل دقيق ومفصل . ( الطريق ، ص100 )

وبعد عدة صفحات تذكره هذه الفتاة بفتاة أخرى تشبهها ، فيقول ’’ فتاة سمراء مثلها ، وهيفاء مثلها وشفتان غليظتان مثل شفتيها ولكنها أكثر نحافة وجمالها أكثر شاعرية وعيناها أكثر سحراً .... ‘‘ (الطريق ، ص110 ، 111 )

إن الاهتمام بالوصف التفصيلى لا يتوقف لدى الكاتب عند وصف المكان والمرأة ، ولكنه تقنية طاغية يستخدمها أيضاً فى وصف الرجال أيضاً ، و أول وقفة وصفية طويلة لرجل سنجدها فى وصفه لناظر المحطة ’’ كان ناظر المحطة فى حوالى الخمسين . وكان شعره الأشيب يبدو كهالة تحيط برأسه وتتناثر على ذقنه ، كان حليق الشارب غائر العينين متكور الأنف يبدو وجهه من بعيد كأنه مجموعة من التجاعيد ، كان يرتدى قميصاً أبيض وسترة صفراء بزرائر نحاسية لامعة وكان منظر الكُشك الخشبى والتجاعيد التى تبدو فى وجهه وحالة الملابس التى يرتديها توحى لمن يراه بأنه لا يعيش فى بحبوبة وأنه لم يذق طعم الراحة طوال الخمسين عاماً التى عاشها ، ومع ذلك كان يبتسم ويضحك وهو يتحدث ويقهقه وهو يستمع إلى حديث رفيقنا ‘‘ [ الطريق ، ص 55 ، 56 ]

بعد هذا الوصف التفصيلى يأتى تعليق الرواى : ’’ تُرى ماذا كان يقول كل منهما للآخر ؟ شخصان لم يتعارفا من قبل ويتبادلان الضحكات وكأن كل منهما قد فتح قلبه لأخيه ‘‘ [ الطريق ، ص56 ] إن الكاتب هنا يحول الوصف الساكن إلى سرد مشهدى عن طريق خلق نوع من التوتر بين ما هو وصفى و ما هو سردى .

وإلى جانب هذا التوتر بين السرد والوصف يلجأ الكاتب إلى استخدام الصور الروائية ، و من أبرز هذه الصور الروائية والتى تكررت أكثر من مرة فى صيغ مختلفة لوصف الطريق الأسفلتى الذى تسير فوقه سيارة الأتوبيس فى الفصل الأخير بثعبان أسود يتلوى ، حيث تتكرر هذه الصورة أربعة مرات ، ويختم بها الرواية ’’ والعجلات وهى مازالت تدور وتدفع العربة فى الطريق الذى يتلوى مثل الثعبان ‘‘( الطريق ، ص148 )

هل تكرار هذه الصورة يشير أو يوحى بالتواء الطريق وصعوبته ، ومن ثم يعكس الصورة الذهنية للمؤلف الحقيقى عن الوضع السياسى فى مصر فى ذلك الحين . علماً بأن الرواية منشورة فى عام 1971 ، عام المظاهرات والمطالبة بانهاء موقف اللاسلم واللاحرب . لكن الكاتب وقد ذيَل روايته بورقة لاصقة واضح أنها وضعت بعد طبع الرواية مكتوب عليها ( الواحات الخارجة 25 مارس ـــــ 23 ابريل 1963 ) يجعلنا نتشكك فى تفسيرنا الذى ذكرناه آنفا للصورة ، لكن لماذا لا نخمن بأن الطريق الملتوى كثعبان إشارة إلى عدم وضوح الرؤية السياسية فى تلك الفترة من تاريخ مصر .

أيا كان تفسير هذه الصورة ، فقد استطاع الكاتب أن يقيم بناء روائياً مكتملاً معتمداً على تقنية الوصف فى صورها المتنوعة ووظائفها المتعددة بين مزايا المدرسة الواقعية فى الرواية والمدرسة الفرنسية الجديدة فى توظيف الوصف . وراوية " الطريق " بالقياس إلى تاريخ نشرها والنصوص الروائية المنشورة فى ذلك الوقت تُعد رواية متميزة ومتفردة فى الاعتماد على الوصف وتوظيفه على هذا النحو وهو ما لمحت اليه الدكتورة سلافة صائب خضير وهى تقيم موازنة بين الطريق لابراهيم عبدالحليم والطريق لنجيب محفوظ إذ قالت : لقد كان الوصف عندهما متسلسلا ومتدرجا فى مساعدة الشخصية على التاقلم مع المكان الى سيكون فيه ، واجد سلاسة لدى ابراهيم عبدالحليم من هذه الناحية ، فى حين ان محفوظ لا يثق بقدرة المتلقى على إدراك حقيقة الخيال الذى يعرضه أمامه" ( 52) .

دكتور /محمد عبد الحليم غنيم




الهوامش :

1- قدامة بن جعفر، نقد الشعر ، تحقيق وتعليق د.محمد عبد المنعم خفاجة ، مكتبة الكليات الازهرية ، ط1 ، القاهرة 1987 ، ص 130

2- أبو هلال العسكرى ، الصناعتين الكتابة والشعر ، ط1 تحقيق محمد على البجاوى ومحمد ابو الفضل ابراهيم ، دار احياء الكتب العربية ، القاهرة ، 1952 ، ص 131

3- ابن رشيق القيروانى ، العمدة فى صناعة الشعر ونقده ، تحقيق محمد محيى الدين بن عبدالحميد ، دار الجيل ، ج2 ، بيروت ، 1986 ، ص 295

4- محمد الناصر العجيمي : الخطاب الوصفي في الأدب العربي القديم ،الشعر الجاهلى نموذجا ، مركز النشر الجامعة بتونس ومنشورات سعدان بسوسة ، ط1 ، 2003، ص 93

5- محمد الناصر العجيمي : المرجع نفسه ، ص 85

6- محمد نجيب العمامى، فى الوصف بين النظرية والنص السردى ، دار محمد على للنشر ، صفاقص الجديد ، ط1 2005، ص 17

7- جان ريكاردو ، قضايا الرواية الحديثة ، ترجمة صالح الجهيم ، وزارة الثقافة والارشاد القومى ، دمشق ، 1977، ص 166

8- الصادق قسومة ، طرائق تحليل القصة ، دار الجنوب للنشر تونس ، 2000 ، ص 162

9- إدريس الناقورى ، ضحك كالبكاء ، دائرة الشئون الثقافية والنشر ، بغداد 1986 ، ص 217

10- سيزا احمد قاسم ، بناء الرواية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1984 ، ص 180

11- عثمان بدوى ، وظيفة اللغة فى الخطاب الروائى الواقعى عند نجيب محفوظ ، الجزائر ، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ، 2000 ، ص 80

12- عثمان بدوى ، المرجع نفسه ، ص 80

13- الصادق قسومة ، مرجع سابق ، ص 165

14حميد الحمدانى ، بنية النص السردى من منظور النقد الدبى ، المركز الثقافى العربى ، بيروت والدار البيضاء 1933 ، ص 78 .

15- سيزا قاسم ،مرجع سابق ، ص 181

16- رولان بارت وآخرون، طرائق تحليل السرد الادبى ، منشورات اتحاد كتاب المغرب ، الرباط ، 1992، ص75 .

17- طرائق تحليل السرد الادبى ، ص76

18- طرائق تحليل السرد الادبى ، ص76

19- طرائق تحليل السرد الادبى ، ص76

20- طرائق تحليل السرد الادبى ، ص76

21- طرائق تحليل السرد الادبى ، ص77

22- طرائق تحليل السرد الادبى ، ص 77

23- طرائق تحليل السرد الادبى ، ص 77، 87

24- طرائق تحليل السرد الادبى ، ص 87

25- دليلة مرسلى وأخريات ، مدخل الى التحليل البنيوى للنصوص ، دار الحداثة ، بيروت ، 1985 ، ص 168

26- سيزا احمد قاسم ، بناء الرواية ، مرجع سابق ، ص 110

27- سيزا احمد قاسم ، بناء الرواية ، مرجع سابق ، ص 81

28- الطاهر رواينية ، سرديات الخطاب الرواى المغاربى – مقاربة نصية نظرية تطبيقية فى آليات الحكى الروائى ، رسالة دكتوراه ، معهد اللغة العربية ، جامعة الجزائر ، 1999- 2000 ، ص243

29- احمد زياد محبك ، جماليات المكان فى الرواية ،ىمجلة الفيصل الثقافية ، الرياض ، ع 286، يوليو / اغسطس 2000، ص 58

30- الصادق قسومة ، مرجع سابق ، ص 205 ـــــ 211 .

31- لطيف زيتونى ، معجم مصطلحات نقد الرواية ، مكتبة لبنان ناشرون ودار النهار للنشر ، ط1 ، لبنان ، 2003 ، ص 172 .

(*)( مجلة كلية اللغات. العدد 15 . جامعة بغداد 2006، ص ( 14-26) )

32 – محمد نجيب العمامى ، الوصف فى ترابها زعفران ، ص

33 – حسن بحراوى ، بنية الشكل الروائى ، المركز الثقافى العربى ، ط1 ، بيروت والدار البيضاء 1990 ، ص 180 .

34 – إبراهيم عبد الحليم ، الطريق ، دار الثقافة الجديدة ، القاهرة 1971 ، ص 7 ، 8 .

35 – جيرالد برنس ، المصطلح السردى ، ترجمة عابد خزندار ، مراجعة وتقديم محمد بريرى ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة 2003 ، ص 58 .

36 – جيرالد برنس ، المرجع نفسه ، 174 .

37 ، 38 – إبراهيم عبد الحليم ، الطريق ، مصدر سابق ، ص 8 .

39 ، 40 – إبراهيم عبد الحليم ، المصدر نفسه ، ص 9 .

41 – محمد عزام ، فضاء النص الروائى ، دار الحوار للنشر والتوزيع ، اللاذقية ، 1996، ص114

42 – إبراهيم عبد الحليم ، الطريق ، مصدر سابق ، ص 11 .

43 - إبراهيم عبد الحليم ، المصدر نفسه ، ص 11 ، 12 .

44 - حميد الحميدانى ، بنية النص السردى، المركز الثقافى العربى ، ط2 ، بيروت 1993 ، ص 79 .

45 - نقلا عن مديحة سابعة " فاعليات الوصف وآلياته فى الخطاب القصصى عن السعيد بوطاجين " رسالة ماجستير . جامعة الحاج لخضر باتنة ، الجزائر ، 2012 / 2013 ، ص 15 .

46 - لين أولتبرند وليزلى لويس ، الوجيز فى دراسة القصص ، ترجمة عبد الجبار المطلبى ، دار الشئون الثقافية والنشر ، بغداد 1983 ، ص 122 .

47 - لين أولتبرند وليزلى لويس ، المرجع نفسه ، ص 123 .

48 - نهاد التكرلى ، الرواية الفرنسية الجديدة ، ط2 ، دار الشئون الثقافية والنشر ، بغداد ،1985 ، ص 128 .

49 - جيرار جينت وآخرون ، طرائق تحليل السرد الأدبى ، منشورات اتحاد الكتاب المغربى ، الرباط ، 1992 ، ص 78 .

50 – سمير المرزوقى وجميل شاكر ، مدخل إلى نظرية القصة ، دار الشئون الثقافية العامة ( آفاق عربية ) ، الدار التونسية للنشر ، بغداد وتونس 1986 ، ص 86 .

51 – حسن بحراوى ، مرجع سابق ، ص 180 .

52- سُلافة صائب خضير، أثر المكان فى تحديد ملامح شخصية البطل فى رواية الطريق لنجيب محفوظ و الطريق لإبراهيم عبدالحليم ( دراسة موازنة ) ، مجلة كلية اللغات. العدد 15 . جامعة بغداد 2006، ص22 .





المصادر والمراجع :

1- إبراهيم عبد الحليم ، الطريق ، دار الثقافة الجديدة ، القاهرة 1971 .

2- ابن رشيق القيروانى ، العمدة فى صناعة الشعر ونقده ، تحقيق محمد محيى الدين بن عبدالحميد ، دار الجيل ، ج2 ، بيروت ، 1986 .

3- أبو هلال العسكرى ، الصناعتين الكتابة والشعر ، ط1 تحقيق محمد على البجاوى ومحمد ابو الفضل ابراهيم ، دار احياء الكتب العربية ، القاهرة ، 1952 .

4- إدريس الناقورى ، ضحك كالبكاء ، دائرة الشئون الثقافية والنشر ، بغداد 1986 .

5- جان ريكاردو ، قضايا الرواية الحديثة ، ترجمة صالح الجهيم ، وزارة الثقافة والارشاد القومى ، دمشق ، 1977.

6- حميد الحمدانى ، بنية النص السردى ، المركز الثقافى العربى ، بيروت والدار البيضاء 1933 .

7- رولان بارت وآخرون، طرائق تحليل السرد الادبى ، منشورات اتحاد كتاب المغرب ، الرباط ، 1992.

8- سيزا احمد قاسم ، بناء الرواية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1984 .

9- الصادق قسومة ، طرائق تحليل القصة ، دار الجنوب للنشر تونس ، 2000 .

10- عثمان بدوى ، وظيفة اللغة فى الخطاب الروائى الواقعى عند نجيب محفوظ ، الجزائر ، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ، 2000 .

11- قدامة بن جعفر، نقد الشعر ، تحقيق وتعليق د.محمد عبد المنعم خفاجة ، مكتبة الكليات الازهرية ، ط1 ، القاهرة 1987 .

12- محمد الناصر العجيمي : الخطاب الوصفي في الأدب العربي القديم ،الشعر الجاهلى نموذجا ، مركز النشر الجامعة بتونس ومنشورات سعدان بسوسة ، ط1 ، 2003 .

13- محمد نجيب العمامى، فى الوصف بين النظرية والنص السردى ، دار محمد على للنشر ، صفاقص الجديد ، ط1 2005 .

14- دليلة مرسلى وأخريات ، مدخل الى التحليل البنيوى للنصوص ، دار الحداثة ، بيروت ، 1985 .

15- الطاهر رواينية ، سرديات الخطاب الرواى المغاربى – مقاربة نصية نظرية تطبيقية فى آليات الحكى الروائى ، رسالة دكتوراه ، معهد اللغة العربية ، جامعة الجزائر ، 1999- 2000 .

16- احمد زياد محبك ، جماليات المكان فى الرواية ،ىمجلة الفيصل الثقافية ، الرياض ، ع 286، يوليو / اغسطس 2000 .

17- لطيف زيتونى ، معجم مصطلحات نقد الرواية ، مكتبة لبنان ناشرون ودار النهار للنشر ، ط1 ، لبنان ، 2003 .

(*)( مجلة كلية اللغات. العدد 15 . جامعة بغداد 2006، ص ( 14-26) )

34 – حسن بحراوى ، بنية الشكل الروائى ، المركز الثقافى العربى ، ط1 ، بيروت والدار البيضاء 1990 .

35 – جيرالد برنس ، المصطلح السردى ، ترجمة عابد خزندار ، مراجعة وتقديم محمد بريرى ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة 2003 ، ص 58 .

36– محمد عزام ،فضاء النص الروائى ، دار الحوار للنشر والتوزيع ، ط1، اللاذقية ، 1996 ، ص 114

37 - نقلا عن مديحة سابعة " فاعليات الوصف وآلياته فى الخطاب القصصى عن السعيد بوطاجين " رسالة ماجستير . جامعة الحاج لخضر باتنة ، الجزائر ، 2012 / 2013 .

38 - لين أولتبرند وليزلى لويس ، الوجيز فى دراسة القصص ، ترجمة عبد الجبار المطلبى ، دار الشئون الثقافية والنشر ، بغداد 1983.

39 - نهاد التكرلى ، الرواية الفرنسية الجديدة ، ط2 ، دار الشئون الثقافية والنشر ، بغداد ،1985 .

40 - جيرار جينت وآخرون ، طرائق تحليل السرد الأدبى ، منشورات اتحاد الكتاب المغربى ، الرباط ، 1992 ، ص 78 .

41 – سمير المرزوقى وجميل شاكر ، مدخل إلى نظرية القصة ، دار الشئون الثقافية العامة ( آفاق عربية ) ، الدار التونسية للنشر ، بغداد وتونس 1986 .




ــــــــــــــــــــ
فاعلية الوصف فى رواية ( الطريق ) للروائى المصرى إبراهيم عبدالحليم

دراسة

د.محمد عبدالحليم غنيم
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى