الجنس في الثقافة العربية : ثائر العذاري - الأفعى والتفاحة.. موضوعة الجنس في الأدب النسوي المعاصر

قديما ، في الأدب العربي ، يمكن أن نحدد عصورا ظهرت فيها ظاهرة ما يعرف بالأدب المكشوف ، وكنا دائما نستطيع الربط بين بروز هذه الظاهرة والرفاه الاقتصادي الذي كان ييسر للمسلم التمتع بالجواري اللواتي يشتريهن بوفرة ماله ، ولن يحاسبه أحد حين يتحدث عنهن بتلك الطريقة لأنهن ملك اليمين.

غير أن الظاهرة لم تظهر الا في شعر الرجال ، وندر أن نتلمسها في أدب نسوي ، كما بروى عن ولادة بنت المستكفي من مثل قولها :


أنا والله أصـــلح للمعــالي وأمشي مشيتي وأتيه تيها

وأمكن عاشقي من صحن خدي وأعطي قبلتي من يشتهيها


لكن هذه كانت الحالات الشاذة التي تؤكد القاعدة، وحتى أواخر القرن العشرين كانت موضوعة الجنس قيمة شائعة في أدب الرجال وبخاصة الأدب القصصي. كشعر الجواهري الذي كثيرا ما صور المرأة بالنظرة الى كونها أنثى حسب ، كما في قصيدته (غيداء):


غيداء عندك للصبا مهدَ صدر تربّع دستَهَ نهدَ


وكثير من شعره غير المنشور الذي يعرفه محبوه والمقربون منه ، ذلك الشعر الذي لا يمكن أن ينشر لشدة تصريحه في هذه الثيمة.

وحتى شعراء الحداثة نجد في أشعارهم أن موضوعة الجنس منحصرة في شعر الرجال، مثل قصيدة السياب:


ياليتني أصبحت ديواني

لأفرّ من صدر الى ثاني


أما الظاهرة التي رصدناها والتي نرى أنها نزعة جديدة في الأدب المعاصر فهي شيوع موضوعة الجنس في الأدب النسوي في الشعر والنثر على السواء، أما أمثلتنا فسنأخذها من النصوص المنشورة في موقعين على الإنترنت تنشر فيهما أغلب الشاعرات المعاصرات أعمالهن ، هما (النخلة والجيران) و (مركز النور).

يمكن أن نصنف توضيف موضوعة الجنس في الأدب النسوي المعاصر على ثلاثة أصناف هي:

أولا : التوظيف الكنائي:

في هذا الأسلوب تقوم الشاعرة باستخدام ألفاظ موضوعة الجنس في معرض حديثها عن شريك معنوي (الأرض ، الماء ، الوطن ......) ، تدأ زينب الربيعي نصها هكذا:

كنتُ عروسك وغرينك حناءي

أزف نفسي اليك كل يوم عندما أسير في الدرب المحاذية لك

رميت روحي اليك لتذيبها وتعجنها وتشكلها

أغار من العشاق الذين يسيرون على ضفتك

قد تتعلم العشق منهم وتنساني


انها تتحدث هنا عن دجلة ، لكن دجلة النهر في الحقيقة يتيح لها التعامل معه بلغة ما كانت تستطيع استخدامها لو أبدلنا دجلة باسم رجل ما فبعد أن كانت عروسا تزف له:

جفت مياهك بداخلي ولم تبق سوى أحزاني

تنزل دموعي مالحة لأنها بقايا ماؤك المعجون في أحشائي

ملهاة ومأساة انت


ثانيا : توظيف التورية:

هذا الصنف هو الأكثر شيوعا والأكثر جرأة في الحديث عن موضوع مازال يعد من (التابو)، وفي هذا الأسلوب تتحدث الكاتبة عن موضوعة الجنس بوضوح أكثر من التوظيف السابق ولكن باستخدام ألفاظ ليس لها ارتباط حقيقي بالثيمة المقصودة: كما في نص آمنة عبد العزيز (القارة الثامنة):


رمالك المتحركة

واحة شعري ..

وطوق النجاة

اليك ابياتي ..

التمس الماء

من بين عطشك ..

وآه من عطش النساء


العطش هنا وظفته الشاعرة تورية واضحة عن الرغبة، ثم تقول:


قارتي ..

حدودها انت

نصفها مغمور

بالحب ..

والنصف الاخر

مزروعا بك .......

احرثها

بقصص التاريخ

الخصب براكين قارتي

وملامح العشق


ان عبارات (مزروع بك) و (أحرثها) توريات تحيل الى ثيمة الجنس، ومثلها:


ضم اشجاري

الى كرومك ..

ويمامة عقلي وديانك

صفر تاريخ جسدها

لا تعلن عن سر

اكتشافك ..

اجعلها قارة تحمل

ملامح كونك

سمّها القارة الثامنة


الأشجار والكروم والوديان تكتسب هنا معاني أخرى تحيل الى الثيمة ذاتها.

أما رشا فاضل في قصيدة (صباح ضرير) فأنها تبتكر طريقة أكثر تعقيدا ، اذ تمزج بين التوظيف الكنائي وتوظيف التورية:


وفي قلب الاشياء انتظرك ..

في عمق اليباس وهو يرقب فوران المياه في رحمه بانتظار ان تضرب بحضورك فوق جلده ليتفجر الخوف .. ويسترد النجم قيافته ليتراقص ضوئه فوق اصابعي

في قلب الحرب انتظرك .. في الضوء المبرمج والهواء المبرمج ..


فهي تسند أوصاف ثيمة الجنس الىصريحة الى شيء ما لا تصرح به ، لكنها توقعنا في الأرباك والظن بأن ذلك الشيء هو شخصية المتكلمة حين يتراقص ضوء النجم على أصابعها.


ثالثا: التوظيف المكشوف:

بعض الكاتبات وظفن موضوعة الجنس في أدبهن بشكل مكشوف ، فشخصيات أعمالهن تتحدث عن هذه الثيمة بطريقة مباشرة ، فمثلا فاطمة حسن كتبت قصيدة بايقاع مبتكر رائع (ألوذ بك):


ألوذ بصمتي..

حيث لا كلام يقي من البرد

لا أنت /لا الأماكن

لا وطن أستريح على حدوده

فقط أنا وجدران حمقاء

تسخر من وحدتي

بعد ذلك قالت:

كلما زارني ضوء نبضك

ألوذ بفمي..

حيث قبلاتك مبعثرة هناك

لا الشفاه / لا الطرق

لا مطر تنهداتك فوق ظهري

فقط أنا ... وفم مهجور

يتبرأ من عذرك

ومع أن الوطن يختلط بصورة الحبيب فكلاهما بعيد، غير أن الإحالة واضحة الوجهة هنا ، فالشخصية تتحدث عن الحبيب البعيد الذي لا تستطيع محو آثار قبلاته من شفتيها.

وتمثل رحاب الهندي الكاتبة الأكثر جرأة في هذا المجال ، ففي (حكايا حب معاصرة) لا نحتاج الى تعليق طويل لبيان موضوعة الجنس، فقصة (حب الخطيئة) تبدأ هكذا:

حين شهق متعة الإنتهاء من حالة اللقاء، إسترخي وهو يضمها لصدره مبتسماً قائلاً بحنو: أنت أكثر من رائعة، إختفت في صدره صامتة، وحين أحس بدموعها، شربها بشفتيه متسائلاً: لم كل هذا البكاء ألست سعيدة معي؟

القاصة تتحدث عن موضوعة الجنس بمباشرة شديدة الجرأة ، والأغرب أنها تنقل احساس البطل لا البطلة. وفي قصة (عقل وجسد) :

ورغم مواقفه الخفية للبعض كانت صورته الزاهية تجذب النساء فيقتربن إليه وكثيرات وصلن إلى سريره لمرة أو إثنتين ثم غادرهن بحجة إن الجسد لقاء ثانوي ووقتي ليس إلا.

هذه المرة تنقل احساس الرجل كما تراه المرأة ، ولكن بذات الطريقة المباشرة والجريئة.


لماذا؟ ولماذا الآن:

قد يكون من الصعب أن نجد تفسيرا مقنعا لهذه الظاهرة ولكن يمكننا وضع اشارات أولية قد تكون قريبة من التفسير المقبول. هذه الظاهرة لم تظهر الا بعد غزو العراق ، مما يشجعنا على الربط بين الأمرين، فما حدث أن البلاد تغرق في حرب أهلية طاحنة ومجنونة ، لكن ما يعرفه العراقيون أن عمليات الاغتيال والخطف ، خاصة في المناطق الساخنة ، تعفي النساء وتستهدف الرجال والشباب.

الشريك اذن هو المستهدف بالقتل ، ومن هنا تجد المرأة نفسها بوصفها القادرة على العطاء والخصب مدفوعة الى تعويض الضحايا ، موضوعة الجنس هي الموضوعة المقابلة والمضادة لموضوعة الحرب. كما كان ذلك هو الحال في الميثولوجيات القديمة.


د. ثائر العذاري
 
أعلى