قصة قصيرة إي. سي.أوسوندو - انتظار

اسمي أورلاندو زاكي. اسمي مستمد من اسم مدينة أورلاندو في فلوريدا الأمريكية، وهذا الاسم مكتوب على قميصي الذي أعطاه لي الصليب الأحمر، أما «زاكي» فهو اسم البلدة التي عُثِر عليَّ فيها والتي أٌتِيَ بي منها إلى مخيّم اللاجئين. ويعرف أصدقائي في المخيم بالكتابات الموجودة على قمصانهم، فأكابولكو يرتدي قميصاً كتب عليه «أكابولكو»، أما قميص «الحلو» فقد كتب عليه «قل لي أنت الحلو»، ويقول قميص باريس «انظر إلى باريس، ثم مت»، وحينما تقترب باريس مني أغلق عيني لأني لا أريد أن أموت.

وحتى حينما يحصل الواحد منا على قميص جديد فإن الاسم القديم يبقى معه ولا يفارقه، فقد حصلت باريس قبل فترة على قميص كتب عليه «سَلنِي عن الربّ» لكننا ما زلنا نسميها باريس ولا نسألها قط عن أحد.

لا يمكنك أبداً أن تعرف الكتابة التي ستظهر على قميصك، ونحن نتصارع ونتعارك عليها، ونحسب أنفسنا محظوظين حينما نحصل على أحد تلك القمصان. خذ مثلاً «الوسخ»: قميصه يقول «لقد ذهب والدي إلى يَلوستون وأتى لي بهذا الملبس الوسخ»، ولأنه لا يستطيع أن يعارك لم يتمكن من الحصول على قميص آخر، وهو يرتدي القميص نفسه منذ أن جاء إلى المخيّم. وبعض الناس محظوظون: فكان عند لندن قميص كتب عليه «لندن» وهو الآن في لندن، فقد تبنته أسرة هناك. من يعلم؟! ربما سأجد أسرة تتبناني في أورلاندو بفلوريدا.

الراهبة نورا هي التي أخبرتني أن أبدأ في تدوين هذا الكتاب، وهي تقول «التذكر خير طرق النسيان، والنسيان خير طرق التذكر». هكذا تتحدث الراهبة نورا، بطريقة دائرية. أظن أنها تفعل هذا لأنها راهبة، فهي تتحدث بالأمثال مثل المسيح. هي التي تعطيني الكتب كي أقرأ. إنها تقول إنني أملك قريحة في سرد القصص، ولهذا فهي تقول إنني سوف أصبح كاتباً ذات يوم.

كان أول كتاب أعطتني إياه هو «في انتظار جودو»، وتقول إن الناس في الكتاب ينتظرون الله ليأتي وينقذهم. ونحن هنا في المخيم ننتظر وننتظر ثم ننتظر أكثر. وهو الشيء الوحيد الذي نفعله. ننتظر قدوم شاحنات الطعام, ثم نقف في طابور مستقيم ثم ننتظر بضع دقائق حتى يتبعثر الطابور, ثم ننتظر بداية العراك، ثم نتعارك ونتصارع ونعضّ ونرفس ونلعن ونندفع وننتزع الطعام ونهرب. ثم نبدأ في مراقبة الطريق، وننتظر لنرى إن كانت ناقلات الماء ستأتي. ننتظر غبار قافلة الناقلات ثم نذهب ونأتي بأوعية الماء التي لدينا ثم نبدأ في الانتظار, ثم تأتي الشاحنات ثم تمتلئ أول بضعة أوعية, غير أنه سرعان ما يبدأ العراك والصراع والانتزاع والضربات واللكمات لأن أحدهم يهمس بأن الناقلة ليس بها إلا القليل من الماء. طبعاً هذا لا يحدث إلا حينما يسعفنا الحظ وتأتي ناقلة الماء، ففي الأغلب نأتي بأوعيتنا ونأخذ في الانتظار والدعاء بأن ينزل المطر.

واليوم نحن ننتظر المصوّر ليأتي ويلتقط صورنا. هذه الصور هي التي يرسلها الصليب الأحمر إلى موظفيهم في الخارج ليعرضوها على الناس في البلدان الأجنبية، وبعد أن ترى الأسر الأجنبية تلك الصور تختار من تريد أن يذهب إلى هناك ليعيش معها. هذا هو الأسبوع الثالث ونحن ننتظر المصوّر، لكن عليه أن يجتاز منطقة القتال، ولهذا فربما لن يستطيع الوصول اليوم. وبعد التقاط الصورة يتوجب علينا أن ننتظره ليطبعها ويأتي بها مرّة ثانية. ثم نعطيها لموظفي الصليب الأحمر ثم ننتظر رداً من الخارج.

أريد أن أذهب لألتقي بصديقي تحت الشجرة الوحيدة التي لا تزال قائمة في المخيّم. أكابلوكو يرمي بقبضة من الغبار الأحمر في الهواء لينظر إن كان الهواء يتحرك. الهواء راكدٌ والتراب الأحمر يسقط إلى الأرض في عمود مستقيم.

«هل تظن يا أورلاندو أن المصور سيأتي اليوم؟»

«ربما سيأتي»

«هل تظن بأن عائلة أمريكية سوف تتبنّاني؟»

«ربما، إن ساعفك الحظ»

«هل سيجدون علاجاً لتبولي على الفراش؟»

«في أمريكا هناك حبوبٌ تداوي كل مرض»

«أنا لست مريضاً. أنا فقط أبلل نفسي حينما أنام لأني أحلم بأني أتبول في العراء ثم أستيقظ لأجد سروالي رطباً لأني لم أكن في العراء بل كنت أحلم، لكن البول حقيقي»

«الحلم نفسه كل ليلة؟»

«نعم. هل تظن أني لو ذهبت إلى أمريكا سيسمع عني أبي وأمي ويراسلانني وأراسلهما وأطلب من عائلتي الجديدة بأن يسمحوا لهم بالمجيء لينضموا إليّ؟»

«حينما تنتهي الحرب سوف يجدك أبواك»

«متى ستنتهي الحرب؟»

«لا أعرف، ولكنها ستنتهي قريباً»

«إذا كانت الحرب ستنتهي قريباً لماذا يرسلنا موظفو الصليب الأحمر إلى أمريكا؟»

«لأنهم لا يريدوننا أن ننضم إلى لواء الشباب ونطلق النار على الناس، ونقتل ونغتصب وننهب ونسرق وندمر ونحارب حتى النهاية ونلقى حتفنا ولا نذهب للمدارس»

هذا هو السبب الذي يجعل أكابولكو يجلس دائماً تحت الشجرة: لأنه كان دائماً كثير السؤال. الراهبة نورا تقول إن في كثرة السؤال خيراً جزيلاً، وإنه ما ضلّ طريقه قط من سأل. يبدأ أكابولكو في رمي التراب مرّة أخرى ليرى إن كان الهواء يتحرك. القيح يخرج من أذنيه، ولهذا تخرج منه رائحة بيض فاسد. كان هذا سبباً آخر يجعل الناس يبتعدون عنه. ذبابة تطن حول أذنه، يتجاهلها قليلاً ثم يطردها بعنف في اللحظة التي تكاد أن تحط فيها على أذنه.

«أتمنى لو كان عندي كلب»

«ماذا تريد أن تفعل بالكلب؟»

«سأصور مع الكلب في الصورة التي يرسلونها إلى أمريكا لأن الناس البيض يحبون الكلاب»

«لكنهم يحبون الناس أيضاً»

«نعم، لكنهم يحبون الناس الذين يحبون الكلاب»

«نعم. لندن الآن في لندن»

«ربما ستذهب قريباً إلى أكابولكو»

«أين تقع أكابولكو؟»

«عندهم محيط كبير هناك، أزرق وجميل»

«لا أحب المحيط، لا أعرف كيف أسبح. أريد أن أذهب إلى أمريكا»

«كل واحد في أمريكا يعرف السباحة. توجد بركة سباحة في كل بيت في أمريكا»

«سوف أحب السباحة في بركة سباحة، لا في المحيط. سمعت بأن الماء في برك السباحة عذب ونظيف وأزرق، ويقال إنه مفيد للجلد»

حلّ الصمت علينا. نستطيع سماع صوت ألواح الألمونيوم التي بنيت بها البيوت، فهي تزمجر غضباً مثل صوت انطلاق الرصاصات التي بحجم الدبابيس. أما البيوت المبنية من القماش المشمّع وألواح البلاستيك فتتطاير عند هبّة الهواء مثل انطلاق ألف طائرة ورقية في الهواء. الهواء يطيّرها بعيداً. يرتطم بعضها بوجهينا، وأكابولكو يبتسم.

يقول «الله لا ينام». لم أتفوه ببنت شفة.

«كانت هناك كلاب في المخيّم». أكابولكو وصل إلى المخيّم قبلي، وهو أحد أكبر الأولاد عمراً في المخيّم.

كانت هنا الكثير من الكلاب السود. كانت هذه الكلاب صديقاتنا، وكانت تحمينا. وبالرغم من ندرة الطعام فقد كانت الكلاب تجد ما تقتات عليه ولم تجع قط. وكان الناس يرمون لها ببقايا الطعام. وللكلاب فوائد أخرى أيضاً. كان العدو لا يزال يشن الغارات على المخيّم كثيراً في تلك الأيام. كنا ندفن أنفسنا في حفرة فتأتي الكلاب بأوراق الأشجار وأشياء أخرى فتنشرها فوق فتحة الحفرة التي كنا نختبئ بها. كان العدو يمر بالحفرة دون أن ينتبه أننا مختبئون هناك.

ولكن حدث أن عمّال الصليب الأحمر لم يستطيعوا إحضار الطعام للمخيم لأسبوعين لأن العدو منع طائرتهم من الهبوط. كنا في شدة الجوع فقتلنا بعض الكلاب وطبخنا منها حساءً بالفلفل. وبعد بضعة أيام سمح العدو لطائرة الصليب الأحمر بالمجيء فجاء الطعام. أصبحت الكلاب حذرة غير أنه يبدو أنها أدركت بأنها ليست غلطتنا.

ثم لم يأتِ الطعام لفترة طويلة لمرة ثانية. هذه المرّة لم نستطع القبض إلا على عدد قليل من الكلاب، فقد هرب بعضها حينما اقتربنا منها، غير أننا تمكنا من الإمساك ببعضها وأكلناها. وبعدها لم نرَ الكلاب قط، فالكلاب التي هربت لم تعد. وذات يوم كان أحد الأطفال الصغار جاثماً يتبرز، وحينما رفعت الأم رأسها رأت ستة من الكلاب التي اختفت قادمة من مكان مجهول وهاجمت الطفل الصغير، وحينما صرخت الأم هجمت الكلاب على الطفل فقطعته إرَباً وفرّت وقد تدلت من أنيابها بعض قطع جسم الصغير. بدأ بعض الرجال يعدون الكمائن للكلاب وقتلوا بعضها. يقولون بأن الكلاب أصبحت شرسة عنيفة مثل الأسود. لم نعد نشاهد الكلاب مطلقاً. يقول الناس إنها اختفت بسبب الحرب.

قررت بأن أذهب لأسأل الراهبة نورا، وكما لو أنه كان يقرأ أفكاري قال لي أكابولكو بألا أذكر أمر الكلاب لأحد، فالناس في المخيّم كما يقول لا يحبون الحديث عن الكلاب.

«لا أظن أن المصور سيأتي اليوم»، قلت له.

«أحياناً أظن أن هناك رصاصة منغرسة في مخّي»، قال أكابولكو.

قلت له «لو كانت هناك رصاصة في مخّك لكنت ميتاً الآن»

«لقد دخلت رأسي من أذني المريضة. أسمع دوي انفجارات في رأسي، رصاصات تنفجر، أصوات تصرخ (بانزا، بانزا الحقيرون، أخرجوا وسنشرب دماءكم اليوم) ثم أشم رائحة الكربيد، ورائحة البنادق، والقش المحترق. كم أتعذب حينما أشم رائحة النار حين تطبخ النساء بالحطب. إنها تجعل الرصاصات التي في رأسي تتفجر»

«سيختفي كل هذا حينما تذهب إلى أمريكا. هناك لا يطبخون بالخشب، بل يستخدمون الكهرباء»

«إنك تعرف كل شيء يا زاكي. من أين لك معرفة كل هذه الأشياء بالرغم من أنك لم تذهب إلى هذه الأماكن؟»

«أنا أقرأ الكثير من الكتب. الكتب تحتوي على الكثير من المعلومات. وأحياناً تقص الكتب الحكايات أيضاً»، قلت له.

«لا أحب الكتب التي تخلو من الصور. أحب الكتب التي بها صور ملونة وحلوة وكبيرة»

«ليس في كل الكتب صور. كتب الأطفال هي التي بها صور فقط»

«لقد تعبت من التقاط الصور وإرسالها الى الخارج الى أُسَرٍ لا تريدني. يكاد أن يكون كل من جاء معي إلى المخيم قد عثروا على عائلات ويعيشون في الخارج الآن، إلا أنا. لقد أرسل لي أحد أصدقائي رسالة من مكان يقال له داكوتا. لماذا لم تتبناني أية عائلة؟ أتظن أنهم لا يحبون وجهي؟»

«إنه الحظ، إنك لم تعثر على حظك حتى الآن»

«أحياناً تنتابني رغبة في الانضمام إلى لواء الشباب لكنني خائف. يقولون إنهم يعطونهم أشياء يدخنوها ويشربون الدم ويقسمون بألا ينظروا بالشفقة والرحمة على أي إنسان، حتى على آبائهم»

«ستغضب الراهبة نورا لو سمعتك تتفوه بهذا الكلام. أنت تعرف أنها تبذل المستحيل من أجلنا. وكذلك موظفو الصليب الأحمر. إنهم يبذلون جهدهم كي يعثروا على عائلة لك»

«أكيد أن المكان الذي اسمه داكوتا مليء بالصخور»

«لماذا تقول هذا؟»

«من صوت الكلمة. كأنه جلاميد صخر تنهار على بعضها بعضاً في وقت واحد»

«أريد أن أذهب إلى المكان الذي اسمه أنكلوس»

«تقصد لوس أنجلوس»

«لقد قتلوا أغلب أهلي الذين لم يستطيعوا نطق اسم قائد المتمردين نطقاً صحيحاً. كانوا يقولون بأننا لا نستطيع أن نقول (تسوفو) كنا نقول (توفو) وكانوا يطلقون علينا النار. علمني صديقي هنا في المخيّم أن أنطق (تسوفو). قال لي بأنه يجب عليّ أن أنطقها وكأن بفمي رمل، وكأن هناك حصى في لساني. يمكنني الآن نطقها بالطريقتين»

«هذا شيء طيب. حينما تصل إلى أمريكا سوف تتعلم كيف تتكلم مثلهم. سوف تحاول أن تبتلع لسانك في كل كلمة، ستقول ليرر، بيرر، ميرر، فيرر، هيرر»

«هيا نذهب. حان وقت الغداء»

«ليس عندي قوة لأعَارِك. حينما يحل وقت الطعام أشعر بالذعر. أينك يا أمي؟ لو كانت أمي هنا لما كنت مشرداً. كانت ستطبخ لي الطعام. ما كنت سأصارع دائماً كي آكل»

نظرنا معاً إلى الدخان الملتف المتصاعد من الأكواخ التي تطبخ فيها النساء وجبة الداوا. أنت تستطيع أن تعرف الأطفال الذين لديهم أمهات من الدخان الذي يتصاعد من أكواخهم وقت الظهر. تساءلت إن كنا أنا وأكابولكو ما زلنا سنجد عائلات تتبنانا لأننا مشردون وليس لدينا عوائل. أغلب من ذهب إلى الخارج هم الذين لديهم عوائل.

لم أذكر هذا لأكابولكو حتى لا يبدأ في التفكير في الناس الذين لا يستطيعون نطق (تسوفو). قلت لأكابولكو «تعال معي. أنا سأساعدك في العِرَاك على الطعام».

«لا داعي للعِرَاك يا أورلاندو. كل الفتية الآخرين يجلونك ويحترمونك. يقولون بأنك لاتخاف أي أحد ولا أي شيء، ويقولون بأن الراهبة نورا تحبك، ويقولون إن عندك كتاباً تكتب فيه كل الطالح من الأعمال التي يفعلها الناس وتعطيها للراهبة نورا لتقرأها، وحينما تقرآن الكتاب تهزّان رأسيكما وتضحكان معاً كأنكما زوج وزوجته.

نهضنا وأخذنا نمشي نحو الكوخ ذي اللوح المتموج الذي نجد فيه غداءنا. أستطيع أن أشم الداوا، كان دائما الداوا نفسه والذباب الأخضر نفسه وأطباق الألمونيوم نصف المحطمة نفسها، ومع ذلك فكنا نتعارك عليه.

رآني كيومونو أولاً وأخذ يناديني. ثم انضم إليه آروبا و «بيت المقدس» و«الوسخ» و«أنا العاشق» و«مايوركا» والبقية. كانت كبيرة الطاهيات تقف أمام أطباق الداوا والحساء الأخضر. هزت إصبعها وقالت: «لا عراك اليوم يا شباب». كانت تلك العبارة هي إشارة البدء في العراك الذي انغمسنا فيه. كان الداوا والحساء ينسكبان على الأرض. حاول بعضهم انتزاع بعض الطعام إلى أفواههم وهم يتصارعون لانتزاع طبق منه، خوفاً من ألا يحصلوا على شيء في نهاية المعركة.

انتزعت قطعة داوا وقذفتها لأكابولكو وتناولت طبق حساء غير أنه ما كادت أصابعي تمسك به حتى دفعه «الوسخ» بعيداً وانسكب الحساء في الأرض. ضحك ضحكة الضبع التي تميزه وهسهس قائلاً: «قد لا يستطيع المنبوذ حلب بقرة لكنه يقيناً يستطيع أن يسكب الحليب في الدلو.» كانت كبيرة الطاهيات تصرخ: «لا عراك لا عراك، واحداً بعد الآخر، اصطفوا في طابور، الداوا يكفي الجميع». استطعت تناول طبق حساء انسكب نصفه في الأرض، وبدأت في اتخاذ طريقي إلى الخارج وأشرت لأكابولكو أن يخرج. تقرفصنا خلف كوخ الطعام وأخذنا في غمس أصابعنا في الطعام. كنا نأكل بيد ونطرد الذباب الكبير باليد الأخرى. كان لدينا قطعتا داوا صلبتان وقليل من الحساء. أكلت بعض اللقيمات ومسحت بيدي على سروالي تاركاً الباقي لأكابولكو. كان من الصعب عليه طرد الذباب من أذنه المريضة ومن طبق الطعام، وشكرني بعينيه.

تذكرت كتاباً أعطتني إياه الراهبة نورا لأقرأه يتحدث عن فقير كان يعيش في إنجلترا في قديم الزمان، طلب المزيد من الطعام من كبيرة الطاهيات هناك. من صورة الولد في الكتاب، لم يكن يبدو فقيراً في عيني. كان كل الأولاد في الكتاب يرتدون المعاطف والقبعات، وعندهم من يخدمهم. أما نحن فلا بد من أن نصارع، أما إذا طلبت من كبيرة الطاهيات المزيد فستشير إلى قطع الداوا والحساء المسكوب على الأرض وتقول بأننا نبدد الطعام. حدثت ذات مرّة الراهبة نورا عن الطعام والمعارك غير أنها قالت إنها لا ترغب في التدخل في الأمر. كانت تلك هي المرة الوحيدة التي رأيتها فيها ترفض العثور على حلّ لأي معضلة. قالت لي بأنها لا تعمل للصليب الأحمر وأنها ضيفة عليهم، حالها حالنا.

فكرت في وسيلة للتهرب من أكابولكو. رغبت في الانفراد بنفسي لكني لم أرد أن أجرح مشاعره. أخبرته أن يعيد الأطباق إلى كوخ الطعام. لم يكن هناك داعٍ لغسلها فقد لحسناها بلسانينا وأصبحت تلمع نظافةً.

وما إن ذهب أكابولكو إلى كوخ الطعام حتى تسللت بعيداً بكل هدوء.
 
أعلى