نقد دوريس ليسينغ - لن أبكي أبداً بعد الآن

كان الجميع يعمل بأقصى سرعة ممكنة، الا ان المياه بدأت تتدفق إلى وسط الغرفة غير الزجاجية المحطّمة. انتزع"دان"آخر الكتب التي كانت لا تزال جافة، وقفز خطوةً إلى الوراء ليتجنب دفقاً جديداً من المياه.
وصرخ"غرايوت"،"كفى أيها الجنرال، يجب أن نهرب".
وضع"دان"آخر مجموعة من الكتب التي كان يحملها. وكان الكتبة يحاولون فرزها بحسب اللغات التي يعرفون، ولكنها سرعان ما كانت تتفتت بسبب قدمها وهشاشتها. ففي كل مرة ُيفتح فيها كتاب، يبدأ بالتفتت والتدهور. وفي قمة الألم واليأس، راح"دان"يلتقط كتاباً تلو الآخر ويراه يتفتت بين يديه. كانت أشلاء الورق يدمس لونها ويسودّ، قبل ان تتناثر في الهواء.
وقال"دان"،"هكذا تتلاشى حكمة مئات الحضارات. انظر كيف تتناثر. تطير فتبتعد فتختفي."
كان"دان"يتنقل من طاولة إلى أخرى على أمـل أن يجد على إحداها كتباً لا تزال كاملةً. كان يفتح برفق وتأنٍ الكتاب بعد الآخر ويشهد على موته، فيما تتطاير الكلمات أو سطور الكلمات لتلتهمها النيران. ثم ينتقل إلى كتاب آخر.
كان يبكي. وكان التلاميذ كلهم الذين يعملون في الصرح يائسين، بعضهم يبكي والبعض الآخر يحاول التقاط أشلاء الأوراق وهي تتطاير.
وقف"دان"متفرجاً وخلفه"تمار". وتصاعد صوت رنين آتٍ من الغرفة غير الزجاجية السرية وخيّم بعده الصمت. فالخلية لفظت أنفاسها الأخيرة. ومن الاتجاه عينه، سُمع صوت مياه تسيل.
قال غرايوت،"حان الوقت لكي نغادر جميعاً".
على طول رواق الصرح، كان الكتبة يدونون بسرعة الجمل القديمة والكلمات فيما تتحوّل الكتب غباراً بين أيديهم.
... الحقائق تثبت نفسها...
... مرجع قديم من الفخار...
... في إنجلترا...
..."روز"أنت مهووسة بالفن...
... المحيطات كلها ...
... تتغلّب على الموت لتعلن شروق الشمس...
...في يوم من فصل الصيف...
..."هيلين"...
عصفت الريح غربية، عندما...
تجمع النجوم...
... وأرقد هنا بمفردي...
... فكل الطرق تؤدي إلى...
قال غرايوت:"سيد"دان"ما كُتب يمكن أن يكتب مجدداً".
فأجاب"دان"،"مجدداً ومجدداً ومجدداً".
جلس إلى طاولته. وتأمل في الناس الذين يحاولون التقاط أشلاء الأوراق المسودة.
"الأمر يتكرر مجدداً ومجدداً يا"غرايوت". لا يمكن أن أفهم أبداً لماذا لا ترى ذلك".
جلس"غرايوت"بالقرب من"دان"وقال،"سيدي، انك تصعب الأمور على نفسك".
وجلست"تمار"أيضاً وفي يدها قطعة من الورق المتلاشي. كانت تذرف الدموع. وقالت،"عندما اصل إلى توندرا، لن أبكي أبداً بعد الآن. أبداً".



خير جليس.jpg
 
أعلى