طه أحمد لمخير - عُجَالَة في تَارِيخِ الزَّجَلِ والزَّجَّالَة

وله محاسن كلهـن بـدائع = له جموع فرقت وطرائق
فكأنه الثوب المجندر طرقه = لا تستقيم وفيه معنى رائق
عِزُّ الدِّينِ الموصِلِي

باسمه تعالى

الزَّجلُ من مُخترَعاتِ المغَاربة، وهو معدودٌ في آدابِ العامَّة كالمواليا أو المواويل، والشِّعر البدويِّ في الأقطار العربيَّة، والموشحِ المَلحونِ في اليمن، والمُوهُوب وعروضِ البلد عند أهلِ الأمصار بالمغرب، والكان وكان، والقوما والحماق (وهذه الثلاثة من فروع الزجل)، وغيرها...ونتفٌ منه بقدرها في الأدب والكلام، كالملح في الطعام، وقد يستريح المرء إليه من معاناة الفصيح، ومعالجة الكلام الصحيح.

قال الوزيرُ لسانُ الدين بنُ الخطيب في الاحاطة في وصفه الزجل: ’’وهذه الطريقة بديعة يتحكم فيها ألقاب البديع، وتنفسح لكثير مما يضيق سلوكه على الشاعر’’. اهـ

أصلُ تَسميةِ الزجَل وذكرُ أقسامه:

والزجَل بالتحريك: اللعب والجلبة ورفع الصوت وخص به التطريب، ولسيبويه:
له زجل كأنه صوت حاد = إذا طلب الوسيقة أو زمير

وقال ابن حِجَّة في رسالته النفيسة بلوغ الأمل في فن الزجل: ’’وإنما سمي هذا الفن زجلاً لأنه لا يلتذ به و تفهم مقاطع أوزانه حتى يغنى به ويصوت’’.اهـ

وله عندهم أربعة أسماء بحسب الموضوع المطروق، والمضمون المفهوم، لا بالأوزان واللزوم كما قرر ذلك ابن حجة: فلقبوا ما تضمن الخمري والزهري زجلاً، وما تضمن الهزل والخلاعة بليقاً، وما تضمن الهجاء والثلب قرقياً، وما تضمن المواعظ والحكمة مكفراً وهو مشتق من تكفير الذنوب، وأطلقوا على كل ما أعرب بعض ألفاظه من هذه الأربعة مزنماً. وقد ذكر الأستاذ أبو الفداء زهير ظاظا في بطاقة التعريف بكتاب ابن حجة على موقع الوراق نقلاً عن كتاب العاطل والحالي والمرخص والغالي للصفي الحلي أنهم غالباً ما كانوا يختمون جلسات البليق بالمكفر لأنه يكفر الذنوب.

بيد أنني وجدت رأيا لأبي عبد الله التنوخي صاحب كتاب الأقصى القريب في كلامه على الموشحات والأزجال نقله عنه الرافعي في تاريخه يذهب فيه إلى أسباب أخرى لهذه التسميات قال:’’ ومنها قرقيات المصريين وبليقاتهم، والفرق بينهما وبين الزجل أن الزجل متى جاء فيه الكلام المعرب كان معيباً، والبليقة ليست كذلك، فيجيء فيها المعرب وغير المعرب، ولذلك سميت بليقة، من البلق، وهو اختلاف اللون، وتفارق البليقة القرقية في أن البليقة لا تزيد على خمس حشوات غالباً، وقد تنتهي إلى السبع قليلاً، والقرقية تزيد كثيراً على حكم الزجل في ذلك، وسميت القرقية كذلك من القرقة وهي لعبة يلعب بها صبيان الأعراب، وهذه اللعبة سماها صاحب القاموس: القرق، ووصفها ورسمت خطوطها في تاج العروس، فانظرها هناك’’. اهـ
ومنه تعلم أيضاً أن هذه التسميات مما استحدثه المشارقة واخترعوه.

بَداءةُ الزَّجَل:

وأوليةُ هذا الأمرِ كان كما وقع في المقدمة لابن خلدون:
"لما شاع فنُّ التوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا في طريقتهم بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعراباً، واستحدثوا فناً سموه بالزجل، والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال، بحسب لغتهم المستعجمة".اهـ

رُؤوسُ الزجَّالة المغاربة المذكورون وأول من تكلَّم بالزَّجل:

اختلف الناس في أوَّلِ من تكلَّم بالزَّجل، لكنَّهم اتَّفقوا على أنَّ رأسَ هذه الطَّريقة الهزْليَّة البديعة وعَلاَّمَها غير مدافع هو أبو بكر بنُ قُزمانَ القُرطُبي(ت555) من بيتِ بني قزمانَ في قرطبة، وهو بيتٌ جَليلٌ منه أعلامٌ ونبهاء، وكان أديباً بارعاً، ولَوذعياً محسناً، به ظهَر الزجلُ وانتشرَ في مرابع الأندلس، وحواضر المغرب والمشرق، حتى قيل إنه آية هذه الطريقة الزجلية المعجزة، وحُجَّتها البالغة، وفارسها المُعْلِم، والمبتدي فيها والمُتمم.

ووصفه ابنُ حِجَّة الحموي في صدر كتابه بلوغ الأمل في فن الزجل بأنه:’’ اخترع فنا سماه الزجل لم يسبق إليه، وجعل إعرابه لحنه، فامتدت إليه الأيدي، وعقدت الخناصر عليه’’.اهـ

ووقع في كلام ابن خلدون ما يدل على أنه قد سُبِقَ إليها لكنها لم تشتهر إلا على يديه، فنُسِبتْ إليه، قال في المقدمة:

’’وأولُ من أبدعَ في هذه الطريقةِ الزجَلية أبو بكر بن قُزمان، وإن كانت قيلتْ قبله بالأندلس، لكن لم يظهر حلاها، ولا انسبكت معانيها، واشتهرت رشاقتها، إلا في زمانه. وكان لعهد الملثمين، وهو إمام الزجالين على الإطلاق. قال ابن سعيد: ورأيت أزجاله مروية ببغداد أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب. قال: وسمعت أبا الحسن بن جحدر الأشبيلي، إمام الزجالين في عصرنا يقول: ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة، وقد خرج إلى منتزه مع بعض أصحابه، فجلسوا تحت عريش وأمامهم تمثال أسد من رُخامٍ يصب الماء مِن فِيه على صفائح من الحجر متدرجة فقال:

وعريش قد قام على دكـان = بحـــــــال رواق
وأسد قد ابتلـع ثـعـبـان = من غـلــظ ســـاق
وفتح فمه بحـال إنـسـان = بيه الـــفـــــراق
وانطلق من ثم على الصـفاح = وألـقـى الـصـــياح

قلتُ: و(بحال) هنا بمعنى مثل أي مثل رواق، ومثل انسان، ولا تزال مستعملة بكثرة في العامية المغربية لهذا العهد. ولم يستعمل كاف التشبيه في بحال لأن استعمالها من العيوب عندهم في الزجل.

وقد أورد له ابن سعيدٍ في (المُغرب في حلى المغرب) أزجالاً كثيرة منها هذه القطعة:
اش نقل لك بقيت كذا مبهوت = وأخذني فزع بحال من يمــوت
وقفز قلب مثل قفز الحــوت = وضرب بالجناح بحال برطــال

وقال ابن حجة في بلوغ الأمل ما نصه:
’’واختلفوا فيمن اخترع الزجل، فقيل: إن مخترعه ابن غزلة(1)، استخرجه من الموشح لأن الموشح مطالع وأغصان وخرجات، وكذلك الزجل والفرق بينهما الإعراب في الموشح واللحن في الزجل وقيل: بل مخلف بن راشد، وكان هو إمام الزجل قبل ابن قُزمان.
وكان ينظم الزجل بالقوي من الكلام، فلما ظهر أبو بكر بن قزمان ونظم السهل الرقيق مال الناس إليه وصار هو الإمام بعده، وكتب إليه ينكِّتُ عليه في استعمال يابِسِ الكلام القوي:
زجلك يا ابن راشد قوي متين = وإن كان هو بالقوة فالحمالين

يريد: إن كان النظم بالقوة فالحمالون أولى به من أهل الأدب.
وقيل: بل مخترعه مدغليس وهذا الاسم مركبٌ من كلمتين أصله مضغ الليس والليس جمع ليسة وهي ليقة الدواة، وذلك لأنه كان صغيراً بالمكتب يمضغ ليقته، والمصريون يبدلون الضاد دالاً فانطلق عليه هذا الاسم وعرف به وكنيته في ديوانه أبو عبد الله بن الحاج، عُرف بمدغليس والصحيح أنه ليس بمخترعه، لأنه عارض ابن قزمان، وهذا دليل على أنه معاصره أو متأخر عنه’’.اهـ

ومما يُستأنس به في تاريخ هذه الطريقة الزجلية ما ذكره الأستاذ الأكبر مصطفى صادق الرافعي في تاريخه العظيم (تاريخ آداب العَرب) ولم يسنده إلى مُؤَلِّفٍ معلوم، ولا مُؤَلَّفٍ موسوم، قال:

’’ورأيت في بعض الكتب أن ابن قزمان هذا أول من تكلم بالزجل، وسبب ذلك أنه وهو في المكتب عشق بعض الصبيان، فرفع أمره لمؤدب فزجره ومنعه من مجالسة الصبي، فكتب في لوحه:

الـمـلاحُ ولاد أمــاره = ولا وحاش ولاد نصاره
وابن قزمان جـا يغـفـر = ما قبلوا الشيخ غـفـاره

فاطلع عليه المؤدب فقال: قد هجوتنا بكلام مزجولٍ، فيقال إنه سمي زجلاً من هذه الكلمة.
ولست أثبت هذه الرواية ولا أنفيها’’.اهـ

هذا وقد اشتهر مع ابن قزمان من معاصريه بهذه الطريقة القاضي أبو عبد الله محمد بن حسون (ت 519) من أهل مالقة وقد يكون سابقاً لابن قزمان وهو من أئمة هذه الطريقة ومن مطالع بعض أزجاله:
لي تقـدير شـهـر = منذ عشقت الفلانية
لم نطـيق سـهـر = ولا لقيت ليلة مهنية

وممن عاصروا ابن قزمان أيضاً من كبار الزجالة: عيسى البليدي، وأبو عمرو بن الزاهر الأشبيلي، وأبو الحسن المقري الداني، وأبو بكر بن مدين، وكان في عصرهم بشرق الأندلس محلف الأسود وكلهم دون إمام الطريقة ابن قزمان بالاجماع. (وأزجالهم مذكورة في المقدمة لابن خلدون وغيرها فانظرها فيها ).

ثم جاءت بعدهم حلبةٌ كان سابُقها عبد الله بن الحاج المعروف بمَدْغلِّيس من أهل القرن السادس، وهو الخليفة الأوحد لابن قزمان في زمانه وقد وقعت له العجائب في هذه الطريقة، ونقل العلامة المقري في نفح الطيب عن أهل الأندلس قولهم:

’’ابن قزمان في الزجالين بمنزلة المتنبِّي في الشُّعراء، ومَدْغلِّيس بمنزلة أبي تمَّام، بالنظر إلى الانطباع والصِّناعة، فابن قُزمان ملتفتٌ إلى المعنى، ومدغليس ملتفتٌ للَّفظ وكان أديباً معرباً بكلامه مثل ابن قزمان، ولكنه لما رأى نفسه في الزجل أنجب اقتصر عليه’’.اهـ

ومن قوله في زجله المشهور:
ورزاذ دق ينـــــزل = وشعاع الشمس يضـرب
فترى الواحـد يفـضـض = وتـرى الآخـر يذهـب
والنبات يشرب ويسـكـر = والغصون ترقص وتطرب
وبـريد تـجـي إلـينـا = ثم تستـحـي وتـهـرب

وظهر بعد هؤلاء بإشبيلية ابنُ جَحدر الإشبيلي في النصف الأول من القرن السابع، وكان إمام الزجالين في عصره، وإبراهيم بن سهل الإسرائيلي الإشبيلي(ت649) وقد عَدَّه المقري في نفح الطيب من شعراء اليهودية وقيل إنه مات على الإسلام، وبعضهم ينفي ذلك كأبي الحسن علي بن سمعة الأندلسي فإنه قال: ’’شيئان لا يصحان: إسلام إبراهيم بن سهل، وتوبة الزمخشري من الاعتزال’’ وله أزجال ذكرها ابن حِجَّة الحموي في بلوغ الأمل لكنَّهُ نبغ في فن الموشحات وبه اشتهر وفيه مهر، ثم جاء من بعدهما إمام الأدب أبو الحسن سهل بن مالك، ثم كان أبو الحسن علي بن عبد الله النميري المعروف بالششتري(610-668) وكان باقعةً في الزجل والشعر والتصوف، وصفه ابن الخطيب في الاحاطة بقوله:’’ عروس الفقراء، وأمير المتجردين، وبركة الأندلس، لابس الخرقة، أبو الحسن. من أهل ششتر، قرية من عمل وادي آش معروفة، وزقاق الششتري معروف بها. وكان مجوداً للقرآن، قايماً عليه، عارفاً بمعانيه، من أهل العلم والعمل’’.اهـ

وقد خَلُص بعض الباحثين إلى أن الششتري هذا كان أوَّلَ من استعمل الزَّجل في المعاني الصوفية، والمقامات العرفانية، كما كان محي الدين بن عربي أوَّلَ من استعمل الموشح في ذلك.(2)

وقد أكثر الششتري التَّطواف في البلاد الأندلسية، ورحل إلى المغرب واجتال أقاليمها، حتى ألقى عصى التَّجوال في دمياط من بلاد المشرق ودفن بها.

وقد أولعَ إخوانُنا المشارقة لهذا العهد بمقاطيع من أزجاله وتغنوا بها في مجالسهم، حتى إن رائعته الشهيرة (شويخ من أرض مكناس)(3) اشتهرت في أقطار المشرق وتنفَّقت بين المشارقة أكثر من حواضر المغرب.

وهذه قطعةٌ منها كما وردت في إيقاظ الهمم لابن عجيبة وقدم لها بقوله:

’’الششتري كان وزيراً وعالماً وأبوه كان أميراً فلما أراد الدخول في طريق القوم قال له شيخه لا تنال منها شيئاً حتى تبيع متاعك وتلبس قشابة وتأخذ بنديراً وتدخل السوق ففعل جميع ذلك فقال له ما تقول في السوق فقال قل بدأت بذكر الحبيب فدخل السوق يضرب بنديره ويقول: بدأت بذكر الحبيب فبقي ثلاثة أيام وخرقت له الحجب فجعل يغني في الأسواق بعلوم الأذواق ومن كلامه رضي الله عنه

شويخ من أرض مكناس = في وسط الأسواق يغني
آش علي من الـنـاس = وآش على الناس منـي

ثم قال
اش حـد مـن حــد = أفهموا ذي الأشـاره
وأنظروا كبر سـنـي = والعصا والـغـراره
هكذا عشـت بـفـاس= وكـد هـان هـونـي
آش علي من الـنـاس =وآش على الناس مني
وما أحسـن كـلامـه = إذا يخطر في الأسواق
وترى أهل الحوانـت = تلتفت لو بالأعـنـاق
بالغرارة في عنـقـو = بعكيكـز وبـغـراف
شيخ يبني على سـاس = كأنشاء اللـه يبـنـي
اش علي من الـنـاس = واش على الناس مني

ومن أئمَّة المتقدِّمين أيضاً ممن ذكرهم ابن حجة في بلوغ الأمل: الحييط البرذعي، وابن المليكة، وأبو الحسن بن عمير. وذكر فيه أن مدائن المسلمين المختصة بالزجالين في الأندلس لذلك العهد أربع: وهي إشبيلية، وقرطبة، وبلنسية، ومالقة.

ثم استقل بها في أول المائة الثامنة أبو عبد الله اللوشي(4) وكان من المجيدين لهذه الطريقة وله فيها قصيدة طويلة الذيل يمدح فيها السلطان ابن الأحمر ذكرها ابن خلدون في المقدمة منها:

تحت العكاكن منها خصر رقـيق = من رقتو يخفي إذا تـطـلـبـو
أرق هو من ديني فيمـا تـقـول = جديد عتبك حـق مـا أكـذبـو
أي دين بقا لي معاك وأي عـقـل = من يتبعك من ذا وذا تسـلـبـو
تحمل أرداف ثقال كـالـرقـيب = حين ينظر العاشق وحين يرقبـو

قلت:والعكاكن مأخوذة من عُكَن الثوب أو الدرع وهو ما تثنى منها على اللابس إذا كانت واسعة. والمعنى أن هذه العُكن المتثنية من الثوب تخفي تحتها خصراً رقيقاً لطيفاً.

ثم محمد بن عبد العظيم من أهل وادي آش، وعصريه الوزير أبو عبد الله بن الخطيب إمام النظم والنثر في الملة الاسلامية غير مدافع كما وصفه صديقه ابن خلدون وهما من أعيان القرن الثامن.

وقد كان العامة من أهل الأندلس في المائة الثامنة يتخذون من الطريقة الزجلية فنهم ومذهبهم، وفيها نظمهم، حتى إنهم لينظمون بها في سائر البحور الخمسة عشر، لكن بلغتهم العامية، ويسمُّونه الشِّعر الزَّجلي كما ذكر ذلك ابن خلدون في مقدِّمته فكان هذا اللَّونُ يجمع بين لحن الزجل ووزن الشعر، مثل قول شاعرهم:

دهر لي نعشق جفونك وسنـين = وأنت لا شفقة ولا قلب يلــين
حتى ترى قلبي من أجلك كيف = رجع صنعة السمكة بين الحدادين
الدموع ترشرش والنار تلتهب = والمطارق من شمال ويمــــين
خلق الله النصارى للغــزو = وأنت تغزو قلوب العاشقـــين

قلت وفي ما قاله ابن خلدون نظر فإن نظم الزَّجَل في بحور الشِّعر كان منذ انطلاقة الزَّجل الأولى فهذا ابن حجة الحموي يقول في بلوغ الأمل:

’’وأوَّل ما نظموا الأزجال جعلوها قصائد وأبياتاً محررة في أبحر عروض العرب بقافيَّةٍ واحدة كالقريض لا يغايره بغير اللحن واللفظ العامي، وسموها القصائد الزجلية، فمن ذلك للشيخ أبي عبد الله مَدْغلِّيس قصيدة في بحر الرّمل عدتها ثلاثون بيتاً مطلعها:

الهوى حملني ما لا يحتـمـل = ترد الحق ليس لمن يهوى عقل
ليس نقع في مثلها ما دمت حيّ = إن حماني من ذا تأخير الأجل

ثم دخلتْ المائةُ العاشرةُ فسطَعَ في المغرب نجمُ زجالها الأكبر، ونِقْرِيسِها الأعظم: سيدي عبد الرحمن المجذوب(ت 976) وكان مشهوراً بالانطباع والصنعة في الأزجال، وهو اليوم عند المغاربة أكثر الزجالة شهرة، وأبعدهم صيتاً وحظوةً على الإطلاق، وإن أزجاله لعلى طرف كل لسان، ومحفوظة في الصدور والأذهان.وسيأتي الكلام عليه بعدُ.

الزجلُ لحنٌ في اللغة لكن...:

والزجلُ كما تَرى كسائِر الكلام المنظُوم والمنثُور: حسنُه حسن، وقبيحُه قبيح، ويَتَوخى فيه أهلُه أقربَ الوجوه إلى الفصيح، وكان أكثرُ القائمين عليه من الفُصحاءِ الأبْيِناءِ لعهدٍ سبقَ، ويأتون به على وجه التفَنُّنِ في الكلام، أما اليومَ فقد باتَ كلاماً سائلاً على الطرُقاتِ، يتخطَّفُه كل مِنْقارٍ، ويَرمي به كلُّ شِدقٍ، فهُجِّنَ كما هُجِّنتْ سائرُ الآدابِ فصيحُها وعَامِّيها.

وإنك لواجدٌ في بعض الزجلِ مع كونه لحناً: مسحةً من الجزالة، وفي ألفاظِه وصُوره عذوبةً وسلاسة، ولا ينحَط به إلا كونه لحناً، واللحنُ عند العَرب عيبٌ في اللسان، وهجنةٌ في البيان.

لكنه يبقى في مذهب الأقدمين صَنعة العوام، وطريقة الزعانف والطغام، لأنه لحنٌ في اللغة، وعادة العامة الانحراف باللسان، واقتباس الأخف من اللغات والألفاظ، وإن كانت أضعف في أصل اللغة وأقل استعمالاً. وربما تناولوا حروفاً من الكلام، وأدوها على الوجه الذي يستقيم لهم، وإن كان معوجاً ملحوناً. فلا يعبأون في لغتهم بالصِّيَغ الصحيحة، وإقامة الوزن، وإعراب الكلام، لأنها لغة الحاجة الراهنة، ولغة السوق التي هي لغة الأرزاق والدراهم.

ولذلك كان العلماءُ الأولون يصفون اللفظ العامي الساقط المبتذل بالسُّوقي. لأن الأسواق وما أشبهها هي مادة اللحن، وفساد الألسن، وابتذال الكلام، وسفكه من الأفواه كيفما ارتضته الطَّبائع المدخولة، والسَّلائق اللينة، دون مراعاة لأحوال اللغة ومقتضياتها.

بيد أننا لا نقف مع الزَّجل وهو لحنٌ في اللغة، مَوْقفَ الأقدمين مع اللَّحْنِ بالاطلاق، فقد عدوا اللَّحْنَ في المنطق مُطلقاً: أقبح من آثار الجدري في الوجه، وجعلوه هجنةً على الشريف- ولكننا ننهجُ للتمييز طريقاً، ونفتق له مَهْيعاً، لأن من الناس من في طبعه ذوق الأدب والنكت الأدبية لكنه ليس من فرسان العربية، ولم يتعاط الآلة في العلوم، ولم يتأدب بتلك الآداب والفنون،فتجد له بما رُكِّب في طبعه من ملكة أدبية يأتيك من الأزجال ما يُستطابُ استطابةً، ويُستملحُ في الأذواق استملاحاً حسناً كما علمتَ، وربما أمتع بأكثر من امتاعِ الجزل الفصيح من الكلام.

بل إنك إذا قابلت بين هذا الذي يسمى (الشعر الحر) التي ينتحل أصحابه صفة الأدب لهذا العهد، ونبذاً مختارةً من الزجل لبذ هذا الزجل ملحوناً ذاك مُعرباً، وكان أقربَ إلى الفخامة والجزالة والمعاني الحية منه.

ذكْرَى المَجْذُوب:

ولقد كُنتُ في العاشرة من سِنِّي وقد طَوَّحَ بي الدَّهرُ إلى قريةِ الطوالع العربيَّةِ على فحوص إقليم ابن سليمان من المغرب الأقصى، فيقع إلي ديوانٌ عتيقٌ ذو ورقات معدودة للزجَّال المغربي الزاهد الشهير: سيدي عبد الرحمن المجذوب ابن يعقوب الصنهاجي.

والمجذوبُ هو كلمةُ الزجل الدائرةِ على ألسنةِ عَوام المغرب الأقصى، والحكمةُ المنخولةُ، والزبدةُ الممخوضةُ لمجموع حقائق الحياة، ومعانيها المطروقة، صِيغتْ في قالبٍ من الكلمة العربية الملحونة.

وهو معدودٌ في أقطاب الصوفية، وأوليائها الأكابر، بل إنهم دَسُّوا اسمه في سلسلة الحقيقة الشهيرة عندهم، التي ينتهي علمُها إلى أمير المومنين علي كرم الله وجهه بما خصه النبي عليه السلام به من علم الحقيقة، فكان عَليٌّ أوَّلَ من تكلَّم فيه وأظهره، وأخذه عنه الحسن البصري إلى أن يتَّصِلَ السَّندُ بالمجذُوب ويجاوزه إلى من بعده من أكابر الصوفية (انظر إيقاظ الهمم لابن عجيبة ص 2 نشرة الوراق). وقد قرَّرَ ابنُ تيمية في بعض رسائلِه أنهُ سندٌ مُرَكَّبٌ مَصنوعٌ، وخبرٌ مختلقٌ موضوع لا يصح، وهو الحق والله أعلم.

لفتُ انتباهٍ وتوجيهُ نَظرٍ :

ولقد أثْبَتَ المجذوبُ في لغةِ أزجاله أن العاميَّةَ المغربيَّةَ ألصقُ بالعربية وأقربُ إلى الفصحى، خلافاً لما يظنه كثيرٌ من الناس اليوم من أن عاميةَ المغاربةِ خليطٌ من العربية والبربرية والفرنسوية والإسبانية، وإن كان لا يُنكرُ أنهم عَلقوا ألفاظاً من هذه اللغات نتيجةَ ملابسةِ الأمم الأعجمية، لكنها قليلةٌ نِسبةً إلى الألفاظِ العربية الغالبةِ عليها، والظاهرةِ فيها.

لكنَّ مَنشَأَ هذا الظَّنِّ الشَّائعِ بين النَّاس، إنما هو من كَيفيَّةِ النطْقِ الذي يُغطِّي على المنطق في المسامع على ما يعطيه حقيقةُ الكلام، فالعاميةُ المغرِبية حينَ النُّطقِ بها مُعطَّلةً عن الإعرابِ، محذوفةَ الحركات، ممزوجةً بمادَّة العُجمةِ- يستعجم على المشرقي فهمُها وتمييزها، فإذا فُصِّلَت الألفاظُ وفُصِلَت الكلمات، كما في الزجل نطقاً أو كتابةً بان مأخذها، ورأيتها في عُظمها مُضريةً خالصةً، فإن كيفيةَ النُّطْق قد تُنشِئ لغةً أحياناً كما قرره الرَّافعي في موضعٍ من تاريخه.

فقد وقع في (تاريخ آداب العرب) لشيخنا لسَانِ العربيَّة مُصطَفى صادق الرَّافعي رضي الله عنه ما نصه:

’’وقد سمعنا بعض شعرائهم من المعاصرين- يريد البدو والأعراب- ينشد في رثاء الحسين عليه السلام شعرا بدوياً مطلعه:

تِمِنتْنِ بَلفِين فوقِ احْصنا = يُومْ كرْبلا وِونجِيه قبل الجَنا

وألقى الشَّطر الأول مُتلاحِقَ الكلمات، مُختَلَسَ الحركات، فلم نفهم منه شيئاً حتى كَشفَ لنا عن معناه، فإذا ( تمنيتُني بألفين فوق أحصنةٍ) يريد نجدةَ الحسين عليه السلام بفرسانه قبل أن يستشهدَ، وانظر أين ما نطق مما أراد’’. اهـ

وهذه مقاطيع من أزْجَال المجذوب وهي غاية في الانطباع، ولا يرتاب في قُربها الشديد من العربية، لكنَّ كيفيةَ النُّطق بها ينشئها في الأسماع خلقاً جديداً، حتى يحسبها السَّامعُ مُخَلَّفةً عن لُغةٍ أعجميَّةٍ:

-لا تخمم لا تـدبر = لا تحمل الهم ديمة
الفلك ما هو مسمر = ولا الدنيا مقيمة

ديمة هنا من: الدوام والديمومة
- الصمت الذهب المشجر = والكلام يفسد المسألـة
إذا شفت لا تخــــبر = وإذا سألوك قول: لا لا
-كل مهذار مسوس = يجيب الهلاك لراسه
يستاهل ضربه بموس = حتى يبانوا أضراسه
- الصاحب لا تلاعبه = والناعر لا تفوت عليه
اللي حبك حبه أكثر = واللي باعك لا تشتريه

والناعرُ لفظٌ فصيح ومعناه المخالفُ المعاندُ، وفي حديثِ الحسن: كُلما نعر بهم ناعرٌ اتبعوه، أي ناهضٌ يدعوهم إلى الفتنة ويصيح بهم إليها.

- آه يا محنتي عُدت خدام = والتبن أعمى عــيوني
خدمت عند عرّة النـاس = في وجبة العشا يطردوني

والعُرةُ: هي الجَرب.

-يا قلبي نكويك بالنار = وإذا شفيت نزيدك
يا قلبي خلفت لي العار = وتريد من لا يريدك
- حبيبك حبــه = والسر اللي بينكـم تخفيه
إذا حبك حبه أكتر = وإذا تركك لا تسأل عليه
-يا اللي تنادي قدام الباب = نادي وكن فاهــم
ما يفسد بين الأحــباب = غير النساء والدراهم
-الطير ما ظنيته يطـــير = من بعد مــــا والف
ترك قفصي وعمر قفص الغير = رماني في بحور بقيت تالف

والف: بمعنى أَلِفَ، وتالف من التلَفِ: الهلاك والعطب في كل شيء، وهو يريد بهذا هجران زوجه له وزواجها بغيره بعد إلفٍ ومعاشرة فبقي بعدها كالتالف الهالك.

ومما أورده له ابن عجيبة في إيقاظ الهمم، نذكر قِطعاً مستحسنة، ونُتفاً مستملحة:

-أحفر لسرك ودكو = في الأرض سبعين قامه
وخل الخلائق يشكو = إلى يوم القيامـــه
دكو: أي دُقهُ والكاف = تنطق جيماً مصرية
- من أين جئتي يا ذي الروح = الهايما روحانية
مقامها بساط العــــز = أحوالها ربانية
- اتفقوا على الدين تركوه = تعاندوا في المالُ لْكساوي
الثوب من فوق غسلوه = وخلوا القلب الخــاوي
-الناس قالوا لي بدعي = وأنا طريقي منجورة
إذا صفيت مـع ربي = العبد ما منه ضرورة

والقَصدُ أن طريقتَهُ في العبادة والسلوكِ سُنيةٌ صَحيحةٌ مُقتصِدةٌ، وقوله منجورة يَنظُرُ إلى قول الشاعر: ركبت من الطريق منجرهْ، قال ابن سيدَه: هو المَقصدُ الذي لا يعدل ولا يجور عن الطريق، راجع مادة نجر من لسان العرب.

- سايس من النفس جهدك = وصْبحْ وْمس عليها
لعلها تدخـــل بيدك = فتعود تصـطاد بها

والمعنى يدور على محاربة النفس ومجاهدتها وقتلها، حتى يتحقَّقَ سيرُ السَّائرين، ورحيلُهُم إلى المحبوب.

شرطُ الزجَّل اللَّحْنُ:

الزَّجل لونٌ من الكلام لا يحتملُ الإعراب عند الزجَّالة فهو ملحونٌ أبداً، ولا يجيزون فيه أن يختلطَ اللَّحنُ والاعرابُ فتكون بعض ألفاظ البيت معربة وبعضها ملحونة، وقد قرر هذه القاعدة واضع هذا الفن أبو بكر بن قُزمان في خطبة ديوانه لما قال:

وجردت فني من الإعـراب = كما يجرد السيف من القراب
فمن دخل علي من هذا الباب = فقد أخـطـأ ومـا أصـاب

ومن أعرب في مواضع اللحن الأربعة: الزجل، والمواليا، والكان وكان، والقوما، فقد أساء و سموا ذلك منه تزنيماً، وعدوه عيباً فاحشاً.

لكنَّ بعض زجَّالة المغرب قد وجَّهَ معنى أبيات ابن قزمان هذه إلى تَطلُّب الإعراب وتقَصُّده، والاستكثار منه قال:

’’ قال ذلك نهياً عن تقصُّد الإعراب وتتبُّعه والاستكثار منه لئلاَّ يغلب على معظم أزجالهم التَّزنيم، بدليل قوله، ولو نهى عنه مطلقاً أو عن اليسير منه ثم استعمله هو وقومه يصدق عليه قول القائل:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله = عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

وإنما أراد بذلك الغالب، والعلماء يطلقون على الغالب حكم الكل مجازاً. اهـ من البلوغ.

قلت: يشير بقوله: ’’بدليل قوله’’ إلى بعض الأزجال التي زنم فيها ابن قزمان نفسه، وأعرب في بعض ألفاظها وهو الناهي عن ذلك كقوله في بيت من زجل أورده ابن حِجَّة في بلوغ الأمل:
إذا انقطع زماني الأطول = وعليه الثنا يكون ما بقيت

فقد فتح الياء في غير المنقوص في قوله زمانيَ وهو من علائم الاعراب ولولا ذلك لفسد الوزن.

ومن الزجالة من قال إنما استعملها ضرورة وهو يعلم أنها عيوب ومنهم من قال: إن ذلك لم يكن مشروطاً عندهم وإنما عوام المتأخرين ابتدعوا ذلك، وكل تلك أقوالٌ أوردها ابن حجة في كتابه بلوغ الأمل المذكور.

والحق ما عليه جمهورهم من كون الزجل لا يحتمل الإعراب وإلا فما الفرق بين الموشح والزجل : هذا معربٌ وهذا ملحونٌ. ولحن الزجل إعرابه.

ما قيل في عِدَّةِ أوزان الزجل:

أما أوزان الزجل فمن ذا يَحصرها ولم تزل متجدِّدة، وأي ذهنٍ يُحصيها وهي في الكثرة متعدِّدة، حتى قال الشَّيخ عزُّ الدِّين الموصلي:’’ إن الزَّجل أوزانه ما انحصرت عدداً، وسبله متشعِّبة فهي تتلوا طرائق قددا’’ وقالوا: ’’صاحب ألف وزن ليس بزجَّال’’. ولكنها أوزان غير جائزة في الشعر لخروجها عن البحور المعهودة، وبذلك يفهم مغزى قول ابن الخطيب المتقدم في وصف الطريقة الزَّجليَّة:’’ وتنفسح لكثير مما يضيق سلوكه على الشاعر.’’


الزَّجَل فِي المشرِق:

قد علمتَ مبدأَ هذا الأمر، وأن أصله عند المغاربة، وقد شاعتْ أزجالُ ابنِ قُزمان وهامَ بها الناسُ خصوصاً المشارقة، ونقلنا قول ابن سعيدٍ المغربي في أن أزجاله (أي ابن قزمان) كانت مرويةً ببغداد أكثر مما هي في حواضر المغرب. وقد استقلَّ المشارقة بعد ذلك بطريقتهم في الزَّجل وكانت لهم ألفاظهم الخاصة، ومآخذهم المستقلة، حتى تباينت الطريقتان، وامتاز النَّهجان، لاختلاف طبائع الفريقين، وترامي قرائح الطائفتين، فكان أئمةُ العدوتين يأمرون أتباعهم بأن يجتنبوا في ما يجب اجتنابه في هذا الفن الألفاظَ المشرقية إذا كان مغربيا، والألفاظ المغربية إذا كان مشرقيا، وفي هذا المعنى يقول ابن قزمان:

لله در الزجل ويا مالقي = ما يوافق عمرو لسان مشرقي

قال ابن حِجَّة في بلوغ الأمل:

’’وكما أن اللفظَ المشرقي لا يجوز في الزجل، فاللفظ المغربي لا يجوز في المواليا، لكون أنها من مخترعات المشارقة مثاله: إذا قلت في الزجل طلعتك، ووجنتك، وقامتك بسكون التاء لم تجز هذه الألفاظ عند الزجالة بل يعدونها خطأ في الوزن، فأن سكون هذه التاء لا تجوز عندهم، وعكس ذلك لا يجوز عند الموالة لأن تحريك هذه التاء لا يجوز عندهم البتة، وأقل من في الزجالة والموالة لا يجهل هذين العيبين، وكذلك تاء المتكلم مثل قلت وهمت لا يجوز في الزجل وهي ركن من أركان المواليا لأن المشارقة يتلفظون بها على صيغتها كقول الشيخ صفي الدين الحلي في بعض أزجاله:

مااجتمعنا تا أقول كـنـا
وازعق فينا غراب البين
أو أقول عين ضد صابتنا
بعد ما كنت قرير العين

فقوله كنت عيب فاحش عند الزجالة، ولا يجوز استعماله عندهم’’.اهـ

ويقارن ابن حجة الحموي بين الطريقتين فيقول:

’’غاية المغاربة في نظم الزجل أن يتطاولوا إلى التعلق بأذيال السهولة والرقة، فإن العقادة غالبة على أزجالهم وتراكيبها... ولكن لما دخل الزجل الديار المصرية ونظمه المصريون حلّوا موارده بعذوبة ألفاظهم ورشاقتها، وزادوا محاسنه بالزوائد المصرية، وحلوه في الأذواق لما صارت حلاوته قاهرية، ثم تفكه بعد ذلك من أهل الشام بثمرات المعاني الشهية، وحلوه بشعار التورية والنكت الأدبية’’. اهـ وهذا رأيه الخاص به رحمه الله وأثابه بما أحسن، وحسبُ المغاربة فضلاً وشرفاً اختراع أصوله، وافتراع فنونه .

ومن أئمَّة المشارقة في هذا الشأن :

ـ القاضي هبة الله بن جعفر بن سناء الملك (545- 608)، الأديب الكامل المشهور قال الصفدي في الوافي بالوفيات: ’’وهو عندي من الأدباء الكملة لأنه جَوَّدَ التَّرَسُّلَ والموشحات البديعة، وأما شعره ففي الذِّروة العليا’’. ونقل ياقوت الحموي سماعاً من الوزير جمال الدين الأكرم أن ابن سناء الملك كان يتردد ’’ بمصر إلى الشَّيخ أبي المحاسن البَهنَسي النحوي، وهو والد الوزير البهنسي الذي وزر للأشرف بن العادل، وكان عنده قَبولٌ وذكاء وفطنة، وعاشر في مجلسه رجلاً مغربيّاً كان يتعانى عمل الموشحات المغربية والأزجال، فوقّفه على أسرارها وباحثه فيها وكثّر حتى انقَدَح له في عملها ما زاد على المَغاربة حُسناً ’’ اهـ.

ومن أزجاله المستملحة هذه القطعة البديعة:

لمـــا أتـــى وقـــد أبــــا
يعـــطـــي وصـــالـــه
جردتـه مــن الـــقـــبـــا
مع الـــغــــلالـــــــه
فقـال خـلـي ذا الـصـــبـــا
فقـــلــــت لا لـــــــه
على آش نـخـلـيك ولـيش نـداريك
ما في الهوى قاطع طريق لا بد يغريك

ـومنهم الشاعر المفلق أبو الحسن كمال الدين بن النبيه المصري (559-619) قال لويس شيخو في ترجمته من (مجاني الأدب في حدائق الذهب):’’ كلامه تعشقه الطباع، وتلتذ به الأسماع، وله شعر أعذب من الماء الزلال، وأغرب من السحر الحلال، ونثر ألطف من كاسات الشمول وأرق من نسمات الشمال’’.اهـ وله أزجال مبثوثةٌ في كتب الأدب منها هذه القطعة اللطيفة:

ذا المليح في الجنة سـيدو
ونا مسكين في جـهـنـم
آه على قبلة فـي خـديدو
واخره في ذا الـفـمـيم
لو ترى حـمـرة خـدودو
وعذاره ذا المـنـمـنـم
كان ترى ثوب أطلس أحمر
معدني بخصر مـعـلـق

ـومنهم دفين حماة حرسها الله عليُّ بن مقاتل الحموي (674- 761) أشهرُ الزجَّالة المشارقة وإليه انتهى هذا الفن في زمنه قال الصفدي في ترجمته من أعيان العصر وأعوان النصر:’’ وله شعر أيضاً إلا إنه في ذاك أمهر(أي الزجل)، وأزجاله أشهى إلى القلوب وأشهر’’ اهـ، أما أزجاله فقد سارت بها الرُّكبان، ودارت على كل لسان، وخضع لها أهل المشرق والمغرب جميعاً، وهي في ديوانٍ مفرد في مجلدين (انظر الدرر الكامنة لابن حجر)، وفيه أيضاً هذا الخبر:’’ بلغني أن ابن نباتة والصفي الحلي اجتمعا عند المؤيد صاحب حماة فدخل عليه ابن مقاتل فأنشده زجلاً قال فيه التزام أمور كثيرة، وهو في نهاية الانسجام، وجاء في آخره ملحون بألف معرب فالتفت ابن نباتة إلى الصفي فقال الشيخ صفي الدين ملحون بألف معرب’’.اهـ

قلت: والزجل الذي أنشده ابن مقاتل بحضرة الملك المؤيد أثبته الصفدي في أعيان النصر وأعوان العصر، وهذه قطعة منه :

روض بالحيا مبـرقـع
عليه سياج معـقـرب
كم خصم في المقـاتـل
صابو ابـن مـقـاتـل
وكم ذا في المحـافـل
قد أنشا غصن حـافـل
من كل بيت في مربـع
ملحون بألف معـرب

ومن أزجاله البديعة هذه القطعة:
دي الذي وصالو عمري نرتجـي
ما ندري في عشقو لمن نلتجـي
وعد يوم الاثنين لعـنـدي يجـي
راح اثنين في اثنين وما ريت أحد
وهذه أخرى مشرقة مونقة:
قلت هبني يا ذا الألـمـا
قبله في الجيد المسمـى
قال بروحك قلت مهمـا
سمتني في الجيد ما يغلا

ـومنهم رَسيلُهُ الأستاذ شهابُ الدِّين أحمدُ بنُ عثمانَ الأمشَاطِي(ت 725) وكان قيم الشام في وقته في الأزجال والبلاليق ونحو ذلك.(الدرر الكامنة) ومن أزجاله المشتهرة:

يا قلبي الهوى طيعو وطيع مـا أمـر
وعصي من رجع لك في المحبة يلوم
ون كان من تحبو بعد وصلو هـجـر
كن صابر فـلا ذاك دام ولا ذا يدوم

ـومنهم العلامةُ الشاعر الأديبُ أبو المحاسن صَفِيُّ الدين الحلي (678-750) قال فيه أبو محمد الحسن بن حبيب: ’’ شاعر المشرق، ورحالة المشيم والمعرق، تقدم على كثير من الأول، وبين تقصير أرباب السبع الطول، وبرع في فنون الأدب، وجمع أشتات أقوال العرب، وسار في الأقطار ذكره، واشتهر في الأمصار نظمه ونثره، وكان حسن الأخلاق، مديد الأوراق، جميل المحاضرة، بديع المحاورة، ذا نسب ورئاسة، وكسب وحماسة، وفضائل عديدة، ومصنفات مفيدة، رحل إلى البلاد والبقاع، وخالط أهل الصغار والنزاع، وارتفع بحسن السلوك، واجتمع بالأكابر والملوك، وأظهر أسرار ما لديه من حقائق الدقائق، فقيل له إن المغارب أصبحت حواسد {على} ما نالت منك المشارق.’’ اهـ (انظر المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي) لابن تغري بردي.

ومن أزجاله التي أوردها له ابن حِجَّة الحموي في بلوغ الأمل:

مااجتمعنا تا أقول كـنـا
وازعق فينا غراب البين
أو أقول عين ضد صابتنا
بعد ما كنت قرير العين

ـومنهم الشَّيخ جمالُ الدين بن نباتة المصري (676-768) وكان مبرزاً في البيان، أديباً شاعراً حُلوَ الكلام، وله زجلٌ سالِمٌ من العيوب التي تعلَّقتْ بأزجال من تقدَّمه، إلا أنه لم ينظم غير زجل واحد عارض به كمال الدين بن النبيه ومطلعه:

لي حبيب ماعو عوينـات
ذاب نقول في عشقا إلحق
وقت نبصرها نـواعـس
نبكي طول الليل ونقلـق
يا قلق جفني بـكـاتـب
حسنـو نـدرا وي نـدرا
وقعت عينـه لـعـينـي
بدموع في الحب تجـرا
فالنظر توقيعـو ثـابـت
بقلوب عشـاقـو يقـرا
وحواشي خـدو ريحـان
هذا هو الموت المحقـق

ولكنَّ رُتْبَتهُ في نظمِ الزجل سافلةٌ كما قال ابن حجة في البلوغ- بالنسبة إلى علو مقام مناظيمه في الشعر والموشح.

ـومنهم العلاَّمةُ عليُّ بنُ الحسين عزُّ الدين الموصلي (ت789) شاعرٌ أديب قال ابن حجر في ترجمته من الدرر الكامنة:’’ نزيل دمشق، مَهَرَ في النَّظم وجلس مع الشهود بدمشق تحت الساعات، وأقام بحلب مدَّةً، وجمع ديوان شعره في مجلَّدٍ، وله البديعِيَّةُ المشهورة، قصيدةٌ نبويةٌ عارض بها بديعيةَ الصفي الحلي، وزاد عليه أن التزم أن يودع كل بيت اسم النوع البديعي بطريق التورية أو الاستخدام، وشرحها في مجلدة واحدة، وله أخرى لامية على وزن بانت سعاد’’.اهـ

وله هذه القطعة:

يا صباح الخير والـخـيره
صبحتني طلعة المحبـوب
حن رأيت وجهو السعيد مقبل
قلت هذا غاية المطـلـوب

ـومنهم قيم مصر خلفُ بن الغباري، أورد له ابن حجة في بلوغ الأمل مقطوعةً منها:

الحمد لله الـحـمـيد الـمـجـيد
قادر ومعلا قدر مـن مـجـدو
مقصود وموجود في العدم والوجود
في السر والجهر أقصدو توجـدو

ولعل خلفاً هذا هو المقصود بقول الرَّافعي في تاريخ آداب العرب:’’ وأشهر نوابغ المصريين في الأزجال من المتقدمين، الغباري الذي نبغ في عهد السلطان حسن، فإن له أزجالاً بعيدة الشهرة بما فيها من دقة الصنعة، وإبداع المعاني، وكثرة التفنن’’.اهـ والسلطان حسن المذكور من أعيان القرن الثامن.

ـومنهم تقيُّ الدين أبو بكر بن حِجَّة الحموي(767-837) رأسُ أدباءِ عصره، وهو صاحبُ بلوغ الأمل في فن الزجل الذي أكثرنا النقل عنه في هذه العجالة، وخزانة الأدب وغيرهما من المؤلفات الماتعة، وكان ذاهباً بنفسه، ضنيناً بشعره، يرى غالب شعراء زمانه كآحاد تلامذته، فهجوه بمقاطيع مُقذعةٍ، وصنَّف فيه شمس الدين النَّواجي -وكان مختصا بصحبته أول الأمر- رسالةً سماها الحُجَّة في سرقات ابن حِجَّة(5) وقد رأيتُ نسخةً مخطوطةً منها في موقع الخزانة الأزهرية على الشَّبكة العالمية. وجاء في ترجمته من الضوء اللامع للحافظ السخاوي: ’’تقدم في عمل الأزجال والمواليا ثم أقبل على نظم القصيد ومدح أعيان بلده.’’ اهـ

ومن أزجاله هذه القطعة:

شكيت لسـاقـو حـالـتـي
وقلت لو كـم ذا الـجـفـا
أظهر لي وجهين وانثـنـى
وخلف لي عرقوب في الوفا
ناديت وقد أمسـيت فـقـير
إليه نريد منـو الـصـفـا
ما هو فقيري في الطـريق
يا جاعل الـسـادات خـدم
تمشي بوجـهـين بـينـنـا
والناس تقول صاحب قـدم

ـومنهم شيخُهُ قاضي القضاة عمادُ الدين إسماعيل بن القضامي وله :

لولا أنت يا حاجبو تحجبـنـي
ماذا ورد سايل دموعي محروم
ولولا أنت يا قـوامـوا عـادل
قتلتني من زمان فيه مظلـوم
ولولا أنت يا عـذارو نـمـام
بثيت إليك سر حالي المكتـوم
ولولا أنك ياردفـو مـثـقـل
بحمل شوقي إليه ثـقـلـتـك
ولولا أنك يا جفنو مـكـسـور
لكنت دين الوصال كفـلـتـك

وقد أعجب بهذه القطعة ابن حِجَّة أيما إعجاب فقال في وصفها: ’’انظر أيها المتأمل إلى هذه الجزالة والرقة والسهولة مع إطلاق أعنة التورية واجتناب العيوب المنهي عنها في نظم الزجل’’.اهـ(بلوغ الأمل).

ـومنهم ابن حُطَيْبة عليُّ بن عبد الرحمن السكندري(780- بعد840) قال الحافظ السخَّاوي في ترجمته من الضوء اللامع :

’’ ولد سنة ثمانين وسبعمائة تقريباً بثغر الإسكندرية وقرأ بها القرآن، وصلى به، فلما توفي أبوه أخذ عنه البوابة، فاشتغل بها، وعني بالشعر فأتقن الزجل، وقدم عليهم التَّقي بنُ حِجَّة في دولة المؤيد، فاجتمع به، وأخذ عنه، واستفاد منه، وأثنى عليه في الزجل، وحج مرتين الأولى قبل القرن وتردد إلى القاهرة واجتمع بشيخنا ومدحه بزجل ومن نظمه مما كتبه عنه البقاعي في سنة ثمان وثلاثين قصيدة مطلعها:

في مرتع القلب غزلان النقا رتعـت
وقطعت من حشاشات الحشا ورعت
ومات بعد سنة أربعين.’’ اهـ

ومنهم أيضاً ممن عاصروا ابن حجة وجاء ذكرهم في كتابه بلوغ الأمل:
ـ محمد بن قيس قيم حلب
ـ الأستاذ شمس الدين محمد الأعرج قيم الديار المصرية، ويعجبني قوله في مطلع من أزجاله:

يا طلعة الـهـلال
لا تكشف اللـثـام
تفطر الـقـلـوب
في شهر ذا الصيام

ومن مطالعه البديعة أيضاً:
وجه المشرقـية
بالأنوار مبرقـع
قمر هي والأقمار
من الشرق تطلع

- أحمد القماح راجح رجاح مصر وله :

كف الظلام أرخى على وجه الليل
شعرية سودا وكحلـو دون مـرود
وبدى المصباح من بين جفونو يغسل
بما الضيا كحل الظـلام الأسـود

ـ علي النجار قيم الشام وله :
جا سهدي سرق منامـي
راح باعوا بيع المسامح
وآش قلتو أنه خسر فـيه
كيف ما باع اللص رابح

ـ شمس الدين محمد بن الطراح قيم الشام أيضاً على هذه الطريقة الزجلية وله هذا البيت من بعض أزجاله:

شدة ما تـدوم
يا بني لا تسوم
إن العسر شوم
والسماح رباح
وقد حوى هذا البيت ثلاثة أمثال سيارة.

ـ ومنهم قيم الشام أحمد بن العطار وله:

على قامة قدّك في ليل شعرك = أشرقت طلعتك وهي تـامـه
فعجبنا كيف ما يزول الظـلام = وادي شمس الضحى على قامه

ـ الشيخ برهان الدين ابراهيم المعمار نشأ بالديار المصرية، ’’ولم يكن يعد نفسه من فرسان العربية ولكن نبات الأدب الحلو كان مغروساً في طباعه’’ (بلوغ الأمل)، وله أزجال ماتعة، ونقلوا عن الشيخ جمال الدين بن نباتة أنه قال: قطعنا المعمار بمقاطيعه.

ومن هذه المقاطيع قوله:

نيلنا أوفى وزاد بحمد اللـه = ذي الزيادة حديثها قد شاع
فرحوا الناس وعبس الخزان = بقا وجهو ذراع وقمحو باع

ـ ومن المتأخرين الأديب أبوبكر بن منصور العمري الدمشقي، ذكره المحبي في أعيان القرن الحادي عشر وقال في ترجمته:

’’وكان ينظم الموشح، والدوبيت، والزجل، والمواليا، والقوما، والكان وكان، وهو في كل فن منها سابقٌ لا يلحق، ومتقدمٌ لا يدرك، وكان في عنفوان شبابه كثير الرحلة، دائم النقلة، فجاب البلاد، ودخل الروم وبلاد الشرق، ورحل إلى مصر مرات عديدة، وأخباره كثيرة، ووقائعه عجيبة، وقد ذكره البديعي في ذكرى حبيب وما أنصفه فقال في وصفه:’’ تمتام تحسن من غيره كلامه، يعجم لسانه ما تعربه أقلامه’’، ويستخرج فكره من الشعر ما يضارع الروض المنمنم، فهو أشعر بني نوعه معلم يتكلم، وله من الزجل ما يحمد الغباري غباره، ومن جميع فنون الشعر ما يمدح أربابها فيه آثاره’’.اهـ

ـو منهم محمد الحباك القشاشي الذي كان على عهد محمد علي باشا، وصفه الرافعي برئيس العامة في هذا الفن لعهده، وله معارضات زجلية يعارض بها الغباري المذكور آنفا.

هذا ما وقفت عليه في هذه العجالة من أسماء الزجالين وتاريخ الزجل، ولم أطلب الاستقصاء والاستغراق، وبقي الكلام عن العيوب التي لا يجيزونها في هذا الفن، والألفاظ التي يتجنبونها وينهون عنها، وقد أحصاها كلها الأديب البارع ابن حجة الحموي في كتابه النفيس (بلوغ الأمل في فن الزجل)، فانظرها هناك.

* بقي أن أنبِّه إلى أنَّ الزَّجلَ مادَّةٌ ملحونةٌ، ولغةٌ عاميةٌ، فهي إذن بسبيل الأعمال الزمنية، تتغير دائماً، وتتباين أبداً، ولا يمكن أن تستقرَّ ألفاظُها وأوضَاعُها على حالٍ واحدةٍ، بل لا بد فيها من التغيُّر جيلاً بعد جيل، ولذلك نجد في أزجال المتقدمين من الصِّيغ العامية والألفاظ البلدية ما يستغلق فهمه على أهل هذا الجيل فلا مأتى لحل لغزه، ويستبهم على من هم قبل ذاك الجيل فلا مَطمعَ لفك رمزه، واعتبر ذلك أيضاً في ما بين زجل المشرق والمغرب من الفروق، وكلما تطاول الزمن اتسعت تلك الخُروق، فالله يحفظ علينا الفُصحى نظماً ونثراً فهي القائمة على ما للِّسَان العربي من الحقوق.

والحمدُ للهِ أولاً وآخرا.

ـــــــــــــــــــ

1- قلتُ وتلحق بابن غزلة وابن راشد في التقدُّم أخت عبد المؤمن الأموي التي قتل بسبب التشبيب بها ابن غزلة المشار إليه. قال فيها ابن حجة في بلوغ الأمل: وكانت هي أيضاً جميلة الخلق فصيحة اللسان تنظم الأزجال الرائعة الفايقة.اهـ

2-انظر في مجلة المنهاج ج25 بحثاً لحسين الادريسي بعنوان:(المؤتلف والمختلف في الأدبين: الفارسي والمغربي الأندلسي).

3– مكناس مدينة مغربية
وفي أدائهم لها اختلاف في بعض الألفاظ عما أورده منها ابن عجيبة وزيادات.

4- وفي تاريخ آداب العرب للرافعي في طبعة (دار الكتاب العربي):’’ أبو عبد الله الألوسي’’ وهو خطأ والصحيح اللوشي.

5- قال السخاوي في معرض كلامه عن تحامل النواجي هذا على ابن حجة في السرقات المذكورة:’’ وعمل كتاباً سماه الحجة في سرقات ابن حجة وربما أنشأ الشيء مما نظمه التقي(أي تقي الدين بن حجة) وعزاه لبعض من سبقه؛ إلى غير ذلك مما تحامل عليه فيه، وقد جوزي على ذلك بعد دهر، فإن بعض الشُّعراء صنَّف كتاباً سماه قبح الأهاجي في النواجي جمع فيه هجو من دب ودرج، حتى من لم ينظم قبل ذلك، وأوصل إليه علمه بطريقة ظريفة فإنه: أمر بدفعه لدلال بسوق الكتب وهو جالس على عادته عند بعض التجار فدار به على أرباب الحوانيت حتى وصل إليه فأخذه وتأمله وعلم مضمونه ثم أعاده إلى الدلال وحينئذ استرجع من الدلال فكاد النواجي يهلك.’’ اهـ
 
أعلى