الحسين أيت مبارك - أصول الأدب العربي وامتداداته: مدخل إلى أشكال التواصل بين الأديب المشرقي والمغربي

1- المشرق والمغرب بين هوة المخالفة وجسر المؤالفة: نحو طرح إشكالي:

لا تنفك الأطر الثقافية والفكرية تتواشج فيما بينها وتتوالج، كما تتكيف بتكيف البيئة ومجال الانتماء والسياق الزمني الذي انبثقت فيه ونشأت فيه، نظرا إلى ما يؤلف بين الظواهر الاجتماعية والتاريخية والسياسية، والقضايا الثقافية والمعضلات الفكرية من روابط سببية وعلاقات التوالد والتناسل وتبادل التأثير.

وعليه، من المفيد أن نشير إلى أن الأدب “فن لغوي”(1) أو “وعي إنساني يعبر عن نفسه بالكلمات، أي اللغة”(2)، لنفهم أنه يشكل “ذاكرة الثقافة”(2) المصوغة بوساطة هذه اللغة التي يعرفها ابن جني بأنها “أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم”، ناهيك بما آنسه فيها الجاحظ من وظيفة بيانية، بمعنى أن اللغة هي التعبير عن الذات والعالم، والإبانة عنهما قصد التواصل والتفاعل.

وفق هذا التصور، يتحدد مسعانا في مساءلة الشعرية العربية في مجاليها المشرقي والمغربي رجاء أن تبوح لنا بوحدة أنساقها المعرفية وتماثل سننها المرجعية وسماتها المنهجية ورؤاها للعالم، في إطار لغة موحدة تقوم بوظيفتي التعبير والتواصل. وهذا ما يستلزم وضع ثنائية المشرق والمغرب في سياقها الشمولي، مع مراعاة درجات تأثير ما يسميه ابن خلدون ب “العلوم المساعدة” كالأنتروبولوجيا والسياسة وغيرهما.

تجذر التقسيم الثنائي منذ القديم للتميز بين مشرق الأمة الإسلامية ومغربها جغرافيا، بينما يبدو أن إثارة هذه الثنائية على الصعيد الثقافي آيلة إلى موقف الصاحب بن عباد، الكاتب والوزير البويهي من كتاب “العقد الفريد” حين قال قولته المشهورة: “هذه بضاعتنا ردت إلينا”، ولا مراء أن الأوضاع السياسية قد كرست هذا التقسيم نظرا إلى تباين مرجعياتها وخلفياتها، والتي تنزع -على الأرجح- إلى تعتيم الواقع والتشويش على الحقائق وحجبها، فضلا عن الطروحات الاستعمارية التي عمقت هذا التمايز ضمانا لمصالحها، دون أن نغفل الاختلاف الجغرافي الطبيعي، وتباين الأعراف والعادات الاجتماعية، دع عنك تباعد المظاهر الأنثروبولوجية التي تعد ميراثا فاعلا وباعثا على التنوع.

ولا إخال المجال الثقافي يصدق عما هو عليه الحال في السياسة، ولاسيما في ضوء التسليم بجدلية المجالين، ذلك أن التباعد الأدبي والاختلاف الثقافي هو الوجه الآخر للواقع السياسي، إذ أفضت تبعية الثقافة للسياسة – وهي قيمة مهيمنة في المجال التداولي العربي- إلى خدش الحقيقة القائلة بوحدة المشرق والمغرب الثقاقية والحضارية، التي يعسر أن تنثلم عراها أو تنفصم معاقدها.

ومهما تبلغ درجة الاختلاف، فصياغة رؤية ثقافية موحدة بين هذين القطبين أضحت أكثر إلحاحا بمنأى ومعزل عن اللهجات المحلية.

فوحدة المعتنق – وهو الدين الإسلامي على سبيل التغليب طبعا-(5) ما فتئت يشكل أكبر عامل وحدة واتصال وترابط، علاوة على وحدة اللغة، على النحو الذي جعل القطبين يتعلقان بالأنموذج التعليمي والثقافي نفسه.

ومع ما يقرره الواقع من وحدة الأرومة، وتماثل الأصول الحضارية والمعرفية، فإن ثمة اختلافات رانت على الثقافتين وفاءت عليهما بظلها، وتؤول إلى خصوصيات ذاتية، قادت محمد عابد الجابري إلى إعلان التمايز (وليس القطيعة كما يعتقد البعض) بين الفلسفة المغربية والفلسفة المشرقية، والتي تبرز الشقة بين مغرب عقلاني علمي طبيعي، ومشرق صوفي إشراقي ديني (6).

ونطالع نظير هذا التصور ونستظهره من المجال الأدبي، إذ تستحكم ثنائية المركز والمحيط في نظرة معظم الدارسين إلى العلاقة بين الأدبين المشرقي القديم والمغربي القديم، فتسنم المشرق – في رأيهم- ذروة الإرسال والتأثير، وانزوى المغرب إلى التلقي والتأثر. وقد استبدت هذه النظرة بمعظم المشارقة والمستشرقين، وأيضا ببعض المغاربة(7)، فيما ينحو عباس الجراري نحو تأكيد الخصوصية والتفرد، ويجهر عبر كتاباته(8) بتبنيه للنظرية الإقليمية مسلكا إلى تأريخ منسجم ومتكامل للأدب العربي، في وقت يرى البعض خصوصية الأدب المغربي في الموشحات والأزجال والملحون، وينفيها عن الأدب الفصيح الذي ظل يرزح تحت النمطية المشرقية، ويحطب في حبالها.

2- الرؤية المنهجية وسؤال المفهوم:

قبل أن أسعى لتدبيج واقع العلاقة بين الأدبين المشرقي والمغربي، أرى ضرورة تحديد الرؤية بمعية بعض المفاهيم التي قد تسهم في التئام أمشاج الموضوع، وذلك رغبة مني في خلق اللحمة والانسجام بين الأفكار حتى تتوافق في مؤداها وتتناسق في معناها، ومد جسور الألفة، وتهيئ الشروط لهذا المقال ليتقبله المتلقي، ويتبين المقاصد الثاوية خلف استعمال أي مصطلح.

ولئن كنت أعرض عن الخوض فيما يوحي إليه مصطلح “مقارنة في علم الأدب المقارن من إمكانية التحول بالأدب من دائرة العلوم الإنسانية إلى مجال العلوم الدقيقة، فإنني لن أشيح بوجهي عما عرف عن المدرسة الفرنسية في الأدب المقارن من تأكيد على شرط الحدود اللغوية والجغرافية بين الأمم، (9) فيما نشبت بالمدرسة الأمريكية فكرة استقلال الأدب المقارن عن الحدود اللغوية التي دافع عنها الفرنسيون، إذ يرى رينيه ويليك أن الأدب المقارن هو “الدراسة الأدبية المستقلة عن الحدود اللغوية والعنصرية والسياسية”(10).

وإذا كانت هذه الدراسة تنصرف عن ولوج متاهات الجدل الذي استحر بخصوص اشتراط هذه الحدود من عدمه، فحسبها أن تشير إلى أن البعض لا يرى فيها كفاية للفصل بين أدب وآخر(11).

لا ريب أن الخوض في الأدب العربي والمقارنة بين جناحيه يجذبك إلى هذا الواقع، إذ مهما كان الإلحاح على كون الأدب المشرقي منهلا تعب منه آداب الغرب الإسلامي، وأفقا تشرئب إليه نفوس المغاربة، فثمة عوامل مؤثرة ومؤطرة للمنحى التطوري للأدبين، على نحو جعل من شرط الحدود اللغوية أو الجغرافية أو العرقية في الدراسات الأدبية المقارنة شرطا تعوزه الدلائل العلمية السليمة والمقنعة، والمسوغات الموضوعية، فضلا عن أن المقارنة ممارسة، والممارسة أقدم وأرسخ من الاصطلاح.

بهذا الفهم، يمكن أن نعد محاولتنا هذه داخل النسق اللغوي نفسه من صميم المقارنة. ولما كانت الدراسة الأدبية المقارنة تستدعي مجموعة من المفاهيم من قبيل: التناص أو السرقة بالمفهوم التراثي(12)، وما يندرج تحتها من معارضة ونسخ (أخذ اللفظ والمعنى)، ونظر إلى القصائد (وهو ما يتجه إلى “المشترك الإنساني” أو “المعنى العام”)، فلا يسعنا إلا التعريف بهذه المفاهيم.

1.2- التناص: عملية التناص هي انشداد إلى سلطة نصوص غائبة، تعد المرجع والإحالة، وإخلاد إلى تحدي الثابت أو الإزراء به، واختراق سجف “الأنموذج النمطي”. وقد صيغ مفهوم التناص مع جوليا كريستيفا(13)، ويعكس تداخلا في الأنساق النصية، وانفتاحا غير محدود على النصوص، مما يجعل النص يستحيل جامعا للنصوص (14)، وذلك بهدف تقديم تشكيل أسلوبي مغاير ورؤية جديدة، تتغيا تأسيس نمط جديد في الكتابة في سياق موضوع مشترك ومألوف.

2.2- السرقة: نزر من الشعراء من ظل بمنجاة من سهامها، فالسرقة “داء قديم وعيب عتيق”(15)، وهي “باب ما يعرى منه أحد من الشعراء إلا القليل” (16)، وهو نفسه ما ذهب إليه ابن رشيق حين قال: إنها “باب متسع جدا لا يقدر أحد من الشعراء أن يدعي السلامة فيه”(17).

3.2- المعارضة: وتتحدد دلالتها الاصطلاحية في نسج شاعر على منوال آخر إعجابا به، إذ تتلاقى القصيدتان في الغرض والموضوع: والوزن والقافية وحركة حرف الروي، وعندها تكون المعارضة تامة. يقول محمود رزق: “والمعارضة أن ينظم الشاعر قصيدة على نمط قصيدة لشاعر آخر يتفق معه في بحرها ورويها وموضوعها، سواء أكان الشاعران متعاصرين أم غير متعاصرين”(18)، ولانعدم – كما يرى أحمد الشايب – معارضة غير تامة إذا اعتورها اختلاف في الموضوع أو الغرض أو اختلاف حركة الروي (19). كما لا يفوتنا أن نفرق بين المعارضات والنقائض، وذلك من جهة المقصدية، فالأولى تتقصد الاحتذاء الإعجابي، والثاني تؤم المهاجاة.

4.2- النسخ: و”هو أخذ اللفظ والمعنى برمته من غير زيادة عليه، مأخوذا ذلك من نسخ الكتاب” (20). ويضيف ابن رشيق: “فإن كانت السرقة فيما دون البيت فذلك هو الاهتدام، ويسمى أيضا النسخ”(21).

5.2- النظر إلى القصائد: ونريد به ورود المنهل نفسه، وتعاور المعاني ذاتها، أو ما يصطلح عليه ب “المعاني المشتركة”. يقول ابن رشيق: “فإن تساوى المعنيان دون اللفظ وخفي الأخذ فذلك النظر والملاحظة” (22).

3- الوسائط والقوات التواصلية:

لا ريب أن “الآداب في لغة واحدة هي آداب قومية متميزة”(23)، فاللغة “أس الأساس في كل قومية” (24). ومع ذلك فكل عملية تواصلية حتى داخل اللغة الواحدة تستدعي مرسلا ووسيطا ومتلقيا، ذلك أن عملية انتقال الأفكار وتداولها شرط ضروري من شروط النشاط الثقافي، إلا أن المثير للتساؤل هو كيفية انتقالها وما تستقر عليه من قوة أو وهن في الوسط الجديد، بعد أن تكون قد تعرضت لضغط سياقات مختلفة(25)، ويحصر إدوارد سعيد مراحل الانتقال فيما يأتي:

– نقطة الانطلاق أو المنشأ.
– المسافة المقطوعة (الوسائط).
– شروط القبول.
– تكييف الفكرة وتغيرها (26).

يقرر إدوارد سعيد أن آفة التخصص تتصل بعدم تجانس الحقل المعرفي العام، فضلا عن أن ترامي أطراف الخطاب الأدبي جعل التعرف بمجال النقد الأدبي يستشكل على الدارسين على نحو أفضى بهم إلى الدخول في صراع من أجل إثبات هوية كل من الأدب والنقد، وهذا ما يغرينا بالحديث عن تجدد أنماط القراءة وتعدد آفاق التوقع، إذ تختلف التأويلات والتفسيرات باختلاف الذات القارئة(27)، وهذه التأويلات هي التي تغير ملامح الفكرة أو النظرية المستعارة.

وهنا، يبدو لإدوارد سعيد أنه من الممكن عد هذه التغييرات جزءا من النقل التاريخي للأفكار والنظريات من إطار إلى آخر.(28) ولعل دعوته إلى اطراح الانغلاق النقدي والأخذ بزمام الوعي النقدي تقودنا إلى الإفصاح عن إيماننا بألا وجود لقراءة محايدة أو بريئة.

وفي اعتقادي أن ما يلحق النظرية من تغيير حين سفرها يعد نتيجة منطقية لما يطوف بتلقيها من طائف التجاذب الفكري والتنابذ المرجعي، والذي يسقط في وهاد التعارض بين أنماط التأويل. ونمثل لهذه العملية بالترسيمة الآتية:

من هذا المنطلق، فإن هجرة النص الأدبي المشرقي إلى المغرب لا يسوغ لها أن تجري على غير هذا السنن. فابن عربي الفقيه المالكي الأندلسي هو راوية المعري الشاعر الفيلسوف، ولا نشك بأن الرؤية الفلسفية للمعري ستغشاها رؤية ابن عربي الفقهية. من هنا يتبدى دور الوسيط في تكييف المستعار وتبديل طبيعة خطابه، والأمر نفسه ينسحب بظلاله على المتنبي شاعر الحكمة وعلى غيره.

وتسعف كثير من الإشارات التاريخية الأستاذ محمد بن شريفة(29) بتحقق وصول تلك الآداب إلى الأندلس ومنها إلى المغرب عبر عدة طرق لعل آكدها وأوثقها الرواية والشروح والمعارضات، بالإضافة إلى حلقات التدريس والحفظ والنقد والتواليف الوافدة إلى الأندلس. وقد تأتى ذلك بسبب دوام الاتصال، والدأب على زيارة الأماكن المقدسة أو التجارة أو الرحلات السفارية العلمية(30).

والواضح أنه لم يعد يسوغ الحديث عن ضآلة المؤثرات وضحالتها بحجة ضعف وسائل الاتصال، ذلك أننا في زمن يسود فيه مفهوم “التدفق الحر”، وتطغى فيه غائية “التناقد الثقافي”(31) أو “التثقيف”، في سعي جارف إلى صياغة مفهوم “النزعة العالمية” (32) في الأدب والثقافة، وإن كانت هذه العملية تجرد القوميات من كثير من سماتها الشخصانية(33).

وعليه، فإن جدلية التأثير والتأثر لا تعدو أن تكون عاملا ضابطا لآصرة التواصل، وهي عملية مركزية في تشكيل هوية العمل الفني. فالمؤثرات ثاوية في رحم كل عملية إبداعية، سواء أكانت عملية التأثر هذه تتم على المستوى العقلي الواعي أم على المستوى الحدسي غير الواعي، أم عليهما معا، إذ ترى الدراسات النفسية المعاصرة أن تفتق “الرؤية الإبداعية” رهين بفترة من التحصيل والامتلاء، والإشباع، تستتبعها فترة الراحة ثم فترة التفكيك(34)على نحو يحملنا على القول إن “المبدع يستفيد من الماضي، ولكنه ليس أسيرا لهذا الماضي”(35).

4- استرفاد التجربة الإبداعية المغربية من النص المشرقي:

1.4- المرجعية ومظاهر الاتصال والانفصال:

شكلت العودة إلى الشعر الجاهلي، والاغتراف من النص المقدس والحديث والتشريع والفقه والتاريخ والحكمة والنص الشعري الذي أنتجته القرون الأولى عموما مرجعية موحدة، ومكونا أساسيا لفكر الشاعر بالمشرق والمغرب معا. إلا أننا نسجل السبق الزمني للشعر المشرقي بالنظر إلى تأخر الفتح الإسلامي للمغرب، وتأخر انتشار اللغة العربية به، فضلا عن الخصوصية الآيلة إلى طبيعة كل شخصية وتفرد أحاسيسها وأفكارها، مما يسم العمل بميسم الأصالة مهما وقع التشابه في المضمون، إذ ليس كل تقليد مذموما ولا كل ابتكار محمودا.

2.4- أثر المرجعية في صياغة مقاصد العمل الأدبي:

يرى لوتمان أن التكرار في الشعر مستحيل. فكل عمل أدبي يختزل في نسيجه رؤية مرجعية أو خلفية اعتقادية، والعمل الأدبي يستوحي مقصديته من الخلفية المؤطرة له. من هنا إيماننا بتباين الأعمال الأدبية، حتى إنه ليمكننا القطع بأن عناصر التشابه النصي والتماثل الذي يطبع بعضها لا يعدو أن يكون تماثلا ظاهريا تتخفى وراءه غايات ووظائف تختلف باختلاف الموقع والسياق، إذ النص بصيغته الجديدة، على تفاعله مع نص آخر “لا يتأسس على علاقة منطقية آلية، بل يتمازج كيميائيا مع السياق الذي يحتضنه” (36). وقريب من هذا الرأي ما يقرره ابن طباطبا العلوي، إذ لم يجد ضيرا في الإشارة إلى طرق أخذ المعنى من قبل الشاعر، قائلا: “ويحتاج من سلك هذه السبيل إلى إلطاف الحيلة وتدقيق النظر في تناول المعاني واستعارتها، وتلبيسها حتى تخفى على نقادها والبصراء بها، وينفرد بشهرتها كأنه غير مسبوق إليها، فيستعمل المعاني المأخوذة في غير الجنس الذي تناولها منه، فإذا وجد معنى لطيفا في تشبيب أو غزل استعمله في المديح، وإن وجده في المديح استعمله في الهجاء…” (37)، وقد وسم ابن رشيق هذه الطريقة بالاختلاس أو نقل المعنى(38).

بهذا الفهم، يبدو أن التوسل بالمقارنة والتحليل – وهما أداتا الناقد الأساسيتان حسب إليوت – هو الوسيلة القمينة بالكشف عن أوجه الأصالة والتقليد وطي الأحكام الجائرة، المستقاة من الأهواء.

3.4- إشكال الاسترفاد: إن مفهوم التأثير والتأثر قائم في جوهره على قانوني التحدي والاستجابة، فالتحدي قد يعني التجاوز كما قد يعني الرغبة في إقرار التماثل وتأكيد الذات، كما أن الاستجابة قد تعني الاستنساخ والتشاكل بالقدر نفسه الذي تعني به الانتخال الدقيق لعطاءات الآخر ومحاولة تبييئها لتأخذ تقاسيم الهوية، وتستكين إلى “السياق الثقافي”(39).

وتعد أشعار المتنبي وأبي تمام نصوصا مركزية يشافه النص الشعري المغربي منهلها.

1.3.4- المعارضة: وفي الحق أن المعارضة ليست معرة للمعارض كما قد يعتقد البعض، بل هي رغبة في المجاراة والتدليل على قوة العارضة، وسعي حثيث نحو التجاوز وجعل النص الفرعي أجمل من النص الأصلي.

ومن نماذج المعارضة بائية ابن المنخل الشلبي في مدح عبد المؤمن، ومطلعها:
فتحتم بلاد الشرق فاعتمدوا الغربا = فإن نسيم النصر بالفتح قد هبا

ويعارض بها بائية المتنبي(40) التي مطلعها:
فديناك من ربع وإن زدتنا كربا = فإنك كنت الشرق للشمس والغربا

وفي مدح عبد المؤمن أيضا وتهنئته، يقول الأصم المرواني من قصيدة مطلعها:
ما للعدى جنة أوقى من الهرب = أين المفر وخيل الله في الطلب

معارضا بها قصيدة أبي تمام، في فتح عمورية (41)، ومطلعها:
السيف أصدق إنباء من الكتب = في حده الحد بين الجد واللعب

أما رائية ابن دراج (42) التي مطلعها:
بشراك من طول الترحل والسرى = صبح بروح السفر لاح فأسفرا

فتعارض رائية المتنبي(43) التي مطلعها:
باد هواك صبرت أم لم تصبرا = وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى

وكذلك فعل ابن زيدون إذ يقول:
هل تذكرون غريبا عاده شجن = من ذكركم وجفا أجفانه الوسن

معارضا نونية المتنبي (44)، ومنها:
بم التعلل لا أهل ولا وطن = ولا نديم ولا كأس ولا سكن

وعارضه أيضا ابن هانئ – وإن كان بحر النظم مختلفا- بلامية (45) مطلعها:
يوم عريض في الفخار طويل = ما تنقضي غرر له وحجول

ومطلع لامية المتنبي(46):
ليالي بعد الظاعنين شكول = طوال وليل العاشقين طويل

يتبدى من خلال هذه المعارضات أن الشعراء المغاربة يأتسون بنظرائهم المشارقة وخاصة منهم المتنبي، إن على مستوى البحر والقافية أو الروي، بل إن كثيرا من معاني النصوص الفرعية عيال على النصوص الأصلية، وإن كانت لا تخلو – في سياق تثميرها- من الخصوصية والتميز، على ما يذهب إليه القاضي الجرجاني من عد المعارضة من أقبح أنواع السرق، ناسيا أن مزية لغة الضاد في تنوعها الأسلوبي وفي أفانينها وجمالياتها التعبيرية، على نحو يغدو معه التوارد على الأفكار ذاتها أمرا سائغا ومقبولا ما سعى الشاعر إلى التنويع واهتبال البدائل الأسلوبية وإعمال الخيال، أضف إلى ذلك أن ثمة فجوات لا ينبغي الذهول عنها بين بعض النصوص المعارضة وأخرى معارضة على المستوى النفسي.

2.3.4- النسخ: وتتنكب هذه العملية عن الروح الإبداعية، فهي قرينة رؤية قاصرة عن التحرر من ربقة النص الأصلي وجاذبيته، وقد تأشبت فكرة السطو هذه في نفوس لفيف من الشعراء ممن لا يتورع عن أخذ اللفظ والمعنى معا. ونتمثل في هذا الصدد ببيتين لابن حبوس في ثنايا مدحه لأحد الأمراء، إذ يسطو عليهما سطوا ظاهرا، وهما للمتنبي، يقول:
سرحل حيث تحله النوار
وإذا ارتحلت فشيعتك غمامة = وأراد فيك مرادك الأقدار
أنى ارتحلت ودِيمَةٌ مدرار

وكان المتنبي قد قال:
سرحل حيث تحله النوار
وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة = وأراد فيك مرادك المقدار
حيث اتجهت ودِيمَةٌ مدرار

وإن كان عبد الكريم التواتي لا يستنكف عن رد ذلك إلى التقليد أو توارد الخواطر (وقوع الحافر على موضع الحافر)(47).

ومن أمثلة ذلك أيضا قول أبي الربيع سليمان الموحدي:
قلنا نترجم عن إخلاص حبكم = إذا سلمت فكل الناس قد سلموا

مأخوذ من قول أبي الطيب المتنبي:
وما أخصك في برء بتهنئة = إذا سلمت فكل الناس قد سلموا

أما قوله: (48)
فما تشتفي عيناي من دائم البكا = عليها ولو أني بكيت إلى الحشر

فأخذه من أبيات قالها القحيف بن خمير بن سليم يرثي بها صديقا له صلب، قال:
فما تشتفي عيناي من دائم البكا = عليك ولو أني بكيت إلى الحشر

مع تغيير حرف واحد هو كاف الخطاب الذي وجهه شاعرنا إلى ضمير الغائب المؤنث.

3.3.4- النظر إلى القصائد: أفضى الانشداد إلى مسألة المعنى التي استحوذت على الفكر الاعتزالي العقلي إلى استشراء قضية “المعنى المشترك” في أوصال الدراسات النقدية(49). وعسى الناظر في كتاب “عيار الشعر” أن يشف موقفا مخصوصا يشي بثبوت المعاني وعدم حركيتها وتعاورها من قبل الشعراء، مما يكشف عن محنة الشاعر المحدث، من هنا ألفيناه لا يعيب على الشاعر أخذ المعنى السابق وإخراجه في أحسن مما هو عليه، بل ينوء بعبء تذليل سبل السرقة أمام الشعراء اعتمادا على القدرة الذهنية والخيالية وقوة التشكيل، ذلك أنه “إذا تناول الشاعر المعاني التي قد سبق إليها فأبرزها في أحسن من الكسوة التي عليها لم يعب. بل وجب له فضل لطفه وإحسانه فيه” (50)، وهو نفسه ما أورده الصولي من أن الشاعر إذا أخذ معنى ولفظا وزاد عليه ووشحه ببديعه وتمم معناه كان أحق به (51)، أضف إلى ذلك أن القاضي الجرجاني يسلم بالمشترك الإنساني، ويرى المزية في الخروج بصورة مبتدعة رائقة من طي المعاني المبتذلة(52).

فلا غرو أن ترتسم الجودة في النصوص الفرعية فتتراءى مصوغة في أشكال لغوية وتعبيرية تنسينا مصادرها الأولى، على أننا لا نعدم من يعتسف “المعنى المشترك” مطية إلى استكشاف السرقة وتقريرها، مما يقفنا على سوءات ما ينطوي عليه ضميره إزاء هذا الشاعر أو ذاك.

وقبل أن نسوق النماذج، وبعيدا عن جو المشاحة والمشاحنة لننظر إلى قول أحمد أمين: “غاية الأمر أن الأندلسيين قد يتفوقون في إجادة التشبيه وتزويقه، واللعب فيه، ولكن أساس التشبيه واحد، هو التشبيه المشرقي…”(53).

وأتصور أن هذه الشهادة كفيلة بالتدليل على الموقع المتميز للشعر المغربي وعلى أنه بدأ يستبصر أفقا مشرقا ويستعيض عن الأخذ المبتذل والتناص الاجتراري الذي وسم بواكير المحاولات بالانخراط في آفاق التماثل والحوار.

ويقابل هذا التصنيف عند لوتمان: علاقة التوكيد، والعلاقة الصراعية، وعلاقة النفي.

درج ابن حبوس، وهو الذي استوت شاعريته في أفق مهم ووجد له موطئ قدم في البلاط الموحدي على النهل من معين المتنبي؛ من ذلك قوله:(54).
لم ألق إلا عالما وإزاءه = متعلما متكثرا متقللا

ونظر فيه إلى قول المتنبي:
وسمعت بطليموس دارس كتبه = في ملكه متبديا متحضرا

كما أن قوله: (55)
وبصرت بالطوسي يفقه حوله = وأبي المعالي مجملا ومفصلا

ينظر إلى قول المتنبي:
ولقيت كل الفاضلين كأنما = رد الإله نفوسهم والأعصرا

ونظر الجراوي في قوله(56)
بعراب خيل فوقهن أعارب
أكرم بهن قبائلا إقلالها = من كل مقتحم على الأخطار
في الحرب يغنيها عن الإكثار

إلى قول أبي تمام: (57).
الحق أبلج والسيوف عوار
ملك غدا جار الخليفة منكم = فحذار من أسد العرين حذار
والله قد أوصى بحفظ الجار

كما أن الجراوي في قوله: (58).
ألوف غدت مأهولة بهم الفلا = وأمست خلاء دورهم منهم قفرا
ودارت رحى الهيجا عليهم فأصبحوا = هشيما طحينا في مهب السما مدرا
يطير بأشلاء لهم كل قشعم = فما شئت من نسر غدا بطنه قبرا

تسعفه عملية “التداعي” أو “الاستدعاء” إن بفعل التذكر التلقائي أو التذكر التعمدي (59)، في استحضار أجواء الحرب التي عبر عنها عمرو بن كلثوم في معلقته:
متى ننقل إلى قوم رحانا = يكونوا في اللقاء لها طحينا

في حين أن قوله في مدح المنصور (60):
فلا زال بالنصر الإلهي يقتضي = بشائر يحصى قبل إحصائها القطر

مستفاد من قول المتنبي:
حلو خلائقه سوس حقائقه = تحصى الحصى قبل أن تحصى مآثره

أما قصيدة أبي حفص الأغماتي التي يفتتحها بقوله:
ألا هكذا تبنى العلى والمآثر = وتسمو إلى الأمر الكبير الأكابر

وهو من شعره الملتزم بالخط المسلكي الموحدي، فنظر فيه إلى مطلع قصيدة المتنبي: (61).
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتعظم في عين الصغير صغارها = وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتصغر في عين العظيم العظائم

5- مظاهر الإبداع والتفرد في النص الشعري المغربي

1.5 حوارية النصوص ومستويات التجاوب والتجاوز:

1.1.5- التجاوب وعدم الارتحال عن التصور العام للثقافة والشخصية المغربية:

لا أحد يشك في أن الذاكرة الشعرية الموحدية مشبعة بالمقروء المشرقي، إذ انبرت تحاور نماذجه النابهة الذكر حينا، وتمتح من معانيه أخرى، إلا أنها تمردت وتفردت على مستوى التصور الذي يفيء إلى المرجعية العقدية التي كرسها الخطاب الرسمي(62)، والذي يمثل في الآن ذاته مرجعية أساسية في التلقي النقدي. فاستبداد المتلقي بالسلط السياسية والدينية والنقدية جعل الشاعر يهجر النمطية المشرقية، ويؤثر القول على سبيل المجاراة والمحاكاة لا المعاينة والمعاناة، كما يؤثر الوضوح على الاستغراق الاستعاري والاستغوار التخييلي. ولعل من يجيل الطرف ويمعن النظر في الديوان الموحدي يستكنه تغليب الوظيفة المرجعية (شعرية المرجع).

على حساب شبه تغييب للوظيفة الانفعالية (شعرية التجربة)، مما يسم النص الشعري الموحدي بميسم التقريرية والوضوح وسهولة اقتناص المعاني، على عكس ما أكدت عليه الشعرية العربية من ضرورة إعمال العقل والفكر واعتماد التأويل(63)، والتركيز على الخاصية التخييلية والمحاكاتية(64)، والبحث الدؤوب عن الإيهام والغرابة(65).

لا جرم إذن، أن تنزاح الشعرية الموحدية عن الجانب الجمالي إلى النفعي الذي يكتنز نزعة توثيقية متلبسة بنبرة خطابية (66)، مما يحدث شرخا بين النص والتجربة، ويؤذن بأفول المواضعات الجمالية التي سطرتها التجربة المشرقية على مستوى منهج الكتابة، ونخص منها بالذكر المقدمات الاستهلالية، مثل المقدمة الطللية التي جردت المكان من عمقه النفسي والحضاري والوجودي.

فالنص الشعري الموحدي نص ذو وجهين: وجه تلميحي، وتمثله المقصدية المحكومة بإيديولوجية السلطة، والتي تتغيا التبشير بأهدافها وبشرعيتها السياسية، ووجه تصريحي، وتمثله المرجعية العقدية التي تعلن نفسها قيمة مهيمنة تروم إقناع المتلقي والإيقاع به، على نحو يجعلنا نجرؤ على القول إن الأدب الموحدي أدب “تضمين” لا أدب “مضمون” بعبارة المرحوم محمد عابد الجابري.

أما النزوع إلى التعبير عما يعتمل في وعي الجماعة، فنستبينه من غلبة غرض المدح،(67) مما يدفعنا إلى التسليم بانعدام أو انهدام رؤية الشاعر الخاصة للعالم، وتمثلاته الذهنية لوجوده ومحيطه ولقضايا مجتمعه، من هنا تبديد بعض المقومات الإبداعية التي تستجيب فيها الذات لرؤيتها.(68) وفي ذلك تفسير لسيادة الأسلوب الإقناعي المتجلي في الأساليب الطلبية والإنكارية، وبنية التكرار، والاستمدادات، والتوكيد، والمبالغات المهولة، علاوة على ما يمكن تسميته ب: “التضام التيماتي”؛ من ذلك جمع أبي الحكم بن رضي البلنسي في تهنئته ليوسف، بين العصمة والجبرية، قائلا:(69)
ومن تكون بنور الله نظرته
ما اختار إلا من اختار الإله له = رأى الصواب وستر الغيب مسدول
وليس عما أراد الله تحويل

2.1.5- من المسايرة إلى المغايرة: إن حركية الإبداع تجعل الآداب تتطامن لناموس التطور، وفقا لقانون “ابتداع المعاني”، الذي يقول عنه ابن الأثير: إنه باب “مفتوح إلى يوم القيامة. ومن ذا الذي يحجر على الخواطر”(70).

وهذا ما سنستجليه من خلال النماذج الآتية:

يقول ابن زيدون (71).
وما ولعي بالراح إلا توهم = لظلم به كالروح لم يترشف

يرى ابن بسام أنه قلب قول أبي الطيب:
وما شرقي بالماء إلا تذكر = لماء به أهل الحبيب نزول

ويقول ابن عبدون:
كأن عداه في الهيجا ذنوب = وصارمه دعاء مستجاب

وعلق ابن بسام على هذا البيت قائلا: “وهذا مما أغرب فيه ولم أسمع له بشبيه ولعله أمير شعره ونتيجة فكره”(72).

فالتفاضل لا يتم في عمومية المعاني وإنما في خصوصية الصورة كما يرى عبد القاهر الجرجاني.

ولابن حبوس قصيدة مطلعها(73)
فعل امرئ دل على عقله
أن الذي يكرم في جنسه = والفرع منسوب إلى أصله
هو الذي يكرم في فصله

وقد قالها بمناسبة احتفال الخليفة بالمصحف العثماني الذي أتي به عام 552هـ.

وسار فيها على نمط المتنبي في هجو كافور في قصيدته التي مطلعها(74)
أنوك من عبد ومن عرسه
ما من يرى أنك في وعده
وإنما يظهر تحكيمه = من حكم العبد على نفسه
كمن يرى أنك في حبسه
ليحكم الإفساد في حسه

ويرى الأستاذ ابن تاويت أنه بصدد مدح الخليفة عبد المؤمن ولا ندري لماذا نظم على نمط هذه القصيدة الاستهزائية. وهنا يمكننا الحديث عما يسميه محمد مفتاح حوار التصادم أو المحاكاة الساخرة (75)، إذ نلحظ إفراغ الشاعر لانفعالاته الداخلية في تلقائية تنأى عن الفجاجة والابتسار، وتضارع عيون الشعر المشرقي.

ومن نماذج المغايرة أيضا ما أثبته حازم القرطاجني حين قال: “ومن محاكاة الشيء بغيره على غير ما ألف فيه قول أبي عمر ابن دراج:
وسلافة الأعناب يشعل نارها = تهدى إلي بيانع العناب

فالمألوف أن يذوي النبات الناعم بمجاورة النار لا أن يونع، فأغرب في هذه المحاكاة كما ترى”(76).

2.5- النص والمرايا المتناظرة: بين استثارة انفعالات الذات واستعارة إمساسات الآخر:

يتجه الشاعر المغربي إلى صهر محفوظه من الشعر المشرقي في سياق تجربته الذاتية لينشأ عن ذلك تمازج نادر بين إحقاقات الآخر وإشراقات الذات، أو بين الفكر والانفعال، فقول أبي الربيع: (77)
لا تعذلوني فما أصغي لعذلكم = صمت عن العذل أذني ليس تسمعه

يجمع إحساسه الذاتي إلى قول محمد بن زريق البغدادي:
لا تعذليه فإن العذل يولعه = قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه

علاوة على أن قوله:
وادعوا لنا فعسى من شت شملهم = بعدا وشملي يعافيكم ويجمعه

مأخوذ من قول الشاعر نفسه:
عل الليالي التي أضنت بفرقتنا = جسمي ستجمعنا يوما وتجمعه

ولم يكن من قبيل المصادفة أن يستهل ابن حمديس الصقلي مدحته التي أنشدها بين يدي المعتمد بن عباد بالحديث عن الخمرة دون وصف الطلول، ولكنه ترسم مقصود لخطى أبي نواس المسكونة بالتمرد حين يقول:
صفة الطلول بلاغة الفدم = فاجعل صفاتك لابنة الكرم

وابن حمديس يقول: (78)
خلعت على بنيات الكروم
أخذت بمذهب الحكمي فيها = محاسن ما خلعن على الرسوم
وكيف أميل عن عرض الحكيم

فقد استعار طريقة أبي نواس (مذهب الحكمي) للتعبير بصيغة غير شخصية عن رغبته الصادقة في العروج عن المألوف والخروج من طوقه.

6- جمالية التشخيص والتحول باللغة الشعرية من الانغلاق إلى الاختراق:

مثل وصف الطبيعة عند أبي تمام مرجعية الشعر المغربي(79)، وبخاصة في الأندلس، غير أنه عرف دينامية التحول من الانغلاق اللغوي أو الوقوف عند الدلالات الوضعية للألفاظ إلى مرحلة الاختراق أو التكثيف من “معنى المعنى” بلغة الجرجاني، ولاسيما أن الطبيعة مصدر أساسي للإلهام(80).

وقد وقفت قصيدة ابن بياع السبتي(81) الربيعية في تشخيص الطبيعة، إذ سحبت الخصائص الإنسية عليها، على نحو جعل النمط الاستعاري يستبد بها. ومطلع القصيدة(82)
أبدت لنا الأيام زهرة طيبها
واهتز عطف الأرض بعد خشوعها = وتسربلت بنضيرها وقشيبها
وبدت بها النعماء بعد شحوبها

فمن خلال هذه القصيدة يفصح الشاعر عن بعض ما وقر في ذاكرته من خبرات عميقة الغور تشي أنماطها التعبيرية بتملك الشاعر لخيال خلاق مترع بحقائق إنسانية مجترحة من الذاكرة الجماعية، وفي مكوناتها وتفاصيلها معادل موضوعي لمشاعر الشاعر وشعائره، وهذا ما يفسر لواذه بالتشخيص، وإن ظلت ذاته منفعلة غير فاعلة كما يتبدى من خلال النص، إذ يبعد ذاته عن الطبيعة، ولا يكاد يقحمها إلا في قوله:
فعجبت للأزهار كيف تضاحكت = ببكائها وتبشرت بقطوبها

ولا أحسب هذا الإقحام يبلغ حد التفاعل النفسي والمشاركة العاطفية. إن قول الشاعر:
وقفت عليها السحب وقفة راحم
فعجبت للأزهار كيف تضاحكت = فبكت لها بعيونها وقلوبها
ببكائها وتبشرت بقطوبها

يجعل الأرض تحزن بانفراج السماء وتضحك ببكائها، إذ يقوم باختراق روشم التنميط إلى استخذاء الطبيعة لإحساسات إنسية في إطار ما أطلق عليه كوهن “الصورة العاطفية للشيء”(83).

وينطلق من الأرض بوصفها مكانا عاما ليندرج نحو الأرجاء والجداول والحافات والميادين والثغور والدروب بوصفها أماكن جزئية، محاولا في هذا الخضم أن يخترم المألوف وينزاح عن النسق المتداول للغة المعيارية متجها إلى تشكيل فضاء المكان عبر اللغة والخيال، لينخرط فيما يسميه جيرار جينيت جماليات اللغة أو جماليات الخيال(84).

إلا أن أهم ما استوقفنا هي الأبيات الأربعة الأخيرة، والتي تقفنا على تداخل صور جزئية لتشكيل الصورة الأم والتي ترتبط بالنص ككل أو بمقطع منه، وتجلو رؤية الشاعر التي جعلها أحمد الطريسي أعراب مرادفة للصورة الشعرية.

فعلى المستوى الأول جعل الشاعر ركوب الخيل في قوله:
أعريت خيلك صيفها وخريفها = وشتاءها هذا أوان ركوبها

مقابلا لركوب الزهرة للقضيب في قوله:
أو ما ترى الأزهار ما من زهرة = إلا وقد ركبت فقار قضيبها

وعلى المستوى الثاني: جعل حركة أرجل الراكب – وهي صورة ضمنية في البيت الأول- أشبه بخفقان الطير في قوله:
والطير قد خفقت على أفنانها = تلقي فنون الشدو في أسلوبها

ليخلص إلى المستوى الثالث: إذ شبه رد فعل الحصان من خلال حركته الطبيعية عند الركض – وهي صورة ضمنية أيضا في البيت الأول- باهتزاز الغصون، بوصفه فعلا طبيعيا أيضا على خفقان الطير عند قوله:
تشدو وتهتز الغصون كأنما = حركاتها رقص على تطريبها

ونوضح ذلك بالترسيمة الآتية:


7- تأثير الشعر المغربي في نظيره المشرقي:

انعقد الإجماع أو كاد ينعقد على أن تأثير المغرب في المشرق في فني الموشحات والأزجال أمر مقطوع به، بالإضافة إلى فن رثاء المدن(85) وأدب الرحلات والمولديات (قصائد قيلت في مدح ليلة المولد النبوي).

ومن أقدم ما وصلنا في رثاء المدن بالأندلس قول عبد الله الجزيري يبكي الجزيرة الخضراء بعد إغارة المجوس عليها، ويمدح القائد عبد السلام بن ثعلبة(86)
لتبك لقتلاها العيون السواجم
ألا إن فيض الدمع هاج هموله = فقد عظم الخطب الخطوب العظائم
رجال ثووا في الحرب صيد أكارم

وترجح الأستاذة مهجة الباشا أن يكون المتنبي قد نظر إليها وتأثر بها في قصيدته السائرة في الأنحاء:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتعظم في عين الصغير صغارها = وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتصغر في عين العظيم العظائم

ولعل وحدة الوزن والروي والغرض والمناسبة وتماثل بعض الألفاظ يجعل من تخمين الأستاذ مهجة الباشا حقيقة (87). وليس هذا فحسب، بل إننا نسجل السعي الحثيث لبعض المشارقة إلى تقليد مرثية أبي البقاء الرندي(88)، التي مطلعها:
لكل شيء إذا ما تم نقصان = فلا يغرَّ بطيب العيش إنسان

“فانحدروا في مهاوي الصنعة الركيكة لسعيهم وراء الأساليب المنهكة التي لا تحرك المشاعر”(89).

ومن ذلك قصيدة في رثاء دمشق وقد داهمها التتار، مطلعها:
أجريت جمر الدمع من أجفاني
سقطت غصون البان من قاماتها = حزنا على الشعراء والميدان
لما سمعت نواغق الغربان

أما الأشعار الغزلية لأبي حفص الأغماتي فتميط اللثام عن شخصيته، ومنها تلك الأبيات التي ظفرت بنجاح منقطع النظير، وعلق عليها ابن سعيد بأنها اشتهرت في الغرب والشرق (90)، يقول:
مشت كالغصن يثنيه النسيم = لها ردف تعلق من لطيف
يعذبني إذا فكرت فيه = ويعدوه النسيم فيستقيم
وذاك الردق لي ولها ظلوم = ويتعبها إذا راحت تقوم

ويردف ابن سعيد بأن له موشحات يتغنى بها في الأقطار (91).

فالنص يبين أن الأغماتي قد ثقف صنعة الشعر حتى أصبح القول ينثال عليه عفو الخاطر.


خاتمة

إن التأمل النظري المساوق للقراءة الاستنطاقية (91) أو التشخيصية (93) هو المعبر الكفيل بتعرية واقع الشعر العربي، ودرء كل ما من شأنه أن يميل بالباحث عن الإنصاف إلى الإجحاف الذي يجلوه تحكم الانطباعات الذاتية والأهواء الشخصية.

لذلك، لا يسعنا إلا أن نعلن شجبنا للتعصب ورفضنا للرؤية الأحادية في الاتصال والتأثير، والدعوة إلى الأخذ بأسباب الوحدة الثقافية الشاملة، والقول بالتواصل وجدلية التأثير والتأثر، والتي تستدرجنا إلى التخلي عن وهم “استقلالية النص”، وتكشف – ترتيبا عن ذلك- أن التفريق بين أدب مغربي وآخر مشرقي بدعة أدبية لاتفتأ أن تسدي ما لا تستطيع أن تلحمه. من هنا ضرورة رتق الفجوة التي اتسعت بما يكفي بين القطرين، منذ أن أعلن الصاحب بن عباد عن موقفه من “العقد الفريد” وحمّلوا هذا الموقف أكثر مما يحتمل.



هوامش الدراسة:

1- النقد والدراسة الأدبية، د. حلمي مرزوق، دار النهضة العربية، بيروت، ط 1، 1982م، ص 7.

2- المدخل في النقد الأدبي، نجيب فايق أندراوس، مكتبة الأنجلو المصرية، مصر، د ط، 1974م، ص 7-8.

3- مقال “وظيفة الخيال” لجرام هيو، ضمن كتاب”حاضر النقد الأدبي”، محمود الربيعي، دار المعارف، مصر، ط 2، 1977م، ص 91.

4- حوار المشرق والمغرب، محمد عابد الجابري وحسن حنفي، دار توبقال للنشر، المغرب، (ضمن سلسلة معالم)، ط 1، 1990م، ص 29-30.

5- الأقليات الدينية الأخرى تتعايش مع الأغلبية المسلمة في أجواء يطبعها التسامح والتكامل والحوار، وتتمتع داخل كل قطر من الأقطار العربية بحقوق المواطنة الكاملة. هذا علاوة على أن تأثير الأقليات في البنيات الثقافية يكون محدودا.

6- “التراث والحداثة”، محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، 1991م، و”نحن والتراث” المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط 5، 1986م.

7- وعلى رأسهم محمد بنيس.

8- يقول د. عباس الجراري:” إنني أومن بالإقليمية مرحلة لجمع شتات أدبنا في مختلف أجزاء الوطن العربي، وسبيلا لدراسة هذا الأدب، بهدف تكميل الرؤيا الوحدوية وإكسابه خصبا وغنى وتنوعا…” (الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه + مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، المغرب، ط 3، 1986م، ج1، ص190.

وقد أقبل على دراسة التراث بغية استجلاء الشخصية الوطنية ثم لأن “دراسته تعزيز لإقليمية الأدب وتقرير لمذهبه تؤيد الداعين له منهاجا للكشف عن أدب الأقاليم العربية المختلفة، وسبيل الأمة العربية إلى لم شتات أدبها المبعثر المجهول”، “القصيدة: الزجل في المغرب”، مطبعة الأمنية، الرباط، المغرب، ط 1، مارس 1970م، ص 1.

وقد فطن إلى ذلك عبده عبد العزيز قلقيلة حينما قال: “ومن يدري، فقد يأتي الوقت الذي تخص فيه جامعات المشرق كرسيا للآداب المغربية: تاريخها ومادتها، ونقدها وبلاغتها، وبيئاتها ورجالها… أما الانكفاء على النفس… فهذا عمل غير صالح، ثم هو ليس في مصلحة الحقيقة العلمية، ولا القومية العربية، ولا وحدة المصير والهدف”. (النقد الأدبي في المغرب العربي – مكتبة الأنجلو المصرية، دط، 1973م، ص 399).

9- الأدب المقارن، ماريوس كويار، ترجمة هنري زغيب، منشورات عويدات، بيروت/ باريس، ط 2، 1988م، ص 5.

وأيضا: الأدب المقارن، فان تيجم، ترجمة سامي مصباح الحسامي، المكتبة العصرية، بيروت، د ط، د ت، ص 62.

10- مفاهيم نقدية، رينية ويليك، ترجمة: د. محمد عصفور، مطابع الرسالة، الكويت، فبراير 1987م، (يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ضمن سلسلة (عالم المعرفة))، ص 363.

11- الأدب المقارن بين المفهومين الفرنسي والأمريكي، عبد الحكيم حسان، مجلة فصول، المجلد 3، عدد 3، الجزء 1، 1983م، (تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ص 17.

12- “إن السرقة ليست مرادفا تاما للتناص، لكن أشكالها الموظفة تعد ضمن الحالات التي يتضمنها هذا المصطلح الحديث، فهو أعم وهي أخص، وهو لغوي أدبي وهي في بعضها لغوية، وهي حكم خارجي على بناء يتسم بالنشاط الخيالي، وهو صفة ملازمة لهذا البناء الخيالي الذي يتجاور فيه الحاضر مع الماضي، وهي تعتمد على المشابهة، أما هو فيعتمد أكثر على التضاد”. (التناص الشعري، قراءة أخرى لقضية السرقات، مصطفى السعدني، منشأة المعارف بالإسكندرية، مصر، د ط، 1991م، ص 8.

13- تقول كريستيفا: (كل نص هو امتصاص أو تحويل لوفرة من النصوص).

O.ducrot, T.Todorov, dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, seuil, paris, 1974, p 446.

وتعد كريستيفا أول من صاغ المصطلح تحت اسم (intertextualité)، وتناوله آخرون بالإضافة والتعديل، ومنهم رولان بارت، وريفاتير، ولوتمان، وجاك دريدا وغيرهم.

14- مدخل لجامع النص، جيرار جينيت، ترجمة: عبد الرحمن أيوب، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، (ضمن سلسلة المعرفة الأدبية)، ط2 ، 1986م.

15- الوساطه بين المتنبي وخصومه، القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني، تحقيق وشرح: محمد، أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، دار القلم، بيروت، لبنان، ص 214.

16- الموازنة، الآمدي، حقق أصوله وعلق حواشيه، محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، ط 3، 1959م، ص 123.

17- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ابن رشيق القيرواني، حققه وفصله، وعلق حواشيه محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، ط 3، 1964م، ج 2، ص 215.

18- عصر سلاطين المماليك، ط 1، 1965م، المجلد 8، ص 447.

19- تاريخ النقائض في الشعر العربي، أحمد الشايب، ص 7.

20- المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ضياء الدين ابن الأثير، قدمه وحققه وعلق عليه، أحمد الحوفي وبدوي طبانة، مطبعة الرسالة، ط 1، 1962م، القسم 3 ، ص 222.

21- العمدة، ابن رشيق، 2/282.

22- م. نفسه، ص 282.

23- نظرية الأدب، رينيه ويليك وأوستين وارين، ترجمة: م. صبحي، مراجعة: حسام الخطيب، ط 2، 1980م، ص 55.

24- اللغة بين القومية والعالمية، إبراهيم أنيس، دار المعارف، مصر، 1970م، ص 8.

25- عندما تسافر النظرية، إدوارد سعيد، ترجمة: مصطفى كمال، مجلة “بيت الحكمة”، العدد 2، السنة 1، يوليوز 1986م، ص 140.

26- م. نفسه، ص 140.

27- التفسير والتأويل قد يترادفان، كما قد يختص التفسير بالعموم والتأويل بالخصوص، وجاء في التعريفات أن التفسير “أكثر ما يستعمل في الألفاظ والتأويل في المعاني”. ينظر التعريفات، السيد الشريف الجرجاني، القاهرة 1939م. والكليات، أبو البقاء الكفوي، دمشق 1982م، وغيرهما.

28- عندما تسافر النظرية، إدوارد سعيد، ص 151.

29- أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة، محمد بن شريفة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1986م.

30- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني، حققه: د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت، لبنان، 1988م، بصدد الحديث عن تبادل الهجرات بين المشارقة والأندلسيين.

31- المعجم الأدبي، جبور عبد النور، ص 81.

32- أول من وضع مفهوم “الأدب العالمي”، هو الألماني غوته.

33- الشخصانية الإسلامية، د. محمد عزيز الحبابي، دار المعارف، مصر، ط 2، مصطلح “الشخصانية” أكثر شمولية وعمقا من مفهوم “الفردانية” أو “الذاتية”، وللاستزادة من موضوع وسائل الاتصال والنزعة العالمية يمكن الرجوع إلى “النزعة العالمية”، صالح جمال بدوي، الموسم الثقافي لكلية اللغة العربية، جامعة أم القرى (السعودية).

34- مبادئ علم النفس العام، يوسف مراد، ص 243-249.

35- سيكولوجية الإبداع، د. عبد الرحمن عيسوي، دار النهضة العربية، بيروت، ص 21.

36- Bakhtine cité par Jean Peytard, “sur quelques relations de la linguistique à la sémiotique littéraire de Greimas à Bakhtine” dans “la pensée”, octobre 1980, N° 215, p 40.

37- عيار الشعر، ابن طباطبا العلوي، شرح وتحقيق عباس عبد الساتر، مراجعة: نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1982م، ص 80.

38- العمدة، ابن رشيق، ص 282.

39- التناص وإشاريات العمل الأدبي، صبري حافظ، ضمن مجلة “عيون المقالات” عدد 2، 1986م، ص 81.

40- شرح ديوان المتنبي، عبد الرحمن البرقوقي، تحقيق محمد عبده عزام، المطبعة الرحمانية، مصر، 1930م، ج 1، ص 61.

41- ديوان أبي تمام، شرح الخطيب التبريزي، دار المعارف، مصر، المجلد 1، ص 40.

42- ديوان ابن دراج القسطلي، تحقيق محمود علي مكي، المكتب الإسلامي، ط 2، 1389هـ.

43- ديوان المتنبي، شرح البرقوقي، ج1، ص 361.

44- م. نفسه، ج 2، ص 467.

45- ديوان محمد ابن هانئ الأندلسي، تحقيق محمد البعلاوي، دار الغرب الإسلامي، ط 1، 1995م، ص 282.

46- ديوان المتنبي، ج 2، ص 77.

47- ابن حبوس، عبد الكريم التواتي، مجلة “دعوة الحق”، عدد 236، ص83-91.

48- البيت مأخوذ من مقطوعة مطلعها:
يقولون صبرا ما البكاء بنافع ولا راجع من قد مضى آخر الدهر

وقد ورد البيت المذكور في المتن في قصيدة رثائية للقحيف بن خمير بن سليم، المتوفى في العقد الثالث من القرن الهجري الثالث، والمذكور في آخر طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي، والأغاني للأصفهاني. وقد ورد عنده البيت على الشكل الآتي:
فما تشتفي عيناي من دائم البكا عليك ولو أني بكيت إلى الحشر

ينظر “ديوان الأمير أبي الربيع سليمان الموحدي”، تحقيق محمد بن تاويت الطنجي وسعيد أعراب ومحمد بن العباس القباج ومحمد بن تاويت التطواني، بمساهمة المركز الجامعي للبحث العلمي، وتحت إشراف معهد مولاي الحسن للبحوث المغربية، المطبعة المهدية، تطوان، د ت، ص 48.

49- تاريخ النقد الأدبي عند العرب، إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، ط 4، 1983م.

50- عيار الشعر، ابن طباطبا، ص 79.

51- أخبار أبي تمام، أبو بكر محمد بن يحي الصولي، دققه وعلق عليه: خليل محمود عساكر ومحمد عبده عزام، ونظير الإسلام الهندي، قدم له الدكتور أحمد أمين، المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر، بيروت، لبنان، ص 53.

52- الوساطة، عبد العزيز الجرجاني، ص 186، يقول: “وقد يتفاضل متنازعو هذه المعاني بحسب مراتبهم من العلم بصنعة الشعر، فتشترك الجماعة في الشيء المتداول، وينفرد أحدهم بلفظة تستعذب أو ترتيب يستحسن، أو تأكيد يوضع موضعه أو زيادة اهتدى لها دون غيره، فيريك المشترك المبتذل في صورة المبتدع المخترع….”.

53- ظهر الإسلام، أحمد أمين، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، (موسوعة أحمد أمين الإسلامية)، ط 5، 1969م، مجلد 2، الجزء 3، ص 203.

54- البيت مأخوذ من قصيدة طويلة مدح بها ابن حبوس الخليفة الموحدي عبد المومن بن علي الكومي بجبل طارق عام 556هـ، ومطلعها:
بلغ الزمان بهديكم ما أملا وتعلمت أيامه أن تعدلا

ينظر القصيدة بتمامها في “الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصى”، محمد ابن تاويت، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط 1، 1982م، ج 1، ص 102.

55- م. نفسه.

56- البيتان من قصيدة مطلعها:
أعليت دين الواحد القهار بالمشرفية والقنا الخطار

ينظر المرجع السابق، ص 121-122.

57- ديوان أبي تمام، المجلد 2، ص 198.

58- من قصيدة للجراوي يمدح بها المنصور الموحدي، مطلعها:
هو الفتح أعيا وصفه النظم والنثرا وعمت جميع المسلمين به البشرى

ينظر “الوافي”، ابن تاويت، ج 1، ص 141-142.

59- مشكلة السرقات في النقد العربي، محمد مصطفى هدارة، المكتب الإسلامي، بيروت/ دمشق، ط 3، 1981م، ص: 277-278.

60- الوافي ابن تاويت، ص 269.

61- ديوان المتنبي، ج 2، ص 269.

62- مؤسس العقيدة الموحدية هو محمد بن تومرت، من أهل سوس، اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ ميلاده، فجعلوه ما بين 469 و 486هـ. استكمل دراسته بالمشرق، فتنبه وقتها إلى قوة المنطقة عقديا وضعفها عسكريا، على عكس المغرب القوي عسكريا، والضعيف عقديا، فأومأ له ذلك بالتلفيق بين مجموعة عقائد شكلت دستور الدولة الموحدية ومرجعية أدبها.

63- أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، قرأه وعلق عليه أبو فهر محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، مصر، ط 1، 1991م، ص 90 وما بعدها.

64- منهاج البغاء وسراج الأدباء، حازم القرطاجني، تقديم وتحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 3، 1986م. ص 71.

65- البيان والتبيين، الجاحظ، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ط 2، 1960م، ص 89-90.

66- يرى حازم القرطاجني أن التخييل هو قوام المعاني الشعرية وأن الإقناع هو قوام المعاني الخطابية، إلا أن “صناعة الشعر تستعمل يسيرا من الأقوال الخطابية، كما أن الخطابة تستعمل يسيرا من الأقوال الشعرية لتعتضد المحاكاة في هذه بالإقناع والإقناع في تلك بالمحاكاة”. المنهاج، ص 293.

67- الدولة الموحدية، أثر العقيدة في الأدب، د. حسن جلاب، يقول في ص: 63: “إن المدح مهيمن، إذ بلغ %94 من مجموع الشعر المذهبي”.

68- نسجل تساوق الشعرية الموحدية مع الوظائف الثلاث التي حددها كل من محمد عبد المنعم خفاجي وعبد العزيز شرف للغة، وهي:

1- الوظيفة الإعلامية: القائمة على الإبلاغ والتوصيل كما في الاتصال الإعلامي.

2- الوظيفة التعبيرية: وذلك في شقها الثاني المتعلق بتحريك مشاعر أو اتجاهات المتلقي.

3- الوظيفة الإقناعية: التي تتغيا إقناع المتلقي بفلسفة محددة أو رأي معين أو وجهة نظر ما، على غرار ما يحدث في الاتصال الإقناعي بوجه عام. (البلاغة العربية بين التقليد والتجديد، دار الجيل، بيروت، ط 1، 1992م، ص 92).

69- تفاصيل الموضوع ضمن كتاب: “الدولة الموحدية” لحسن جلاب.

70- المثل السائر، ابن الأثير، ج 3، ص 262.

71- ديوان ابن زيدون، شرح وتحقيق كرم البستاني، دار صادر للطباعة والنشر، ودار بيروت للطباعة والنشر، (لبنان)، 1964م، ص 389.

72- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، ابن بسام الشنتريني، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، ق1، مجلد 2، 1979م، ص 186.

73- ينظر نص القصيدة في “الوافي” لابن تاويت، ص 94-96.

74- ديوان المتنبي، ج 1، ص 389.

75- دينامية النص، محمد مفتاح، المركز الثقافي العربي، بيروت / الدار البيضاء، ط 2، 1990م.

76- المنهاج، حازم، ص 95.

77- ديوان أبي الربيع، ص 90.

78- ديوان ابن حمديس، صححه وقدم له إحسان عباس، دار صادر، ودار بيروت، 1960م، ص 435.

79- ومع ذلك، يرى أحمد أمين أنه “من الإنصاف لأهل الأندلس أنهم فاقوا شعر الشرق في وصف الطبيعة خاصة، وفي الوصف عامة، وربما كان هذا أثرا من جمال بيئتهم الطبيعية”. (ظهر الإسلام، ص 202).

80- سيكولوجية الإلهام، يوسف ميخائيل أسعد، دار الغريب، القاهرة مصر، ص 16.

81- اختلف في اسمه بين ابن بياع السبتي وابن زنباع الطنجي، وقد تجشم الأستاذ محمد بن شريفة في مقال له نشر بمجلة “المناهل” المغربية، التي تصدرها وزارة الدولة في الشؤون الثقافية، عدد 22، تحت عنوان “ابن بياع لا ابن زنباع”، عبء تحقيق اسم هذا الشاعر ليثبت أنه ابن بياع السبتي.

82- قلائد العقيان، الفتح بن خاقان، حققه الطاهر ابن عاشور، دار القلم تونس، 1990م، ص 548-550).

83- بنية اللغة الشعرية، جان كوهن، ترجمة محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال للنشر، المغرب، ط 1، 1986م، (ضمن سلسلة المعرفة الأدبية) ص 197.

84- Figures of literary discourse, Gerard Genette, Black, well, ox ford, 1982, p 29.

85- رثاء المدن قليل في الأدب العربي، عرف في شعر عدي بن زيد والأعشى ميمون وغيرهما من الشعراء الذين تمسحوا في الجاهلية، كما نجد رثاء المدن لدى الشاعر العباسي البحتري في رثائه لإيوان كسرى، وإن كانت وقفته هذه أشبه بوقفات الشعراء الجاهليين على الربوع والدمن. (الوافي، ابن تاويت، ج 3، ص 741).

86- أثر الأدب المغربي الأندلسي في أدب المشرق، دة، مهجة الباشا، ضمن حوليات كلية اللغة العربية، مراكش، عدد 6، المطبعة والوراقة الوطنية، 1995م، ص 208.

87- م.نفسه، ص 208.

88- مثل بها أحمد أمين بمعية أبيات من شعر ابن عبدون بعقب قوله: “هناك نوع آخر فاق فيه الأندلسيون المشارقة، وهو البكاء على البلاد، فما سقطت بلدة، أو أشرفت على السقوط حتى قالوا فيها شعرا قويا حزينا” (ظهر الإسلام، ص: 203).

89- أثر الأدب المغربي، مهجة الباشا، ص 217.

90- الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة، ابن سعيد الأندلسي، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار المعارف، مصر، ط 2، 1969م، ص 93.

91- م. نفسه، ص 93.

92- إضاءة النص، اعتدال عثمان، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط 1، 1988م، ص 108.

93- الخطاب العربي المعاصر، محمد عابد الجابري، دار الطليعة، بيروت، 1985م.




 
أعلى