قصة ايروتيكية علي عبدالله سعيد - جسد بطعم الندم

العتم الكالح وحده يخيم في الغرفة, غامرا الأثاث, والجسد الوحيد. كما لو كان.. سلاما, أو طمأنينة, رائحة أنفاس تعلو, ثم تعلو, تتحول الأنفاس إلى شخير حاد, يتخلل الشخير الحاد أصواتا غير مفهومة, كابوس.. أو ما يشبه الكابوس. كائن ما يتحرك فوق السرير, الساعد.. يخرج من تحت الغطاء, ما يوحي بأنه ساعد امرأة. ضوء نائس, يلقي بظلاله على أشياء الغرفة, وكائناتها. المرأة تخرج من السرير قطعة.. قطعة, كما لو أنها تخرج من مستنقع ما بعد الكابوس.

يبدو
السرير
قديما
متهالكا
المرأة تبدو كذلك.. أي قديمة, متهالكة, في الخامسة والأربعين ربما أكثر.. هرمة, متداعية, متخمة بالوحدة والكآبة, شعرها قصير بعض الشيء. هي قصيرة أيضا بعض الشيء. بدينة بعض الشيء. أصابعها تتخلل شعرها الأسود المحنى, تتثاءب, تنظر إلى أشياء الغرفة. تنظر إلى أصابعها.. ذات الجلد المتجعد قبل أوانه. كأنه على الكائن بعد الأربعين أن يصبغ أعضاءه كاملة بالحناء, أو الطلاء المناسب.

بدائية.. ما تزالين بدائية.. بدائية, لن تكوني في أي لحظة, سوى امرأة بدائية, ذات فرج مهمل, ذات أثداء مثيرة مهملة. ذات شجن أو بوح مهمل. كان يلزمك فقط.. ذاك الشخص البدائي, الذي اختفى منذ عشرين عاما كحكاية. ذاك الوغد آكل النفايات الأنثوية بامتياز. ما الذي يذكرني به الآن؟

آه.. الكابوس اللعين, الذي يضرب جزرا نائية في محيط وجودي. ربما النفايات, التي بين فخذي. مثل هذه الإستمناءات, القذارات, لا يمكن أن تنتهي بقرار. بإمكان المرء أن يقرر, بأنه لن يأكل الشعير في المرة القادمة من العمر, ويكون بإمكانه أن يفعل ذلك. غير أن هذه القذارات لا يمكن ضبطها,

حتى
في المرة القادمة
من العمر
اللعين.

هاهي ذي المرأة تنزل عن السرير, تهرش ما بين فخذيها, كأنها تذكرت, أو تتذكر شيئا خطرا, تهرش مؤخرتها. تصالب يديها فوق ثدييها. ثديان كبيران, وقد أخذا بالترهل دون حمالة الأثداء, التي كانت زائدة فيما مضى من الزمن. تتأمل المرأة ثدييها. أمام المرآة العتيقة, تتحرك جيئة وذهابا تحت مصدر الإنارة البنفسجية الباهتة.

يوميا ليلة رعب, لا تقل رعبا..عن أي ليلة رعب. كأنني خلقت من أجل هذا الرعب, اللعنّة.. يقولون الأمان وطن الإنسان, ما عدا هنا. المعادلة معكوسة بالمطلق, إذ.. أن الرعب هو الوطن الحقيقي للكائن الآدمي.

المرأة تعاود تأمل جسدها..
أثداء؟ أثداء.. لمن؟
للزمن اليابس..؟
لحم؟ لحم؟ لمن..؟
لا أحد يأكل.
بنفسجيان؟

نهدان بنفسجيان؟ لم أركما هكذا من قبل ترهلتما يا للهول, لم يلمسكما أحد منذ عشرين عاما.. أي أحد. مضى التافه في العتم.. كتافه في العتم, ثم.. لم يبن في أي ضوء. لم يكن جديرا بالضوء. أخذته الريح.. كجزء وضيع في الريح. إلى حيث اللاعودة السيئة.. وخيمة العواقب. كنت سأقدمكما له يوميا على طبق معطر بالحبق, بالريحان, بأوراق الغار, كنهدين خاليين من الزنخ. ما من امرأة تجيد مثلي تقديم نهدين مبهرين بالغار خاليين من الزنخ لرجل تحبه. يا له من زنخ ذاك الزنخ.. ما يليق به..

هو
أن
أقدم
له
معلفا
من
التبن.

المرأة.. كأنها تسمع عصف ريح.. في الريح, كأنها تسمع عصف ريح في الماضي, كأنها تسمع عصف ريح في المستقبل, المستقبل غائم أيضا.. تتوارى المرأة بثوب نومها الأسود, خلف خزانة من التوتياء, تقرقع, تأخذ منها غيارات داخلية. ظلال يديها عارية, ظلال فخذيها عارية, ظلال صدرها عارية, ظلال مؤخرتها عارية. ظلال شعرها عارية, ومبعثرة باتجاهات متعددة. ظلال نهديها عارية, عارية ومترجرجة. هناك في تلك الردهة, تماما ما بين الغيبوبة والضحى. تقف وكأنها في مفترق الحيرة, أو الغيرة.

ما الذي جرى لي؟
كم الساعة؟

حتى الساعة ماتت هنا في داخلي.علها العاشرة على أبعد تقدير. آه.. تذكرت, كان يتحدث بملامح مشوشة, أو مشوهة تماما, كأنه ليس هو, أو هو وقد أكله كائن خرافي ما من منتصفه.. يتحدث عن محنة. إنها محنة الزنديق, الأفاق, مقتنص الفرائس من الطرقات, من أسرة الأزواج النبلاء, الشرفاء, البغلاء, المخدوعين بزوجاتهم الفاضلات, العاهرات, أتحدى امرأة لم تخن زوجها عشر مرات على الأقل. ستتلمسون الآن شعوركم, وصلعات رؤوسكم المجوفة, المنخورة المتهتكة من الداخل أيها السادة النظّارة التفّه المفجوعين أكثر.. بصديقهم الأممي الطيب, محرر الكائنات من عبوديتها, كي يستعبدها كما يجب, كما يجب تماما.. وبالضرورة. وقد ضاجع معظم زوجاتكم المعجبات بثرثرته التي لا تنتهي, عن الحرية الفردية, إلا باقتياد المرأة, الضحية, أو الفريسة, إلى سرير الجنس. حيث يباركها هناك بمنيّه,

ويرزقكم
بما
تشتهون
من
أولاد
الزنى.
محرر الكائنات من قلقها..
أليست هذه مفرداتك يا سيدي..؟

نعم, حتى بعد موت عشرين سنة من تفاهاتك, ما زلت أحفظ كلماتك عن ظهر قلب.. كأنها لم تمت في داخلي, كأنك لم تمت في خارجي, كأنك لم تبارحني لحظة, أو ليلة من الأرق.

حتى زوجتك..
هل تلمست ما بين فخذيها؟

كم مرة؟ عشر؟ أو أكثر؟ إلا هذه..لا تبيح لي أن أتهمها بحرف, لإعتقادك أو وهمك أن سيرتك معها.. أكثر من مشرّفة, كان يليق بي أن أقتلكما معا برصاصتين متتابعتين, حين لمحتكما معا.. لمحا تحت ذاك الليل البعيد, يخيل لي بأنني أطلقت, وثقبت جمجتها اللعينة. رغما عن أنفي, هي امرأة جميلة ربما. لكنك ما تزال صاحب وهم, وحكايات خرافية تافهة, عن النساء. عن أفخاذهن, ونهودهن, ومؤخراتهن. هوسك لم يتخرب, لم يتأذ..

كم
كنت
أحب
هوسك.

ولكن فعلا.. عن أي محنة كنت تتكلم يا سيدي قبل قليل؟ لم يكن لك وجه واضح, أنياب, أو ما يشبه القرون, ربما حراب.. لا أدري, صوت صراخ, يشبه صوت صراخ الحيوانات الخرافية, في الأساطير القديمة. ربما.. تحدثت عن أنك كنت هناك وحيدا ميتا, في الزاوية الميتة, تفض الأوراق, وأختام النساء اللواتي تعاقبن على مخيلتك. ربما على سريرك للمرة الأولى.. ثم الثانية.. ثم الثالثة.. ثم المئة.. على أقل تقدير.

في البدء..

لم تكن محنتك الكلام, أو اللغة, فأنت ملك الثرثرة على الورق, في الحانات الرخيصة مثلك. لم تكن محنتك السياسة,أو النقد, لم تكن تحديدا, أو تأكيدا.. سوى السرير. تلك هي المحنة الكبرى, أو الأساسية. التي لا برء لك منها. الوجود.. أو اللا وجود, الموت أو الحياة كل ذلك الهراء.. تحت ستار حديدي من المفاهيم, والسلوكات الأخلاقية, الحديدية. أظنك كنت خارج الوجود.. خارج العدم, كوجود.. ثم كعدم بلا لون, أو طعم. ترغب أن تكون خارج المفاهيم,

خارج
الحياة
القطيعية
للكائنات.

أظنك تعرف كيف تعري الأفعى.. كيف تتعرى الدودة. في غيابك.. في حضورك. أحيانا.. بعد ألف حساب.. لألف خط رجعة, كنت أنعتك بالنرجسي, أتعرف حكاية النرجس؟ الوردة.. الرجل, وليس الإمرأة.. الوردة, وليس الرجل الأحمق, أو المرأة الغانية الفانية في الوله.. حتى المطر, أو الحماقة الخادعة. ما من حماقة لا تخدع. أنا امرأة فصّلها قدرها على قده.. هو قدر لا بأس به ..انه على قدر كبير من الطيش من الحماقة. يزرع في رأسي الوهم, بعد الوهم, الحكاية, بعد الحكاية, الحلم, بعد الحلم,

أحيانا..
الرجل,
بعد
الرجل.

قبل عشرين سنة..
أقل..
أو أكثر

كنت تحكي لي عن دنانير العاهرة, أتذكرها الآن.. هل ما تزال عاهرة كما كنت ترغبها بثدييها المندلقين إلى فضاء الله اللا محدود. بما بين فخذيها.. ذاك الجحيم الذي يهوس الملائكة والشياطين على حد سواء؟

الملائكة والشياطين..

أي مسخرة يا سيدي؟ أبعدهما أخوة.. أو من رحم واحد؟ أظنك القابلة, التي أنزلتهما من فرج أمهما, ثم صنفتهما على أسسك المراوغة. هذا ملاك.. وذاك شيطان وأنت أبوهما الودود معا, أو أخوهما معا. تارة تتبرقع بجلد ذاك, وتارة بجلد ذاك. أظن أن ابنك الشيطان أحب إلى قلبك, إلى وجودك..

من
ابنك
الملاك.

آه.. يا سيدي

لا تتخيلني بقرة أحكي عن الماضي, أعرفك تكره الماضي, ولا تتذكره أبدا, كأنه ليس ماضيك, ليس ماضي كائناتك, أنت تكرج.. تحبو دائما.. باتجاه المستقبل, ربما باتجاه الموت السريع. ألم تقل لي: الموت هنا على السرير, ما لم ألاقه اليوم, فهو حكما ينتظرني غدا, تحت.. أو فوق الوسادة؟ تحت أو فوق سرتك, بين ساقيك, أو نهديك؟ أو في نهاية الممر المفضي إلى العدم الأخضر, بعد نهر من قلق.
كان
السرير..
هناك..

في الغابة المقابلة للبيت, ربما كان من حجر عتيق مفروش بورق الشجر اليابس. ربما كان هناك في الفضاء الأزرق, الأبعد قليلا.. من جبل الأقرع, المواجه لقهوتك الباردة, لامرأتك الباردة, لأعصابك الباردة صباحا.. كما لو كانت أعصابا من الثلج. من صنًع لك أعصابك هكذا؟ أنت لست من الكائنات المخلوقة.. خلقة إلهية طبيعية. أنت رجل, أو كائن مصًنع يا سيدي. أنت الأقل معنى, والأكثر وجودا.. في الوجود, رغم ندرتك. دعني أنم, أو أتهم يا سيدي كما يحلو لي.. أرجوك. لا أنت تسمعني, ولا أنا أسمعك. أنت في وادي الوجود, أنا في وادي العدم. لا أسلاك تلفون بين الواديين, لا أشعة شمس, لا ضوء قمر, ثم.. لا حبال مودة. أنت تهرم في الهراء, والهوس الجنسي, بينما أهرم هنا في الكآبة.


تعود
المرأة
إلى السرير,

تندس تحت الغطاء, تتكور على ذاتها, تحتضن الوسادة, تصدر عنها تأوهات مؤلمة, غير جنسية, ربما تأوهات غرائز ما بعد جنسية.. من يدري؟ تأوهات حسرة.. ربما, أو ندم.. ربما, تتقلب يمينا, ينقلب اليمين فوقها, تتقلب يسارا. ينقلب اليسار فوقها. الغرفة يخيّم عليها ليل أسود, بعد إطفاء اللمبة البنفسجية, تبدو المرأة ككتلة شبحية فوق السرير. ثم سرعان ما تغرق في التناوم. ربما تحولت هناك عبر ألف زمن من البكاء المر, إلى مستحاثة محبطة للغريزة, على أقل تقدير. ربما هناك على ذاك المفترق المرعب من الشخير, صادفت. أو تصادف كابوسا, أو شيخا يتساقط من لحيته دود المعرفة الشهوة.. أو ما يشبه الشهوة الجنسية بالتأكيد.






* عن موقع ألف لحرية الكشف في الانسان والكتابة
 
أعلى