حسين الواد - المتنبي و التجربة الجمالية عند العرب

تمهيد :

إن المتتبع للدراسات المتنبئية الحديثة ، يلاحظ أن أغلب هذه الدراسات اتخذت تاريخ الأدب كمنهج لها ، و قد يرجع السبب في ذلك هيمنة هذا المنهج في الجامعة ، خاصة في المشرق العربي الذي عرف التقاءا مبكرا بالغرب ، و قد لعب المستشرقون دورا كبيرا في تركيز هذا المنهج خاصة و أن مجموعة منهم قد درست في بمصر . وقد وجد الدارسون العرب في المنهج ضالتهم ، إذ طبيعة المرحلة التاريخية التي ألف فيها مؤرخو الآدب كتابتهم ، اتسمت بوجود الإستعمار وجودا عسكريا ، و إداريا ، و ثقافيا على أرض البلاد العربية ، فكان طبيعيا أن يختار هؤلاء الدارسون منهجا يستطعون من خلاله أن يبرزوا تاريخهم و ثقافتهم و آدابهم و خصوصيتهم في مواجهة الغزو الإستعماري و الثقافي ، فقد عرف منهج تاريخ الأدب في مراحله الأولى اتجاهين :

- الاتجاه الأول : ينظر فيه أصحابه إلى نشاط العرب الفكري و المادي في الماضي بعين الرضا و الإعتزاز . فكثيرا من تمجيده و ينتصروا للعرب ، و إن واجهوا في هذا الماضي بعض الفترات الحالكة يمرون عليها مسرعين ويبدو هذا الإتجاه ؟ مندرجا في إطار قومي دفاعي يفاخر بالعرب و يرد علىمنتقصيهم في ماضيهم ، لذلك فإنه يجد في الإبتعاد عن النظرة العلمية للأشياء وسائل لدرك الغايات التي ارتسمها أصحابه لأنفسهم في كتابة تاريخ الأدب العربي .

- الإتجاه الثاني : من خصائصه أنه ينظر إلى مصادر التاريخ العربي و مراجعه نظرة نقدية تعتمد الشك في كل شيء تحتكم إلا إلى العقل، و قد ارتبط هذا التوجه ببزوغ الطبقة الليبرالية الداعية إلى التحرر الفكري من كل قيود الماضي .

و على العكس من ذلك ، فالمغرب العربي ، لم يعرف هيمنة منهج تاريخ الأدب ، بل كان أكثر انفتاحا على المنجز النقدي الغربي ، و بذلك عرف رواج مجموعة من الإتجاهات ، كالبنيوية و السميائيات ، و التداوليات ، و أخيرا ، تعاملوا مباشرة مع نظرية التلقي ، و هي أحدث نظرية تعيد قراءة تاريخ الأدب من منظور جديد . و في هذا السياق ، أنجز حسين الواد دراسته حول المتنبي تحت عنوان ( المتنبي و التجربة الجمالية عند العرب ) من جهة نظر التلقي ، و سنقوم في هذا الفصل بقراءة هذه الدراسة محاولين بذلك استجلاء معالم هذه النظرية ، و طريقة اشتغالها و مدى الجدة التي قدمتها للدراسات المتنبئية .

و قبل أن نشرع في تحليل كتاب حسين الواد ، لابد من الوقوف عند بعض الدراسات حاولت أن تتناول ديوان المتنبي في أثر دارسيه .

أول من خصص دراسة لتداول ؟ ديوان المتنبي في العالم العربي قديما و حديثا ، هو المستشرق الفرنسي ريجيس بلاشير تحت عنوان : ( ديوان المتنبي في العالم العربي وعند المستشرقين ).

إن هذه الدراسة الرصينة تكتسي أهميتها من ريادتها لتناول موضوع ظل منسيا في الدراسات المتنبئية ، و هو تقويم الحركة النقدية التي تكونت حول شعر المتنبي و فحص هذا المنجز النقدي من أجل استخلاص الدوافع الحقيقية التي حركت هذه الدراسات ، سواء تلك التي تصطبع بطابع الهجوم أو تلك التي انتصبت مدافع عن المشروع الشعري عند المتنبي أو تلك التي وقفت في سواء السبيل حكما عدلا .

لقد ا ستخلص ريجبيس بلاشير نتيجة أساسية من خلال السيرورة التي نعمت بها أعمال المتنبي وهي ، الشاعر يتمتع بنوع من أنواع العبقرية ، وقد طرح السؤال الاهتمام بهذا الشارع إما عطفا أو مناوءة ، و حاول أن يلتمس لذلك جوابا مفاده ، أن هذا الاهتمام المستمر هو نتاج للتشابه الحاصل بين البيئة التي قيلت فيها أشعار المتنبي و البيئة المتلقية لهذا الشعر ، فالأفق الشعري للمتنبي قد تكرر أو أعيد تش كيله . يقو ل بلاشير : ؟ لكي نعلل الإهتمام العطوف أو المناوئ الذي أعاره العرب لأشعار المتنبي ، ألا نجرد ، في أي وقت تلك الأشعار عن البيئة التي نظمت و قرئت و أحبت أو نوقست فيها . ففي كل مرة إذن ، ينشأ فيها محيط مشابه لذلك الذي نشأت فيه آثار المتنبي الشعرية ، تنعم بهذه الآثار برواج جديد بيد أن المجتمع الإسلامي لم يبعث أثناء تطوره التاريخي هذا مرات متعددة جدا فحسب ، بل أعاد تكوينه في الوقت ذاته في أمكنة كثيرة .

و قد سلك بلاشير في عرضه لشروح الديوان و المصنفات التي تناولت شعر النتنبي بالنقد طريقة نظريته في العواصم الثقافية و المدارس و المراكز الأدبية التي تعايشت و أثرت إحداهما في الأخرى . و قد سجل صعوبات عديدة تعترض الدارس في الوقوف على حجم الأثر الذي خلفه الشاعر في الشعراء اللاحقين خصوصا أن ؟ الكثيرين من الشعراء لم تطبع دواوينهم و بعضهم طبع شعره جزئيا . أما فيما يخص علاقة هذا الشعر بفعالية النقد ، فإنه لا يمكن حسب بلاشير أن تعرف على الوجه الأكمل ؟ فقد ضاع الكثير من تلك البحوث أو لم تحقق هويتها ، أو لأنها لا تزال مدفوعة في أعماق المكتبات الخاصة

لقد رصد تطور حركية التأليف حول المتنبي محاولا إبراز المشاعر التي أثارها أعمال
الشاعر في قرائه، مسجلا بذلك مجموعة من الملاحظات كانت هي عمدة الدارسين بعد بلاشير الذي تناولوا الحركة النقدية حول المتنبي، ومن الملاحظات الهامة التي وقف عليها:

- أن حلقة حلب لم تترك أي أثر في الدراسات المتنبئية لأن اصحابها تفرقوا بعد موت سيف الدولة.

- أن حلقة شيراز ذابت في مركز عاصمة الخلافة بغداد التي أخذت في تكوين مركز تسع منه الدراسات حول المتنبي.

- أن موت المتنبي لم يضع حدا في بغداد للخصومة التي كان يضمرها الكتاب والشعراء والنقاد للمتنبي وقد تجلى ذلك في صمت الأصفهاني عن ذكر المتنبي في كتابة الأغاني والمرزباني في الموشح.

- الحاتمي يلفت أنظار الجمهور إلى المظهر الوحيد الجذاب في أعمال المتنبي الشعرية ألا وهو البعد الفلسفي .

- النقد المنصف للمتنبي ، يرى أن الوسيلة الوحيدة لتقسيم شعر المتنبي، هو أن نتناول الديوان ككل فراءة وتفسيرا، حتى نكتشف عشرات الحسنات مقابل سيئة واحدة.

- الشرط الأساسي لكي يحتل المتنبي مكانته النهائية في الشعر العربي، هي أن يصل القراء بسرعة إلى فهم واضح لشعره الغامض، وهذا المطلب كان من وراء ظهور مؤلفات تعني بالمشكل الشعري.

- ابن جني رائد الدراسات المتنبئية، ويعود الفضل في ذلك إلى شرحه الكبير ( الفسر)

- ولع الشرقيين بتنضيد الشرح على الشرح، حرك الشراح للاستدراك على ابن جني وتصحيح بعض تفاسيره الوهمية.

الإشادة بشرح الواحدي باعتباره ارفع مستوى من شروح المؤلفين المعروفين ، حتى أن الشرقيين يعتبرونه أكمل الدراسات التي خصصت للمتنبي.

- ديوان المتنبي يجد في المغرب العربي صدى كبيرا، لم يضعف إلى اليوم ، وذلك أن ديوان المتنبي وجد هناك مرات عديدة، بيئة مساعدة مماثلة للبيئة التي شهدت ولادته.

أما الدراسة الثانية التي تناولت هذا الموضوع فهي أطروحة الدكتورله للباحث المصري عبد الرحمان شعيب ، تحت عنوان : المتنبي بين ناقديه في القديم والحديث، وقد كان الهدف من هذه الأطروحة هو بيان معارك النقد التي دارت حول المتنبي منذ تلقف النقاد آدابه، وتصدووا التفسيره وتقويمه وبيان حسناته وهناته ، وأيضا تتبع نقاد المتنبي على اختلاف مناحيهم في الدراسة ومناهجهم في البحث واتجاهاتهم في النقد تتبعا يكشف عن مدى قدرتهم على تطبيق المقاييس النقدية التي كانت في محيط حياتهم وفي متناول أيديهم. والتي غدت اسسا ينبغي مراعاتها في تناول الآداب مادامت مسلمة من الناقد، وغدت جزاءا من رصيد الأمة الأدبي .

من خلال هذه الأهداف، المصرح بها في مقدمة الطبعة الأولى، يتضح لنا أن عبد الرحمان شعيب، يؤرخ للحركة النقدية التي تكونت حول ديوان المتنبي منذ القرن الرابع إلى حدود إنجازه لأطروحته. وكان سبيله في ذلك هو عرض آراء النقاد ومناقشتها، والوقوف على زوايا النظر المختلفة التي درس بها المتنبي، وقد كان الحافز وراء هذه العملية هو وفرة الدراسات حول المتنبي،هذه الوفرة يعتبرها عبد الرحمان شعيب من مظاهر عظمة هذا الشاعر، فأول ما يوحي به انشغال هذه الجمهرة لعظمية من الشراح والدارسين والباحثين والمؤرخين، وأننا امام شاعر عظيم وفحل من فحول الأدب العربي، ولولا ذلك ما حمل هذا العدد من الدارسبن على تبع ادبه ودراسة ديوانه.

نستخلص من هذا الإهتمام بنقاد المتنبي ودارسيه، أن عبد الرحمان شعيب، يبحث في تفسير علة استمرارية هذا الشاعر وخلوده، ولقد كان هدفه مزدوجا، يبحث في طبعة المناهج والمقاييس النقدية المتبعة في قراءة المتنبي، وأيضا في طبيعة أممزجة هؤلاء النقاد وانفعالاتهم وتأثرهم الشخصي أثناءتناول النص الشعري.

ولكي يحصر المتن المدروس، خصوصا وأن المساحة الزمنية التي يشتغل عليها ممتدة جدا ( عشرة قرون )، سيحاول تقسيم هؤلاء النقاد إلى ثلاثة طبقات.

- الطبقة الأولى هم أصحاب الدراسة الغوية والثانية هم أصحاب الدراسة الأدبية والثالثة هم أصحاب الدراسة الفلسفية.وبالرغم من التصريح بهذه الأهداف، فقد جاءت دراسة عبد الرحمان شعيب مفتقرة إلى تفسير وتعليل الإختلاف الحاصلة بين هؤلاء القراء، حيث اكتفى بعرض آرائهم معيدا بذلك ما سجلته الكتب النقدية القديمة أو الحديثة، دون هذه القراءات باشروط العامة لإنجازها. إذ تحولت دراسته من رصد لتطور القراءة إلى رصد لصراع الأفكار.

أما الدراسة الثالثة هي التي انجزها محمد بن شريفة، تحت عنوان : أبو تمام وأبو الطيب في أدب المغاربة وقد كان الهدف من هذه الدراسة هو ؟ ابراز عناية المغاربة بشعره وإظهار موقعه في أدبهم ، وبالرغم من أن هذا الهدف قد سبق له بن شريفة في أعمال كل من ، بلاشيروغرسية غومت، وعلال الفاسفي وابن تاويت الطنجي، فإنه قد نحا منحى مغايرا في تقسيم المادة وتنظيمها، إذ شرع في دراسته بتسجيل الأسانيد التي وصل من خلالها شعر المتنبي إلى المغرب، وقد اعتمد هذه الأسانيد من خلال فهرس ابن خير، مبينا انه لايكاد يخلو برنامج من برامج الأندلسيين من ذكر أسانيد متعددة لرواية شعر المتنبي، وقد اكد ابن شريفة على دخول ديوان المتنبي إلى صقيلية بواسطة علي ابن حمزة اللغوي رواية المتنبي في مصر، أما في المغرب الأقصى فلا نعرف متى درس فيه شعر المتنبي وذلك لضياع أخبار المراكز الثقافية الأولى، ولكننا نقدر أن شعر المتنبي عرف في المغرب بواسطة الأندلس.

وبمقابل هذا الالتقاء المبكر لديوان المتنبي في المغربي الإسلامي، يهتبل بن شريفة فرصة الاستشهاد بأربعة أخبار ليؤكد من خلالها اعتراف أبي الطيب بالشعر في الغرب الإسلامي، ونذكر من هذه الأخبار الذي روي في الذخيرة وحكي أن ابا الطيب المتنبي على قلة رضاه عن شعر أحد ف إنه على ماذكر عنه أنشد لجملة من شعراء الأندلس حتى أنشد قول ابن هذيل:

لما وضعت على قلبي يدي بيدي
وصحت في الليلة الظلماء واكبدي ( البسيط)

ضجت كواكب ليلي من مطالعها
وذابت الصخرة الصماء من جلدي


فقال هذا أشعر أهل العرب.

وبعد أن وثق الأسانيد التي روي بها المتنبي، انتقل إلى الحديث عن الشروح فعرضها دون أن يحلل طبيعتها والفروق بينها، فقط سجل بعض الاستدراكات على بلاشير حول نفيه لظهور أي كتاب جديد بعد سقوط الموحدين حول المتنبي لا في المغرب في الأندلس، فذكر أن هنلاك شرحا لأبي الحسن فضل بن فضيلة المعارفي الأوريولي؟ الذي فسر شعر المتنبي تفسيرا صوفيا وقد سمي هذاالتفسير شرح الأبيات الكندية، على الطريقة الصوفية؟2. والمعافري هذا عاش في عهد بني الأحمر، وقد صحح الوهم الذي وقع فيه محقق كتاب؟ سرقات المتنبي ومشكل معانية؟ محمد الطاهربن عاشور، حيث نسب الكتاب إلى ابن بسام صاحب كتاب ؟الذخيرة؟ ، والكتاب حقيقة هو لشنتريني أخر اسمه محمد بن عبد الملك السراج3.

أما الملمح النقدي الوحيد الذي استخلصه من الحركة النقدية التي تكونت حول شعر المتنبي، هي إعمال العنصر الديني في تقويم شعر المتنبي، فإذا كان الأندلسيون والمغاربة قد اعجبوا بشاعرية أبي الطيب فإنهم لم يتساهلوا معه فيما يمس الحساسية الدينية.

وحتى يبرز تغلغل شعر المتنبي وسريانه عند المغاربة والأندلسيين، يذكر المعارضات الشعرية التي أقامها هؤلاء الشعراء مع المتنبي والتضمينات التي تخللت قصائدهم والاستشهاد والتمثل بشعره في المناسبات، ولا يفوته أن يذكر بالاحتفال الذي خص به النغاربة المتنبي في ذاكره الألفية سنة 1936، وقد نشرت أعمال هذا الإحتفال في عدد خاص من مجلة المغرب الجديد 9-10، مارس1936.

يبقى هذا العمل الذي قام به بن شريفة مهما من ناحية التوثيق لاستدراك ، لكنها لم تستوف شروط الدراسة والتحليل للمقايس النقدية وللمناهج التي اتبعها هؤلاء الشراح والنقاد من أجل تبيان خصوصيات المدرسة المغربية في تاريخ النقد الأدبي العربي.

إن هذه الدراسات استطاعت أن توثق المادة التي تشكلت حول ديوان المتنبي خلال القرون العشرة السالفة، فأطروحة بلاسستير امتازت بالتوثيق التاريخي للمصادر في المشرق والمفرب، وكتاب بن شريفة ركز فقط على التوثيق الخاص بالمغرب، أما عبد الرحمان شعيب، فإنه استفاد من توثيق بلاشيروأضاف اليه كتابات ظهرت بعد سنة 1935 التي صدر فيها كتاب بلاستير مركزا فقط على ابراز توازيات بين القدماء والمحدثين، وما غاب في هذه الدراسات هو ربط المتنبي بالنتلقي، ومحاولة النفاذ إلى آليات اشتغال استقبال شعر المتنبي في الأوساط الثقافية المختلفة والمتنوعة .

- ديوان المتنبي من منظور التلقي

ينخرط هذا العمل الذي أنجزه الواد حول ديوان المتنبي ضمن مشروعه النقدي الذي عرف تطورا من حيث الرؤية المنهجية، فقد بدا الواد مشروعه بتجريب المنهج البنيوي التكويني، في دراسته التي خصصها لرسالة الغفران ثم انتقل إلى مساءلة منهج تاريخ الأدب، وأخيرا يجرب ما توصلت اليه نظرية التلقي من خلال هذا المسار يتضح أن الواد كان يجعل من المسالة المهجية اولى الأوليات لمشروعه النقدي.

لقد عرض الواد للمناهج السابقة مبرزا خصائصها ومفاهيما ومحدوديتها في مقاربة النصوص الأدبية ، وتبعا لعرضه هذا، سيقتنع بأن الإهتمام بالقارئ ظل غائبا في نقدنا العربي القديم والحديث، من ثمة فغن العمل الذي قام به يندرج ضمن تجديد الرؤية النقدية المبنية على تغير وجهة النظر التي ظلت لزمن طويل، تعنى بالسياق الخارجي وبالمؤلف والنص ، إلى الاعتناء بالقارئ الذي يهب النص كينونته عن تحليلنا للدراسة التي أنجزها الواد، سينصب اساسا على مجموعة من القضايا نوجزها فيما يلي

- ما هو السؤال المطروح على حسين الواد وهو يواجه المنجز القرائي لشعر المتنبي في القديم؟
- ماهي طبيعة المتن المدروس؟ وماهي الأعراف الثقافية والمعايير الجمالية والمقاييس النقدية التي استنتجها من هذا المتن؟
- ماهي آفاق الانتظار التي تأسست عبر المراحل القرائية لشعر المتنبي، وكيف استطاع أن يخيب هذه الآفاق أو يعدلها أو يستجيب لها؟
- ماهي طبيعة المعاير التي حددت قيمة شعر المتنبي؟
- ماهو نوع التجربة الجمالية التي تأسس عبر هؤلاء القراء المتتابعين؟
- أهداف الدراسة :
- إن دراسة حسين الواد حول المتنبي تسعى إلى تحقيق مطلبين أساسيين هما:

استكمال المشروع النقدي الذي بدأه أولا بالإهتمام بالخصائص البنيوية للنص،ثم الإنتقال إلى تاريخ الأدب لدراسة مفاهيمه و مناهيجه، و أخيرا تتويج هذا المشروع بتجديد النظر في التاريخ الأدبي معتمدا على نظرية التلقي كما تقررت مفاهيمها عند هانز روبرت ياوس، و بالرغم من أن الواد يذهب إلى أنه لميجد أي عمل جاد، يمكن أن يرتاح إليه في تحقيق هذه المرحلة من مشروعه، و آثر أن ينصت للنصوص و إلى خصوصة القدماء حول شعر المتنبي حتى يتجنب الاسقاط و يستخلص النتائج من مستوى هذه النصوص، فإننا نخالفه هذا الرأي، خصوصا و أن الخطوات التي اتبعها في معالجته للمتن المدروسة يستضمر طرائق ياوس في التحليل و يستجليها استخلاص الخصائص التي تتكون منها علاقة الآثار الأدبية بجمهورها أو سلبا، و قد بنى هذه الفرضية على أساس فرادة المتنبي، و اعتباره ظاهرة في الأدب العربي القديم، خصوصا و أنه هو الشاعر الوحيد الذي سرق الأضواء . فكثر فيه الجدل و النقاش حتى قال فيه الثعالبي ؟ و لم يسمع بديوان شعر في الجاهلية و لا في الإسلام شرح هكذا مثل هذه الشروح الكثيرة سوى هذا اليوان، لا تداول على ألسنة الأدباء في نظم أو نثر أكثر من شعر المتنب و في اعتقادي فإن حسين الواد اختار المتنبي لهذا السبب خصوصا و أن نظرية التلقي عند ياوس لا يمكنها أن تشغل إلا على شاعر ظاهرة تتالت قراءاته عبر الزمان .

-أسئلة البحث وسيل الأجوبة عنها :

هناك سؤالان جوهر يان ينظمان دراسة الواد . أحدهما يتعلق بسؤال البحث في قيمة شعر المتنبي عند الجمهور القارئ من خلال القضايا التي طرحت في تآليفهم المتعددة و المتنوعة . أما السؤال الثاني، فأعتقد أنه السؤال الذي حرك جل الدراسات المتنبئية في العصر الحديث و هو سؤال الاستمرارية و العناية الفائقة بتغيره .

فإذا كانت المناهج السالفة الذكر قد التمست جوابا لسؤال الاستمرار ية في طبيعة حياة الشاعر و مضامين شعره أو في تركيبته النفسية و القيمة التي نادى بها، فإن حسين الواد يمم وجهة أخرى قد تكون هي النهج القريب من الجواب على هذا السؤال الاشكالي بحيث اعتمد البحث في تنوع التصانيف حول المتنبي و تعدد مقاصد أصحابها .

و لكي يحقق هذا المطلب سيعيد في بداية ألى تصنيف المؤلفات و وصفها و تتبع مسيرتها التاريخية بغية استنتاج العوامل المؤثرة في وفرة المؤلفات حول المتنبي و انحسارها عبر القرون، و إبراز المعايير المعتمدة في التآليف التي وجهت نقدها للمتنبي و الدوافع التي جعلت شعر المتنبي يهيمن في مصنفات البلاغة و النقد .



حسين الواد
 
أعلى