دعوة الحق - أحمد بن عبد الواحد بن المواز

أبو العباس بن المواز السليماني الحسني، أحد فحول الوعاة، وأبطال الأدب الكماة - شب وشاب في طلب العلم والأدب والحكمة قراءة وإقراء وتأليفا وإفتاء، تربى في حجر الرياسة متدرجا في مدارج الكياسة إلى أن جال جولاته في معترك السياسة، وتقلب في عدة وظائف علمية ومخزنية أيام الدول الأربع -الحسنية- والعزيزية - والحفيظية - واليوسفية، خاض غمارها استقلالا وحماية بما أوتيه من دهاء ولباقة - من الكتابة إلى السفارة إلى العضوية بالمجلس التحسيني لكلية القرويين إلى قاضي القضاة، ورئيس المجلس الاستئنافي القضائي بالرباط حيث استوطنه. وبرهن على باعه الطويل في العلم، ومقدرته الفائقة بما كتبه في الرد على المرحوم الفقيه الحجوي الذي كتب ناهيا عن القيام لولادة الرسول الأعظم صلوات الله عليه فتصدى له المترجم بالنقد بما أسماه: (حجة المنذرين على تنطع المنكرين)، طبع طبعة حجرية (فاسية)، وقد وفق في الجواب الذي كان صفعة قاسية على المنكر، وكيف لا يوفق رجل قام يدافع عن الشفيع الأعظم؛ وعندما برز هذا التأليف لعالم الوجود وتصفحه علامة المغرب وفيلسوفه النادرة المرحوم(1) أبو عبد الله محمد (فتحا) بن أحمد الرافعي الأزموري ثم الجديدي، وكان مغرما بمطارحة المسائل العلمية - بعث لمؤلفه (مترجمنا) أسئلة ستة = 1) تحقيق ما لزم لثالث إقليدس من القول بالطفرة كما لزمت داهية النظر إبراهيم بن سيار حين قال بتركب الأجسام من أجزاء فعلية لا تتناهى. 2 ) الذب عن حجة الإسلام الغزالي في مقالته الشهيرة، ليس في الإمكان أبدع مما كان. فإنه عند إمعان النظر فيها يتبين أنها جارية على قول الحكماء القاضي بانحصار الحكمة الإلهية في هذا العالم، وبانتهاء القدرة إلى إعطاء كل موجود ما هو ضروري له وأفضل، وأن عدم القابل لا يستلزم عجز الفاعل، أو على القول بشيئية المعدوم ووقوف استعداداته تحتها عند حد ما تعينت به وتشخصت من الوجود الخارجي ولوازمه وهو آئل إلى الأول(2).
3) رأيه فيما ذهب إليه أبو إسحاق الشيرازي والسيد الألوسي وغيرهما في تنزلات الكلام القديم وتعيناته بالمظاهر -الإمكانية التي منها الحروف - والأصوات. 4) نظره في القول بعدم بقاء الأجسام زمانين، كما هو رأي زينون الأكبر من قدماء الفلاسفة، وصرح به الحاتمي في مواضع. 5) ما يعتمد عليه من الدلائل العقلية في استحالة معرفة الذات العلية بالكنه. 6) نظره فيما يذهب إليه خطيب الري من أن التصورات لا يمكن اكتسابها. - فأجابه المترجم برسالة وسمها: (دفع الوسواس عن مخالفة الأنفاس). والجواب عن هذه الأسئلة الشائكة يبرهن عن سعة في العلم وقوة في العقل ورسوخ قدم في المعرفة. رحم الله الجميع.
من مؤلفاته: -كتاب في التعليم وطرقه بالمغرب بطلب من أحد الأجانب الفرنسيين - فحرر نبذة في الموضوع تحدث فيها عن أساليب التلقين وطرقها المتعارفة وقتئذ معطيا رأيه في إصلاح الوضع وتحسين المناهج حسبما جد في عالم التربية والتعليم(3) .
ومنها: كتاب "اللؤلؤ السني في مدح الجناب الحسني" وهو عبارة عن نظم في العروض، احتوى مقدمة وخاتمة ضمنه مدح أمير المومنين المولى الحسن الأول - قدس الله روحه- ختمه بكلمة فيما ورد من مدح الشعر والإجازة عليه.(4)
ومن آثاره : "رسالة نبل الأرب في بيتي العقل والأدب" طبع بالقلم الفاسي.
ومنها : - إنشاؤه بيعة أهل القبائل الحوزية - للمولى عبد الحفيظ رحمه الله، انظر نصها بالإتحاف للمؤرخ المرحوم المولى عبد الرحمن بن زيدان.
وله قصائد ومقطعات رقيقة بديعة منها: تهنئة المولى عبد الحفيظ بالظفر بأبي حمارة يقول فيهــــا:(5)
جازت لنا البحر أنباء من الظفر = فكان ريح الصبا من نفحة الخبر
أهدت لنا غربة أنسا بشائرها = والأنس حال النوى منتهى الوطر
وللنفوس بقدر البشر تسلية = والبشر تهواه طبعا أنفس البشر
يا منبئا بفتوح للعلا اتسعت = فداك وهو قليل قوة البصر
ردد علينا أحاديث السعود بما = نالت جيوش العلى من مسعد القدر
ومن شعره قوله منبئا ومتنبئا بالحرب العالمية الكبرى الأولى(6) :
وقائلة ما في طوايا زماننا = فقلت لها قولا لمن يتفرس
أراه بطول السلم قد ضاق صدره = فهم بزفرات بها يتنفس
ولما رشح لوظيفة رياسة مجلس الاستيناف - كتب إليه المؤرخ الأديب بوجندار مهنئا بهذه القصيدة الرائية:
أتتنى صباجا وهي حاملة بشرى = تهلل وجه الدهر من أجلها بشرا
وقد فتنت لما أتت فكأننا سكارى = بها أنسا ولست ترى خمرا
إلى آخرها، ولم يلبث المترجم أن أجابه بهذه الجريدة السخرية شاكرا:
طبيعة أهل المجد تستنبت البذرا = كما أن داعي الود لم يطق الصبرا
فما ارتكزت في همة المجد حكمة = جمالية إلا اقتضى نورها النشرا
وما خلفت مرآة ود وحصنت = دعائمه إلا وتستوجب الشكرا
ولما تجلت لي خريدة فكركم = أفادت فأصبت من بلاغتها الفكرا
ولاحت كما تبدو الثريا بأنجم = تواصل جوازء المجرة بالشعرى
وحيت فأحيت مهجة أنست بها = وهنت فأبدت من شذا طيبها عطرا
وزارت فوفت بالمكارم منكم = وعين الرضى ترنو لما جاوز القدرا
ولا شك أن الخير والعلم والعلا = صفات يفيد الشعر من أهلها البشرى
لكم واجب الشكر الذي لا نطيقه = على نية حسنى خصصتم بها ذكرى
وبي أسف من أجل سقمكم = الذي يداركه المولى بعافية تترى
ويمن شفاء لا يغادر علة = وتجديد عز دائم يرتقي النسرا
وإني على شوق أعود جنابكم = قياما بحق ما استطعت له حصرا
كما أنني أرجو دعاءكم الذي = يرى مستجابا عند من يمنح السترا
تداركنا سبحانه بعناية = فإنه يكفينا وإياكم الأمرا
وفي وظيفه برياسة الاستيناف استوطن الرباط، وبه توفي يوم الخميس 13 صفر الخير عام واحد وأربعين وثلاثمائة وألف 1341 هـ (1922م) وصلي عليه بالمسجد الأعظم، ثم حمل على ظهر سيارة خاصة إلى فاس حيث مرقده الأخير رحمه الله.


(1) - توفي محمد بن محمد الرافعي البوعزيزي الأزموري يوم الجمعة 14 رجب عام 1360 هـ (8 غشت 1941 م)
(2) - أشبع الكلام على هذه المقالة الشيخ مرتضى في شرحه على الإحياء بما يزيد على 61 صفحة، كما تكلم عليها صاحب الذهب الإبريز، وأشار إليها الشيخ الطيب ابن كيران عند قول المرشد : وجائزا ما قبل الأمرين، وقد لمح إليها الملك المعظم الحسن الثاني أيده الله في كلمته الارتجالية التي ألقاها في جمهرة العلماء الذين وفدوا على المغرب من مختلف الأقطار الإسلامية للمشاركة في المهرجان الديني الذي أقيم بمناسبة "ذكرى مرور 14 قرنا على نزول القرءان الكريم"، لمح إليها مشيرا إلى أنه لا ينبغي التأثر بها والجري على ما تحمله من مفاهيم.
(3) - والكتاب مخطوط، توجد منه نسخة بخزانة الأستاذ الجليل السيد علال الفاسي..
(4) - طبع طبعة حجرية (فاسية)، يوجد بخزانة الكاتب.
(5) ) - إذ نظم المولى عبد الحفيظ جيشا قويا شتت جموع الثائر أبي حمارة وذلك عشية يوم الأحد 5 شعبان عام 1327 هـ (20 غشت 1909م) وأدخل إلى فاس في قفص من حديد.
(6) - المشتعلة سنة 1914م.

* دعوة الحق
العددان 108 و109



الادب المغربي.jpg
 
أعلى