دراسة محمد عبدالحليم غنيم - القصة القصيرة وإشكالية النوع الأدبي دراسة تطبيقية

  • بادئ الموضوع د.محمد عبدالحليم غنيم
  • تاريخ البدء
د

د.محمد عبدالحليم غنيم

بين يدي ثلاث مجموعات قصصية وقصص أخرى ، والمجموعات فهي على الترتيب : يوميات النبأ العجيب لسمير المنزلاوي ، وسنوات الجنون الأبدية لسامح عبد البديع الشبة ، ورحلة في الملكوت لرامي هلال ، أما القصص الأخرى فهي اثنتا عشرة قصة لسمير رمزي المتزلاوى نشر معظمها في أهرام الجمعة وغيره من الدوريات اليومية والأسبوعية ، المعروف منها والمجهول ، وتشكل في مجموعها مجموعة قصصية أخرى للكاتب .

وقد أحصيت هذه القصص عددا فوجدتها تقترب من الخمسين نصا ، نصفها تقريبا مخطوط ، أي لم يظهر منها مطبوعا بين دفتي كتاب بوصفه منتجا أدبيا أصبح ملكا للقارئ ، والنصف الثاني مطبوع وهو مجموعتي النبأ العجيب وسنوات الجنون الأبدية ، ومع ذلك سأنظر إلى النصوص جميعا التي بين يدي المطبوع والمخطوط على السواء نظرة واحدة بوصفها جميعا نصوصا أدبية متحققة .

من القراءة الأولى لهذه النصوص وجدت أنها تعرض على المتلقي / القارئ / الباحث الناقد ، إشكالية النوع الأدبي ، ولا أقصد بإشكالية النوع هنا مدى تحقق النوع وهو هنا القصة القصيرة ، وإن كان أمرا مشروعا حيث تخرج بعض هذه النصوص عن ما يمكن تسميته بقصة قصيرة ، ولكني أقصد ما يسمى في نظرية الأنواع الأدبية بتداخل الأنواع أو تأثير وهيمنة إحدى الصيغ الأساسية في الأدب : الملحمية أو الدرامية أو الغنائية . وقد لاحظنا بداية هيمنة الصبغة الغنائية على هذه النصوص .

وقبل أن نتناول هذه النصوص بالتحليل يلزم أن نوضح مفهوم النوع الأدبي وكيفية هيمنة إحدى الصيغ على الأخرى " يٌعد أر سطو واضع الأسس التي تقوم على نظرية الأنواع الأدبية ، حيث قسم الأدب في كتابه " الشعر " إلى ثلاثة أنواع التراجيديا والكوميديا والملحمة ، وحرص أن يبين أن كل نوع أدبي يختلف عن النوع الآخر من حيث الماهية والقيمة ، ولذلك ينبغي أن يظل منفصلا عن الآخر ، وقد عرف هذا فيما بعد بمذهب نقاء النوع " (1) .

وقد دفعت مسألة نقاء النوع هذه بعض النقاد المحدثين إلى رفض فكرة النوع كلية كرد فعل متطرف ، مثل كروتشه على سبيل المثال ، الذي يرى أن " الأدب مجموعة من القصائد المتفرقة والمسرحيات والروايات تشترك في اسم واحد " ( 2) . ولسنا في الواقع مع فكرة إلغاء الحدود بين الأنواع الدبية ، لأن تمايز الأنواع الأدبية يبقى حقيقة قائمة ، وهي حقيقة يكاد يجمع عليها معظم النقاد الكبار كجوته وهيجل وإليوت وفراي وعبد المنعم تليمة وغيرهم .

قسم ت .س إليوت الأدب إلى مواقف ثلاثة : الغنائي والملحمي والدرامي وقد سماها أصوات الشعر الثلاثة ، وفي معرض تفسيره قال بأن " الصوت الأول هو صوت هو صوت الشاعر عندما يتوجه إلى نفسه وحدها بالحديث ، وأن الصوت الثاني هو صوت هو صوت الشاعر عندما يتوجه بالحديث إلى جمهور صغير أو كبير ن وأن الصوت الثالث هو صوت هو صوت الشاعر عندما يبتدع حديثا يدور بين شخصيات متخيلة ويقول إليوت إن هذا التقسيم من وجهة نظر التغليب فحسب ، إذ أن الأعمال الشعرية ذاتها لا تعرف هذا الانفصال الحاد في الأصوات الثلاثة ولا يقوم أي منها على صوت منفرد ، وإننا لنجد في معظم الأحيان الأصوات الثلاثة متداخلة في عمل شعري واحد ، سواء كان هذا العمل غنائيا أو ملحميا أو دراميا على الرغم من هذه الحقيقة فإن التمييز بين الأصوات الثلاثة ضروري " (3) .

إذن فالتقسيم بين الأنواع الأدبية ضرورة على الرغم من اتفاقنا التام مع نظريات النوع الحديثة التي تتعامل مع النوع الأدبي باعتباره مفهوما مرنا ومفتوحا يسمح بالتعدد والتداخل ، حتى ليمكن القول أنه مفهوم (أي النوع الأدبي) يطور نفسه مع الزمن .

وقد وجد تليمة في هذا التداخل إفادة وإغناء للنوع الأدبي ، فقال : " إن التطور العملي والاجتماعي في العصر الحديث أثر تأثيرا عميقا في التطور الفني ، جعل الفنون تتنوع وتتعاون وتتداخل ، وعقد الخبرة الجمالية وصقلها وأنشأ عادات ومدارك في التلقي جديدة ، ولهذا كله وجدنا أن الآداب الحديثة والمعاصرة تحقق بصورة واسعة تداخل المواقف الأدبية الثلاثة في كل أثر أدبي ناجح فتحققت الملحمية والدرامية في الشعر الغنائي ، وتحققت الغنائية والملحمية في الأدب المسرحي ، وتداخلت المواقف الثلاثة في الرواية ... الخ ولم يتعارض هذا التداخل مع تمايز الأنواع الأدبية ، بل لقد أفاده وأغناه " ( 4) .

ونخلص من كلام إليوت وتليمة إلى أن النوع الأدبي يبقى قائما وقارا بقواعده الأدبية (شعريته) وقيمه ، إلا أنه قد تهيمن عليه إحدى الصيغ الثلاثة : الملحمية أو الدرامية أو الغنائية ، وهيمنة إحدى الصيغ لا يعد عيبا أو ميزة للعمل ، ويشترط فقط في هذه الهيمنة من وجهة نظرنا ألا تخل هذه الهيمنة بثوابت أو قواعد النوع الأدبي فعلى سبيل المثال عندما يطغى العنصر الدرامي على القصة القصيرة فيحولها إلى مجرد حوار بين شخصين أو أكثر دون وضوح وجهة نظر الراوي أو حتى المؤلف ، يختل بناء العمل السردي .

وقد لاحظنا في النصوص ـ موضوع البحث ـ هيمنة العنصر الغنائي على كثير منها ، أو قل على معظمها ، وحين نتحدث عن هيمنة العنصر الغنائي في القصة القصيرة ، فإننا نتحدث عن سمات من قبيل :

1 ـ أن للشاعر ( الراوي ـ مؤدي الكلام ) فيها حضورا طاغيا ، وتأتينا الأشياء عبر مصفاته الخاصة ، وعبر علاقة التأمل الجمالي التي تربطه بالعالم ، إنه لا ينقل لنا الأشياء في وجودها الخارجي الموضوعي ، بل يلونها بعاطفته حتى تتحول تماما وتدخل في سياق بنية مجازية ، وهكذا ينظر إلى الغنائية على أنها إشراقة للذات ولحظة اكتشاف .

2 ـ أنها لا تطمح إلى تمثيل الحياة الإنسانية ، بل تعمل على تكشفها أو تكثيف رؤية الشاعر لها ، من خلال أدوات خاصة مثل الإيقاع والمجاز .

3 ـ أن العلاقة بين المشاهد الغنائية أو الصور ليست علاقة سببية بل علاقة كيفية وله>ا فالبنية الغنائية الأساسية بنية مكانية .

4 ـ أن الغنائية مع هيمنة تيار الوعي أصبحت جزءا من القص ، حيث يمتزج صوت الراوي الشاعر بصوت شخصياته ويتداخلان على نحو يؤدي إلى صعوبة الفصل بينهما " (5) .

وهيمنة الصيغة الغنائية على معظم النصوص كما أشرنا لا ينفي هيمنة العنصر الدرامي ـ وخاصة عند سمير المنزلاوي ـ في بعض الأحيان ، وهو في الواقع ما يميزه عن القاصين الآخرين ، ولعل هذا يسلمنا إلى توضيح كيف يهيمن العنصر الدرامي ، يقول خيري دومة :

" وحين نتحدث عن درامية القصة القصيرة ، فإننا نتحدث عن سمات من قبيل :

ـ أنها لا تطمح إلى تمثيل الحياة الإنسانية في شمولها ووجودها الموضوعي ، بل تعمل على تكثيفها ، واكتشاف جوهرها من خلال حادثة أو أزمة واحدة .

ـ أن الراوي مؤدي الكلام فيها يختفي أو يتوارى تماما ، ويترك للحديث الكثيف المتلاحم من خلال الصراع والحوار ، مهمة الكشف عن هذا العالم .

ـ أن العلاقة بين المشاهد الدرامية علاقة سببية ، وليس للمشهد الدرامي معني في ذاته بعيدا عن الحبكة ، بعيدا عن علاقة السبب بالنتيجة ، ومن ثم فالبنية الدرامية الأساسية بنية زمانية .

ـ تنهض الدراسة على " الصراع " بين قوى معارضة ، ويعبر عن هذا الصراع من خلال التلاحم الدرامي الكثيف (في الزمان) لكن مع هيمنة الشكل المكاني في الأدب المعاصر ، قد يعبر هذا الصراع من خلال التقابل الصامت بين مشهدين في المكان " (6 ) .

القصة القصيرة وهيمنة الصيغة الغنائية :

تهيمن الصيغة الغنائية على معظم قصص كل من رامي هلال وسامح عبد البديع الشبة ، وتقل هذه الهيمنة لدى سمير رمزي المنزلاوي ، ويجدر بنا أن نشير إلى أن هيمنة الصيغة الغنائية لا يعني حكما نقديا بالجودة أو الرداءة على العمل ، ولكنه مدخل نقدي يمكنا من تفسير العمل .

وقد تجلت مظاهر الغنائية في النصوص التي بين يدي في :

1 ـ ضبابية الحدث وضعف الصراع الدرامي .

2 ـ سيطرة الرؤية السردية الذاتية .

3 ـ قلة السرد المشهدي حيث يقل الحوار ويكثر الوصف .

4 ـ بروز صوت المؤلف الحقيقي .

5 ـ استخدام لغة تصويرية / مجازية تتكئ على مفردات البلاغة التقليدية .

6 ـ اعتماد عناوين أقرب إلى عناوين القصائد الشعرية .

ونبدأ بالأستاذ رامي هلال في مجموعته " رحلة الملكوت " فيلفت نظرنا أول ما يلفت عنوان المجموعة المجازي أو قل الفنتازي وهو في ذات الوقت عنوان إحدى القصص داخل المجموعة ، وهي ظاهرة نجدها في معظم عناوين القصص مثل أشواك على طريق الفجر من ، مذكرات القنفذ الطائر ، ثلاث نقرات لليأس ، وغيرها ، حيث يعتمد العنوان ذو التركيب الاستعاري او المجازي فلليأس نقرات ، والفجر طريق ، والرحلة تكون في الملكوت وليست في مكان محدد .

وحتى لا ننزلق إلى الأحكام العامة ، نقف عند نصين من نصوص المؤلف بالتفصيل ، وأختار قصتين ، الأولى : "أشواك على طريق الفجر" ، والثانية : "ثلاث نقرات لليأس" .

أشواك على طريق الفجر :

تبدأ القصة بالعبارة التالية :

" ظلت صورة العسكر وهم يطلقون الخوف في أنحاء البيت الآمن ويغرزون الرهبة قنابل في صدور صغارها ، متجسدة طوال الليل لم تفارق مخيلتها " (المجموعة ، ص 9 ) .

هنا تمتزج الصور اللغوية بالأفعال السردية فلا نشعر بثقلها ، فالصور موظفة هنا جيدا ، لإشاعة جو من الخوف والفزع الذي سيسطر على الأحداث في بقية القصة ويخدم في ذات الوقت محتوى الرسالة التي يريد أن يوصلها الراوي إلى المروي له داخل النص وخارجه ، وعلى العكس من هذه البداية الموفقة والاستخدام المتوازن للصور نجد المؤلف في قصة "لحظة" تزدحم الصور اللغوية وتتوالى بثقلها على حساب الفعل السردي ، فتأخذنا بعيدا حيث لا نجد حدثا محددا أو شخصية ذات وجهة نظر ، وفي مثل هذه الحالة يختل البناء السردي لحساب اللغة التصويرية ، وحتى لا أطيل أضع بين يديكم بداية القصة دون تعليق :

" كان جزلان حينما رأى جنين الصبح ينسلخ من رحم الظلمات ورعشة الحنين هزت قلبه الصغير حين رأى الشمس في الصباح ضاحكة مستبشرة تغزل خيوطها شباكا لقطرات الندى المتساقط ، طفق يبحث هنا وهناك عن وديعته التي طالما انتظر الشمس حتى تبدله خيرا منها " (المجموعة ، ص 2 ) .

ونعود إلى قصة لحظة مرة أخرى ، فنجد اعتماد ضمير الغائب مكن الكاتب من السيطرة على الأحداث فناب عن جميع الشخصيات في التعبير والبوح ، فلم نجد حوارا مشهديا بين الشخوص على كثرتها داخل القصة فهناك الزوجة والزوج الغائب والابن والابنة والجارة العجوز ، والخيرة تظهر من خلال عين الراوي دون حوار مباشر مع الزوجة :

" تسلل وجه الأرملة العجوز التي كان يعطف عليها زوجي من بين الوجوه الكبيرة يردد (إن شاء الله يا بنتي المصحف اللى في جيبه وعمله الطيب هو اللي هينصره عليهم )

غاب وجه الأرملة في زحام الوجوه " ( المجموعة ، ص .1 )

والجملة الأخيرة زائدة لراوي ولكنها في الحقيقة يمكنك أن تقول أنها للراوي وللمؤلف أيضا ، ولعل هذا يسلمنا إلى عنصر آخر من عناصر الغنائية في القصة ألا وهو بروز صوت المؤلف فنقرأ في ختام القصة " أطل على ثلاثتهم الصباح بوجهه البيض من خلف الستائر يردد معهم :

ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون "

إن هذا الختام الوعظي للقصة يخص المؤلف الحقيقي وليس الراوي داخل النص ، فالمؤلف يريد أن نستخلص العبرة من الأحداث التي رواها لنا من البداية إلى النهاية .

ثلاث نظرات لليأس :

تعد هذه القصة أنموذجا للقصة الغنائية القصيرة " Lyircal short story " حيث توظف عناصر القصيدة الشعرية داخل القصة مع المحافظة على البناء السردي ، كما تتميز هذه القصة أيضا باعتماد الكاتب ضمير السرد الثاني ، ضمير المخاطب ، حيث يفعل المؤلف دور المروي له "Narttee " داخل البنية السردية فالراوي يوجه خطابه إلى مروي له داخل النص وهو هنا شخصية ممسرحة بقطع النظر عن (الفنتازيا) ، في الفقرة الأولى أو المقطع الأول يوجه الخطاب على القمر ، وفي الثاني يوجه الخطاب إلى الطبلة وفي الثالث يوجه الخطاب إلى الظل .

ومن خلال الخطابات الثلاثة نتعرف بالتدريج على الشخصية الرئيسية (الراوي) حاملة رؤية المؤلف الحقيقي ، إنه ذلك المسحراتي الفقير في القرية الذي تقف في وجهه مظاهر الحياة الحديثة من كهرباء وأقمار صناعية ومظاهر للحياة الحديثة التي أتت لتقضي على الدور المهم الذي كان يقوم به المسحراتي في القرية ، والمسحراتي هنا يتسع مدلوله فيصير عبر السياق رمزا ، فالمسحراتي قد يكون أنا المؤلف أو الكاتب صاحب الرؤية أو المثقف أو الجمال ...الخ .

لم يتخل رامي هلال عن لغته التصويرية ولكنها جاءت هنا موفقة فلم تطغ على الفعل السردي ، بيد أنه ـ لم يكن في حاجة إلى ذلك ـ ما زال مصرا أن يبرز صوته الحقيقي كمؤلف داخل النص ، وهنا ألفت النظر أنه لا يعيب العمل ظهور صوت المؤلف بصوته الحقيقي والمهم في كيفية توظيفه داخل النص ، فصوت المؤلف قد يظهر من خلال جملة أو عبارة يريد أن يؤكد فيها قيمة أو فكرة تتعارض أو تتفق مع المحتوى الرئيسي للنص ، بحيث لا تأتي الجملة هنا نشازا .

أما هنا فجاءت جمل المؤلف الحقيقي زائدة لا تخدم النص ، في المقطع الأول يخاطب الراوي القمر قائلا :

" يا أيها القمر العجوز لماذا تسكن الآن في السماء ؟" ( المجموعة ، ص 11 )

وفي المقطع الثالث : يتحول الخطاب قبل النهاية من ضمير المخاطب إلى ضمير المتكلم ولا ضير في ذلك ، لكن يبدو أن هذا التحول جعل المؤلف ينزلق إلى إبراز صوته ولنقرأ الفقرة كاملة لتتكشف لنا جمل المؤلف الحقيقية التي كان يمكن حذفها :

" ووجدتني لا أملك أن نحيد عن هذا الطريق ، وتقلص العمر وانفلت من أيدينا كالماء من بين الأصابع ، ووقفت كالقدر في طريقي تثنيني عن الاستمرار ، كان ليلتها عفريت الكهرباء قد انسرب في شرايين البيوت والقمر محاصر بالأقمار الصناعية ولغط الأصوات المنبعثة من البيوت غطى صوت طبلتي فأحسست ساعتها أنني شيطان قد فرً من جهنم ورآه الناس في رمضان ، أحسست لأول مرة أنني غير مرغوب فيه وبكيت يا صاحبي وبكت الطبلة وبكى القمر ، فعرفت أنه الانتقام (لقد انتقم منا سلاطين النوم الذين كنا نغيظهم والشياطين اللاتي كنا نزعجهم وحتى الصبيان في قريتنا أمسوا ينفرون منا أنا وأنت ويعتبروننا كمخلفات قديمة تأتي من مستنقعات الليل)" ( المجموعة ، ص 12 ، 13 ) .

أطلت الاقتباس هنا لأشير إلى تحول الخطاب من المتكلم إلى المخاطب مرة أخرى ، أما ما بين القوسين فهو أقرب إلى صوت المؤلف الحقيقي ، فلا أعتقد أن الظل يشارك المسحراتي في الانتقام من سلاطين النوم والشياطين ومع ذلك لا يقلل ذلك من قيمة هذا النص سواء على مستوى التقنية أو المحتوى ، فتبقى هذه القصة من أجمل قصص رامي هلال ولو لم يكتب غيرها لكفته كاتبا موهوبا .

ونصل إلى الكاتب سامح عبد البديع الشبة ونقف أيضا عند أنموذجين من نصوصه التي تشكل مجموعته (سنوات الجنون الأدبية ) فنجده لا يستخدم عناوين مجازية مثل رامي هلال أو لغة تصويرية مثقلة بالتشبيهات والاستعارات المتتابعة ، ولكنه يستخدم لغة سردية شفيفة لولا تدخل المؤلف الحقيقي أحيانا أو ضعف التركيب اللغوي في بعض الأحيان ، إذن أين تكمن الغنائية لدى كاتبنا سامح الشبة ؟ .

الحقيقة أن الإجابة يجب أن تستخلص من تحيل النصوص ، ولكن دون استباق للأحكام، نقول بصورة مجملة أن الغنائية تتجلى لدى المؤلف في غلبة الرؤية الذاتية في السرد بقطع النظر عن الضمير المستخدم ، وضعف الصراع الدرامي في الأحداث وبروز صوت المؤلف ، وهي عناصر كافية تماما لتأكيد الصيغة الغنائية وهيمنتها على القصة ، لكن المؤلف لا يكتفي بذلك ، إذ يلجأ إلى التكرار في صورة لفظة أو جملة لخلق نوع من الإيقاع أقرب إلى إيقاع الشعر ، وأوكد مثال على قولنا هذا قصة " استعداد للرحيل" حيث يكرر جملة "هذا الطفل الأسمر" عدة مرات ، فتبدأ بها الفقرات السبع التي تتكون منها القصة ، زد على ذلك أن بعض الجمل تكاد تكون موزونة عروضيا ، مثل قوله في الفقرة الثالثة :

" هذا الطفل الأسمر .. يأكل بعضا من ورق ، يشرب شيئا من أرق ، يسبح دوما في بحور من عرق ، يبحث دوما عن عمر قد سُرق " ( المجموعة ، ص 87 ) .

وتتداخل الضمائر وتتنوع لدى سامح وهو أمر مشروع ، بيد أن هذا التنوع تحكمه رؤية سردية واحدة ، رؤية ذاتية أو قل رؤية المؤلف نفسه ، فمثلا في قصة "مريم" أول قصص المجموعة ، يبدأ المؤلف القصة بالجملة التالية :

"انتهى كل شيء طفولتي وشبابي ، حتى شيخوختي قاربت على الانتهاء " (المجموعة ، ص8)

وفي الصفحة نفسها ، نقرأ :

" كنتما في غاية السعادة .. كدت تطير بها لولا أنك خشيت أن تهوى كما هوى ابن فرناس من فرط ما كان به من بهجة وسرور ونشوة "

والانتقال من ضمير المتكلم إلى ضمير المخاطب أثري السرد حيث تحول الراوي إلى مروي له يستقبل الخطاب ليكون بمثابة الوسيط الذي ينقل المحتوى إلى المتلقي الحقيقي .

وفي قصة "شروق جديد" يستخدم سامح جملة:

"انتبه من فضلك السيارة ترجع إلى الخلف"

لتكون بمثابة صوت الكورس في المسرحيات اليونانية القديمة حيث تكرر يبع مرات ، وفي كل مرة يتقدم الحدث إلى الأمام قليلا ، إذ يأخذنا الراوي العليم إلى سائق يجلس في سيارته وينام فيها من الصباح إلى العصر دون أن يفتح باب سيارته راكب واحد ، ويأتي الليل وترحل كل السيارات ويبقى السائق بسيارته دون أن يفتح عليه براكب واحد وهنا لابد من فعل شيء إيجابي ، إذ يستعيد السائق توازنه :

"انتبه من فضلك السيارة ترجع إلى الخلف

استعاد السائق توازنه وقال :

ـ لن تقترب من هذا المكان أية سيارة ، إن اقتربت لقتلت سائقها ، حتى أحمل حمولتي وركابي وارحل بهم بعيدا عن هذه المدينة الجميلة الهادئة ، الساكنة الحركة ، المملة ودون رحمة " ( المجموعة ، ص 63 ) .

هنا يختلط صوت المؤلف بصوت الراوي بصوت الشخصية ، فجملة : هذه المدينة الجميلة الهادئة ، الساكنة الحركة ، المملة ودون رحمة ، تخص المؤلف ولا يعقل أن تكون هذه العبارة كلها ملفوظ السائق ، إن هذا الاختلاط مبعثه في الأساس الرؤية السردية الذاتية الضيقة وأن استخدام المؤلف ضمير الراوي العليم .

القصة القصيرة وهيمنة الصيغة الدرامية :

أشرت في بداية البحث إلي عدم هيمنة الصيغة الغنائية علي قصص سمير رمزي المنزلاوي , وأضيف هنا أن الصيغ الثلاثة الغنائية والملحمية والدرامية تتداخل في قصص كاتبنا , بيد أن الهيمنة تبقي للأخيرة أي الصيغة الدرامية *.
لا يتخيل فرانك أو كنور كاتب قصة قصيرة " لم يكن لديه إحساس درامي " (7)

ولن يفيض في مناقشات نظرية حول علاقة القصة القصيرة بالدراما وأهمية هذا العنصر , لأنه لا خلاف على أن جوهر القصص دراميً ، وثمة عناصر أساسية لابد من توفرها في القصة القصيرة سواء أكانت تقليدية كلاسيكية أم كانت غير ذلك ، فأية قصة تستمد بناءها من حبكة قائمة على صراع ومؤدية إلى فعل ، ويكون فيها هذا الفعل متسلسلا ومتعاقبا ، أي أنها لم تعرض أمام القارئ شيئا ما ليبصره ، فهو يتكشف وبتنامي عن طريق سلسلة من التعقيدات بغية استثارة التشويق لديه . وينتهي فيها الفعل بحسم الصراع وبذلك تكتسب القصة وجهة نظر " (8) .

ولدى سمير المنزلاوي يتوفر العنصر الدرامي في معظم قصصه ، بل إن هذا العنصر يعد السمة المميزة لهذه القصص ، وقد يبدو العنصر الملحمي ظاهرا في بعض القصص إلا أن السيطرة تكون للعنصر الدرامي ، مثل قصص : إذاعة محمود أبو السعد ، شر البلية ، ليلة اشتعال الرماد ، وغيرها .

وتتجلى مظاهر الدرامية لدي سمير المنزلاوي فيما يلي :

1 ـ اعتماد ضمير الراوي العلم في معظم القصص

2 ـ تكثيف الحدث وحسم الصراع الدرامي .

3 ـ توفر السرد المشهدي .

4 ـ المفارقة الدرامية .

يميل سمير المنزلاوي في معظم قصصه إلى استخدام الراوي ، على حين تقل القصص التي يستخدم فيها ضمير المتكلم ، بيد أن الرؤية السردية في الحالتين تبدو رؤية موضوعية في الغالب ، حيث يقف الراوي خارج المشهد السردي ، عارضا الحدث وهو يتنامى أمامنا ، ليحسم الصراع في النهاية لإحدى الشخصيات .

من بين ثلاث وعشرين قصة توجد سبع قصص تروى على لسان ضمير المتكلم هي : باب ذهاب العقل ـ لا أين ولا كيف ؟ ـ دوار ـ رأس صغير في نافذة ـ الهجرة إلى أرض المستحيل ـ الصقور تفقد المأوى ـ المتداوى ، أما بقية القصص فتروى على لسان ضمير الغائب ، وسنكتفي بالوقوف عند أربعة نماذج ، اثنين بضمير المتكلم واثنين بضمير الغائب .

1 ( باب ذهاب العقل ) :

نشر المؤلف هذه القصة لأول مرة عام 1985 في مجلة إبداع القاهرية تحت عنوان "المجنون" وبعد عشر سنوات ينشر نفس القصة في ملحق الأهرام الأسبوعي ، وبالضبط في 28 يوليو 1995 ، مع تغيير العنوان إلى باب ذهاب العقل وحذف بعض الجمل وتغيير اسم الشخصية الرئيسية بعد الراوي ، الأستاذ (علىً) حيث صار (فريدا) في النص الجديد .

تروى القصة على لسان المتكلم المشارك في الأحداث ، فيتقاسم الأحداث بينه وبين الجنون / المجنون في النص ، فيبدأ النص بجملة تقريرية موضوعية : " لم أصل إلى جذور السبب الحقيقي للجنون رغم رحلتي الطويلة في شعابه ومساربه ، وظل الأمر يحيرني "

إن هذه البداية التقريرية تبنى بموضوعية السرد واتجاه الصراع في الأحداث ، فالراوي العاقل يقابله على الطرف الآخر الجنون ممثلا في شخص فؤاد ثم الأستاذ فريد بعد ذلك ، والكتب التي تبحث في الجنون مثل كتب تفسير الأحلام وتذكرة داؤد وغيرها ، إنه صراع العقل مع الجنون ، يظل الراوي العاقل مهتما بالموضوع وتكون ذروة الحدث والمفارقة في ذات الوقت عندما يقرر علاج الأستاذ فريد فيذهب إليه ويتحدث معه ويقدم له وصفة من كتاب تذكرة داؤد آملا أن تنجح في علاج الأستاذ ورد عقله الذاهب إليه ، ولكن المفارقة تأتي على مستويين ، اختفاء الأستاذ فريد حيث يظهر بعد عدة أيام طافيا بعد غرقه في الترعة ، وإصابة الراوي / العاقل بالحمى ثم الجنون .

إن الحدث في القصة قائم على الصراع بين العقل والجنون ، وقد حسم في النهاية لصالح الجنون ، وسنلاحظ أن الحوار في القصة لا يأتي إلا بين عاقل ومجنون ، فهناك حوار بين الراوي والأستاذ فريد ، وبين الراوي وأمه ، وبين الراوي واحد أصدقائه ، وفي الحالات الثلاثة هناك عاقل ومجنون .

إن الحوار هنا لا يجسد الصراع فحسب ، ولكن يدفعه أيضا إلى النهاية والحسم ، كما أنه يأتي في موضعه المناسب ، ولتقرأ الحوار الأخير بين الراوي واحد أصدقائه :

" استوقفني صديق .. لمحت الدهشة تخرج من عينيه ، قال :

ـ ماذا بك ؟

ـ لا شيء .

ـ لماذا تكون يديك هكذا ؟

ـ لا شيء .

أمسك كتفي :

ـ هل أنت مريض ، لماذا تقفز ؟ "

ولا يكتفي المؤلف بذلك ، إذ تأتي الخاتمة لديه لتؤكد هذا الحسم لصالح الجنون : …. انصرفت إلى المقابر احتمي بها ، لا زلوا يضحكون ويصيحون ويقذفون ولا أستطيع أن أجد سببا مضغا لهذا كله " لقد حسم الصراع وتحققت المفارقة وصار الباحث في الجنون مجنونا .

[SIZE=3]2 ( دوار) :[/SIZE]
نشر سمير المنزلاوي هذه القصة في جريدة الشعب القاهرية في 1993 ، تبدأ القصة بالعبارة التالية :

" ما إن بدأت السيارة تتحرك صوب الإسكندرية حتى أغلقت عيني واستسلمت للظلام محتميا به من الدوار الذي يستولي علىً حينما أحملق في الأشياء التي تجري مع السيارة "

وهي بداية تشير إلى أن الراوي سينعم برحلة هادئة بعيدا عن كل الأشياء التي تؤرقه أو تقلقه ، ولكن الأحداث ستسير على العكس من ذلك تماما ، ومحاولة تجنب الدوار ستوقعه في دوار آخر ، دوار أقوى وأعمق ، فالراكب بجواره هذا الفلاح الأمي الذي يطلب منه قراءة العنوان يبدأ في قصص حكاية هي عين الحكاية التي كتبها الراوي منذ شهور وكانت أحد أسباب شهرته ، هنا يبدأ الدوار الحقيقي ، يراجع الراوي نفسه ويتذكر كيف كتب هذه القصة ، وعندما ينتهي الرجل من حكايته يتأكد له أنها قصته ، ولأن الرجل أجاد الحكي ، شعر الراوي بالعجز وانه سيكون من السخافة بعد إعجاب المستمعين بالقصة أن يقول أن هذه قصتي وسرقها هذا الرجل ، من سيصدقه ؟

وعندما تصل السيارة إلى نهاية الخط ، ينزل الركاب والفلاح يقف الراوي في طريقه ويدور الحوار التالي :

ـ من فضلك يا حاج ؟

وقف ينظر إلىً ثم أراد أن يقوم بدوره من أعماله التي تغيظني فلم أعطه الفرصة وقلت بسرعة :

ـ هل حدثت القصة التي رويتها في السيارة فعلا ؟

نظراته الخبيثة شملتني من أعلى إلى اسفل ولم يرد

عدت أقول :

ـ هذه قصتي أنا مؤلفها وأنت تعرف ذلك .

أراد أن يمضي ، لكني قبضت على يده

ـ خذني إلى المريض إذا كنت صادقا

خذني إليه لماذا تتردد "

وعند هذه النقطة يجذب الرجل يده بقوة ، يسقط الراوي منطرحا فوق الأرض ، وعندما يسأله السائق الذي جاء لمساعدته بعد فرار الرجل ماذا جرى يا أستاذ ؟ يجيبه :

ـ لا شيء ، دوار خفيف يصيبني دائما في السفر

حسم الصراع للأقوى ، للفلاح ، للدوار ، وهذا يلفت نظري لشيء لاحظته في القصص تروى بلسان المتكلم ، وهو أن الراوي دائما ما يكون مهزوما على الرغم من أنه يكون صاحب الحق ، إذ الأقوى من الوجهة المنطقية فإلى جانب ما رأينا في القصتين السابقتين ، نجد الراوي في قصة " الهجرة إلى ارض المستحيل " ينقل إلى مدينة بعيدة لأن حلم بإقامة محطة للقطار في القرية مكان السوق ، وفي قصة " العصفور تفقد المأوى " وهي قصة قائمة على الفنتازيا نجد البطل يقف في وجه المجتمع كله بكل مؤسساته الاجتماعية والسياسية لأنه ربى شاربه

3 ( المقابر) :

هذه إحدى قصص مجموعة " يوميات النبأ العجيب" تروى مثل معظم قصص الكاتب على لسان ضمير الراوي العليم حيث يقف الراوي خارج المشهد السردي

يبدأ المؤلف قصته بداية موفقة ،حيث يمكن أن نستشف منها اتجاه الصراع ،وإلى من سيحسم تقريبا :

لو أن الأستاذ سعد مرزوق رئيس مجلس القرية ادعى أن الشمس تشرق من الغرب وأن الأسبوع عشرة أيام لما تعرض لهذه العاصفة الترابية التي غطت وجهه ولطخت ملابسه " (المجموعة، ص 75 .)

وسعد مرزوق لم يدع شيئا من ذلك كله ولكن طلب شيئا معقولا وهو نقل المقابر من داخل القرية إلى خارجها حفاظا على صحة الناس ، وهو عندما يطلب ذلك يبدأ الصراع مع الأقربين والأبعدين على السواء ، فتنهال الشكاوي ضده إلى المحافظ والحكومة ، ولأن سعد مرزوق على حق تستجيب الحكومة لطلبه وتشكل لجنة لإقامة مقابر جديدة خارج القرية ، ولكن المفارقة ، أن البطل وقد تحقق حلمه يكون غادر الحياة ، ليكون أول من يدفن في المقابر الجديدة .

وقد برع المؤلف في إقامة الخاتمة ، ويحسن أن نقرأها :

" علق القرار فوق مبنى المجلس ، لكن الأستاذ سعد مرزوق الذي كافح طويلا من أجله لم يكن في حالة تسمح له بقراءته ، فقد دخل مرحلة الخطر وتوقف كلية تقريبا ولم تمض أيام حتى مات وكان أول صيف على المقابر الجديدة " (المجموعة ، ص 79 ) .

4 ( انطفاء) :

تشير هذه القصة ( المنشورة في أهرام الجمعة عام 1996 ) مع معظم قصص المؤلف الرواية بضمير الغائب إلى ظاهرة لافتة وهي أن المؤلف غالبا ما يسمى الشخصية ، فبطل هذه القصة هو حسن أبو العيون ، وفي القصة السابقة كان البطل سعد مرزوق ، وفي قصة " ليلة اشتعال الرماد" البطل اسمه عبد العليم الليثي ، وفي قصة " إذاعة محمود أبو سعد " البطل هو نفسه المذكور في العنوان وهكذا .

وتسمية الشخصية سمة ملحمية أكثر منها درامية ،لأن في الدراما التركيز يكون على الحدث والصراع أكثر من التركيز على الشخصية ، ولعل هذا ما يؤكد قولنا بتداخل الصيغ الثلاثة داخل نصوص المنزلاوي .

ونعود إلى قصة "انطفاء" فنجد المؤلف يبدأ بجملة خبرية تقول : حسن أبو العيون مات عند الجامع " وهذه الجملة هي حدث القصة الرئيسي، أما السرد أو القصة التي يقوم بها راو عليم ، خلفه مؤلف حقيقي ، فتقول لنا بطريقة فنية كيف مات حسن أبو العيون ؟

إن حسن أبو العيون هنا نموذج للبطل المهزوم في معظم قصص سمير المنزلاوي ، فهو مجرد محصل فواتير الكهرباء في قرية كفر الأشرم ، يذهب ليحصل ثمن الفواتير، فلا يجد من يدفع ، فيبلغ الشركة ، فتقطع الأخيرة بدورها الكهرباء عن الناس ، وهنا يتعرض حسن للوم ، وكأنه هو الذي قطع الكهرباء وليس الشركة ، ويحاول حسن الدفاع عن نفسه ، وأنه مجرد محصل لا أكثر لكن هدية أرملة فؤاد الباجوري ، وكأنه تمثل الضمير الجمعي لكن المقهورين من أبناء الشعب المطحون نكيل له اللوم ، فيفقد الرجل أعصابه ويخبط رأسه في حائط الجامع ، ليسقط إثرها قتيلا ولنقرأ الحوار الذي دار بينها وبين حسن حيث تتجلى براعة المؤلف :

" حين أقبلت هدية أرملة فؤاد الباجوري فرح وعبث بالحقيبة لكنها قالت تعاتبه بصوت آسيان :

ـ ألم تجد غير اليتامى تقطع عنهم النور ؟

ـ يا ستي قطعنا عن كل المتأخرين

رفعت صوتها قليلا :

ـ فوضت أمري لله

ـ ليس ذنبي

ـ وأطفالي كيف يذاكرون

ـ ادفعي

ـ لا أملك مليما

ـ وماذا بيدي ؟

ـ تعيد النور "

والحوار طويل لم ينته إلا بموت البطل حسن أبو العيون .

والمفارقة الدرامية هنا أن الفرحة بقدوم زبون جديد هو " هدية " حيث يمكن تحصيل أول فاتورة تتحول إلى حزن قاتل

"لم يعد يحتمل، قفز في مكانه عدة مرات ،لطم خديه ، خبط رأسه في حائط الجامع ... طارت الحقيبة وظل يصيح بلا توقف :

- أنا محصل ..محصل فقط

وسقط بجوار أدواته المعثرة "

وإذ نكتفي بهذه النماذج ، وأعتقد أنها كافية، يحق القول أننا أمام كاتب بارع يمتلك أدواته ويحزننا أن لا نقرأ له أعمالا مطبوعة فهو أحق من كثيرين لا يقولون شيئا ويملئون الدنيا ضجيجا .


الهوامش :

1 ـ شكري عزيز الماضي ، في نظرية الأدب ، دار المنتخب العربي ، بيروت 1993 ، ص 96 .

2 ـ رينيه ويلك وأوستن وارن ، نظرية الأدب ،ترجمة محيى الدين صبحي، مطبعة خالد الطرابيشى ،دمشق1972 ص 295 .

3 ـ عبد المنعم تليمة ، مقدمة في نظرية الدب ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، القاهرة 1990 ,ص 139 .

4 ـ عبد المنعم تليمة ، المصدر نفسه ، ص 146 .

5 ـ خيري دومة ، تداخل الأنواع في القصة المصرية القصيرة (1960 ـ 1990 ) ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1998 ، ص 70 ، 71 .

6 ـ خيري دومة ، المرجع نفسه ، ص 70 .

  • انظر الحديث عن الصيغة الدرامية في بداية المقال .
7 ـ فرانك أوكنور ن الصوت المنفرد ، ترجمة محمود الربيعي ، دار الكاتب العربي ، القاهرة 1969 ، ص 18 .

8 ـ آي . أل . بادر ، بناء القصة القصيرة الحديثة ، ترجمة عبد الواحد محمد ، مجلة الأقلام العراقية ، ع 2 ، فبراير 1985 ، ص 42 .







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- القصة القصيرة وإشكالية النوع الأدبي
دراسة تطبيقية
د. محمد عبدالحليم غنيم
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى