نقد ديفيد إيبينباخ - الكاتب المتنقّل.. ت: مصطفى عبد ربه

أكتب هذه المقالة من داخل خزانة، لا أقول هذا مجازيا، مؤخرا انتقلت مع أسرتي إلى شقة صغيرة مكونة من غرفتين مريحتين، والمساحة الوحيدة التي نستطيع تخصيصها كمكتب بصورة حقيقية هي هذه الخزانة التي أنا بداخلها. إنها كبيرة، 5 أقدام في 5 أقدام، ولكنها خزانة رغم ذلك، فيها شماعات، وجدران بيضاء خالية، وقضيب لتعليق الملابس، لا تحوي نوافذ، ولا هوية، قد تبدو وكأنها خليّة، وهي كذلك قليلا، ولكنها حتى الآن تعمل بشكل جيد. ولكي أكون أمينا، أنا لست متفاجئا، كنت أعلم أنها ستكون على ما يرام، لقد تنقلت بقدر لا بأس به في سن الرشد، كل تنقلاتي علمتني شيئا واحدا، على الكاتب أن يكون مرنًا بشأن مكان عمله.

كمُدرس، كثيرا ما صادفت كتابا مبتدئين، قد يكونون أي شيء إلا أن يكونوا مرنين، قالوا لي أنهم لابدّ أن يكتبوا في زاوية معينة في مكتبة الجامعة، يحتاجون نوعا معينا من الموسيقى، فقط يستطيعون الكتابة بعد الثانية فجرا، فقط في صباحات الأحد، في مفكرة مصقولة الأوراق، فقط عندما يكونون بائسين جدا.. إلخ. هم عادة يعبرون بشكل إيجابي، لقد وجدت المكان المثالي للكتابة، أحب أن أكتب عندما ينام الجميع، ولكن عندما أسمعهم يتكلمون أقلق، ماذا سيحدث عندما يستخدم الخلوة شخصٌ آخر؟ عندما يملّون الموسيقى؟ عندما تسقط المفكرة في النهر وليس في المتجر المحلّي سوى المفكرة العادية الحلزونية التي تطلبها الكلية؟ ماذا سيحدث عندما تتغير ظروف حياتهم كما سيحدث حتما؟

والآن، هناك شيء يمكن أن يُقال عن الحالات المثالية، لقد كنت محظوظا كفاية عندما كتبت في جماعات الفنانين (جماعة مكدويل) ومركز فيرمونت استوديو، بالتأكيد لقد لاحظت كيف أنه من السهل جدا أن تكون منتجا عندما تكون لديك مساحتك الخاصة للإبداع، عندما تكون محاطا بالكتاب والفنانين الذين يقومون بأعمالهم. عندما تكون طيلة اليوم بدون مسئوليات بالإضافة الى الكتابة، عندما يطهو لك أحد طعامك ويغسل أطباقك، بدون شك أنا أنصح بملاحقة هذه الفرص إذا استطعت، ولكن هذه الفرص قصيرة المدى، تستمر عادة لأسبوعين أو لشهر، وليست خيارا لمعظم الناس طوال العام على مدار حياتهم الكتابية.

حتى لو كنت تعدّ لتأسيس شيء ما عظيم للغاية في بيتك، تستطيع أن تحافظ على غرفتك لطيفة على مدار السنة، وأن تحيط نفسك بأشيائك المفضلة، وجزء من الوقت قبل العشاء، تستطيع أن تكون متأكدا للغاية من أنك تستطيع التعامل مع التغيرات المهمة في بعض المراحل، قد تنتقل، أو قد تجد نفسك مضغوطا لعمل شيء آخر في مساحتك، أو تواجه تحولات في جدولك أو مسئولياتك، أو أي قدر من الأشياء الأخرى. أو قد تجد أنه من الصعب تأسيس شيء عظيم في المكان الأول. وعلاوة على ذلك قد تواجه اضطرابات أو مجرد ما هو أقل من توقعاتك، ماذا ستفعل؟

عندما تتغير أحوالي، تتغير عادات كتابتي بالضرورة، كشخص وحيد، أكتب في وقت متأخر من الليل، ولكن عمل ذلك كشخص متزوج معناه أن أذهب إلى السرير في موعد مختلف عن ميعاد زوجتي، قبل أن أكون أبا، كنت معتادا على الاستقرار، وقت الكتابة متواصل، والآن أنا أنتهز أي مقدار عشوائي من الوقت يأتي في طريقي. الحديث عن وظائف جديدة يعني جداول جديدة وضغوط عمل جديدة. وقبل انتقالنا الأخير، كان لدي مكتب كبير لنفسي، والآن ليس لديّ هذا النوع من المساحة، فقط، من خلال كل هذه التغيرات حرصت على ايجاد وسيلة للحفاظ على العمل.

بعد كل شيء – كما أقول دائما لطلابي – هناك سر واحد كي تكون كاتبا: عليك فقط أن تكتب، فكّر فيها: “كاتب” تلك صيغة الاسم من فعل ” يكتب”، إذن نحن محددون في هذا الشأن، ليس من هويتنا بل من خلال ما نفعله، ولو توقفنا عن القيام بهذا لأن الظرف غير مثالي فنحن في مشكلة.

لحسن الحظ، كما اكتشفت، أن الكتابة ممكنة في جميع الأحوال، منذ عدة أعوام، المكان الذي كنت أدعوه مكتبي، كان متنوعا، ركن غرفة النوم، أو غرفة المعيشة، أو غرفة الطعام، غرفة عادية في حد ذاته، دور سفلي، أو حتى جوار المقهى، لقد كتبت أيضا في المغاسل، في ممرات المستشفى، والمكتبات، في القطارات، محطات الحافلة، في مقعد الراكب أثناء تجمع السيارات للعمل، على مقاعد الحديقة، وعلى سقالة وصديقي يرسم، في أماكن مألوفة وأخرى لم أزرها من قبل، كتبت عندما كنت سعيدا وحزينا وعندما كنت ضجرا من ذهني، فعلتها عندما كنت أعمل من التاسعة حتى الخامسة، أحيانا لا أعمل كثيرا، وأحيانا ألتزم بالجدول بحذافيره، كتبت متأخرا في الليل، وباكرا في الصباح، وفي أي وقت آخر من اليوم كذلك، والرسالة التي أريد توصيلها، أنني يمكن أن أشير إلى العديد والعديد من القطع الاستثنائية في الكتابة، لم تكن لتخرج لو لم أكن مرنا بهذه الطرق وأكثر.

بالطبع، أن تقول أنك مرن فهذا شيء، وشيء آخر أن تكون مرنا في الحقيقة، كيف يتم ذلك؟

لو كانت القضية هي التغيير، بدون شك فقدان الألفة أو التنبؤ سيكون عسيرا، لو كنت معتادا على الكتابة تحت شروط معينة، مصادر إلهامك قد لا تستطيع الظهور عندما تكون الحالات مختلفة. لهذا السبب، يمكن أن يكون مفيدا جلب بعض الألفة والروتين لبيئتك الجديدة، ربما هناك صورة علقت برأسك من مكان عملك القديم، يمكن صنعها في مكان عملك الجديد. موسيقاك المعتادة ربما تأتي معك عبر سماعات الأذن، في مترو الأنفاق، حتى تتمكن من الكتابة على عجل بين المحطات، قد يكون هناك طقوس ما قبل الكتابة، تمارين رياضية، أو قهوة، أو قرابين تقدم للآلهة، هذا يمكن تكراره بغض النظر عن مكان وجودك، كل هذه الأشياء هي نوع من اشارة للإلهام، أو – الأفضل من ذلك – تغيير اشعار العنوان، ستقوم بتحديث الالهام، حسب مكان سير أعمالك، في ذلك اليوم بحيث تكون متأكدا من أنك ستقابله.

أيضا تستطيع أن تحاول خلق ليس المألوف فقط، ولكن شيئا يشبه المثل الأعلى، ما هي الملامح التي تجعل مكان الكتابة أو وقت الكتابة منتجا بشكل استثنائي بالنسبة إليك؟ لو كنت تحب الأشياء هادئة وصافية فمن المنطقي البحث عن أكثر الأماكن هدوءً وصفاءً، أو إحداث بعض الضوضاء البيضاء في المكان الذي حصلت عليه، اذا كنت تعمل أفضل عندما يكون الجميع نائمين والليل لم يعد متاحا، جرب الصباح الباكر، اذا كنت تزدهر وسط الضجيج والحركة، قد تحتاج الى الخروج من المنزل. لو كانت المسألة عملا روتينيا، دعهم ينزلقون عندما تريد أن تكتب، او اترك المنزل كي تبتعد عنهم، لو أنهم ذاهبون لمجرد التأثير على عقلك حتى الانتهاء من ذلك، قم بها سريعا قبل أن تجلس على مكتبك (أو في أي مكان). النقطة هي أنك لو كنت تفكر كثيرا فيما يساعدك لتكتب، ربما تكون قادرا في النهاية على تحقيق ما لا يقل كثيرا عن الوضع المثالي.

وفي الوقت نفسه، يجب أن يضع الكتاب قليلا من الجهد النشط في احتضان أي تغيرات يواجهونها، فهذا جيد للعمل. شيء واحد لطيف عن تغيرات الظروف هو تغيير المشهد (الوقت، المزاج، وما إلى ذلك) يمكن أن تثري المحتوى بالفائدة، وأن تكون شكلا من أشكال كتابة الشخص، في حين أن الروتين الثابت يجعل عملك ثابتا أيضا. إذا كنت تكتب دائما والآخرون نيام، على سبيل المثال، ربما ستجد أن عملك ينتهي دائما بعرض الأصوات ليلا والأحاسيس والمشاعر، ليس هناك ما يضير في الليل، لكنني لا أريد أن أكون محدودا به، المواقف الجديدة – على جانب آخر – يمكنها أن تحضر تشبيهات جديدة، خلفيات، أفكار، والمزيد. إيقاع حركة القطار، يمكنه أن يظهر في شعرك. غسيلك للملابس يعطيك مجموعة مختلفة تماما من المدخلات الحسيّة، أكثر مما يفعله المقهى، الكتابة من الغضب بالتأكيد تعطيك نتائج مختلفة عن الكتابة من الهدوء.
أي شيء جديد أو غير معتاد فرصة لتظهر بشكل مثمر في العمل.

وما هو البديل؟ لو رفضنا الكتابة دون أي شيء سوى الكمال، أو الظروف المألوفة الكاملة، ما أقترحه، أننا يجب ألا نكون عبيدا لما نعده ظروفا مثالية، وبدلا من ذلك، يجب أن نصمد تحقيقا لهذا الهدف: السعي، ليس من أجل الأوضاع الجامدة، ولكن من أجل أن نكون كتابا يستطيعون انجاز أعمالهم عندما يكون الوضع جديدا، غير مألوف أو غير ملائم. بطريقة أخرى، يجب أن نسعى كي نكون كتابا متنقلين، كتاب يمكنك أن تأخذهم إلى أي مكان
 
أعلى