نقد اشرف عبدالشافى - الفاجومى الشاعـر المتمرد العاشق للساحرة المستديرة: الكورة «واكلة» دماغـى

«الواد ميسى معجون بمية عفاريت». لم يجد أحمد فؤاد نجم تعبيرا أدق من هذا ليصف اللاعب الأرجنتينى «ليونيل ميسى» الذى يعتبره معجزة القرن.
وكثيرون يعرفون «الفاجومى» شاعرًا متمردًا وأسطورة تعلقت بها الأجيال إلا أن علاقته بكرة القدم قد تكون غائبة عن كثيرين، فهو يعشقها ويتابعها محليًا وعالميًا، «الكورة واكلة دماغى وباتفرج على ماتشات عمال على بطال زى اللى ماشافش كورة من خمسين سنة.» هكذا يعترف الشاعر صاحب الشعبية الواسعة والحضور المستمر. ولشاعرنا الكبير قصة طويلة مع الكرة تبدأ من الستينات ولا تنتهى إلى الآن مع جيل «عماد متعب وأبوتريكة وشيكابالا.»:
مع أحمد فؤاد نجم لن تستطيع أن تفعل شيئا سوى الإنصات، فهو حكّاء بارع ليس فقط فى سرد قصص المعتقلات والمظاهرات، لكنه أكثر براعة وهو يروى حكايته مع الساحرة المستديرة، تلك الحكاية التى بدأت مع صعود وتألق قطبى الكرة «الأهلى والزمالك» فى مصر المحروسة، ومع عبقرية الكابتن محمد لطيف الذى قدم الكرة للمصريين من خلال برنامج رياضى فى التليفزيون المصرى حين كان هذا الجهاز الخطير لا يزال يحبو، فارتفعت شعبية اللعبة الجميلة المجنونة وهام بها المصريون عشقًا بشكل هيستيرى فأصبحت خبزهم اليومى، وكما يروى الفاجومى فقد سيطرت اللعبة على الشارع المصرى وتعلقت عيون الناس بنجوم الكرة لدرجة الجنون، وتحولت ظاهرة الهوس بكرة القدم إلى منافسة بين علماء الاجتماع وتعددت اجتهاداتهم وتفسيراتهم وأقيمت الندوات للبحث عن سر ذلك الجنون، بينما كان الناس يواصلون الفرجة والتشجيع بإصرار واستمتاع.
ومع هزيمة 5 يونيو 1967 المهينة ـ يقول نجم ـ انقطعت المتعة وغاب جيل كامل من نجوم الملاعب أذكر منهم الآن: «المايسترو صالح سليم وسيد الضظوى ورفعت الفناجيلى وحمادة إمام ونبيل نصير وعصام بهيج وسمير قطب ورضا وشحتة والعربى وأنوس والجوهرى والشربينى وشحتة الإسكندرانى وعادل هيكل ورأفت عطية وطه إسماعيل وأمين رشدى والديبة وسعد راشد وعلاء الحامولى. «وافتكر كده كفاية، لأن أنا عقلى مش دفتر وما يقدر ع القدرة إلا الله القادر».
ويرى «نجم» أنه رغم وجود اللعبة وشعبيتها خلال فترتى السبعينات والثمانينات، فإن الصحوة الكروية الكبرى كانت مع وصولنا إلى كأس العالم، فهذا هو الحلم الذى راود المصريين طويلا وجعل الكرة تتحول إلى حلم قومى.
يقول نجم: «الكابتن محمود الجوهرى فكر الناس بالكورة ورجعنا لمقاعد الجماهير، ووصلنا معاه لنهائيات كأس العالم فى إيطاليا سنة 1990. الراجل الجوهرى ده كان حاجة حلوة قوى الله يرحمه. وأنا أعترف ـ يقول نجم ـ بأن الكورة لسه واكلة دماغى وباتفرج على ماتشات عمال على بطال زى اللى يكون ماشافش كورة من خمسين سنة مثلًا، وأى حد بيتفرج على الكورة المصرية لازم حيشم عطر أبوتريكة وبركات والحضرى وحسنى عبدربه وشيكابالا وعماد متعب وعمرو زكى، وأنا رأيى إن دول فعلًا جيل ذهبى على المستوى المحلى والقارى، لكن دول مجرد بداية لإبداع مصرى قادم بقوة فى إمبراطورية «الفيفا» عشان يعيد ترتيب الأوراق ويضع الأمور فى نصابها لأننا تانى دولة مارست لعبة كرة القدم فى التاريخ المعاصر بعد إنجلترا الدولة الأم إللى اخترعت اللعبة، يعنى إللى إحنا فيه دلوقتى أقل من حقنا بكتير لكن إحنا نقدر بإذن الله، ومصر ولّادة، وهنشوف عشرين أبوتريكة وخمسين من كل من بركات وحسنى عبدربه وشيكابالا».
وأبوالنجوم لا يحب كرة القدم ولاعبيها فقط، لكنه ـ وباعتباره فنانا ـ يحب «جماهير» كرة القدم أيضًا، يتأمل هتافاتهم ويكتب كثيرًا مشاركًا لهم فرحتهم إذا فاز الأهلى، ومنتقمًا من اللاعبين المتخاذلين الذين «سمنو» وبقوا زى «الحلاليف» إذا خذلوه وخذلوا الجماهير وخرجوا مهزومين هزيمة مخجلة لا تليق بحب جمهور عاشق نام ليلة باكية وغاضبة، ويعشق أبوالنجوم جمهور الدرجة الثالثة، ويعتبر نفسه واحدًا منهم، ويرى أن هؤلاء ـ وليس الرجال الشيك الجالسين فى المقصورة ـ هم متعة الكرة الحقيقية، فالغلابة الذين يزحفون من كل صوب حاملين الطبلة والرق وعلى أجسامهم فانلات اللاعبين، هم الصنايعية والعمال والموظفون الذين ينتظرون موعد المباريات كى يعيشوا لحظات متعة وفرحة وتصفيق وزغاريد أحيانًا، ومن مدرجاتهم ـ يقول نجم ـ تخرج الآهات والصرخات والأغانى التى تتغزل فى الفريق أو فى اللاعبين الموهوبين.
وبالمناسبة ـ يقول نجم ـ الجمهور بتاع الأهلى تحديدًا عايز دراسة فنية، العيال أضافوا عشرين لاعب للحداشر إللى فى الملعب، والعيال بتوع الزمالك كلهم صحابى وولادى وعارف منهم كتير بس يا ولداه الزمالك ما بينصفهمش!»، يضحك «نجم» وهو يسخر منى شخصيًا باعتبارى زمالكاويا مستجدًا.
ويستضيف «نجم» العشرات من شباب الألتراس فى بيته، ويعتبرهم أجمل ورد فتح فى جناين مصر: «بص إللى يحاول يشوه العيال أو يقول عليهم مخربين يبقى جاهل وحمار وما يعرفهمش أصلا، العيال دول عيال نضيفة ومنظمة وبيحبوا بلدهم بجد، اتفرج عليهم وقرب منهم وأنت تعرف إن البلطجية والحرامية والخطافين حاجة. والعيال دول حاجة تانية خالص».
وحفظ الفاجومى عشرات الهتافات والأغانى التى صنعها جمهور الكرة وعشاق الفانلة الحمراء تحديدًا، بل إنه نفسه ابتكر هتافات، لكنّ هتافًا واحدًا أصاب عمنا أحمد فؤاد نجم بالدهشة والفرحة والإعجاب، فمن يملك نفسه أمام هتاف رائع يقول فى غنائية مشحونة بجنون العشق: «يا أهلى يا حبى يا حتة من قلبى»، وكيف لشاعر كبير يعشق الأهلى بنجومه القدامى والجدد مثل أبوالنجوم أن يكتفى بالإعجاب ويترك هذا الهتاف الذى يشبه قصائد العشق الصوفى دون كتابة عنه؟! أبوالنجوم لم يكتب فقط عن الهتاف الرائع، لكنه وفى لحظة جنون فاجومية الهوى اختار الهتاف عنوانًا لكتاب صدر مؤخرًا عن دار الشروق، ليتحول الهتاف إلى قصيدة أو ملحمة كبرى خلدها نجم، وفى الكتاب يحسد أبوالنجوم لاعبى الكرة الجدد الذين كان هذا الهتاف لهم، يحسدهم ويترحم على أيام النجوم الكبار الذين رحلوا دون أن يستمتعوا بكل هذا الجمال أو ينعموا بفيلات وشاليهات الساحل الشمالى ومارينا ومراقيا. يصمت الفاجومى لحظة، وكأنه يختصر كل الكلام ويشير بأصبعه إلى وجهى: «اللاعب إللى يسمع الجمهور بيقول «يا أهلى يا حبى يا حتة من قلبى» وما يجبش جون. يستاهل الحرق!، ولو جيل صالح سليم والضظوى والفناجيلى والجوهرى سمع هتافات من النوع الجميل ده كنا وصلنا كأس العالم من زمان».



الكرة.jpg
 
أعلى