قصة ايروتيكية محمد البوعيادي - الثعبان الأقرع

درست الآنسة (باء) الفلسفة في الكلية، تعرفت على (جيم) الذي افتض بكارتها باسم المذهب الطبيعي، ثم وسّع المدخل إلى الفلسفة البراغماتية، ليهرب أخيرا باسم المذهب السّريالي.

اضطرت (باء) إلى الزواج بصديق أخيها، الرجل البسيط المؤمن، كي لا يقوم أخوها (ياء) بقتلها، بعد أن أخبره (ميم)، الذي كان طالبا في كلية الشريعة، أن أخته تحوم حولها الألسن والشكوك في كلية الآداب.

اعتقد (ميم) أن كونها تضع حجابا فوق رأسها عائد لكونها سوف تصلي وتحب الله يوما ما.

في ليلة الدخلة اكتشف (ميم) أن الفيلسوفة ليست عذراء ، وأنها صلعاء في مقدمة رأسها، بالرغم من توقعه لذلك، لكنه صُدم من كونها صلعاء، ألم يقبل (ميم) الزواج من فتاة ليست بكرا لأنها جميلة فقط؟، أو ربما – لا سمح الله – لأن أباها ترك بعض الدكاكين التجارية؟

صاح باكيا : ماذا فعلت يا ربي لأستحق كل هذا؟

أجابته زوجته : لم تفعل شيئا، ولم أفعل شيئا، ولم يفعل الله شيئا.

غضب (ميم) وضرب زوجته لتجذيفها وشركها بالله، تم اغتصبها شرعا وأخبرها أنه سيسترها، بشرط أن يتطلقا بعد زواجهما بثلاثة أشهر، لكن في مقابل ذلك لابد أن تعطيه كل صيغتها الذهب وتكتب له نصيبها: متجر وسط المدينة. قبلت الفيلسوفة الصلعاء رهان المؤمن (ميم)، ثم ابتسمت وهي تنظر إلى المرآة قبل النوم.

بعد انقضاء الشهر الأول أصيب (ميم) ببعض الدوار وأخذ يتقيأ. تم نقله إلى المستشفى، أخبره الطبيب أن عليه أن يبقى في المستشفى لمدة خمسة عشر يوما كأقل تقدير.

بقيت أسرة (ميم) معه، أما الفيلسوفة الصلعاء فأخذت تطعمه أمام الجميع، لتظهر أنها تقوم بواجبها. مضى الأسبوعان الأولان بدون حدوث أي تحسن، قرر الطبيب تمديد فترة التطبيب خمسة عشر يوما أخرى. بعدها قرر تمديدها لمدة شهر. كانت حالة المؤمن تزداد سوءا كل يوم، يتقيأ ويشكو الله ويقرأ دعاء الشفاء بصوت مجهور كل خمس دقائق. وفي الليلة الأخيرة من الشهر الثاني في المستشفى، أخبر الطبيب أسرة ميم أن كل نفس ذائقة الموت.

تحت التراب، يوم الخميس ظُهرا، في قبر سعته شبر ونصف، كان جسد (ميم) شاحبا ميتا، لا تتحرك في نسيجه خلية واحدة، لكن وعيه ظل مشتغلا، أهيل عليه التراب على عمق متر ونصف، تُم دُك القبر بالإسمنت والحجر، على بعد متر ونصف ظل محملقا في السواد اللامتناهي، تبدو شذرات بصرية شبيهة بالنجوم المنطفئة، سريعة على شكل نقط تظهر وتختفي.

حين انسحب الأهل والأقارب، عاد إليه السمع، أول شيء سمعه كان صوت أمه وهي تبكي، تنطلق من حنجرتها القديمة حشرجة شبيهة بتلك التي تصدر عن حنجرة مذبوحة. ظل البكاء يبتعد إلى أن انتهى الصوت، لم يعد يسمع شيئا، بقيت في مخيلته صورة وجه متجعد مليء بالأخاديد والحُفر، ثم رأس آخر ينسدل الشعر من طرفيه، لكنه وسطه مثل صحراء قاحلة.

فجأة انطلق لسان (ميم)، كان معقودا، حاول حين حين كانوا قربه، أن يُخبر أمه أنه ما زال حيا، فهو لازال يسمعها ويراها، لكن بدون جدوى، كان مخدرا، بدا كمن قُطع لسانه وهي حي، أو كرجل يتحدث لغة لا يفهمها من يحيطون به. الآن يمكنه أن يتحدث، لكن لا أحد سيسمع.

تلمّس التراب الذي يحيط به، بارد ورطب، بقايا الماء المرشوش تجعل جدران المكان الصغير الضيق الأسود نديّة. أخذ (ميم) يصرخ. صرخ من ساعة دفنه بعد صلاة الظهر إلى حدود الفجر، كانت رائحة البراز تنبعث من كفنه حين صلى وهو مستلق، ثم تعب ونام.

« ما الكلمات التي صرخ بها (ميم)؟ » زار هذا السؤال رأس الفيلسوفة الأجرد وهي تحضر عصيرا في المطبخ وتطالع بين الفينة والأخرى كتابا عن موقف الفلسفة الرواقية من الموت.

حاول المؤمن الاستدارة إلى الجهة المقابلة، لكن القبر كان ضيقا بحيث لا يمكنه أن يحرك شيئا آخر باستثناء يديه ولسانه وعينيه، لكن ما فائدتهما؟ إن الظلام شبيه بكبسولة الوجود الأولى، لاشيء يملك لونا، لا ضوء.

فكر (ميم) في أن غذا الجمعة، ستأتي أخته وأمه لتزروانه، ثم توزعان التين اليابس على الأطفال وتدفعان لمقرئ كي يترحم على روحه ببضع آيات من القرآن، كان متأكدا أن زوجته لن تفعل. عرف ذلك لأنه لم يسمع نحيبها طوال الصلاة عليه في فترة الدفن، سمع صوتا شبيها بالفحيح أو الضحك المكتوم يخرج من شفتيها، في عينيها كان هناك شيطان صغير يرقص، وهو في صميم القبر تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن زوجته كافرة.

انتظر إلى ظُهر يوم الجمعة، أصابه العطش والجوع، أصبح منهكا، عند صلاة الظهر بالضبط سمع الآذان، كان صوت المؤذن عذبا جدا، شبيها بإبرة التخذير التي أعطوه في باحة المستشفى، فجأة سمع صوت سطل من الماء يرتطم بالقبر، تم تنهدات يعرفها جيدا، إنها زوجته:

- أرجو أنك على قيد الحياة بعد، لدي سؤال لك قبل أن تموت فعلا.

لم يندهش (ميم)، تذكر لحظة بين الخذر والصحو، في غرفة المستشفى عند المغيب، كان قد شعر بوخز خفيف في ذراعه الأيسر، ثم نظر إلى شيء شبيه بملامح زوجته، قبل أن يغمض عينيه، ليستفيق على رائحة التراب الندي في اليوم التالي.

أراد أن يجيب، لكن صوته كان ضائعا وضعيفا، لم يصل للزوجة صوت الغمغمات التي تبدو كأنها قادمة من باطن الأرض.

صرخ وقد تملكه خوف شديد وأمل يائس في أن تنقذه:

- لماذا كل هذا الحقد؟

لم تسمعه، لكنها كانت متأكدة من أنه لازال حيا، طرحت الفيلسوفة الصلعاء سؤالها وانصرفت ببرود :

- هل الثعبانُ أقرعٌ فعلا؟


modigliani.jpg
 
أعلى