مقابلة حوار مع فكري داود، الفائز بجائزة’’اتحاد كتاب مصر‘‘ الخاصة بالقصة القصيرة2016

حوار
فكري داود
أجرى الحوار/السيد شليل

***

-/ حدثنا عن بداياتك، ومنابعك الأولى بإيجاز.

* بدأت صغيرا جدا بقراءة مجلات الأطفال ( سمير، مكي، وغيرها ) ـ وقصص الأطفال، عن طريق بائع الجرائد، كما عشت طفولة ثرية، بكل عوالم الصغار من (عفرتة) وصراعات صغيرة،... في الابتدائية، أسرني معلم اللغة العربية، إذ كان يشرح الدرس، وعندما نكون ملتزمين يكافئنا بقص قصة من ألف ليلة وليلة، ويعدنا بإخرى، إذا أنجزنا واجب البيت، فكنا نتفانى في إنجازه، ونظل طوال الليل في اتتظار الصباح، لنذهب إلى المدرسة ونستمع إلى حكايا المعلم.... ولا أنسى طبعا حكايات جدتيَّ لآمي ولأبي، وجدي لأمي، إذ لم أر جدي لأبي الذي توفي قبل مولدي.

وبالإعدادية اقتنيت، نسخة منقحة من ’’ألف ليلة وليلة‘‘، ثم توالت النسخ، حتى اقتنيت نسخة أصلية، ولا تسلني عن تأثيرها في مسيرتي القرائية، ثم الكتابية بعد ذلك.
تلى ذلك العديد من الكتب، مثل قصص القرآن، وكليلة ودمنة، وحكايات إيسوب للناشئين، وقصة حي بن يقظان ـ وكنت قد حفظت معظم القرآن الكريم بالكُتَّاب، قبل وأثناء الدراسة الابتدائية، فاستقامت أذني وحسنت لغتي، وكان ذلك مدعاة، لأن أتخصص في اللغة العربية في دراستي الجامعية لاحقا.ثم جاء دور طه حسين والعقاد والحكيم، وغيرهم، مع كم من الدواوين الشعرية، والمسرحيات المصرية والمترجمة.ثم كتابات جيل الستينيات ـ كما يقال ـ وانفتحت أمامي عوالم الأدب العالمي قبل العربي.


-/ كيف بدأت رحلة الكتابة؟

من القراءة تولدت الكتابة:إذا كنت أقرأ قصصا تنتهي بموت البطل الخير، ويعيش البطل الشرير، فكنت أحزن جدا، حتى اهتديت لحيلة أراحتني مؤقتا، وهي أنني كنت أحضر ورقة وأعيد كتابة نهاية القصة بما يروق لي، فأميت الشرير وأحي الخيّير، وأضع الورقة مع القصة.....
ثم بدأت أكتب قصصا كاملة لنفسي . ..، وهكذا



-/ ماذا عن فوزك في مسابقة كتاب اليوم الأدبي في الرواية، حدثنا عن أجواء البمسابقة وكيفية التكريم؟

*قدمت روايتي ( المتعاقدون) بالصدفة، إلى مسابقة ’’كتاب اليوم الأدبي‘‘، وفازت الرواية، وأقامت دار أخبار اليوم حفلا كبيرا بدار الأوبرا، وحصلت على شهادة تقدير ودرع أخبار اليوم وميدالية قيمة عليها شعار أخبار اليوم، وجائزة مالية، علاوة على طباعة الرواية في سلسلة ’’كتاب اليوم‘‘ العريقة,


-/ كيف نشرت قصصك الأولى، وأين؟ وما أهم النقاد الذين تناولوا أعمالك بالدراسة؟

* عن طريق البريد فقط، مظروف صغير بطابع بريد، ونشرت في كل المجلات والدوريات الأدبية بلا استثناء بهذا الشكل، بدأت بجريدة العمال، وانتهيت بأخبار الأدب، والهلال، والأهرام، حتى خارج مصر كالأسبوع الأدبي السورية واليوم السعودية، والشاهد القبرصية، ونزوى الإماراتية، ومجلة الثقافة الجزائرية، والحرمل السورية، وغيرها.

ـ كثيرون هم من تناول أعمالي بالدراسة، أذكر منهم دون قصد للترتيب، الأساتذة الكبار: علاء الديب، محمد جبريل، محمد محمود عبد الرازق، بهاء جاهين، فؤاد حجاج، ربيع السبروت،فؤاد حجازي، سيد الوكيل، فريد معوض، سمير الفيل، جمال سعد، إبراهيم جاد الله، خيري عبد الجواد، سمير عبد الفتاح، سمير درويش، د.محمد إبراهيم طه، د.محمد طلبة الغريب، مجدي جعفر، د. حسين علي محمد،…وآخرين.

-/ لماذا اتجهت إلى الرواية؟

*الرواية هي التي اتجهت إليَّ، فأنت تعلم ـ كما أعتقد ـ ، أن كل نص يفرض على الكاتب المحنك التقنية المناسبة لكتابته، وكذلك يخلق لغته، دون أن تغيب الرؤية عن الكاتب، فهي حق أصيل وجوهري، لايصح النص بدونه، وعليه ، فاتساع الأفق واتساع التجربة، قاداني إلى كتابة أوسع، تحتوي عوالم متداخلة، وشخوصا متعددة، تجمع رؤى متسقة أومتباينة، تنتهي في النهاية بتكريس وجهة نظر الكاتب حيال المجتمع، و الحياة، و...

ولعل تجربة السفر إلى السعودية ألحت علي كثيرا، ولم تكتف بمجموعة (صغير في شبك الغنم) القصصية، فأنتجت رواية ’’طيف صغير مراوغ‘‘ ـ نشرتها الهيئة العامة للكتاب ـ، و’’المتعاقدون‘‘ ـ بسلسلة كتاب اليوم الأدبي ـ، و’’وعام جبلي جديد‘‘ عن مكتبة الإسراء بالمنصورة، ثم ’’وقائع جبلية‘‘ عن هيئة قصور الثقافة،واكتفيت مؤقتا، لأعود إلى عوالم قريتي، بروايتين تحت الطبع:’’الخروج الكبير‘‘ و’’الشوك والياسمين‘‘.

-/أنت ابن قرية السوالم فهل استحضرت عوالم القرية في أعمالك؟

* بالطبع، فعوالمها تعد منبعا رئيسا لي، فيها تبادلتْ عليَّ كلُّ ما يمكن أن يخطر على البال، من التجارب الإنسانية، الذاتية أوالعامة،... وقريتي السوالم تعتبر تلخيصا لكل تاريخ مصر، من أول السخرة والإقطاع، وحتى اليوم حيث سيطرة الاقتصاد الحر، والانقلاب اللامحدود للهرم الاجتماعي، وتعدد الاتجاهات الفكرية. ومن ثمرة ذلك مجموعتي الأولى ’’ الحاجز البشري‘‘، ومجموعة ’’العزومة‘‘ صدرتا عن هيئة قصور الثقافة، ثم مجموعة ’’دهس الطين‘‘ الصادرة عن اتحاد كتاب مصر. أوشك أن أنتهي من مجموعتين بعنوانين مؤقتين (السوالمية) و( رائحة الفقد)، ورواية بعنوان مؤقت أيضا هو ( الخروج الكبير).

-/ ماذا تمثل لك مجموعة ’’دهس الطين‘‘ آخر إصداراتك القصصية، خصوصا بعد فوزها بجائزة خاصة في القصة القصيرة، بمسابقة اتحاد كتاب مصر الأخيرة؟

*تمثل مرحلة جديدة من النضج والتكثيف، والوصول إلى الرؤية من أقصر الطرق، وأكثرها إمتاعا...، وقد سعدت بفوزها بمسابقة الاتحاد، بصرف النظر عن التكريم الكبير، وميدالية الاتحاد وشهادة التقدير، وحتى الجائزة المالية.

-/ دائما ما تردد بأن السرد بدمياط، يحتل مكانة راقية، بالنسبة للسرد المصري والعربي، لماذا؟

* هذا صحيح، فباختصار شديد، برغم ضيق مساحة دمياط جغرافيا، إلا أن كل سارد بها يختلف جوهريا عن غيره، فلا توجد ظاهر الناسخ والنسوخ، كما أن للسرد سلاسل متجايلة لم تفتر في وقت من الأوقات، علاوة على عبد الفتاح الجمل، وصبري موسى، ومصطفى مشرفة، وصلاح عبد السيد، ومجدي الجلاد، وعزة بدر، الذين رحلوا إلى القاهرة، سأكتفي بذكر بعض من ظلوا بالمحافظة دون أن تخطف القاهرة عيونهم، مثل مصطفى الأسمر، ويوسف القط، ومحسن يونس، وسمير الفيل، وحسين البلتاجي، وأحمد زغلول الشيطي...، ثم حلمي ياسين وفكري داود، ومحمد مختار، ومحمد شمخ، وأشرف الخريبي، وصلاح مصباح، وأشرف أمين، والسيد شليل...، ثم هشام الخميسي، والدسوقي البدحي، وناهد ضرغام، وهدى توفيق، وأشرف الخضري ودلفين العدوي، وإنجي مطاوع، ..وغيرهم.

-/ نعلم أن ابنتك سارة – رحمة الله عليها – كانت تكتب القصة، هل كنت تتدخل في أعمالها، أم تتركها لتجربتها؟ ولماذا لم تكتب قصتها حتى الآن؟

*بل كنت أتركها لكتابتها، ربما ألقي عليها سؤالا بعد قصة كتبتها، فيحتويها التفكير، وتعيد صياغة رؤيتها أو تتمسك بما كتبته، وربما تستشيرني في بعض الكلمات نحويا، رغم حبها لقواعد اللغة...، وهي لها مجموعة للأطفال، نشرت – للأسف بعد موتها - في سلسلة ’’كتاب قطر‘‘ الندى بهيئة قصور الثقافة، كتبت قصصها وهي الثانية عشرة من عمرها، وتوفت في السابعة عشرة. لم أستطع كتابة قصتها، وأظنني لن أستطيع.

-/ معروف عنك أنك قاريء نهم، فأي المدارس الأدبية تقع فيها دائرة قراءتك؟
وما الأسماء التي التفت إليها عربيا وعالميا؟

*كل المدارس تقريبا، قرأت الأدب الروسي مبكرا، وكذلك الأمريكي لاسيما أدب أمريكا اللاتينية، وكثيرا من أوربا، والفرنسي والإنجليزي، والإيطالي، والعربي أيضا...

والأسماء عسيرة الحصر.

-/ كيف ترى المشهد الثقافي المصري في عموميته؟

*أراه يعج بالتخبط والعشوائية، وتحكمه المعارف والشللية، وأراه يوشك أن يتوارى خلف التلوث السمعي والبصري الكائن، فالقائمون على الثقافة ـ غالبا ـ لاتحكمهم سوى عقلية الموظف المرتبك، محدود الرؤية، قحل المعرفة.

-/ هل ترى حركة النقد مواكبة لحركة النشر، وكذلك حركة الترجمة؟

* أبدا، لاتزال حركة النقد قاصرة، غير قادر على التفريق، بين الجيد والرديء، والمسألة محكومة غالبا بالاجتهاد الانطباعي أوالفهلوي، أوالمُغْرِض...

كما أن القصور الشديد يطال أيضا حركة الترجمة، خصوصا من العربية إلى اللغات الأخرى.

-/ كيف ترى التجربة السردية العربية في الرواية. وهل لها خصوصية ما؟

*ربما ساعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الأدب، على التفات العالم إلى الأدب العربي ولو قليلا، حيث يعتبر مشروع نجيب محفوظ ـ من وجهة نظري ـ مشروعا فرديا، وعلى غراره برزت أسماء عربية، كالطاهر وطار، وواسيني الأعرج، والطيب صالح، وعبد الرحمن منيف، وفؤاد التكرلي، وإبراهيم صموئيل، وأحلام مستغانمي، إبراهيم الكوني، تبيل سليمان...و بعض جيل الستينيات بمصر، وغيرهم بالطبع.

-/ ماذا يحتاج أدبنا العربي ليصل إلى العالمية؟

باختصار شديد: أن ننجح أولا في كتابة أنفسنا ـ وأنا هنا أعني ماضينا وحاضرنا، منصهرا مع التجارب الهامة للشعوب الأخرى، ومع الوعي بحركة التاريخ، وبالتطور العلمي الحاصل. بحيث لا يبدو أدبا شاذا أو غريبا أو ساذجا، وفي الوقت ذاته لا يتخلى عن خصوصيات المكان والزمان ـ مكاننا وزماننا ـ ، وكذلك ثقافاتنا التي من أهم مكوناتها موروثنا التراثي والشعبي، والمعتقد القيمي الذي يسيِّر حياتنا كأمة ذات جذور حضارية،لها آمال وتطلعات مستقبلية.
ـ الاحتفاظ بخصوصية كل قطر ـ كإنسان وكقيمة وثروة قيمة نعمة هي وليست نقمة ، دون أن يفقدنا ذلك احترام الذوات الأخرى ، بما يكرس لمفهوم : الاختلاف لا يعني العداء ، وهذا ليس بالشيء اليسير حاليا .ـ ضرورة وجود الوسيط الأمين، ناقدا كان أومترجما.

-/ هل يمكن أن توجه كلمة للأقلام الشابة ، تضمنها خلاصة تجربتك؟

*أقول لهم: لاكتابة دون قراءة، ولانص دون رؤية، الأدب ليس ترفا أومدعاة للنرجسية، النص الكامل لم يُكتب بعد، ولو ظننت أنك كتبته أنك مت.


***




 
أعلى