عبدالله ابراهيم - الحركة الثقافية والفكرية بمراكش عبر جامعة ابن يوسف

"وقد أدركت حاضرة مراكش أوج عزها العلمي مع السلطان أحمد المنصور، فغدت المركز الثقافي الأول في الغرب الإسلامي، إن لم نقل في العالم الإسلامي كله...كاد يكون جميع رجال البلاط، وذوي المناصب السامية المدنية والعسكرية فيها من رجال الفكر.. إلى تكاثر العلماء والطلبة في المساجد والمدارس وتعدد المناظرات العلمية والمساجلات الأدبية، واتساع حركة تأليف الكتب، واستنساخها أو حملها مع القوافل التي لا تنقطع من الشرق والجنوب..."
ويأتي في مقدمة المدرسين بمراكش، كما رأينا من قبل في فاس، أصحاب الخطط الشرعية الكبرى من قضاة ومفتين أمثال: أبي القاسم علي الشاطبي، وعبد الواحد بن أحمد الحسني السجلماسي، وعبد الوهاب بن إبراهيم الدكالي المشترائي، ومحمد بن علي السالمي، ومحمد بن يوسف التدغي [
"أما الرياضيات، وعلم الفلك، والتنجيم، والطب، والصيدلة فمن أشهر شيوخها بمراكش لهذا العهد:" أحمد بن التقليتي شيخ الجماعة بمراكش في الحساب والهندسة والتعديل، والفقيه أحمد بن حميدة المطرفي الذي تعلم الحساب والفلك في المغرب والمشرق، قبل أن يتصدر للتدريس بمراكش،ويؤلف عددا وافرا من الكتب، وأبو القاسم الوزير بن محمد الغسان، وهو شيخ الأطباء ونقيبهم، ومعيد الصيادلة وخيرهم، أخذ عنه فن التطبيب والأدوية نظريا وعلميا جمهرة من الطلبة، ورووا عنه مؤلفاته في ذلك.."
وفي ختام هذا البحث المتواضع يمكن الإشارة على أن عصر السعديين عرف على الخصوص نوعا من الثقافة الأروبية، مع إتقان اللغتين الإسبانية والفرنسية، والإنجليزية، مع ترجمة بعض الكتب والأبحاث من هذه اللغات الأروبية إلى اللغة العربية، تبعا لتعليمات الملوك السعديين في عاصمتهم مراكش، وكان علماء جامع ابن يوسف (الجامعة) يستفيدون من العلوم الجديدة المترجمة إلى العربية، وفي هذا المعنى يقول الكاتب الباحث الكبير الأستاذ عبد الله إبراهيم، في بحث نشره بمجلة "جامعة ابن يوسف" في العدد الأول ما ملخصه:
"اهتم المغاربة بمحاولة تجديد التعليم العالي، وتوسيع أسسه في المغرب على المستوى الجامعي من جهة، وفي محاولة ربط الاتصال الفكري الأوروبي النهضوي بالفكر المغربي عن طريق الترجمة من جهة أخرى في زمن الملوك السعديين، وهكذا فقد كلف المولى زيدان السلطان السعدي أحد العلماء الأروبيين وهو القس الإيرلاندي الدومينيكي المسمى آنطوان دوسانت ماريا Antoine De Sainte- Marie :
عندما سقط هذا القس أسيرا لدى المغاربة السعديين، بأن يترجم لـه كتابا علميا إلى اللغة القشتالية الإسبانية، ومنها إلى اللغة العربية بمساعدة علماء مغاربة متخصصين في الترجمة، بينما كلفت هيئة رسمية بمدينة مراكش عاصمة السعديين بنقل الترجمة من القشتالية إلى العربية، تحت إشراف العاهل السعدي مولاي زيدان مباشرة، وكان هذا القس الإيرلاندي معفى من جميع تكاليف الأسر في مقابل هذه الترجمة، ومأذونا لـه بتأسيس رباط السبحة المسيحية بمدينة مراكش لرجال الذكر والتقوى من المسيحيين.
ومن الكتب التي عرفها علماء مراكش في ترجمة العلوم إلى اللغة العربية نقلاً عن القشتالية، والإسبانية، كتاب "العز والمنافع للمجاهدين بالمدافع"، وكتاب " ناصر الدين على القوم الكافرين" حرر وأنجز في مدينة مراكش، على يد الكاتب المراكشي اللامع أحمد بن قاسم الحجري المراكشي بأمر من السلطان موي زيدان السعدي"

الخــــاتمـــــــة
وهكذا نرى أن الحركة الثقافية والفكرية بمراكش عرفت ازدهارا كبيرا على عهد الموحدين، وفي عهد الملوك السعديين، هذا الازدهار الذي سوف يعرف في عهد الملوك العلويين، انطلاقا من عهد السلطان العالم سيدي محمد بن عبد الله تقدما محسوسا في هيئة التدريس بجامعة ابن يوسف، وسيعرف في عهد البطل الكبير السلطان المجاهد محمد الخامس تطورا عظيما، يتجلى في تنظيم الدراسة في جامع ابن يوسف، تنظيما يجعلها تكتسي صبغة جامعة عربية إسلاميية، بفضل الظهير الشريف، الذي أصدره محمد الخامس بتاريخ: 1دجنبر 1938 الموافق 8 شوال 1357. والذي بمقتضاه أصبح جامع ابن يوسف بمراكش يكتسي صبغة جامعة منظمة، لها أطرها وأساتذتها الذين يتقاضون مرتباتهم من وزارة المالية، ولها أطرها الإدارية، والتربوية، التي تنظم الامتحانات والمباريات على الشكل الجامعي المتعارف لدى مختلف الدول المتقدمة، وجدير بالملاحظة أن كثيرا من أساتذة جامعة ابن يوسف قد التحقوا بكلية اللغة العربية بمراكش هذه الكلية التي تعتبر امتدادا لجامعة ابن يوسف، وتعتبر برامجها ومناهجها الدراسية متقاربة جدا مع مناهج التعليم الأصيل عموما – ومع منهاج جامعة ابن يوسف على الخصوص.
وأخيـرا فقد قرر المكتب الإداري لجمعية إحياء جامعة ابن يوسف بمراكش تقديم ملتمس إلى جلالة الملك، في موضوع إعادة الصبغة الجامعية إلى جامع ابن يوسف الخالد، وبناء جامعة جديدة في أي مكان بمراكش لتستقطب جميع طلاب، وأساتذة، وأطر كل من جامعة ابن يوسف، وكلية اللغة العربية ،علما أنهما مؤسستان تربويتان متكاملتان، لا يمكن أن تعيش إحداهما بمعزل عن المؤسسة الأخرى،كما تقدم المكتب الإداري للجمعية بملتمس إلى السيد مدير التشريفات الملكية في موضوع طلب مقابلة كريمة، يشرف بها صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله مكتب الجمعية،بقصد إعطاء أوامره لتنفيذ مشروع تأسيس جامعة ابن يوسف بمراكش،والله نرجو أن يوفقنا لخدمة الوطن العزيز، والثقافة العربية الإسلامية ، بفضل جامعة ابن يوسف، هذه المعلمة التاريخية العظيمة التي سيرعاها ويحققها إن شاء الله جلالة سلطاننا المحبوب سيدي محمد السادس حفظه الله.


* عن كتاب الحركة الفكرية في المغرب على عهد السعديين – الجزء 2 ص 380.
(17) عن كتاب الحركة الفكرية في المغرب على عهد السعديين الجزء الثاني صفحة 381 للعلامة الدكتور محمد حجي
(18) نفس المرجع أعلاه صفحة 382 الدكتور محمد حجي..
(19) عن مجلة جامعة ابن يوسف العدد 1 من بحث الأستاذ عبد الله إبراهيم صفحة 24.
(20) انظر البحث المنجز في موضوع الأستاذ عبد الله إبراهيم في العدد الأول من مجلة جامعة ابن يوسف صفحة 24 و25.


عبدالله ابراهيم
 
أعلى